تعذّر رؤية هلال المرتبات في سماء الهدنة

حديث صرفها يحبس أنفاس الموظفين
جميل الجعـدبي
November 5, 2022

تعذّر رؤية هلال المرتبات في سماء الهدنة

حديث صرفها يحبس أنفاس الموظفين
جميل الجعـدبي
November 5, 2022

كغيره من الموظفين المدنيين المنقطعة مرتباتهم منذ سبتمبر/ أيلول 2016، يترقب محمد راشد -الموظف بوزارة الثقافة- على أحرّ من الجمر، أخبارَ مفاوضات الهدنة في جولتها التمديدية الافتراضية الثالثة، والتي تكاد تكمل شهرها الأول في حالة من الضبابية وانعدام الرؤية.

الهدنة التي كان مفترضًا تجديدها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، لنحو 6 أشهر إضافية، وفقًا لمقترح المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، تضمن مقترحها للمرة الأولى؛ "دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية"، ما أثار شجون وآمال نحو 1.2 مليون من موظفي الدولة، ورفع سقف آمالهم بما يمكن تسميته ظهور هلال الراتب، بعد 6 سنوات من الغياب.

قاوم الموظف محمد راشد، خلال السنوات الثلاث الأولى منذ توقف صرف الراتب، متطلبات حياة أسرته المكونة من خمسة أشخاص، بخفض حجم النفقات الأسرية، كما لجأ إلى استخدام بدائل أخرى لتغطية العجز، منها نقل أطفاله الثلاثة من مدارس خاصة إلى حكومية، وترشيد استهلاك سيارته من الوقود إلى أدنى مستوى.

لم تستقر حياة هذا الموظف على هذا النمط، فإطالة أمد أزمة المرتبات، دفع راشد إلى اقتحام مجال قيادة سيارات الأجرة، وتحديدًا باصات النقل الجماعي، ببيع ما تبقّى من مجوهرات زوجته، وشراء باص (7 ركاب)، يجوب به شوارع صنعاء، متقصّيًا بتلهّف واهتمام، أخبارَ المرتبات في ثنايا أحاديث ركاب الباص عن المفاوضات والهدنة المرتقبة.

تسديد الديون

أثارت أحاديث إمكانية صرف مرتبات موظفي الدولة منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022، شجون المهندس ياسين عبدالواحد، الموظف بوزارة الكهرباء والطاقة في العاصمة صنعاء، والذي اضطر للعمل بأجر زهيد -حسب تعبيره- مع شركة كهرباء خاصة، يعتقد ياسين أنّها تستغل حاجتهم للعمل، ولا تفي بحقوقهم الافتراضية من الرعاية والتأمين الصحي وبدل المواصلات والدوام الإضافي.

تقتضي الضرورة، بحسب الحداد، حلحلة هذا الملف وتجاوز عقبة أزمة الثقة والمكابرة بين أطراف الصراع، والتوافق على صرف مرتبات الموظفين بشكل كامل، وفقَ كشوفات عام 2014، وذلك لإنهاء معاناة هذه الشريحة التي تعدّ أحد أهمّ مقومات الدولة، والتي تعاني من آثار إنسانية صعبة جراء توقف مصدر دخلها الوحيد.

"ننتظر بفارغ الصبر صرف رواتب الموظفين لتسديد الديون أوّلًا"، هكذا يرتّب المهندس ياسين أولوياته على وقع أنباء صرف الرواتب، معبّرًا في حديثه لـ"خيوط"، عن أمله في تحلّي أطراف النزاع بقدر من الإنسانية والإحساس بالمسؤولية، لإدراك معاناة شريحة الموظفين جراء توقف صرف مرتباتهم، وأنّ عليهم استشعار احتياج أطفالهم للغذاء والدواء والتعليم.

اتهامات متبادلة 

مقابل دوران عجلة المفاوضات المباشرة، جاء التصعيد الميداني والسياسي المتبادل أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، مهدّدًا بنسف جهود تمديد وتوسيع نطاق الهدنة، وذلك بإعلان سلطة صنعاء؛ جماعة أنصار الله (الحوثيين) تنفيذها ما وصفته بـ"ضربة تحذيرية لمنع سفينة كانت تحاول نهب النفط الخام عبر ميناء الضبة، بمحافظة حضرموت".

ليأتي التصعيد المقابل بإعلان مجلس القيادة الرئاسي في عدن، عن تصنيفه جماعة أنصار الله (الحوثيين) "منظمة إرهابية"، حسب القرار رقم (1) لمجلس الدفاع الوطني.

التصعيد الميداني والسياسي الأخير والاتهامات والتهديدات المتبادلة، توحي جميعها بحجم تعقيدات قضية المرتبات، وارتباطها الوثيق بأي تصعيد أو تهدئة في الملف العسكري والاقتصادي والسياسي، الأمر الذي حذّر منه المبعوث الأممي إلى اليمن مبكرًا، حينما "دعا الأطراف إلى الحفاظ على الهدوء، والامتناع عن أيّ شكل من أشكال الاستفزازات أو الأعمال التي قد تؤدّي إلى تصعيد العنف".

بدائل اضطرارية

تحبس لمياء عبدالله، الموظفة بقطاع التربية والتعليم، أنفاسها على وقع أنباء مفاوضات طرفي الصراع وتصريحات المبعوث الأممي، آمِلةً استئناف صرف مرتبات موظفي الدولة كحقٍّ دستوري مكفول لهم.

تقول هذه الموظفة لـ"خيوط"، إنّها تواجه حربًا شرسة لتأمين أبسط احتياجات أسرتها المعيشية، منذ توقف صرف المرتبات، مشيرةً إلى اضطرارها للعمل أوقات إضافية في معملٍ للخياطة بالقطعة، مقابل أجور زهيدة تكاد تبقيها وأطفالها على قيد الحياة.

داعيةً مَن وصفتهم بـ"تجار الحروب والأزمات" إلى تقديم التنازلات لبعضهم البعض، والتخلي عن الأنانية والمكابرة، فهي ترى أن لا أحد منتصر في مثل هذه الحروب، وأنّ الانتصار الحقيقي هو الإحساس بمعاناة الناس، وخاصة شريحة الموظفين.

قضايا الخلاف 

تعليقًا على مسار المفاوضات، وتأخُّر إعلان الهدنة المرتقبة، يعتقد الباحث الاقتصادي، رشيد الحداد، بوجود قضايا خلافية حول ملف صرف المرتبات، مشيرًا إلى أنّ مطالب صنعاء بصرف مرتبات موظفي الدولة، اصطدمت بتفسير خاطئ اعتبر ربط صرف المرتبات بعائدات النفط الخام فرض شراكة في الثروة، وهو تأويل بعيد عن الواقع، وَفق تعبيره.

ويرى الحداد، في حديثه لـ"خيوط"، أنّه كان على الحكومة المعترف بها دوليًّا كسلطة شرعية، الموافقةَ على صرف المرتبات دون تحديد مصادر تمويل بند المرتبات، وأن تقدِّم نفسها كممثل للدولة، خاصة أنّ معظم الموارد العامة تحت سيطرتها.

وينوّه إلى أنّ مبررات نقل البنك من صنعاء، والطباعة النقدية دون غطاء "استند إلى حاجة الدولة للسيولة لصرف رواتب الموظفين، وهو ما لم يتم الالتزام به، إذ تحول هذا الحق إلى قضية خلافية، ليتم التنصل عن الوفاء بأي التزامات تجاه الموظفين المدنيين".

وتقتضي الضرورة، بحسب الحداد، حلحلة هذا الملف وتجاوز عقبة أزمة الثقة والمكابرة بين أطراف الصراع والتوافق على صرف مرتبات الموظفين بشكل كامل، وفقَ كشوفات عام 2014، وذلك لإنهاء معاناة هذه الشريحة التي تعدّ أحد أهم مقومات الدولة، والتي تعاني من آثار إنسانية صعبة جراء توقف مصدر دخلها الوحيد. 

يكاد الشهر الأول من عمر مفاوضات صرف رواتب الموظفين المدنيين ينقضي دونما بوادر انفراجة مأمولة، ووسط ترقب مئات الآلاف من الموظفين، وتبادل اتهامات طرفي النزاع، يرى اقتصاديون وحقوقيّون أنّ صرف مرتبات موظفي الدولة لا يحتاج كل هذا الجدل وماراثون المفاوضات، خاصة أنّ آلية الصرف المعتمدة وفقَ كشوفات 2014، كانت قبل تفاقم الصراع، مؤكِّدين على أحقية الموظفين المدنيين في ذلك كقضية حقوقية إنسانية يجب ألّا يتم إخضاعها للمساومة أو التدويل.

•••
جميل الجعـدبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English