"شكلية المحتوى".. هناك ما يستحق الغربلة

معضلة مزمنة لوسائل التواصل الاجتماعي في اليمن
محمد علي محروس
August 1, 2022

"شكلية المحتوى".. هناك ما يستحق الغربلة

معضلة مزمنة لوسائل التواصل الاجتماعي في اليمن
محمد علي محروس
August 1, 2022

تستمر حالة التجاذبات المحلية على وقع الأزمة التي تعيشها اليمن منذ اندلاع الحرب في نهاية مارس/ آذار 2015، نتيجة سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على صنعاء أواخر سبتمبر/ أيلول 2014، وإعلان السعودية تحالفًا عسكريًّا عربيًّا لاستعادة ما أسمتها الشرعية الدستورية، لتبقى حالة الصراع مستمرةً للعام الثامن تواليًا، وسط ترقّبٍ محلي، ومحاولاتٍ إقليمية ودولية لتثبيت الهدنة الإنسانية المعلنة من الأمم المتحدة في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي.

الوضع السائد على مستوى المواجهات العسكرية في البلاد، لا يختلف كثيرًا في وسائل التواصل الاجتماعي، فاستنساخ الأحداث، ومحاولة تجييش الناس، وتناقض المحتوى المنتج مع المجريات الإنسانية، واحتياج الشباب، يجعل من التطرق لهذا الموضوع حاجة ضرورية لبلد فيه من القيم التشاركية والتقاليد الشعبية الجمعية ما يخفف من وطأة الأحداث لا ما يزيدها اشتعالًا.

حملة مقاطعة

في 17 تموز/ يوليو الجاري، تحوّلت إحدى حلقات البرنامج الكوميدي "المشير جدًّا" لليوتيوبر زكريا الربع، التي عنونها بـ"سماجة المفتي"، إلى حملة مقاطعة واسعة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي لقناة اليوتيوبر مصطفى المومري، بسبب عرض الربع عيّناتٍ من حلقات المومري وهو يتحدث في مختلف القضايا بشكلٍ سطحي غير مفهوم، ومهاجمته للمرأة اليمنية، وتناقض محتواه من حلقةٍ لأخرى، إضافة إلى اعتماده في حديثه على السب والشتم وإثارة الجدل، بحسب ما تناوله الربع، بينما كان ردّ المومري بفيديو كال فيه الشتائم لمن يقودون حملة إلغاء متابعة قناته. 

الحملة التي أطلقت كردّة فعل مواكبة لحلقة الربع كانت فيها وسوم تدعو لمقاطعة قناة المومري التي تعد ثالث أكبر قناة يمنية في يوتيوب من حيث عدد المشتركين وساعات المشاهدة، وفق التقرير السنوي اليمن على الإنترنت 2021 الصادر من Icon Digital Agency.

يتوجه اليوم عدد من صناع المحتوى في اليمن لإنتاج ما هو مفيد، وتظل هذه المحاولات ذاتية، عدا بعض الإنتاجات المؤسسية المرتبطة بمشاريع تهدف إلى تعزيز النسيج المجتمعي، وإحياء القيم التعايُشية بين اليمنيين، وهذا محورٌ للتحوّل يُبنى عليه اجتماعيًّا للوصول إلى فئة الشباب بدرجة رئيسية؛ باعتبارها الأكثر استخدامًا للإنترنت في اليمن

وسم #مكافحة_التفاهة كان واحدًا من الوسوم المرتبطة بالحملة التي شملت آراء عينة من الناس في صنعاء، وعلى مدى ثلاثة أيام استمر النشر في مسار توجيه الرأي العام لعدم الانجرار خلف ما اعتبروه المحتوى غير الملائم والمسيء للشخصية اليمنية. من بين المؤيدين لفكرة مواجهة مثل هكذا محتوى، سماح العمراني، ممثلة وإعلامية، إذ ظهرت في بث مباشر على حسابها الشخصي بفيسبوك وسط تفاعل كبير وصل إلى 23 ألف مشاهدة، العمراني قالت إنّها تعرضت لمواقف سلبية في دول عربية عدة بسبب ربط من يشاهدون فيديوهات المومري في تلك الدول بالشخصية اليمنية، بما في ذلك استخدام كلماتٍ بذيئة في الخطاب باللهجة اليمنية، كما حدث معها في الأردن.

لا تتفق بشرى الجرادي (25 سنة)، مذيعة، مع الحملة، في حديث لـ"خيوط"؛ تقول: "ليس دفاعًا عن المومري، فأنا لا أتابعه، ولا أقبل بمثل هكذا محتوى، ولكن حتى لا نكون سببًا في وصول الناس إلى قناته؛ فضولًا لمعرفة ما فيها، وبذلك تزيد مشاهداته وعدد متابعيه، خصوصًا أنّ هناك من لا يستطيع وضع اعتبار لنوع وقيمة المحتوى المنشور".

محتوى يعكس الواقع 

توصل التقرير السنوي: اليمن على الإنترنت 2021، إلى إنّ عدد مستخدمي الإنترنت في اليمن تجاوز ثمانية ملايين ومئتي ألف مستخدم حتى نهاية عام 2021، بزيادة 1.7% عن عام 2020، ويمثل هذا العدد نحو 27% من إجمالي سكان اليمن، يستخدم حوالي 11% من السكان شبكات التواصل الاجتماعي، ويحتل (فيسبوك) الصدارة بأكثر من 3 ملايين و500 ألف مستخدم، ويأتي (واتساب) أولًا على مستوى الاستخدام الأكثر، بينما يعد (تيك توك) الأكثر نموًّا من حيث عدد المستخدمين خلال العام ذاته.

بعيدًا عن مقارنة عدد المستخدمين بإجمالي السكان وربط ذلك بالوضع الذي تعيشه البلاد، فبشرى الجرادي تجد صعوبة في الوصول إلى محتوى يعني لها إضافة نوعية كشابة، تقول لـ"خيوط": "يجذبني إلى وسائل التواصل الاجتماعي المحتوى الهادف الذي لا يميل للسخرية أو التهكم أو الدعوة للكراهية ونشر الأفكار الخاطئة في أوساط المجتمع، وهذا لا يتوفر كثيرًا في المحتوى اليمني، فألجأ للقنوات السياحية أو ذات محتوى ثقافي، وغالبيتها ليست يمنية".

هناك تنوعٌ نسبي في محتوى وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية، ولكن الاختلافات السياسية هي الطاغية، والفكرية والأيديولوجية ونقد المذاهب، حتى البرامج المقدمة عبر قنوات اليوتيوب ما زالت في بدايتها، وفق ما يتابعه نشوان العثماني، مراسل إذاعة مونت كارلو في اليمن، يضيف لـ"خيوط": "ألاحظ طغيان المعارك الجدلية في هذه الشبكات، وهي بطبيعتها مثار عدم توافق في ظل تأويلات المؤيدين والمعارضين، ويربط العثماني بين ما تشهده وسائل التواصل من معارك جانبية، وبين صلة أطراف الصراع بتلك المعارك، حتى الحملات الإنسانية النبيلة تصل في بعض مراحلها إلى نشرٍ حسّاس يمسّ النسيج الاجتماعي الذي يمرّ بوضع معقّد بسبب الحرب الدائرة.

يضع العثماني في اعتباره مسألة عدم الحضور الكبير للمجتمع اليمني في وسائل التواصل الاجتماعي بفعل عدم وصول الإنترنت إلى كافة أرجاء البلاد، وهو ما يتسبب في إظهار المحتوى الحالي بهذه التجاذبات التي يأمل أن تتحول إلى ردّة فعل عكسية ضد كل محاولات النيل من القواسم اليمنية المشتركة.

ليس ببعيد، يصف الدكتور فارس البيل، أكاديمي وباحث، هذا الزمن بأنّه مفتوح، تكسّرت فيه قواعد التعلم والأخذ والتلقي، وصارت الآلة هي المعلّم والمادّة، وكل شيء انفتح على بعضه.

ويرى الدكتور البيل في حديثه لـ"خيوط"، أنّ "من العسير التحدث عن ضوابط لما ينبغي وما لا ينبغي أن يُقدّم، فكلُّ شيء متاح، الجيد والرديء، ولكن توضع الأولوية لمحتوى يكون ملائمًا ومستجيبًا لحاجة الناس المعرفية، بمعنى ألَّا يكون مجرد مستجيب لرغبة الناس، فبعض حاجات الناس ليست أولوية، إنّما المحتوى هو من يصنع حاجتهم ويجرهم إلى الأهم فالمهم وهكذا".

محور التحوّل

يتوجه اليوم عدد من صناع المحتوى في اليمن لإنتاج ما هو مفيد، وتظل هذه المحاولات ذاتية، عدا بعض الإنتاجات المؤسسية المرتبطة بمشاريع تهدف إلى تعزيز النسيج المجتمعي، وإحياء القيم التعايشية بين اليمنيين، وهذا محورٌ للتحوّل يُبنى عليه اجتماعيًّا للوصول إلى فئة الشباب بدرجة رئيسية؛ باعتبارها الأكثر استخدامًا للإنترنت في اليمن، فالتقرير الصادر من Icon Digital Agency يرصد أنّ الفئة العمرية من (25 – 34) عامًا هي الأكثر استخدامًا، وهي المرحلة الشبابية الأبرز في العمر.

هناك ما يستحق الغربلة، ويُبنى عليه، للقابلية كمحتوى يمكن تقديمه للمجتمع، هذا ما يراه نشوان العثماني بخصوص واقع صناعة المحتوى في اليمن، ويضيف: "هناك شيءٌ ما يتبلور اليوم، من باب التحوّل، وسيخدم غدًا أشياء بتقديري لصالح نضال يجمع الكلّ من حيث المواطنة والحريات والقَبول بالآخر والنوع الاجتماعي، وحتى قضايا الشباب والمرأة".

أما الدكتور فارس البيل فوجّه نصيحته لصنّاع المحتوى عبر "خيوط"؛ كونه باحثًا وناقدًا مختصًّا: "في الحياة والتاريخ والتراث كثير من المواد المهمة، والغنية، فلا تقدّموا التافه والسطحي والرديء، بل قدّموا الجيد من الفكرة، والممتاز من المعنى، والبارع من الأداء، لا تنزعجوا من قلة اهتمام الناس بالمحتوى الجيد، لكن لا تقللوا من قيمة العمل"، والكلام هنا للدكتور البيل.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English