النساء الريفيات شريكات التنمية

قوانين تمييزية تجعل المرأة عرضة للعمل بدون أجر
بلقيس العبدلي
November 23, 2023

النساء الريفيات شريكات التنمية

قوانين تمييزية تجعل المرأة عرضة للعمل بدون أجر
بلقيس العبدلي
November 23, 2023
.

في حديث مع عدد من الصديقات، أخبرتنا بتول أنها تريد شراء "السمن البلدي" كهدية لإحدى قريباتها خارج اليمن، وعندما تواصلت مع إحدى النساء اللاتي يقمن بصناعته، اعتذرت لها عن عدم توفيره هذه المرة، وعندما سألناها: لماذا؟ قالت: "أخبرتني أنها باعت بقرتها الأم، وأن البقرة المتبقية لديها صغيرة، وصناعة السمن تعتمد على حليب البقرة بعد ولادتها".

تواصلنا مع أشخاص عدة للوصول إلى نساء ريفيات يقمن بصناعة السمن البلدي، وأخيرًا دلتنا والدة صديقة أخرى على الخالة سعادة، التي تصنع السمن البلدي من الزبدة الحيوانية الخالصة، وتبيع الكيلو والنصف منه بحوالي 50 دولارًا، وهو سعر مرتفع يحجم معه الكثير من الناس في اليمن عن شراء السمن البلدي، لكن الخالة سعادة تقول إن صناعته تأخذ منها الكثير من الوقت والجهد، فضلًا عن مهمة الاعتناء بالأبقار وإطعامهن، واستخراج الحليب منهن ثم استخلاص الزبدة منه، وكل تلك المهام تقوم بها بمفردها، لأنّ بناتها -كما تقول- لا يحبذن تعلم تلك المهارات التي يرينها تقليدية ومتعبة.

عمود الاقتصاد العائلي

وفقًا لموقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يعتمد ثلاثة من كل أربعة يمنيين على الزراعة والثروة الحيوانية من أجل بقائهم على قيد الحياة، ويقدر سكان المناطق الريفية في اليمن بنحو 75 في المئة من السكان، ويشكّل العاملون في القطاع الزراعي في اليمن 29,2 في المئة من عدد السكان، ومن بين 293 ألف امرأة تم توظيفهن قبل الحرب، كان حوالي نصفهن يعملن في الزراعة، لكن ومن ناحية أخرى لا تحصل سوى 6 في المائة من النساء على فرص عمل مدفوعة الأجر في اليمن، مما يعني أن ما يقرب من 94 في المئة من النساء الريفيات، يقمن بمهام زراعة الأراضي وحصادها وتربية المواشي وإنتاج المنتجات الزراعية والحيوانية المختلفة، إضافة الى أدوارهن في استصلاح الأراضي الزراعية وحراثتها في كثير من المناطق كجزء من مهامهن المنزلية اليومية، وتشير دراسة أجريت عام 2010 أن 76.9 في المئة من النساء اليمنيات خارج القوى العاملة غير نشيطات اقتصاديًّا لانخراطهن في أعمال منزلية، وتساهم النساء الريفيات في الاقتصاد العائلي إلا أنها مساهمة غير مقدرة نقديًّا، بالتالي لا تعد نشاطًا من الناحية الاقتصادية، ولا تنعكس في حساب الناتج المحلي، وحسب التقارير "بلغت الفجوة النوعية بين النساء والرجال في الاقتصاد العائلي بدون أجر مقابل 100 رجل 410 من النساء"، وعلى الرغم من الأدوار المتعددة للمرأة الريفية، فإن مساهمتها في مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية محدودة للغاية، مع أنّ العمالة غير مدفوعة الأجر تلعب دورًا هامًّا في الاقتصاد؛ لأنها تساهم في إنتاج السلع والخدمات التي تستهلكها الأسرة وتبيع جزءًا منها في السوق المحلية، بالإضافة إلى عدد من المهام المنزلية غير مدفوعة الأجر، مثل: الطهي والتنظيف ورعاية الأطفال، وللعمل المنزلي غير مدفوع الأجر قيمة اجتماعية غير محسوبة أيضًا، فقد ساهمت النساء الريفيات خلال مرحلة الحرب في دعم التماسك والصمود المجتمعي أمام كافة الظروف التي واجهتها الأسرة اليمنية، وحتى في مرحلة ما قبل الحرب، أجبرت هجرة الأيدي العاملة من الذكور إلى المدن أو إلى خارج البلاد، المرأةَ على تحمل مسؤوليات وأعباء العمل في المجال الزراعي والحيواني، إضافة إلى تحمل الأعباء المنزلية وتربية الأطفال، والقيام بمهام شاقة أخرى، مثل جلب المياه يدويًّا، وجمع الحطب، لدرجة أن تلك المناطق الريفية أصبحت تعتمد اعتمادًا كليًّا في معيشتها على المرأة، ووفقًا للأمم المتحدة، تساهم العمالة غير مدفوعة الأجر بحوالي 10% إلى 39% من الناتج المحلي الإجمالي لمختلف البلدان. 

من المهم التركيز على تشجيع الشابات على تأسيس المشاريع الزراعية والحيوانية الصغيرة والأصغر، والانخراط في مجالات جديدة لعمل النساء كمورِّدات ومقدِّمات خدمات زراعية وحيوانية، وفتح معامل صغيرة لتعليب وتغليف المنتجات ثم بيعها في السوق المحلية وتصديرها.

عوامل سلبية

يشغل القطاع الزراعي حوالي ثلث العمالة في اليمن، لكنه شهد اضطرار المزارعين والمزارعات إلى التخلي عن أراضيهم، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل؛ منها قرب بعض الأراضي الزراعية من مناطق خطوط النار، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود، والنقص المستمر في المواد الأولية الضرورية لإنتاج الأغذية، وآثار التغيرات المناخية كالأعاصير أو التصحر وغيرها، ووفقًا لإحصائيات نشرتها البوابة العربية للتنمية، "تضرر الإنتاج الزراعي بشكل كبير من جراء الصراع في اليمن، مع شح المياه ونقص الوقود، حيث انخفض حجم المساحات المزروعة في العام 2016، بمعدل 38 في المئة"، وقد أثّرت تلك العوامل على العاملِين والعاملات في القطاع الزراعي على حدٍّ سواء، بل ويعد تأثيرها مضاعفًا على النساء، نتيجة عملهنّ الذي يبقى من دون مقابل، تقول سمية: "سنة كاملة كنت أعتني ببقرتنا بعد وفاة والدتي، وعندما قرر والدي بيعها أعطى أخي نصف ثمنها، وأعطاني النصف، لكنه عاد وطلب مني إعطاءه لأخي عندما قرر السفر إلى المدينة". ويشكّل الزواج المبكر، والافتقار إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، وضعف مهارات النساء الريفيات، وشحة فرص تدريبيهن، وعدم قدرتهن على التواصل بالموردين المحليين ومقدمي الخدمات الزراعية؛ لكونهم غالبًا من الرجال، وعدم قدرتهن على الوصول للثروة الحيوانية والزراعية، وعدم قدرتهن على التصرف فيها أو حيازتها إلا بموافقة الرجال- عائقًا أمام تحويل واجبات النساء الريفيات اليومية إلى سبل عيش مستدامة.

خطوة في طريق الدعم 

تشير الأمم المتحدة إلى إمكانية زيادة الإنتاج الزراعي، وتقليل عدد الجياع بمقدار 100 إلى 150 مليون شخص، لو أُتيحت للنساء الريفيات نفس الفرص المتاحة للرجال في اكتساب الأصول الزراعية، والحصول على الخدمات التعليمية، والقدرة على دخول الأسواق"، وفي مجتمع مثل اليمن، يعد قطاع الزراعة قطاعًا مؤثرًا في حجم الناتج المحلي والاقتصاد الوطني ككل، وتتصدر النساء اليمنيات العمل في هذا القطاع، وهن اللاتي -وفق إحصائيات متعددة- تعاني المتعلمات منهن من الحرمان من فرص العمل، بينما تعمل النساء الريفيات طوال اليوم في مهام غير مدفوعة الأجر، بالتالي من المهم استثمار هذه المفارقة، للدفع بتحسين أدوار النساء في اليمن، وتمكينهن من قيادة التحول نحو التنمية المستدامة، بما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تقدير أعمالهن ومهامهن اليومية، سواء الرعائية منها أو الإنتاجية، والعمل على تحويلها إلى سبل عيش مستدامة. بالتالي، يتعين على منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية التوجه نحو تدريب المزارِعات على وسائل إنتاج حديثة لزيادة إنتاج وتصدير المنتجات الحيوانية والزراعية، وعلى رأسها تلك المنتجات التي تتفرد بها اليمن، كالعسل والقهوة مثلًا، والمنتجات التي تدخل في إنتاج مساحيق التجميل وتتفنن النساء اليمنيات في استخدامها بمكونات طبيعية كالسدر والكركم والحناء، والتي عليها طلب عالٍ في اليمن وكثير من الدول المجاورة.

كما أنّه من المهم التركيز على تشجيع الشابات، على تأسيس المشاريع الزراعية والحيوانية الصغيرة والأصغر، والانخراط في مجالات جديدة لعمل النساء كمورّدات ومقدّمات خدمات زراعية وحيوانية، وفتح معامل صغيرة لتعليب وتغليف المنتجات ثم بيعها في السوق المحلية وتصديرها.

أخيرًا، من المهم أن يدرك صنّاع السياسات قيمةَ الأعمال غير مدفوعة الأجر وأن يعملوا على ضمان إدراجها في مقاييس النشاط الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وزيادة الدعم والموارد للنساء اللواتي ينخرطن فيها، بما يضمن احتسابها في الناتج المحلي الإجمالي، وضرورة التصدي للقوانين والممارسات التمييزية المتعلقة بالأراضي والميراث التي تجعل المرأة الريفية عرضة للعمل غير مدفوع الأجر، ومساندتها وتدريبها لتحويل أعمالها ومهامها اليومية إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة تمكّنها من المساهمة بفاعلية في دعم الاقتصاد الوطني ورفد السوق المحلية بمنتجات أقلّ سعرًا من المنتجات الخارجية وأكثر تناسبًا مع ذائقة المجتمع، بما يسهم في إشراك النساء الريفيات في اليمن، في عملية التنمية الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل. 

•••
بلقيس العبدلي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English