المرأة الريفية وقصص النجاح

إستُوديو القرية، والحضيرة التي تحولت إلى دكان ملابس!
منى محمد
July 7, 2023

المرأة الريفية وقصص النجاح

إستُوديو القرية، والحضيرة التي تحولت إلى دكان ملابس!
منى محمد
July 7, 2023
الصورة لـ: محمد المخلافي - خيوط

"مرت السنة الجامعية الأولى لي، وأنا أكابد مشقة وعناء التنقل بين المواصلات العامة من القرية إلى المدينة. خلال هذا الروتين اليومي الشاق، كانت تفوتني الكثير من المحاضرات نتيجة تأخري في الطريق؛ لذلك قرر والدي أن ننتقل للسكن في صنعاء، وترك كل الأعمال التي كانت على عاتق الأسرة في القرية لأختي المتزوجة هناك وزوجها اللذَين توليا الاهتمام ببيتنا ورعاية أملاكنا لحين عودتنا"؛ تحكي رفيدة محب (23 سنة)، خريجة جرافيكس، كلية المجتمع بصنعاء، لـ"خيوط"، قصة كفاحها لإكمال دراستها، مضيفة: "بعد انتقالنا إلى المدينة استطعت أن أجد وقتًا كافيًا لكتابة التكاليف والمذاكرة بشكل جيد، ووجدت مساحة لتنمية قدراتي في مجال الجرافيكس، وبالرغم من الصعوبات التي واجهتها، فإنّ دعم عائلتي كان له دورٌ كبير في تجاوز هذه التحديات، بل كان سببًا رئيسًا لاستمراري وتجاوزي لعوائق الدراسة".

تسرد رفيدة بعض هذه الصعوبات بقولها: "في قريتنا، كان من المعيب أن تكمل الفتاة تعليمها، وقد استنكر الجميع إصرار وتشجيع والدي لي، وتركه القرية من أجل مستقبلي ومستقبل إخوتي، وعلى الرغم من أنّ المدرسة في قريتنا كانت غير مؤهلة لتأهيلي، خاصة في بعض المواد كاللغة الإنجليزية والرياضيات، فإني بذلت قصارى جهدي لتأهيل نفسي بنفسي، والحمد لله تجاوزت وبجدارة الدراسة، ووصولي إلى هذه المرحلة كان أكبر إنجاز حققته حتى الآن".

يؤثر التعليم تأثيرً كبيرًا على حياة المرأة؛ فهو يمكنها من اتخاذ الكثير من القرارات الهامّة في حياتها العلمية والعملية، ويعزز ثقتها بنفسها لتأسيس مشاريع من شأنها النهوض بوضعها الاقتصادي واقتصاد البلد ككل.

تتابع رفيدة: "لم أقف عند إكمال تعليمي، بل سعيت لتطوير نفسي باستمرار، وعند وصولي لمرحلة معينة من الفهم والخبرة، قررت وقتها أن أبدأ مشروعي الذي حلمت به كثيرًا (التصوير)، إذ بدأت التصوير في عدة قرى، وفي مناسبات عدة، حينها لاقى مشروعي هذا نجاحًا كبيرًا، لأن التصوير في أغلب القرى كان غير متوفر ولا توجد مصورات نساء للمناسبات، من بعدها فكرت في افتتاح إستُوديو صغير في البيت لإتاحة الفرصة للكثيرين ممن يريدون أن يخلّدوا ذكرياتهم في القرية، سواء كانوا أطفال أو كبار، في الأعياد وفي الأعراس وفي مختلف المناسبات"، "لقد كان لي حظ جميل أن أرى ابتسامات الناس وأشاركهم مناسباتهم المختلفة"، تستطرد رفيدة حديثها لـ"خيوط".

التعليم قوة 

في سياق متصل، يقول محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، في حديث لـ"خيوط": "التعليم حق أساسي من حقوق المرأة، ولا بد أن تحصل على فرصتها من التعليم لتحظى في المقابل بفرصة عمل مناسبة، سواء في القطاع العام أو الخاص، أو من خلال إنشاء مشروع شخصي، لأنه كلما كانت المرأة متمكنة اقتصاديًّا انعكس ذلك على حياتها الاجتماعية".

ويضيف: "لا يستقيم وضع أي مجتمع إلا بتمكين نصفه الآخر تنمويًّا واقتصاديًّا، وخير شاهد على أهمية هذه المشاركة، التطور الذي شهدته المجتمعات المتقدمة، والذي لولا تمكين المرأة لما وصلت إلى ما وصلت إليه، إذ إنّ تعطيل نصف المجتمع يعني شل حركة التنمية والتقدم في أي بلد كان".

ويشير البكاري إلى أنّ المرأة الريفية لا تزال تعاني من شحة فرص التعليم -إن لم يكن انعدامًا- وتحديدًا التعليم العالي، وهو ما يحتم على الدولة معالجة هذه القضية من خلال نشر الكليات والمعاهد العليا في المناطق الريفية لتسهيل التحاق الفتاة بها. 

بعد مقتل زوجي في إحدى جبهات القتال، غادرت منزل أبي، بعد أن رُفض وجودي مع ابني عندهم؛ لذا اضطررت إلى الرجوع للبيت الذي كنت أسكنه مع زوجي، وهو بيت صغير تابع لبيت والده، هنا جاءت فكرة تأسيس مشروع خاص بي أستطيع من خلاله أن أعيل نفسي وابني". 

في هذا السياق، تقول الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، وداد البدوي، لـ"خيوط": "التعليم بالنسبة للمرأة أو للرجل يسهم في تغيير حياتهم وحياة أسرهم؛ لذلك نلحظ أنّ الدول الأكثر حرصًا على التعليم هي الدول الأكثر تنمية والاكثر تطورًا، إذ إنّ المسألة طردية؛ تحسن التعليم ووصوله إلى كافة المواطنين ذكورًا وإناثًا ينعكس على الوضع الاقتصادي للبلد ككل".

وتواصل البدوي قائلة: "تعليم النساء سواء في الريف أو في المدن الحضرية من أهم الأسباب في تمكين المرأة وجعلها أكثر فاعلية ونفعًا، إذ تستطيع الحصول على وظيفة، وإدارة شؤونها الخاصة وشؤون بيتها بشكل أفضل، علاوة على أنها تكون أكثر إدراكًا ووعيًا بالقضايا والمشاكل التي تواجهها، وأكثر اطلاعًا على الحياة العامة واكتسابًا للمهارات القيادية والإدارية التي تمكّنها من إدارة مشروع ناجح وذي جدوى.

الحاجة كدافع للإنجاز

حين يتطلب الأمر مواجهة الفقر والعوز والحد منه وضرورة القيام بالمسؤولية تجاه الأسرة، تأتي المرأة لتثبت قدرتها على تحمل كل هذه الأعباء.

"بعد مقتل زوجي في إحدى جبهات القتال، غادرت منزل أبي، بعد أن رُفض وجودي مع ابني عندهم؛ لذا اضطررت إلى الرجوع للبيت الذي كنت أسكنه مع زوجي، وهو بيت صغير تابع لبيت والده، هنا جاءت فكرة تأسيس مشروع خاص بي أستطيع من خلاله أن أعيل نفسي وابني"؛ تقول عائشة أحمد (25 سنة)، وتسكن في أحد أرياف محافظة صنعاء.

تضيف عائشة: "كان لأخواتي من أمي الفضل بعد الله في تمويل مشروعي (معرض لبيع مستلزمات النساء والأطفال من ملابس وأحذية وأدوات تجميل)، حيث جمعن لي مبلغًا لتجهيز أحد الأماكن الذي كان مخصصًا للماشية، فقمت بتجهيزه ابتداء بوضع تخشيبة، ومن ثَمّ تعبئته بالبضاعة التي كانت أختي الكبرى تتولى مع زوجها شراءها من العاصمة صنعاء".

في الريف اليمني، تؤطر المرأة في إطار نمطي، تقوم بمهام تتناسب مع هذا التنميط الذي لا يفترض بها الخروج عنه بحسب الأعراف والعادات السائدة في البيئة المحيطة، كالاهتمام بالماشية والتحطيب والزراعة وغيرها، لكن الظروف الصعبة قد تدفع البعض لخوض ذلك التحدي والمواجهة في كسر هذه الأطر من أجل لقمة العيش، خاصة في ظلّ غياب رب الأسرة أو إصابته بمرض معين يقعده عن العمل.

وتضيف عائشة: "الفكرة كانت جديدة على سكان القرية، وقد اعتبرها البعض تمردًا وخروجًا عن العادات المجتمعية، لكن البعض تعاطف معي كوني مسؤولة عن نفسي وعن ابني، واجهت تحديات كبيرة، خاصة أنّ الحياة في القرية تتطلب جهدًا ومشقة في جلب المياه والتحطيب ورعاية الماشية، لكني تغلبت على كل هذا وخصّصت وقتًا لفتح متجري الصغير من بعد العصر إلى قبل المغرب، وهو الوقت المناسب لي ولنساء القرية بعد التفرغ من أعمالنا المنزلية".

المرأة كداعم لنفسها 

ينوه البكاري بضرورة إصرار المرأة على تحقيق ذاتها، قائلًا: "ينبغي على المرأة أن يكون لديها وعي بحقوقها، وإصرار على تحقيق النجاح، ويجب على المجتمع أن يعي أهمية دور المرأة ويساهم في تمكينها للقيام بوظائفها الحيوية، وعلى الدولة الأخذ بيدها للالتحاق بالتعليم، والحصول على فرص عمل مناسبة أسوة بالرجل، دون إقصاء أو تهميش؛ فالمشاريع الخاصة أو المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعد مدرة للدخل، وتساهم في مكافحة الفقر والبطالة".

من جانبه، يؤكّد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، عبدالباقي شمسان، في حديث لـ"خيوط"، على التأثير السياسي والثقافي والتعليمي لمشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، خاصة أنّها الضحية الأولى للحرب، فهي من تخسر أبناءها أو زوجها أو إخوانها، وتتحمل مسؤولية العائلة بالنيابة عنهم.

تمكين ومكانة

ويواصل شمسان: "هناك فجوة بين الذكور والإناث، وهناك فجوة بين الريف والحضر، وهذا بدوره يضع عوائق عدة أمام المرأة من إحداث أي فارق مجتمعي؛ بمعنى أنّ المرأة لا تستطيع أن تصبح ظاهرة اقتصادية مستقلة، إلا بشكل فردي غير جمعي".

ويتابع: "لقد تحول الريف إلى ملجأ للكثير من الأسر التي قررت العودة إليه والاستقرار فيه، وبالتالي نفي وضع الحرب، ونحن لا نستطيع أن نتحدث عن المرأة الريفية واستقلالها في مشروعها الخاص بمعزل عن الظرف العام، رغم ذلك تستطيع بعضهن أن تستقل إذا استطاعت تأسيس مشروعها وتوسيعه، وتطويره".

عوامل نجاح 

ويسرد شمسان عوامل عدة تسهم في نجاح المرأة، بالقول: "تساهم الأسر في غرس ثقافة تقبل عمل المرأة، إلى جانب إتاحة التعليم لجميع الطبقات والفئات ومن مختلف مناطق البلاد الجغرافية، كذلك الاحتكاك ودخول سوق العمل لمعرفة تقلباته وتغيراته، إضافة إلى تشكيل شبكة عمل لتدريب وتأهيل النساء في المجالات المختلفة متى تطلب الأمر ذلك، إضافة إلى وضع إستراتيجية عامة، إذ قد تنجح المرأة في العمل الفردي، ولكن الكثير من المشاريع تحتاج إلى إستراتيجية وطنية ومنظمات محلية ودولية تعمل على تحديد الاحتياجات، خاصة أن 70% من سكان اليمن ريفيّون".

وينهي شمسان حديثه لـ"خيوط": "تمثل المرأة قوة اقتصادية كبيرة، فهي تشكل النصف الديموغرافي لليمن؛ وبالتالي فإن تعطيل دور المرأة الشابة يؤثر على الدخل القومي للبلد عمومًا، ويمكن تحقيق ذلك -ولو في الحدود الدنيا- مرحليًّا عبر المنظمات المحلية والدولية، إلى أن تتخلق دولة حقيقية قادرة على وضع إستراتيجيات وخطط بعيدة المدى".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English