إنجاب عشوائي وتوسع ظاهرة التقزم

اليمن يشهد تكاثر سكانيّ لافت في زمن الحرب
مبارك اليوسفي
October 10, 2020

إنجاب عشوائي وتوسع ظاهرة التقزم

اليمن يشهد تكاثر سكانيّ لافت في زمن الحرب
مبارك اليوسفي
October 10, 2020
© محمد الصلوي

 منذ العام 2015 مع اندلاع الحرب الدائرة في اليمن، تعيش البلاد أوضاعًا استثنائية على كافة الأصعدة، وسط اعتقاد سائد بأن هذه الأوضاع قد جعلت الانخفاض السكاني هو الطاغي، بالنظر إلى ما تمر به البلاد من أزمات جعلت أخبار الموت وصور القتلى متداولة بشكل يومي.

    مؤشرات عديدة تؤكد ما تشهده البلاد من تكاثر سكاني لافت في ظل هذه الوضعية التي يعيشها اليمن والناتجة عن الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ ما يزيد عن خمس سنوات، في ظل تقديرات سابقة كانت قد أكدت ولادة نحو 6 أطفال بالدقيقة الواحدة.

   عند وقوفك أمام إحدى المستشفيات الحكومية اليمنية لثلاث ساعات ستدرك ما نشرته إحصائية المجلس الوطني، في مستشفى السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء فقط تؤكد التقارير الطبية أن معظم الحالات القادمة إلى المستشفى هي حالات ولادة.

    بحسب الدكتورة هدى النظاري - طبيبة نساء وولادة في مستشفى السبعين للأمومة والطفولة، فإن حوالي 15 إلى 20 طفلًا يولد يوميًّا كحد متوسط للعدد اليومي داخل المستشفى، وتشير النظاري في حديثها لـ"خيوط" إلى أن هناك ما لا يقل عن 5 حالات يومية ولادة غير طبيعية معظمها عمليات قيصرية.

    لكن في الإطار ذاته، تؤكد مصادر طبية تراجع عدد حالات الولادة داخل المستشفى عن السنوات السابقة، ويرجع سبب ذلك إلى توقف عمل منظمة رعاية الأسرة داخل المستشفى، التي كانت تقدم كل خدمات التوليد مجانية، لذا فإن الكثير من النساء أصبحت تلد في المنازل بسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف المستشفى.

    يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير، أن مليوني امرأة وفتاة في سن الإنجاب في اليمن يمكن أن يكنّ في خطر بسبب فقدان الخدمات الإنجابية، كما أن حوالي 48 ألف امرأة في وضعية خطرة قد تؤدي إلى الوفاة بسبب مضاعفات الحمل والولادة.

    هذه الإحصائيات في مستشفى واحد فقط من مئات المستشفيات في اليمن، وهناك ولادة كثيرة تحدث في المنازل أو القرى البعيدة عن المرافق الصحية وهي خارج عن الإحصائيات كاملة، الأمر الذي يشير إلى أن هناك إعدادًا لم يتم تسجيلها أو الإشارة إليها من قبل الجهات المعنية.

قدر المجلس الوطني ارتفاع سكان اليمن للعام إلى 29.4 مليون نسمة، مرجحًا وصول عدد السكان في العام 2025 إلى نحو 34.3 مليون نسمة

    وتعاني الكثير من المستشفيات اليمنية عجزًا كبيرًا في توفير الخدمات الصحية، في ظل ما يشهده القطاع الصحي بشكل عام في اليمن من تردي وتهالك المرافق والخدمات المقدمة، وهو ما ينذر بوقوع كارثة صحية في الكثير من المجالات، لا سيما فيما يخص حياة الكثير من الأمهات الحوامل والأطفال.


معاناة وتبعات قاسية

  تشير التقديرات إلى أن نحو ستة ملايين من النساء والفتيات في سن الحمل والإنجاب (من 15 إلى 49 سنة) يحتجن إلى الدعم. وبسبب النقص المتزايد في المواد الغذائية تعاني أكثر من مليون امرأة حامل من سوء التغذية، وهن معرضات لإنجاب أطفال يعانون من التقزم. بالإضافة إلى أن هناك 114,000 امرأة معرضة لخطر أن يصبن بمضاعفات أثناء الولادة، ما جعل منظمات دولية تحذر من زيادة عدد الإنجاب في اليمن، لا سيما في ظل الحرب القائمة وانعدام الأمن الغذائي وعجز الجهات الحكومية عن توفير الإمكانيات اللازمة لرعايتهم.

في بلد يشهد أحد أعلى معدلات الوفيات بين الأمهات في المنطقة العربية ينذر نقص الغذاء، وسوء التغذية، وانحدار الرعاية الصحية التي ازدادت تدهورًا من جراء أوبئة، مثل الكوليرا، بزيادة المواليد الخدج أو ناقصي الوزن، وحالات النزيف بعد الولادة.

    ويرجح المجلس الوطني للسكان في تقرير مؤشرات النمو السكاني السريع في اليمن ارتفاع عدد سكان اليمن للعام 2016، إلى نحو 29.4 مليون نسمة من 24 مليون نسمة حسب آخر إحصائية رسمية معلنة، الخاصة بالتعداد العام للسكان في اليمن للعام 2004. ورجح المجلس وصول عدد السكان في العام 2025 إلى 34.3 مليون نسمة.

    كان المجلس قد قدر في تقارير سابقة أن عدد السكان في العام 2013 قبل الحرب حوالي 25.82 مليون نسمة.

 وتمثل التركيبة السكانية للفئة العمرية تحت سن 20 سنة نحو 52% من عدد السكان، وتحت سن 15 سنة نحو 45% من السكان، وترجح منظمات دولية ارتفاع هذه الفئة إلى نحو 24 مليون نسمة في عام 2030.

وبينما يخشى العالم من زيادة عدد المواليد وعدم قدرة الأسر والجهات المعنية من احتوائهم وتوفير الخدمات المناسبة لهم، يقول محمد عمر وهو أب لسبعة أطفال أنه لا يخشى من أن تنجب زوجته حتى 20 طفلًا، ضاربًا بمسألة توفير الحياة الكريمة لأطفاله عرض الحائط، ويضيف في حديثه لـ"خيوط" لا يأتي طفل جديد إلا ورزقه معه.

لا يفقه محمد وغيره الكثيرون في اليمن مدى خطورة الوضع الاقتصادي في البلد، ولا المستقبل المجهول لهؤلاء الأطفال، بالإضافة إلى المضاعفات النفسية والصحية التي قد تصيب الأم نتيجة الإنجاب العشوائي.

وتشهد اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة، إذ يحتاج ثلثي السكان إلى نوع من المساعدات العاجلة بينهم أكثر من 12 مليون طفل حسب تقرير لمنظمة اليونيسيف.

لا يزال الأطفال يُقتلون ويُشوهون في النزاع الدائر في اليمن، وقد أدّى الدمار والإغلاقات التي لحقت بالمدارس والمستشفيات إلى تعطيل الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، وهذا يزيد في هشاشة الأطفال ويسلبهم مستقبلهم. 

قبل كوفيد-19، كان هناك نحو مليوني طفل خارج المدرسة. لكن اليوم، وبسبب الجائحة، تم إغلاق المدارس في جميع أنحاء البلاد، فبات نحو 7.8 مليون طفل عاجزين عن الوصول إلى التعليم. مع تفشي الفيروس التاجي، يحتمل أن يُصاب عشرات الآلاف من الأطفال بسوء التغذية الحاد الوخيم، الذي يهدد الحياة على مدى ستة الأشهر المقبلة، كما أن العدد الإجمالي للأطفال دون الخامسة الذين يقاسون سوء التغذية يحتمل أن يرتفع إلى 2.4 مليون طفل بالمجمل.

تنظيم الأسرة

    ملايين النساء اليمنيات يواجهن خطر الحمل المبكر أو مضاعفات الحمل والولادة، الذي قد يؤدي في كثير من الحالات إلى وفاة الأم الحامل.

    الدكتورة عبير راجح - مختصة تنظيم الأسرة في مركز الصحة الإنجابية في صنعاء - ترى أن تنظيم الأسرة أمر مهم للغاية، وهو يعني تأخير الحمل، وليس قطع النسل، كما يعتقد الكثير من الناس، وتقديم حلول لإشكاليات الحمل العشوائي والحمل المبكر لدى النساء.

    تؤكد في حديثها لـ"خيوط"، ضرورة تقديم مساعدة للأم في اختيار الطرق الآمنة والمناسبة من أجل الحمل وضرورة توفير وقت بين كل طفل وآخر من أجل سلامة والطفل والأم معًا من جهة، ومن أجل معرفة تربية الأطفال من جهة أخرى.

    ويجهل الكثير من الناس أهمية تنظيم الأسرة وطرق الحمل الأمن وعدم توفير الإمكانيات الصحية المناسبة للمرأة الحامل والمتزوجة، وهذا سببٌ في زيادة الإنجاب وتضاعف حالات الحمل عند المرأة، التي قد تودي بها إلى الوفاة في معظم الأحيان، حسب حديث الدكتورة عبير.

    ترى الدكتورة راجح، ضرورة تكثيف التوعية المجتمعية حول أهمية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وضرورة توفير كامل الرعاية الطبية والأدوية الخاصة بالصحة الإنجابية مجانًا أو بأسعار رمزية من أجل سهولة اقتنائها ووصولها إلى أكبر شريحة ممكنة من النساء، وهو ما سيحد من عملية الإنجاب العشوائي وتحديد النسل.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English