الحركات الدينية وتقديس رموزها

من الإخوان المسلمين إلى جماعة الحوثيين
حسن الدولة
September 25, 2023

الحركات الدينية وتقديس رموزها

من الإخوان المسلمين إلى جماعة الحوثيين
حسن الدولة
September 25, 2023
.

قال لي صديق ينتمي إلى تيار الإخوان المسلمين: إنّ الشائع في الزيدية عمومًا أنهم يقدسون أئمتهم، وبخاصة الخمسة الذين يطلق عليهم (أهل الكساء)، وقد جاء الحوثيون فعظموا الخمسة وأضافوا إليهم قائدهم عبدالملك بدر الدين الحوثي، وأخاه مؤسس حركتهم، فيقولون عن الأول أنه "قرين القرآن" وعن الثاني أنه "قرآن ناطق"، ويكرسون ذلك التقديس في محاضرات الأربعاء التي فرضوها على موظفي الدولة، وفي محاضرات البدرومات اليومية -والكلام لا يزال لصاحبي- وفي المعسكرات، وما نسمعه في أجهزة الإعلام يوميًّا من تكرار محاضرات القائد والمؤسس حتى صارت فرضًا يذكّر بتقديس الأحزاب الشيوعية للينين وماو تسي تونغ. وأضاف: "تصور أنهم يلزمون الوزراء والقضاة وأساتذة الجامعات ورؤساء الهيئات والوكلاء ومدراء العموم في كل وزارات ومؤسسات الدولة الذهابَ إلى صعدة لاستماع تلك المحاضرات ولفترة تزيد على الأسبوع، وكلها تتمحور حول محاضرات القائد والمؤسس، وهي محاضرات لا تخرج عن مستوى خطباء الجمعة، فضلًا عن أنها خطابات لا تمت إلى العصر بصلة".

ظل يسرد لي مواقف وألفاظ تقديس مثل: "علَم الهدى" و"ومصباح الدجى"، وألفاظ لم تطلق حسب زعمه، على النبي (عليه الصلاة والسلام) ولا على "أئمة آل البيت" ولا على "الخلفاء" ولا على أيّ من "الصحابة" (رضوان الله عليهم)، واعتبر أن تكرار الاحتفالات الدينية (مولد النبي، فاطمة، الحسين، زيد بن علي...) ليس إلا تجسيدًا لتلك المبالغات لشخصيتي القائد والمؤسس، معتبرًا ذلك من البدع المنهي عنها شرعًا، وأضاف أنّ الله قد نهى عن اتخاذ أحدٍ من عباده أولياء، وإن لا تقديس إلا لله سبحانه وحده. واختتم قوله بأن أنصار الله (الحوثيين) يطلقون صفات على زعيمهم هي من صفات الله سبحانه، مثل: "سيدي" و"ومولاي".

اتفقت مع كثير مما طرح وفي نفس الوقت ذكّرتُه أن هذا التقديس ليس وقفًا على الحوثيين فحسب، بل هو سمة مصاحبة لكل الحركات الثورية والحركات الدينية، فإذا كان الحوثيون يقدسون الخمسة، فالإخوان والحركات السنية يقدّسون كل الصحابة دون استثناء. 

ثم ضربت له أمثلة من داخل حركة الإخوان المسلمين، ومنها قول حسن الهضيبي- المرشد العام الثاني للجماعة، بأنه كان يجلس "أمام الأستاذ حسن البنا كميت في مغتسل، يقلبه غاسله كيفما يشاء"، ومن مبالغات التقديس أنّ كثيرًا من الإخوان قد بالغوا في إطراء مؤسس الحركة وتقديسه، وذكروا له خوارق في القيادة، وبالغوا في تعظيمه وتعظيم مواهبه الفكرية والتنظيمية ومناقبه الشخصية، وقد وصف محمد عبدالحميد أحمد- أحد قيادات الإخوان، حسنَ البنا بأنه "عنصر خلود عجين بين مقومات المادة ومعالم الفناء، وأنه «شحنة إلهية» فذة سرت في أعصابها أقباس النبوة، وأنوار الدعوة، وروح محمد"، وهي أوصاف توضح مدى مبالغة الجماعات الدينية في تقديس مؤسسي حركاتهم؛ وبالتالي فالمبالغات ليست مقتصرة على أنصار الله (الحوثيين)، بل هي سمة كل الحركات الدينية، وبخاصة لدى الإسلام السياسي السني والشيعي اليوم، وكذلك إطلاق ألقاب التبجيل والتفخيم: "السيد حسن نصر الله، السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى، المرشد العام...".

وما دمنا بصدد الحديث عن حركة الإخوان المسلمين، فمن اللافت للانتباه بل ومن المدهش حقًّا أنّ رؤية "الإخوان" لتاريخ مصر المعاصر لا تناقش أعمال العنف والإرهاب التي تورطت فيها الجماعة منذ أربعينيات القرن الماضي، ومما يؤخذ على الإخوان عدم اكتراثهم بالنقد الذي من شأنه أن يطور فكرهم، ولعل الطاعة العمياء في المنشط والمكره هي سمة مشتركة لدى كل حركات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي.

صارت كتب سيد قطب مرجعًا رئيسيًّا لدى الإمام الخميني (المرشد الأعلى للثورة الإيرانية) وهو منصب مأخوذ من حركة الإخوان (المرشد العام)، ثم ترجم علي خامنئي كتاب سيد قطب الشهير (معالم في الطريق) إلى الفارسية، كما أن الفريقين يولون جلّ الاهتمام بفكرة الجهاد حتى صار العنف والجهاد هو الشغل الشاغل لهذه الحركات الدينية، فالجهاد الأصغر -إشعال الحروب- والغزو هو ديدن هذه الحركات، ومثلهم الأعلى هم الطغاة الكبار.

حركة الإخوان أقدم حركة دينية معاصرة، وهي التي ألهمت حركة الإسلام الاثني عشري في بناء الدولة الاسلامية، لكنها -أي حركة الإخوان المسلمين- تجمدت عند وصايا المؤسس -الإمام حسن البنا- كما تجمدت حركة أنصار الله عند ملازم مؤسسها "حسين الحوثي"، فلم تنتج حركة الأنصار فقيهًا واحدًا يعتد بأقواله ولا متخصصين في علوم الحياة وفقه العصر بل وبناء دولة، وكذلك الإخوان لم تنتج فقيهًا تجديديًّا بعد "سيد سابق" المرجع الوحيد والذي لم يأتِ بجديد، وإنما اختصر فقه فقهاء السلاطين، كما أنها لم تنتج فكرًا سياسيًّا تجديديًّا، وعجزت عن فصل الجانب الدعوي عن الجانب السياسي، وفي نفس الخطى يسير الحوثيون، فلم يرتقوا إلى فكر رئيس فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل البروفيسور أحمد شرف الدين، بل تخلفوا عنه بمراحل.

إذن، الإسلام السياسي الشيعي قد تأثر بفكر الإسلام السني ولا فرق بينهم سوى أن الإخوان يبجلون معاوية ابن أبي سفيان، والإسلام السياسي الشيعي يبجل الإمام علي.

وقد صارت كتب سيد قطب مرجعًا رئيسيًّا لدى الإمام الخميني الذي صار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وهو منصب مأخوذ من حركة الإخوان (المرشد العام)، وقد ترجم علي خامنئي كتاب سيد قطب الشهير (معالم في الطريق) إلى الفارسية، كما أنّ الفريقين يولون جلّ الاهتمام بفكرة الجهاد حتى صار العنف والجهاد هو الشغل الشاغل لهذه الحركات الدينية، فالجهاد الأصغر -إشعال الحروب- والغزو هو ديدن هذه الحركات، ومثلهم الأعلى هم الطغاة الكبار، فقد كان الإمام حسن البنا معجبًا أيما إعجاب بما قام به هتلر في الثلاثينيات من القرن الماضي في ألمانيا، وتحدث في دراسة له بعنوان "حركات النهضة والتغيير" عن عدد من تجارب النجاح، منها الدولة العباسية والدولة الأيوبية والدولة السعودية وهتلر، حيث كتب: "من كان يصدق أن ذلك العاهل الألماني هتلر يصل إلى ما وصل إليه من قوة النفوذ ونجاح الغاية".

 لكن "إخوان" اليوم يسكتون عن ذكر إعجاب حسن البنا و"إخوان" الثلاثينيات، بهتلر وموسوليني، بل وإعجابهم بالدول الأموية والعباسية والأيوبية، ويقدمون رؤية للتاريخ وفق ما يرونه نافعًا أو مفيدًا للجماعة. في هذا الإطار، قرّر مرشد "الإخوان" السابق مصطفى مشهور -صاحب مقولة: "طز في مصر"- تشكيل لجنة رسمية من بين أعضاء الجماعة -بعضهم من أساتذة التاريخ- لكتابة تاريخ "الإخوان"، وقد نشرت اللجنة كتابًا بعنوان "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين" نشر تحت اسم حركي للأستاذ جمعة أمين عبدالعزيز.

ويتضمن الكتاب رؤية "الإخوان" لتاريخ مصر المعاصر، وجاء في مقدمته بقلم مصطفى مشهور: "لقد أذن الله لهذه الجماعة أن تحمل راية الإسلام بعد أن عمل اليهود –وهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا– على إسقاط الخلافة، ثم عملوا على زعزعة العقيدة في نفوس أهلها، ثم جاء الاستعمار فقسم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات، وصارت أمة الإسلام –بعد أن كانت الأمة الواحدة القوية العزيزة– أممًا متعددة ضعيفة، بينها من الخلاف أكثر مما بينها من الوفاق، وهكذا فقدَ المسلمون الراعي الذي يرعاهم، والوحدة التي تدعمهم وتقويهم...". ويلاحظ أن مؤامرة اليهود والاستعمار التي يبدأ بها مشهور كتاب "رؤية الجماعة للتاريخ المعاصر" حاضرة بقوة داخل الكتاب، جنبًا إلى جنب مع مؤامرة التبشير المسيحي، والصراع بين الوافد الغربي الضار والموروث الحضاري الإسلامي، والذي قام حسن البنا بتجديده من خلال مشروع جماعة "الإخوان".

وبغض النظر عن الأخطاء والتحيزات في كتاب "أوراق من تاريخ الإخوان" أو غيره من مؤلفاتهم، فإنها تقدم رؤية مكتوبة لتاريخ مصر المعاصر، تختلف كثيرًا عن السرديات الشفهية التي يتداولها "الإخوان" فيما بينهم، أو تصدر عن قيادات "الإخوان" للأنصار أو المتعاطفين، حيث تتوسع هذه السرديات في المبالغات والأكاذيب من دون رقيب، وبعيدًا من النقاش العام، خصوصًا في مواضيع تتعلق بفكرة المؤامرة، والصدام مع عبدالناصر والمظلومية.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English