رمضان والرعاة في أرياف لحج

مكابدة مضاعفة ومراعٍ قاحلة!
بلال عبد اللطيف
April 18, 2023

رمضان والرعاة في أرياف لحج

مكابدة مضاعفة ومراعٍ قاحلة!
بلال عبد اللطيف
April 18, 2023
Khuyut

تحت حرارة الشمس الحارقة، يقضي معظم الرعيان في أرياف لحج، يومَهم الرمضاني في رعي مواشيهم، والبحث عن مصادر مياه تشرب منه القطعان، ومراعٍ جديدة، أو مزارع تالفة بها ما ترتعي عليه.

هذا النشاط يلازمهم طوال أشهر السنة، لكنه يزداد صعوبة في شهر رمضان، بالتزامن مع الصيام وتقلّب الأجواء وهبوب الرياح الجافة ولهيب الشمس، أمرٌ تنهكُ معه قواهم وتضعف أجسادهم، يصل إلى حدّ تعرض البعض منهم للإعياء وفقدان الوعي نتيجة طول المسافات التي يقطعونها مع الماشية بحثًا عن الكلأ والماء وهم صائمون.

معظم مالكي الثروة الحيوانية، خصوصًا من لديهم قطعان من الأغنام، يعتمدون بشكلٍ رئيس في رعيها على الأشجار الصحراوية والحشائش التي تنمو في الجبال والسهول في موسم هطول الأمطار، وما عدا ذلك فإنّ معظم أرياف لحج تعاني من الجفاف وشحة مياه، وهو ما يجعل من مهنة الرعي، مهنةً صعبةً، تحتاج إلى جهد مضاعف وصبر.

شظف عيش وإجهاد

تنطلق أم أحمد، راعية أغنام من مديرية المضاربة بمحافظة لحج، بعد إعداد وجبة السحور مباشرة لرعي المواشي، في رحلة يومية دون توقف، تستمر حتى اقتراب العصر، حيث يخلفها في رعي الأغنام ابنها البالغ من العمر 10 سنوات، في حين تتجه هي إلى جمع الحطب المطلوب لتجهيز وجبة الإفطار، التي تقوم بتحضيرها فور وصولها إلى المنزل.

 تقول أم أحمد، لـ"خيوط": "هذه هي رحلة المعاناة اليومية التي أقطعها في رمضان، سواء كنت بحال جيد أو غير ذلك، إذ يبدأ يومي، الذي يأخذ ثلثيه الرعي، من قبل الفجر، وحتى الليل، الذي ما أن يهبط حتى تنهار قواي، ويصيبني الإنهاك والإرهاق الذي يبدأ من الجوع والعطش، وشظف العيش".

الخوف من الموت جوعًا

بوحمد (53 سنة)، يمارس هو الآخر مهنة الرعي، إذ يتنقل يوميًّا وولده البالغ من العمر (12 سنة)، برفقة قطعان المواشي منذ الصباح الباكر، وللتخفيف من وقع حرارة الشمس والرياح الحارة عليه، يلف شالًّا (عِمامة) مبللة بالماء فوق رأسه، بعدها يبدأ رحلته الشاقة، المجهدة، التي تستغرق النهار بأكمله. يقول بوحمد لـ"خيوط": "البقاء مع المواشي أثناء الصيام ليس بالأمر السهل، وفي المقابل لا يمكن ترك هذه الأغنام في زريبة المنزل؛ خوفًا من أن تموت جوعًا، خاصة أنّ معظم الرعيان في لحج، لا يملكون أراضيَ زراعية لزراعة أعلاف المواشي، بل يعتمدون بدرجة أساسية على المراعي في الجبال والوديان".

عصا وناي لقتل الملل

على النقيض، يعبر خليل، راعي أغنام، عن سعادته في رعي ورفقة المواشي حتى في شهر رمضان، ويجد في الموضوع متعة مصاحبة ومشاركة في الطريق والحياة عمومًا. يقول خليل لـ"خيوط": "لا شيء أمتع من صحبة المواشي يوميًّا، علاوة على أنّ في رعي الأغنام تقليدًا واقتداء بنبي الرحمة، محمد؛ لذلك أنطلق كل صباح مع الأغنام حاملًا عصاي والناي، أو كما يسمى عندنا في لحج (الشبابة)، حتى أعزف عليه لكسر أيّ رتابة أو ملل، وبعث الأنغام في الأرجاء".

"كأنها من أسرتي"

من ناحيته، يقول الطفل علي الصبيحي (9 سنوات)، لـ"خيوط": "منذ الساعات الأولى في نهار رمضان، أستيقظ على عجل، أفطر بسرعة ثم أحمل قنينة الماء وأنطلق نيابة عن والدتي التي تتفرغ لمهام منزلية أخرى".

وتابع علي: "أتعامل مع الماشية كأنّها من أفراد أسرتي، فهي مصدر رزقنا، نبيع ونأكل ونشتري بها، فمنذُ فتحت عيني في هذه الدنيا وجدت لها علاقة في كل تفاصيل حياتنا، لذلك أعتني بها كما أعتني بنفسي، حتى إني أقدم لها بعض الأكل قبل أن أتذوق الطعام، ومن بالغ الود، ومتين العلاقة الذي صارت بيني وبينها، صغارها تلعب معي، وتتبعني أينما ذهبت، وتنتبه لإشاراتي، وهذه -بحد ذاتها- متعة لا تقدر بثمن، ولا يمكن أن أتخلى عنها".

تعاون لكسر التعب

في سبيل التخفيف من عناء الرعي لفترات طويلة أثناء الصيام، اهتدى الكثير من الرعيان للتعاون فيما بينهم، وتقاسم مهمّة الرعي، إذ تتناوب مجموعات على مرافقة المواشي؛ فريق يصحبهن من الصباح الباكر حتى منتصف اليوم، ثم يأتي فريق آخر يكمل المهمة، فيما يذهب الفريق الأول ليستريح. باستثناء البعض ممّن يجد في نفسه الصبر والعزيمة والشغف ليهتم بمواشيه من الصباح وحتى نهاية اليوم.

أمل بعيد يُرتجى

في سياق متصل، اكتفى قسمٌ قليل من مالكي رؤوس الأغنام، بمقدار قليل في شهر رمضان، بحجزها في زرائبها طيلة اليوم، مكتفِين بتقديم أعلاف المواشي لها رغم ارتفاع سعر الحزمة الواحدة إلى 1500 بدلًا من 800 ريال، وهذا ما يجبر بعضهم على التخفُّف منها وبيع بعضها، وهذا بحد ذاته حل ينذر بانقراض وشيك للثروة الحيوانية، الذي تقف خلفه عوامل عدة، منها: الجفاف، وارتفاع أسعار الأعلاف، إضافة إلى بعض الأمراض التي تصيب المواشي التي تشكل مصدر دخل رئيس لمعظم الأُسَر في أرياف لحج.

لهذا، يأمل الرعيان وملاك المواشي من الجهات المعنية، تقديمَ المساعدة ومدّ يد العون في ظلّ ظروف طبيعية، وسياسية، بالغة التعقيد، من أجل الحفاظ على الثروة الحيوانية.

•••
بلال عبد اللطيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English