كثيرة هي التجارب اليمنية التي تخوض غمار السرد بخبرة لافتة تستمد من خبرتها الذاتية عنوانا مصيريا، تعاين من خلاله كما تراجع علاقتها بالكتابة ،حد نقد التجربة من الداخل متجاوزة کل منطق للنقد الحاصل او ميراث مجرد التنظير.
الكاتب أمین غانم نموذج یقف هنا ضد " النمذجة" والتي بعضها ينساق بدافع التجریب. والوعی بتقنیات جدیدة من خلاله.
فی حین أن بعضها الآخر یفارق تجارب مختلفة لأسباب وعوامل عدة من بینها البحث عن تمیز، واختلاف وبصمة حضور. هنا نحار الروائي غانم فهو امتلك موهبة تغذي نفسها فلا تلفته البهرجات غالبا. کما يحدث تجربته ورؤيته فی الکتابة باستمرار مواکبا تحديات الرواية وأسئلتها.
والنزوعات من خلالها لاحداث تحول فردانی کثيرا ما نجده یحفر بصمت فی ثنایا تجربة جدیرة بجعلك کقاریء قریبا منها ومن کاتبها بشغف المعطی الذي لایستعصی فهمه بقدر ما یستفز عبر مساءلته لواقع بعید و متخیل مواز له فی خیارات الکتابة واندهاشات السرود وتجاربها وعناوینها الراٸجة حتی داخل هامش الانکفاء الأکثر حضورا...
______________________________
(*) متى تمكنك الفكرة الأولى من نفسها، هل هي خيوط منفصلة، أم متشابكة،؟
(**)عند ولادة الفكرة الاولى ،فأنا اكتب بطريقة التجلي السردي وهي طريقة حديثة تعتمد على ما يتجلي برأسي من مشاهد ووقائع وكلها بالاخير تجتمع لتشكل عالما واحدا متماسكا.
(*) -عند الانتهاء من كتابة الرواية، هل يلزمك اقتفاء طرق أخرى لترتيب الخطوات التالية؟
(**)عندما انتهى من كتابة رواية أقول لنفسي: خلاص، لازم ترتاح، لكن بعد أيام مثلا تظهر في المجتمع قضية أو مشكلة من النوع الاعتيادي، مباشرة تطلع برأسي وأمسك أحد شخوصها، هذه الفكرة استهلكها في صفحة أو صفحتين واجد نفسي التقط وأحلق مع شخصية إلى عالم آخر مختلف، لتبدأ سردية الخيال الذي يمنحني كل يوم دبيبا خفيفا ولحظيا يتحرك ويولد من خلاله عالم جديد وأمكنه ومدن أعرفها وأغلبها لا اعرفها، كلما اكتب أنصت واستشعر كمن يستمع لصوت متناه، أدوّن ما يصلني، ولا استغرب مما يحصل او حتى أتساءل، فقط تستمر الكتابة وأحيانا يتوقف احساسي بعالم النص وشخوصه مما يضطرني للتوقف لعدة أيام، وأكون فرحا حين ينقطع صوت عالمهم، لأنني أتعب في تتبعهم، وبعد أيام يعود الصوت اقوى واكثر حيوية.
ما نكتبه بحالة اللاوعي ونظنه طلاسم أو أحداث وشخصيات مبهمة غامضة سيغدو عالما مبهرا، جزء من حياة دقيقه حدثت او ستحدث في يوم ما، وهذا ما تقوله احدى النظريات النقدية بأن الرواية حدثت أو ستحدث في زمكان ما
(*) ما أثر اللغة في كل تيمة جديدة لك، او مفردة تختارها كعتبة للعمل السردي؟
(**) بالطبع لكل رواية لغة خاصة بها، لا يمكن فصل اللغة عن الأسلوب وفلسفة شخصيات النص، هو عالم يتشكل بالتدريج بمعزل عن الكاتب بلغته وشخصياته وأزمنته وأمكنته، هناك روايات تأتي بأمكنة حقيقية وأخرى بأمكنة مجازية مجردة، و نصوص تأتي بلغة مقتضبة أو بالأحرى هناك مشاهد تعتمد على جماليات اللغة ومشاهد أخرى ترتكز على سحر الفعل السردي، فحينما يحلق بنا الأبطال في دهشة الحركة قطعا لا نحتاج لجماليات اللغة، بقدر ما نريدها مقتضبة وسريعة كي نتوغل وننغمس بسحر تعكسه ملامح الشخوص وتصرفاتهم وأفكارهم.
(*) هل تتبع محددات بعينها للرواية، أم أنها قد تتقاطع ومسارات الكتابة، لديك؟
(**) لا محددات لكتابة الرواية، فقط اترك نفسي للمضي خلف دبيب حركتها، للعلم أن شخوص الرواية هم أذكى واقوى من الكاتب كما يقول أحد الكتاب العالميين ، بمعنى ما نكتبه بحالة لا وعي ونظنه طلاسم او أحداث وشخصيات مبهمة غامضة سيغدو عالما مبهرا، جزء من حياة دقيقه حدثت أو ستحدث في يوم ما، وهذا ما تقوله احدى النظريات النقدية بأن الرواية حدثت أو ستحدث في زمكان ما، هذه الأفكار لم تمثل لي يوما شيئا، لكني بعد تجربة الكتابة المتواضعة صرت اعتبرها علامات مطمئنة ورافدة لي ولكل كاتب كي يكمل تجربته هو ولا يتوقف في نصف الطريق.
(*) عندما تتعين خارطة ما يبني خلالها الكاتب انشاءاته الخاصة بطبيعة تناول موضوع وفكرة وزمن الرواية، ما العوائق التي صادفتك من واقع تجارب سابقة؟
(**) لكل كاتب طريقته وتجربته واسلوبه، مثلا الكاتب التركي اورهان باموق في مقابلة صحفية قال إنه يخطط ويرسم أبطاله قبل الكتابة، أنا قطعا لا اخطط، النص هو الذي يبني نفسه ويشكل شخوصه وأحداثه، بمعنى أن النص يشكل عالما متكاملا ومتماسكا من تلقاء نفسه وهذه السمة الأبلغ والاعظم في الكتابة.
متى ما تركنا أنفسنا للنص نحلق معه صعودا وهبوطا، دون أن نحاول ملء النص بأفكارنا وأحزاننا الشخصية، والنص يكتسب سمات التجديد حينما لا نرتئي منه ذلك او بالأحرى حينما نكتبه بهدوء وبساطة واخلاص، بصدق من يحط البذرة تحت التراب في يوم مشمس
(*) وهل بقية التقنيات محصورة في الكتابة على نوع أدبي وإجناسي غير الرواية.؟
(**) لم يقتصر الأمر على الإبداع الكتابي، بإمكانك أن تلاحظ بعض مواهب التمثيل والإلقاء والرسم والغناء وتأليف وإخراج المسلسلات المتعددة الأوجه، صارت تنطلق من أمكنة الموهوبين ومن موبايلاتهم وأجهزتهم الشخصية، فلولا الطفرة التكنولوجية لما شهدنا ولادة مبدعين وممثلين بالعشرات والمئات وانتقل التنافس عربيا وعالميا. أيضا كما تلاحظ كم ظلم الفن اليمني على مدار قرن كامل وظل الانكفاء والفقر الإعلامي والتسويقي للأغنية اليمنية عاملا سلبيا للسطو على تراثنا الغنائي والموسيقي، أما الآن فالفنان اليمني يصل صوته إلى كل القارات وبمواهب اقل من زمان، وباتت الأغنية اليمنية تُسمع في القاهرة وتونس والجزائر وأمريكا وفرنسا، كل شيء صار في المتناول فقط علينا أن نتحرك وفقا للإمكانات المتاحة فالمتلقي صار عالميا وليس محليا.
(*) ما هي وجهة نظرك الشخصية في الرواية، هل تصدر من فضاء يسمح بالتحليق بعيدا بحرية، ومتى تكتسب الرواية سمة التجديد؟
(**) متى ما تركنا أنفسنا للنص نحلق معه صعودا وهبوطا، دون أن نحاول ملء النص بأفكارنا وأحزاننا الشخصية، والنص يكتسب سمات التجديد حينما لا نرتئي منه ذلك او بالأحرى حينما نكتبه بهدوء وبساطة واخلاص، بصدق من يحط البذرة تحت التراب في يوم مشمس، من خلال تجاربي المتواضعة في الحياة كلما حملنا أعمالنا وهواياتنا وشغفنا مطامع كثيرة فإننا نخفق، فمثلا حينما يفكر شاب بالارتباط والزواج مؤكد أن أسرته تضع أهدافا لها قبل أهداف الابن، لهذا حين يتفقوا على توليفة مطالب من فتاة غنية وذات أصول طيبة ومحترمة وكريمة ...الخ حتما سيفشل الارتباط والزواج وتغدو مطالب الأسرة والشاب بالتخلص منها بأي ثمن، وحين يختار الابن شريكة حياته ببساطه دون الأخذ باعتبارات الآباء، فان الارتباط سيغدو قويا مثمرا ومفتاحا للسعادة، والمثال الثاني لو أن شابا حصل على أوائل جمهورية وحدد رغبته في دراسة قسم الفلسفة أو التاريخ او الرسم، فإنه سيحصد أعظم أهدافه افضل مما لو استجاب لما يفرضه عليه والده بدراسة الطب والهندسة مثلا، والتي لن تجلب له سوى تعاسة وبؤس الاختيار قسرا.
وهكذا في الفن فأفكار الكاتب والمؤلف بمثابة أجندة ومطالب الأب والأسرة, أما شخصيات النص فتمثل جيلا فتيا يحاول أن يشق طريقه وفقا لحساباته واختياراته والتي حتما لن تكون اعتباطية.
وحين يختار الابن شريكة حياته ببساطة دون الأخذ باعتبارات الأسرة ، فإن الارتباط سيغدو قويا مثمرا ومفتاحا للسعادة، والمثال الثاني لو أن شابا حصل على أوائل جمهورية وحدد رغبته في دراسة قسم الفلسفة أو التاريخ او الرسم، فانه سيحصد أعظم أهدافه افضل مما لو استجاب لما يفرضه عليه والده بدراسة الطب والهندسة مثلا، والتي لن تجلب له سوى تعاسة وبؤس الاختيار قسرا.
وهكذا في الفن فأفكار الكاتب والمؤلف بمثابة أجندة ومطالب الأب والأسرة. أما شخصيات النص فتمثل جيلا فتيا يحاول أن يشق طريقه وفقا لحساباته واختياراته والتي حتما لن تكون اعتباطية.