عن الحاجة المُلِّحة للعلاج النفسي

في مواجهة الصراع اليوميّ مع الحياة
أيمن الكناني
March 6, 2023

عن الحاجة المُلِّحة للعلاج النفسي

في مواجهة الصراع اليوميّ مع الحياة
أيمن الكناني
March 6, 2023

يمرّ الإنسان من فترة لأخرى بالكثير من المعضلات التي يشعر معها بالخسارة والاكتئاب، وقد ينتابه شعورٌ بالعجز والإخفاق والخذلان وعدم الرضا المصحوب بالقلق والتوتر، مع وصول هذه المعضلات إلى صدمات، في ظلّ ما قد يتعرّض له من ضغوط على مستوى العمل والأسرة.

كلّ هذه الصدمات والمشاعر، ينتفخ حجمها زيفًا، لتصبح ملازمة للشخص، وتدفعه إلى وضع نفسيّ سيّئ ينعكس على صحته وأسرته وأصدقائه، هنا تأتي الحاجة المُلِحّة للدعم النفسيّ، وما أحوج الكثير في ظلّ الظروف الراهنة لمثل هذا الدعم.

من خلال تجربتي لجلسات العلاج النفسي، أوصي الجميع بخوض مثل هذه التجارب متى ما كان هناك شعورٌ بالحاجة لذلك. العلاج النفسي هو معالجة مزاج، وليس عملية جراحية أو مداومةً على تناول العقاقير الطبية، فقط هيِّئ نفسك واعترف لذاتك أنّك تحتاج دعمًا نفسيًّا.

عليك أولًا بالتخلص من هواجسك وصراع العقل الباطني مع ذاتك. لن يستفيد منك من يقدِّم لك الدعم النفسي، بل أنت من ستستفيد، فهذا صراع يجعل من جلسات العلاج النفسي، أشبه بحلقة مفرغة لإضاعة الوقت، تحاول فيها اصطياد أخطاء الآخرين ممّن يشبهون حالتك.

مع ذلك؛ نحن بأمس الحاجة في كثيرٍ من الأوقات، إلى من ينصت لنا ويشعر بمعاناتنا، مقابل كلّ ما نملك؛ فعلًا قد يمثّل ذلك شعورًا لا يخلو من الغرابة. لذا، يتوجب الشكر -باعتقادي- لهذا الشخص/ة المختص بهذا المجال الذي يقوم بمساعدتك، والذي سيحتاج هو الآخر في يومٍ ما للمساعدة والدعم والعلاج النفسي.

حتمًا، ستكتشف أنّ جزءًا كبيرًا من همومك، قلقك، توترك؛ هواجسُ عابرة ستبدّدها نسمة هواء عليلة أو جلسة ودّ صافية، أو مناظر طبيعية تضخ سعرات كثيفة من السكينة والطمأنينة للنفس.

علاوة على ذلك، هناك طرق كثيرة لتقديم الدعم النفسي الفرديّ لذاتك عن طريق ممارسة الرياضة، الكتابة، الغناء أو هواية معينة أو اكتشاف وتعلم مهارة جديدة أو غير ذلك.

لكن من خلال تجربتي الشخصية، أميل إلى فكرة جلسات الدعم النفسي الجماعية بعددٍ أدنى ثلاثةُ أشخاص، وعدد أقصى خمسةُ أشخاص لا أكثر، كالخروج معًا إلى مكان بعيد في منطقة ريفية أو جبلية مثلًا، تأمّل الطبيعة، أو المشي في الهواء الطلق، والتنزه، وارتياد الكافيهات التي تتميز بالخصوصية، لكي تكون بمنأى لبعض الوقت عن ذلك المكان الذي سبّب لك الاكتئاب؛ لأنّ الكثير لا يحبّذ العيادات المتخصصة لارتباطها في أذهان الكثير بأنّها أماكن للمرضى، حتى وإن كانت هذه العيادات مجهزة بالأضواء الصاخبة والأعشاب المتحركة، بالنظر إلى أنّ اليقين يغلب على أنّ كل ما يحيط بك مُصطنع.

غير أنّ جلسات الدعم النفسي الجماعية تبقى الأهم، وأتعمّد هنا ذكر "جلسات" لا جلسة واحدة؛ لأنّ الأمر يلزم أن تكون الجلسات بعدد الحضور، ثلاثة أشخاص أو أكثر ولمدة أيام. هناك أهمية للعدد، في حين يجب أن تكون المدة كافية لتتعمّق العلاقة أكثر، لكسر الروتين والطاقة السلبية، لتنقية النفس من الشوائب في أجواء يسودها الودّ واللّطف بشكل عفويّ. 

تشارك أصدقاءَك همومَهم ومشاكلهم ومعاناتهم، حتمًا ستكتشف أنّ جزءًا كبيرًا من همومك، قلقك، توترك؛ هواجسُ عابرة ستبدّدها نسمة هواء عليلة أو جلسة ودّ صافية، أو مناظر طبيعية تضخ سعرات كثيفة من السكينة والطمأنينة للنفس. أصدقاؤك والمحيطون بك سيخففون عنك كثيرًا، وستستفيد من كلّ هذه الأجواء محاولًا تحاشي ما يتم التحدث به من هموم ومشاكل ومعضلات الحياة فور سماعها من الآخرين دون تجربتها. ستجد الترابط النفسي والشغف، وبالطبع سينكشف لك حجم ألمك وبؤسك الصغير والحقيقيّ، مباشرةً ستتعاطف مع نفسك ومع الآخرين.

بالعودة للترويح عن نفسك بالحديث إليهم، ستجد كيف تهدأ سكينتك والتي تدفعك للبوح عمّا تكتنزه نفسيّتك لتصل إلى حدّ التشبع، ستجد الابتسامة طريقها إليك، وتدرك أنّ كلّ ما تحمله من هموم وما تواجهه من مشاكل، لا يخلو منها أحد في خضم الحياة اليومية، لكن الأهمّ أنّ التغلب عليها أمرٌ بغاية السهولة والبساطة، فالمشاكل تتفاقم حينما يكون هناك استلام مسبَق لها، وهنا تكمن أهمية العلاج النفسيّ الذي لا يقدّر بثمن.

•••
أيمن الكناني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English