هل نجحت البروباغندا في تمييع القضية الفلسطينية؟

صراع آخر في مواجهة الآلة الدعائية وموجات التطبيع
شذى العريقي
May 19, 2021

هل نجحت البروباغندا في تمييع القضية الفلسطينية؟

صراع آخر في مواجهة الآلة الدعائية وموجات التطبيع
شذى العريقي
May 19, 2021
Photo: Getty image

استمرت البروباغندا الصهيونية منذ مؤتمر بازل الأول سنة 1897، وحتى يومنا هذا، وهدفت وما زالت تهدف إلى دعوة اليهود للهجرة إلى فلسطين باعتبارها أرضًا لهم، وإقناع العرب بالتطبيع مع إسرائيل، وإجبار الفلسطينيين على تحقيق السلام المفصل وَفقًا لرغباتهم الخاصة، وغير ذلك من الأهداف التي تبدو واضحة في البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي.

ويقصد بالبروباغندا (Propaganda)‏ أو "الدعاية" هنا: "نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل، بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص"، ولقد اعتمدت الدعاية الإسرائيلية على تزوير ونكران الحقائق ، وترويج الخرافات والأساطير ، وذلك من خلال السيطرة على معظم القنوات والصحف العالمية، والتي من خلالها بثوا دعاياتهم بسهولة، مستهدفين بذلك اليهود أولًا، والعالم ثانيًا، والعرب والفلسطينيين ثالثًا وأخيرًا، ولكن السؤال المهم هنا، هل نجحت هذه البروباغندا في تحقيق أهدافها وتمييع القضية الفلسطينية وطمسها أو أنهائها؟

ضحايا الدعاية

نابليون بونابرت القائد الذي عُرف بانتصاراته المتتالية في حملاته العسكرية، والتي سيطر من خلالها على معظم أنحاء أوروبا القارية، هذا القائد الذي لا يقهر اصطدم على أسوار عكا، وبدأ بعد ذلك بالعمل على دعوة اليهود للهجرة إلى فلسطين، راغبًا بكسب دعمهم في حملاته العسكرية، والسيطرة على الأرض التي اصطدم على أسوارها.

يقول الدكتور هاني مغلس، أستاذ مادة القضية الفلسطينية في جامعة صنعاء، معبرًا عن فشل هذه الاّلة الدعائية في مواجهة القضية الفلسطينية، إن الدعاية مجرد أكاذيب تتهاوى الآن بكل وضوح، فلا القدس كفت عن كونها الروح لكل فلسطيني، ولا اللاجئون نسوا قضيتهم، ولا الشباب الصغار تنكروا لهويتهم العربية"

تبنت بريطانيا مشروع نابليون، وقامت بدعم (الحركة الصهيونية) بالمال والسلاح، هذه الحركة التي سارت على خطى خطة ثيودور هرتزل في كتابه "الدولة اليهودية"، وعملت دعايتها على استهداف اليهود عامة، ويهود أوروبا الشرقية خاصة؛ فهؤلاء هم من سيسهل استقطابهم لأي أرض جديدة، نتيجة الأوضاع الاجتماعية والأمنية الصعبة التي يعيشونها، وقد قدمت لهم الكثير من المغريات، بهدف تحقيق ذلك. 

ولم تنجح هذه الاّلة الدعائية حتى يومنا هذا في إقناع كافة اليهود بوجود وطنٍ قوميٍّ لهم، وبأرض الميعاد والهيكل السليماني "المزعوم" والخلاص، وما زال أغلبهم يعيشون منتشرين في بقاع الأرض، ومنهم من رفض وما زال يرفض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

كما فشلت هذه الدعاية في إقناع اليهود أنفسهم بأن فلسطين باتت حقًّا لهم، إذ لا يزال كثير منهم يحن لمنزله الأول وأرضه التي هُجر منها عنوة أول مرة، ويهود اليمن خير دليلٍ على ذلك.

العرب والدعاية الجديدة

بعد أن انتهى مشروع تهجير ما يكفي من اليهود إلى فلسطين، وتأسيس ما بات يعرف بدولة إسرائيل، أصبحت الدول والشعوب العربية هي المرمى الجديد للدعاية الموجهة، الذي يهدفون من خلالها إلى إقناع الدول العربية بالتطبيع، وخلق قاعدة شعبية عربية مؤيدة لهم، وتمييع القضية الفلسطينية في عقول الجيل العربي الحالي والأجيال الجديدة، وتحويل المقاومة الفلسطينية بذهن المتلقي إلى جماعة إرهابية معتدية والاحتلال إلى مدافِع عن حقه لا يهاجم أو يقتل إلا لضرورة الدفاع عن أرضه، وقد كان لانشغال العرب بمشاكلهم الاقتصادية وحروبهم الداخلية، أثرٌ في عدم إعطاء القضية الفلسطينية حقها الكافي، سواء من الناحية الإعلامية أو التربوية، وأدى هذا الغياب الإعلامي العربي ، إلى انتشار الدعاية الإسرائيلية بشكل أكثر فعالية، خاصة في ظل اهتمامهم الزائد بجانب الدعاية وتسخير إمكانيات ضخمة في سبيل تطويرها وتقوية أثرها، مستغلين بذلك انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة استخدامها وقوة تأثيرها على المتلقي.

أما الأدوات التي استخدمتها هذه الاّلة الدعاية لتحقيق أهدافها فهي متعددة، منها: إنشاء صحف متحدثة باللغة العربية، أو تعريب بعض فقرات الصحف الأخرى، وتمويل بعض البرامج المعروضة في القنوات العربية ، وإنشاء مجموعة من الصفحات العربية في مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك، أما مؤخرًا فقد كان للدعاية أساليب جديدة وغير مسبوقة، منها:

أولًا: استخدام الدول المطبعة كأداة للترويج، وبما أن اتفاقية إبراهام بين الإمارات وإسرائيل مثلت سابقة جديدة من نوعها، حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات بين الدولتين في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية، بل وحتى مجالات التعليم والصحة والتجارة والأمن. فقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دور الطالب المجتهد في تأدية واجبه تجاه معلمه، حيث باتت إحدى أبرز هذه الأدوات الدعائية ، وسخرت كل إمكانياتها الإعلامية لإقناع الشعوب العربية بأن التطبيع هو الحل.

ثانيًا: استخدام شيوخ الدين كأداة من أدوات الدعاية، وربما لأول مرة يتم تجنيد رجال دين في هذا الجانب، وقد جاهد وسيم يوسف بكل تفانٍ في الصفوف الأولى للمعركة ودون منازع.

أما عن تداعيات كل ذلك، فلم تؤثر الدعاية في موقف أغلب العرب تجاه فلسطين، وقد كان للتضامن العربي مؤخرًا مع أحداث الشيخ جراح، واقتحام المسجد الأقصى، والقصف الإسرائيلي لقطاع غزة، دورٌ في إنعاش القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية.

يقول الدكتور هاني مغلس، أستاذ مادة القضية الفلسطينية في جامعة صنعاء معبرًا عن فشل هذه الدعاية في مواجهة القضية الفلسطينية، إن الدعاية الصهيونية مجرد أكاذيب تتهاوى الآن بكل وضوح، فلا القدس كفت عن كونها الروح لكل فلسطيني، ولا اللاجئون نسوا قضيتهم، ولا الشباب الصغار تنكروا لهويتهم العربية.

تختلف الدعاية الموجهة لفلسطين عن غيرها من أشكال الدعاية التي تروجها، فهي بمثابة الحرب النفسية التي تعتمد على التخويف والتهديد والوعيد والتشكيك، وتضخيم الذات مقابل تقزيم الآخر 

ويمكن القول بأن هذه الدعاية نجحت في الكشف عن المطبعين من الدول العربية، وهو نجاح للقضية الفلسطينية.

كما أثرت الدعاية الإسرائيلية والإمارات بأولئك الذين لا يعرفون من التاريخ الفلسطيني سوى عام 1948، وهو عام إعلان ما يسمى بدولة إسرائيل، كما أثر أيضًا بمن يجهل أو ينكر التاريخ العربي الذي يشهد بمدى ترابط المحيط العربي وتأثير وتأثر الدول العربية ببعضها بعضًا، وباعتبار فلسطين المحور الأساسي لحل النزاع العربي الإسرائيلي.

ووفقًا لما سبق فقد نجحت الدعاية بالتأثير في هؤلاء؛ إما نتيجة جهلهم المتعمد للتاريخ، أو عدم أخذ حقهم الكافي من التعليم والتوعية فيما يخص القضية، وأما بالنسبة لمن يدرك التاريخ ويستمر بالتطبيع فهو ببساطة يطبع بطباعهم.

الدعاية والانتفاضة الفلسطينية الثالثة 

تختلف الدعاية الموجهة لفلسطين عن غيرها من أشكال الدعاية التي تروجها، فهي بمثابة الحرب النفسية التي تعتمد على التخويف والتهديد والوعيد والتشكيك، وتضخيم الذات مقابل تقزيم الآخر، ويظهر ذلك جليًّا في عناوين صحفهم، وخطاباتها التلفزيونية، وأقوال قاداتهم وزعمائهم، وهذه الدعاية سعت إلى نشر الزيف وترويج الأساطير، وأبرزها أسطورة الجيش الذي لا يقهر، كما سعت لتثبيط عزيمة الفلسطيني، وزعزعة ثقته، وتعجيزه، لكي يسهل عليهم بالنهاية إجباره على التطبيع وقبول السلام المفصل، لكن يبدو أن القضية الفلسطينية وقفت صامدة أمام كل ذلك.

ويشير الدكتور هاني مغلس إلى أن "الفلسطيني يدرك قضيته من زاوية الروح، من زاوية القدس، وهذا يعطي لنضاله دينامية تاريخية غير مسبوقة". ويتابع حديثه عن مدى ضعف الاحتلال الذي مهما بدت قوته المادية والعسكرية، لن يكون قادرًا على مواجهة الحق الفلسطيني: "في هذا الزمن الثقافي يعرف الفلسطيني ماذا يفعل، وبحضور القدس، يحضر المعنى للقضية، ولا قبل لهؤلاء بمواجهة وعي الفلسطيني بذاته، أو تجريده من المعنى"، ويظهر ذلك جليًّا في مشروع "صفقة القرن"، هذه الصفقة التي تصور القضية الفلسطينية كصفقة تجارية يمكن حلها عن طريق عملية بيع وشراء وتبادل الأموال، وكأن الفلسطيني ليس سوى تاجر لا يهتم سوى بالأرباح والخسائر المادية، ولكن خابت أمانيهم، وتحولت صفقتهم إلى صفعة، هذه الصفعة تتجلى بانتفاضة الفلسطينيين اليوم في العام 2021.

فبمواجهة أحداث حي الشيخ جراح، واقتحام الأقصى، وقصف قطاع غزة بالصواريخ، أثبتت ردة الفعل الفلسطينية مدى كذب الدعاية الإسرائيلية، وكشفت عن زيفها، فلا الجيش الإسرائيلي قادر على مواجهة شجاعة الفلسطيني، ولا القبة الحديدية قادرة على مواجهة الصواريخ الفلسطينية، وهكذا أسقطت أحداث فلسطين الأخيرة هذا القناع المزيف، وفضحت حقيقتها أمام العالم الذي يجهلها.

يؤكد الدكتور "هاني مغلس" على مدى تأثير الانتفاضة الثالثة بمسار القضية الفلسطينية: "ما يحدث في فلسطين له دلالات كبيرة في الحاضر، ومآلات على مستقبل القضية والمنطقة.

وعلى الرغم من خسارة أموالًا طائلة من أجل الترويج لهذه الأجندة الدعائية، لكنها فشلت ولم تحقق ما كان يرجوه منها منذ مؤتمر "بازل"؛ فلا فلسطين ركعت، ولا الشعوب العربية نسيت، ولا شعوب العالم صمتت، وحتى الإنسانية اليوم تعتبر قضية فلسطين قضيتها، وبالرغم من عدم وجود دعاية فلسطينية مضادة، إلا أن القضية الفلسطينية نجحت في جعل العالم يقف متضامنًا معها، يتحدث ويكتب عن فلسطين، دون البحث عن أي مقابل مادي.

ختامًا لقد فشلت هذه الدعاية بإقناع أو إجبار الشعب الفلسطيني بالاستسلام والتخلي عن أرضه مقابل المال والسلام، يقول الدكتور هاني مغلس معبرًا عن ذلك: "مهم جدًّا أن يستمر النضال الفلسطيني حتى يترسخ واقع مختلف، وأن لا تدخل على خط الفلسطيني -الذي يضحي من أجل بعث قضيته- حسابات الأنظمة وأوهام التسويات"، كما يؤكد بأن "فلسطين ليست قضية دولة، وإنما قضية هوية وروح وحقوق تاريخية عادلة، وإن قضية كهذه قد تخبو لبعض الوقت، وتتراكم عليها طبقات من الإهمال والخذلان، لكنها سرعان ما تنبعث مجددًا لتفصح عن عدالتها الأخلاقية.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English