دواء غير متوفر ضحاياه حوامل وأمهات

لماذا تنعدم بعض الأصناف من السوق اليمنية؟
علاء الشلالي
June 14, 2023

دواء غير متوفر ضحاياه حوامل وأمهات

لماذا تنعدم بعض الأصناف من السوق اليمنية؟
علاء الشلالي
June 14, 2023

ما يزال أيمن وزوجته بشرى محمد (29 عامًا)، يتجرعون مرارة الصدمة لعدم حصولهم على أحد أصناف الدواء، والذي بسبب انعدامه كادت بشرى أن تفقد حياتها.

بدأت معاناة بشرى في الشهر الأول من حملها في شهر مارس/ آذار الفائت، حيث حصلت لها مضاعفات وآلام في ساقها أدّت إلى إصابتها بجلطة، على إثرها أُدخِلت إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات الخاصة وتدهورت حالتها الصحية، ما أدّى إلى تدهور وضع الجنين الذي تحمله في أحشائها، حينها طلب الطبيب من زوج بشرى توفير عشر حقنات من نوع (كلكسان، 60 ملغم).

منذ اندلاع الحرب والصراع في العام 2014 حتى الوقت الراهن، ما تزال مئات الأصناف الدوائية في اليمن منعدمة لأسباب؛ بعضها متعلقة بالحرب، وبعضها بطبيعة تجارة الأدوية في البلاد.

كانت رحلة البحث عن الحقنة مضنية بالنسبة لعائلة بشرى، حيث تجول أيمن في معظم الصيدليات الموجودة في صنعاء ولم يجد تلك الحقنة، كما يقول لـ"خيوط"، وبعد أن انتابه اليأس أشار إليه أحد أصدقائه بالذهاب إلى إحدى الصيدليات التي حصلت عليه من جهة أخرى تستقدم بعض الأدوية بواسطة التهريب.

لكن ذلك الدواء كان على وشك انتهاء صلاحية استخدامه، واضطر أيمن مرغمًا على شرائها بثمن مرتفع بعد أن استشار الطبيب لشدة احتياج زوجته لتلك الحقنة.

في مطار عدن، اختلف الأمر مع منصور، حيث وُجهت له اتهامات من قبل العاملين في المطار، بالمتاجرة بالأدوية، ولم يُسمح له بإدخال الدواء إلا بعد أن ساعده أحد المسؤولين، واستمرت معاناته في نقاط التفتيش الممتدة من مدينة عدن إلى صنعاء.

لم تنتهِ رحلة معاناة أيمن في البحث عن أدوية لعلاج زوجته الحامل، واستمر في البحث عن صنفين آخرين، هما: مضاد حيويّ يُسمى (سلتاز)، وطارد للبلغم يُسمى (فيروميتين)، ووجدهما بعد مشقة.

بمقابل ذلك، تغرق الأسواق المحلية في اليمن -كما كشف تحقيق نشرته "خيوط" في أكتوبر/ تشرين الماضي 2022- بأدوية مهرَّبة ومنتهية الصلاحية في الصيدليات والبقالات (محال بيع المواد الغذائية بالتجزئة) والمتاجر، على مرأى ومسمع من الناس، ومن السلطات الحاكمة شمالًا وجنوبًا، فلا رقابة ولا محاسبة لهذا القطاع الحيوي الذي يمسّ حياة البشر.

كما كشفت "خيوط"، عن عديدٍ من الأنشطة غير القانونية والخروقات التي تُرتكب في سوق الدواء اليمني وعن ضحايا تلك الأفعال، وسط تضخم مشبوه في هذا السوق التجاري الذي يرتبط بحياة الناس في ظروف وأوضاع معيشة صعبة، في حين تنعدم كثيرٌ من أصناف الأدوية المنقذة للحياة، خصوصًا للحوامل والأمهات.

رحلة معاناة

لم تتحسن الحالة الصحية لزوجة أيمن، بشرى، المرقدة في العناية المركزية، لليوم العاشر، حينها طلب الأطباء حقنة (الكلكسان، 60 ملغم)، لكن أيمن لم يجد هذا النوع من الدواء في كافة الصيدليات بصنعاء، وحتى في مختلف المحافظات اليمنية.

لجأ أيمن -مضطرًّا- إلى أصدقائه ومعارفه كي يبحثوا عن شخص مسافر عائد من مصر إلى اليمن، وبعد أيام وجدوا هذا الشخص، وهو منصور أبو الفضل والذي قام بشراء الحقن المطلوبة.

في حديثه لـ"خيوط"، يسرد أبو الفضل الصعوبات التي واجهها خلال استقدامه لدواء بشرى أثناء رحلته من القاهرة إلى صنعاء، قائلًا: "في مطار القاهرة بعد أن عاينوا الدواء، طلبوا مني التقرير الطبي والروشتة، بعدها سمحوا لي بأخذ الدواء".

في مطار عدن، اختلف الأمر مع منصور حيث وجهت له اتهامات من قبل العاملين في المطار، بالمتاجرة بالأدوية، ولم يُسمح له بإدخال الدواء إلا بعد أن ساعده أحد المسؤولين، واستمرت معاناة أبو الفضل في نقاط التفتيش الممتدة من مدينة عدن إلى صنعاء، حيث تم منعه من إدخال الدواء في النقاط التابعة لجماعة أنصارالله (الحوثيين)، جنوب شرقي محافظة تعز، حينها لم تفِ التقارير الطبية ولا محاولة استعطاف أفراد النقطة الأمنية بمنطقة الراهدة، بشرح الحالة المرَضية لبشرى، بالسماح بالمرور؛ وبعد ساعات من التوقف سُمح له بالعبور.

يصف أبو الفضل تفتيش حقائب المسافرين بحثًا عن الأدوية بـ"الدقيق"، وعندما سأل مسؤول النقطة الأمنية عن سبب كل هذا التعنت والحرص على عدم دخول الأدوية، أخبره بأن الأدوية أصبحت مصدرًا للدخل لدى بعض المواطنين، فضلًا عن المهربين المتمرسين.

أصناف منعدمة

هذا في الوقت الذي تنعدم فيه، في السوق اليمنية، عددٌ من الأصناف الدوائية الهامة، وبحسب رصد مشترك بين مرضى وصيادلة يمنيّين تحدثوا لـ"خيوط"، فإنّ أبرز تلك الأصناف هو دواء erythropoietin، والذي يستخدم بشكل كبير لمرضى الفشل الكلوي، إضافة إلى letrozol، وهو داء خاص بمرضى السرطان، كما تنعدم في السوق أدوية: dogmatil، ezetimibe،Anti scorpion ، Lantus،NovaRapid ،Cytotec ، Aclasta 5mg Vail، Cytoblastin10 mg/10 ml، Gemcitabin، والكثير من الأصناف الدوائية التي يحتاجها المرضى ولا يجدونها.

إلى ذلك، أطلق بنك الدواء اليمني في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الفائت، نداء استغاثة حول انعدام معظم أدوية السرطان واللوكيميا والثلاسيميا وزراعة الكبد والفشل الكلوي والأدوية الهرمونية من السوق اليمني، داعيًا كل الجهات ذات العلاقة لتبني مبادرات صحية إنسانية عاجلة لتفادي الكارثة الصحية المتوقعة، رغم ذلك لم تبادر أيّ جهة لحل المشكلة الكارثية حتى وقتنا الراهن.

يُرجع الطبيب الصيدلاني منذر العريقي، السببَ في عدم استيراد الأدوية المعدومة في الأسواق اليمنية إلى العراقيل التي تصطنعها الهيئة العليا للأدوية، سواءً في صنعاء أو عدن، إضافة إلى وجود مبررات مقنعة حول عدم سماح الهيئة بدخول بعض الأصناف الدوائية؛ فعلى سبيل المثال: تم في الآونة الأخيرة منع استيراد بعض أدوية مرضى السرطان.

حوالي 70% من أدوية الولادة غير متوفرة، في حين توفرها سيحل مشكلة كبيرة تجنّب أكثر من 50% من وفيَات المواليد في حال توفير الرعاية الصحية الأساسية.

ويؤكّد العريقي لـ"خيوط"، أنّه من خلال احتكاكه المباشر بشركات الأدوية في اليمن، يستمع إلى شكاوى القائمين على إدارة تلك الشركات من اشتراطات هيئة الأدوية، حيث تُلزم الهيئة الشركات التي ترغب باستيراد بعض الأصناف الدوائية بدفع تكاليف سفر وإقامة خمسة أشخاص على الأقل من موظفي الهيئة لفحص جودة المنتج، ومِن ثَمّ عمل تصريح لاستيراد المنتج، كذلك جباية مبالغ مالية خارجة عن الأطر الرسمية من أجل تسجيل المنتج الدوائي والسماح بدخوله اليمن، كل هذه الإجراءات المُكلفة تتم على الرغم من أنّ الأدوية في اليمن، من السلع المعفية من الضرائب.

تداعيات الحرب

يعترف القائمون على الهيئة العليا للأدوية في صنعاء، بفقدان 20 نوعًا من الأدوية المنقذة للحياة، أبرزها المتعلقة بعلاج مرضى الكبد والقلب والسرطان بجانب أدوية الأطفال الذين يعانون نشاطًا زائدًا، والمحاليل الوريدية. 

في حين تنفي الهيئة، بحسب مصدر مسؤول، تحدث لـ"خيوط"، الاتهامات الموجهة لها بعرقلة الشركات المحلية في اليمن، الراغبة في استيراد الأصناف الدوائية المنعدمة في السوق اليمنية، وترجع السبب إلى الحصار الذي يمارسه التحالف على اليمن، إضافة إلى جشع تجار الأدوية في اليمن.

بالمقابل، ترجع نقابة الصيادلة اليمنيّين سبب انعدام بعض الأصناف الدوائية في اليمن، إلى شحة الاستيراد نتيجة للحصار المفروض من قبل التحالف، وقصف ميناء الحديدة طوال سنوات الحرب، وأزمة النقل الجوي، ومنع شركات الطيران من شحن الأدوية عبر أسطولها الجوي.

إضافة إلى امتناع معظم شركات الأدوية عن الشحن إلى اليمن بسبب الوضع الأمني، وامتناع الشركات التجارية عن شحن الأدوية التي تحتاج إلى ظروف خاصة وتبريد في حاويات مبردة، ومخاوف من تلف الأدوية أو ضياعها في الموانئ.

منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل، تشير من جهتها إلى أنّ كلّ هذه العوامل نتج عنها تبعات في شح المعروض من الأدوية، إذ إنّ حوالي 70% من أدوية الولادة غير متوفرة، في حين توفرها سيحل مشكلة كبيرة تجنب أكثر من 50% من وفيَات المواليد في حال توفير الرعاية الصحية الأساسية. 

زيادة الاستجابة

تؤكّد منظمات معنية بالشأن الصحي أنّ انعدام الأدوية في اليمن مشكلة قديمة ومزمنة، وزادت في الآونة الأخيرة بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد.

ويرى مجد الجنيد، مسؤول الاتصال في منظمة أطباء بلا حدود، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ المنظمات تقوم بواجبها بحسب الإمكانيات المتاحة؛ فعلى سبيل المثال، تعمل منظمة أطباء بلا حدود على التكفل بتطبيب وتوفير الأدوية بشكل كامل للحالات المطابقة للمستشفيات والمتوافقة مع معايير أطباء بلا حدود، مشيرًا إلى أنّ منظمته لا تشتري الدواء من السوق اليمنية، وإنّما تقوم باستيراده عبر إمدادات تصل من بلجيكا وغيرها من الدول.

وتدعو منظمة أطباء بلا حدود الأطرافَ المتحاربة إلى ضمان حماية المدنيين والعاملين الصحيين، والسماح للجرحى والمرضى بالحصول على الرعاية الصحية.

كما تحثّ الأطرافَ المتحاربة في اليمن، على تخفيف القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية لتكون قادرة على الاستجابة للاحتياجات الضخمة في الوقت المناسب. كما تدعو منظمة أطباء بلا حدود منظمات الإغاثة الدولية إلى زيادة استجابتها الإنسانية في اليمن.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English