مشكلة اليمن الرئيسية تكمن في نخبها السياسية وأحزابها

د. ألفت الدبعي في حوار لـ"خيوط"
November 18, 2020

مشكلة اليمن الرئيسية تكمن في نخبها السياسية وأحزابها

د. ألفت الدبعي في حوار لـ"خيوط"
November 18, 2020

حاورها: صلاح الواسعي


   في هذا الحوار تتحدث الدكتورة ألفت الدبعي أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، وعضو لجنة صياغة الدستور اليمني وعضو فريق العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حول واقع الأزمة اليمنية، وفرص تحقيق واقع سلام شامل لجميع اليمنيين بعد ست سنوات من الحرب. فإلى نص الحوار:

هل ترى الدكتورة ألفت الدبعي أن الأطراف اليمنية مستعدة للدخول في حوارات جادة لأجل إنهاء أزمة الثقة بينها، والبناء على ذلك نحو السلام؟ ما هي مؤشرات ذلك؟

الأطراف اليمنية للأسف أثبتت أنها مرتهنة لتأثيرات ورؤية اللاعب الإقليمي وصراعاته البينية، وبتحريك وإدارة من اللاعب الدولي الذي له مصالحه الخاصة ونظرته لطبيعة إدارة الصراع ومتطلباتها. ولذلك كان موقف أطراف الصراع المحلي هو انعكاس لطبيعة الصراع الإقليمي، وهو ما يدل على ضعف المكونات المحلية في الالتقاء على مصالح مشتركة لليمنيين، وتقوية جبهتها بشكل مستقل، لذلك كانت عوامل بناء الثقة بينها ضعيفة؛ لأن تركيزها على إدارة الصراع واستمراريته، رغبة منها في أن يلغي أحدها الآخر أو ينتصر عليه أو يفرض سياسة أمر واقع، أكبر من ميلها إلى التركيز على المشتركات التي يمكن الالتقاء عليها. ولكني أتوقع أن يحدث تغيير في إدارة الصراع في اليمن بآليات جديدة، خاصة مع تأثير التغيرات الدولية والانتخابات الأمريكية التي قد تساهم في مزيد من الضغوط السياسية، والتي ستجبر الجميع على الجلوس على طاولة واحده لإنتاج حلول.

هل ترى الدكتورة ألفت الدبعي مخرجًا للحرب في اليمن بعد ست سنوات من الاقتتال والصراع بين الأطراف المحلية وتدخل دول الإقليم؟

نعم أنا متفائلة جدًّا بأنه قريبًا سيكون هناك مخرج للحرب في اليمن، وأتوقع أن الصراع والدماء التي سالت بين اليمنيين قد علمتهم رسالة كبيرة بأنه لا يمكن لطرف أن يفرض سيطرته على الطرف الآخر، وأنه لم يعد هناك مجال للاستقواء، وأنه لا مجال أمام اليمنيين إلا أن يذهبوا لإنتاج حل لواقع هذه الحرب، ينطلق من قاعدة الاستناد إلى المرجعيات الثلاث، والاتفاق على صيغ توافقية جديدة لإعادة ترتيب واقع اليمن الجديد، والذي أتصور أن الذهاب إلى الاتفاق على توافقات وحلول لا مركزية واتحادية وخلق مؤسسات جديدة تنطلق من الاستناد للأسس المرجعية التي أقرها مؤتمر الحوار، ستكون هي الحل والرؤية التي ستؤدي لإحلال السلام، بدل البقاء في دائرة الصراع والإصرار على العودة للدولة المركزية قبل الحرب كحل للخروج من مشكلة الحرب، وهو الذي يستحيل من الناحية الموضوعية الواقعية. ومن هنا، يصبح المهم هو الاجتهاد داخل إطار المرجعيات لاقتراح مؤسسات جديدة تساهم في إحلال السلام، وفي تصوري على الشرعية [الحكومة المعترف بها دوليًّا] أن تبدأ فورًا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، الذهاب إلى البدء بعملية التنفيذ هذه، عبر خلق المؤسسات الجديدة التي ستعمل على التهيئة للسلام الشامل مستقبلًا وإعلان قيام جمهورية اليمن الاتحادية.

من أهم الملفات الوطنية التي يمكن أن تسهم في الدفع بعملية السلام والتوصل لحل الأزمة اليمنية، هو حل إشكالية إعادة توزيع السلطة والثروة، على أن يواكب ذلك آليات عدالة انتقالية تركز على كشف الحقيقة والإنصاف، حتى لا يتم إعادة إنتاج منظومة استبداد جديدة

بحكم تخصصك في علم الاجتماع الذي يدرس علاقة المجتمع بالسياسة، ماهي الملفات الوطنية التي من وجهة نظرك يمكن أن تسهم في الدفع نحو عملية السلام والتوصل إلى حل للأزمة اليمنية؟ وأين ترين مشكلة اليمن تكمن؟ وما هي برأيك الخطوات التي يمكن أن تخلق ثقافة سلام بين المجتمع والقادة؟

من أهم الملفات الوطنية التي يمكن أن تسهم في الدفع بعملية السلام والتوصل لحل الأزمة اليمنية ومشكلة الحرب في اليمن، هو حل ملف إشكالية إعادة توزيع السلطة والثروة في اليمن، فهو جوهر المشكلة اليمنية، وسنحتاج لنجاح هذه العملية - دون تكرار أخطاء الماضي - أن يواكب ذلك آليات عدالة انتقالية تركز في كشف الحقيقة والإنصاف، حتى لا يتم إعادة إنتاج منظومة استبداد جديدة تعمل على إعاقة التنفيذ العملي بإجراءات شكلية لا تلامس جوهر المشكلة الرئيسية. 

    أما مشكلة اليمن الرئيسية فتكمن في نخبها السياسية وأحزابها التي ما تزال مرتهنة لصراع الماضي وتداعياته من جانب، ومرتهنة لمسلمات أيديولوجية تحتاج إلى إنتاج معرفي جديد ينطلق من الاختبار الواقعي لها في الميدان، وهو ما تفتقر إليه الأحزاب والنخب السياسية اليمنية، وفي تصوري يعود السبب أيضًا لغياب ثقافة العدالة الانتقالية والمصالحة، كأحد وأهم أسس خلق ثقافة للسلام في اليمن، بالإضافة إلى معيقات أخرى لها علاقة بمشكلة الثقافة المجتمعية وإعادة إنتاج العنف، حيث فشلت ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر في استكمال خلق ثقافة جمهورية تؤسس لتأصيل قيم المواطنة المتساوية والدولة المدنية بمفهومها الواسع، وخاصة القانوني منها، كسلوك يمارس عمليًّا ويصبح تنشئة اجتماعية وثقافية تحدث تغييرًا شاملًا على مستوى المجتمع وكافة مؤسساته وسلوك أفراده الذي يمثل العقدة الرئيسية التي تعاني منها اليمن، وهي الجذر الرئيسي المولّد لكافة أشكال العنف.

إلى أي مدى سيصل تأثير تدني مستوى التعليم، والجامعي منه على وجه الخصوص، على مستقبل السلام وإعادة الإعمار في اليمن؟

    كارثة اليمن الأساسية هي في نمط التعليم اليمني، سواء من ناحية السياسة التعليمية والانقسام الحالي الذي يكمن فيها، أو في ضعف بنيتها التحتية، أو عدم الاهتمام بتطوير أوضاع الكادر التعليمي ماديًّا وإعادة تأهيلهم وتدريبهم معرفيًّا وإداريًّا، كأحد مهام عملية الإصلاح المؤسسي الشامل لقطاع التعليم. 

    وفي تصوري كل هذا سيظل ضعيفًا ولا قيمة له، وتأثيره كبير على تغيير واقع اليمنيين إذا لم يتشكل مجلس وطني خاص بالتعليم والبحث العلمي كهيئة مستقلة، كما نصت مخرجات الحوار الوطني، يعمل على رسم سياسات تعليمية موحدة للبلد وربط هذه السياسة باحتياجات المجتمع وعملية التنمية، وإعادة الإعمار في المجتمع كإحدى أهم عمليات السلام، فضلًا عن إعادة صياغة المناهج وفق رؤية وطنية يساهم في صياغتها المتخصصون في جميع المكونات.

كيف ترين مستقبل الديمقراطية والعملية السياسية في اليمن بعد ست سنوات من الحرب؟

    ما لم يذهب اليمنيون جميعًا إلى تعزيز آليات "الديمقراطية التشاركية" لإدارة العملية السياسية، والتي تختزل بأهمية توسيع الحوار والتشاور مع المواطنين، للإسهام في تدبير الشأن العام وصنع القرار الكفيل بمواجهة التحديات المطروحة محليًّا، وبما يتيح الفرصة لتلافي أخطاء وعيوب "الديمقراطية التمثيلية" أو العملية التوافقية التي يتم قصرها فقط، على نخبة من الأحزاب والمكونات السياسية، ما لم يتم ذلك، فمستقبل العملية السياسية سيظل جامدًا ويقودنا من فشل وصراع إلى فشل وصراعات جديدة.

الذي لا يفهمه الكثيرون أن هذا الواقع الجديد لا يمكن أن يصل اليمنيون إلى إنتاج توافقات جديدة لوضع حلول له، دون أن يكون هناك إطار مرجعي يستندون عليه في الاجتهاد لإنتاج هذه الحلول

من خلال عملك ضمن فريق نساء تعز لأجل الحياة، ما هي الإسهامات التي قدمتها هذه المبادرة في مجال السلام في اليمن؟

    مبادرة نساء تعز من أجل الحياة هي مبادرة نسائية مختصة فقط، بمناصرة قضية فتح طرق ومنافذ في تعز بين الشرعية [الحكومة المعترف بها دوليًّا] والحوثيين [جماعة أنصار الله] من أجل التخفيف من الحصار الظالم على المواطنين، وقد عملت هذه المبادرة على تسليط الضوء بقوة على هذه القضية، سواء عبر حشد الرأي العام والتواصل مع المجتمع الدولي لمناصرتها، أو التأثير على أصحاب القرار والسياسيين واللاعبين الرئيسين فيها. وتهتم المبادرة بدرجة أساسية، بالتركيز على الجذور الرئيسية التي تعيق عملية فتح الطرق وفك حصار المدينة بدرجة أساسية وكشف حقيقتها، بما يعمل على تسهيل هذه العملية بين أطراف الصراع، وهي عملية ما زالت تشغل اهتمامات عضوات الفريق عبر المتابعة المستمرة لهذه القضية وتطوراتها. 

كيف يبدو مستقبل السلام في اليمن من وجهة نظرك؟ وكيف يمكن التعامل مع أثر الحرب داخل المجتمع في ظل تفشي ثقافة العنف؟

   لا أستطيع أن أتخيل مستقبل السلام في اليمن دون التفكير بأهمية وضرورة أن يطور اليمنيون آليات مصالحة وطنية وعدالة انتقالية، يتم التوافق عليها بين جميع المكونات السياسية، بحيث يكون الهدف منها هو التركيز على كشف الحقيقة ومعرفة الجذور الرئيسية لأسباب الصراع، بما يساهم في تحفيز المجتمع اليمني بجميع مكوناته من أجل العمل على محو آثار العنف والظلم وأنماط الاستبداد الذي تمت ممارسته في المجتمع وأدّى إلى تفشي ثقافة العنف. فلا يوجد أفضل من مدخل وآليات العدالة الانتقالية للعمل على سد فجوة الصراعات الحالية عن طريق التركيز على رد الاعتبار، وكشف حقيقة طبيعة الصراع القائم، وهو نفسه المدخل الذي سوف يسهل لنا عملية الانتقال إلى بناء اليمن الاتحادي، بعقلية تشاركية تعاونية تضمن عدم عودة نمط الاستبداد لليمني من جديد.

دائما ما نراكِ تتحدثين عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني؛ هل تعتقدين أنها لا تزال قابلةللتنفيذ بعد هذه السنوات من الحرب وتعقيداتها الاجتماعية والاقتصادية؟

    نعم ما تزال مخرجات الحوار الوطني قابلة للتنفيذ، ولا أرى حلًّا للمشهد اليمني دون العودة للمبادئ الحاكمة التي أقرها المؤتمر؛ لأن اليمنيين بحاجة أن يتعلموا درسًا، إذا تعلموه فسوف تحل أحد العقد المهمة التي تشكل الذهنية اليمنية، وهي تآمراتهم المستمرة على توافقاتهم النظرية عبر الانقلابات واستخدام ثقافة القوة وقوة السلاح، وهذه عقدة يمنية ينبغي حلها بإجبار الجميع على العودة إلى مربع ما يتوافقون عليه نظريًّا. ولا يعني هذا أنه لا يتم الاجتهاد لإنتاج حلول أو تطوير آليات جديدة للتعقيدات الاجتماعية أو الاقتصادية التي أفرزتها الحرب، فالعقل والمنطق يقول أن الحرب أفرزت واقعًا جديدًا ينبغي التعامل معه، ولكن الذي لا يفهمه الكثيرون أن هذا الواقع الجديد لا يمكن أن يصل اليمنيون إلى إنتاج توافقات جديدة لوضع حلول له دون أن يكون هناك إطارًا مرجعيًّا يستندون عليه في الاجتهاد لإنتاج هذه الحلول، ومن هنا تأتي أهمية مخرجات الحوار كإطار مرجعي يعتبر بمثابة خارطة طريق للاجتهاد بإنتاج الحلول الواقعية لعملية السلام المطلوبة في اليمن. 

ما لم يكن هناك خطة إصلاح سياسي شامل على مستوى المجتمع والأحزاب، فسيظل العمل السياسي في اليمن وأحزابه جزءًا من إنتاج مشاكل اليمن المستمرة التي تحصر اليمن في البقاء في دائرة الصراعات، بدلًا من الانتقال إلى دائرة البناء والتنمية وإنتاج الحلول

كيف تنظرين إلى واقع الأحزاب السياسية؟ أعني إلى أي مدى يمكن أن تلعب دورًا في مستقبل العملية السياسية في اليمن ككل؟

    واقع الأحزاب السياسية سيظل أحد معيقات التحول الديمقراطي الحقيقي في اليمن، ما لم تتم عملية إصلاح سياسي واسعة على مستوى اليمن، تبدأ أولًا من الإيمان أنه لا يمكن إقصاء أي شريك سياسي من إدارة العملية السياسية على مستوى البلد، بما فيها مشاركة النساء والشباب والفاعلين المستقلين، والثانية ضرورة البدء بعمليات إصلاح سياسي ونقد واسع داخل الأحزاب لإعادة تنظيم نفسها، بما يلغي التناقض الداخلي في بنيتها التنظيمية، والذي ما يزال يحمل ثقافة الإقصاء والاستبداد وسيطرة رؤية الفرد وغياب رؤية العمل المؤسسي الحقيقي، وغيرها الكثير من متطلبات الإصلاح السياسي الذي تحتاجه البلد، سواء على مستوى المجتمع أو مستوى الأحزاب نفسها والعوامل الذاتية والموضوعية التي تحيط بها. وما لم يكن هناك خطة إصلاح سياسي شامل على مستوى المجتمع والأحزاب، فسيظل العمل السياسي في اليمن وأحزابه جزءًا من إنتاج مشاكل اليمن المستمرة التي تحصر اليمن في البقاء في دائرة الصراعات، بدلًا من الانتقال إلى دائرة البناء والتنمية وإنتاج الحلول.

    لذلك، التعويل على مستقبل العملية السياسية واقتصارها على هذه الأحزاب، لا أتوقع له نجاحًا كبيرًا دون أن يكون هناك إشراك لفاعلين سياسيين من مستقلي القرار عن إرادة قادة هذه الأحزاب.

كيف تقرئِين موقف المجتمع الدولي وجهود المبعوث الأممي في إدارة الملف اليمني، وهل يعول عليهما لإرساء واقع سلام شامل لكل اليمنيين؟ وهل حان الوقت أن يحزم اليمنيون أمتعتهم ليرحلوا نحو الأمم المتحدة بحثًا عن سلام دائم وعادل وشامل؟

أتوقع أنه لم يحن الوقت لحزم الأمتعة بعد ما دامت هناك أصوات ما تزال تعتبر أن المرجعيات لا يمكن القبول بها كإطار للحل. لذلك أتوقع أن تذهب الأمور إلى مرحلة جديدة من الصراع قد تفرض واقع جديد، ولكن بنفس الوقت، لا يعفي هذا الأمم المتحدة أن تبذل كل السبل والطرق لتسهيل كل الوسائل والطرق التي سوف توصل اليمنيين إلى التوافق على آليات سلام ومصالحة خاصة بهم، ومن هذه الطرق أن تعمل الأمم المتحدة بشكل منتظم ودائم لعقد اللقاءات المستمرة المكثفة بين كافة أطراف الصراع، سواء على المستويات المحلية أو المركزية، واستخدام العصا الدولية للوقوف أمام الطرف المعيق.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English