اختطاف وسرقة حقائب وهواتف النساء

ظاهرة تتنامى في شتاء مدينة الحديدة
ياسمين الصلوي
February 8, 2024

اختطاف وسرقة حقائب وهواتف النساء

ظاهرة تتنامى في شتاء مدينة الحديدة
ياسمين الصلوي
February 8, 2024
.

خرجت سامية محمد لمرافقة صديقتها الحامل بعدما نصحتها الطبيبة بالمشي لتسهيل حالة الولادة، وأثناء قطعهما شارعًا بجانب مستشفى أطباء بلا حدود، في حي السلخانة بمديرية الحالي بمدينة الحديدة، مرّ سائق دراجة نارية واختطف حقيبتها.

كانت سامية تستعد لإقامة أمسية عن الضغوطات النفسية، والعرض الخاص بتلك الأمسية موجود في ذاكرة الهاتف الخاص بها، إلى جانب العديد من الملفات والكتب والبحوث الخاصة بالجامعة، وبعد أن فقدت هاتفها الذي كان بداخل حقيبتها، كان عليها أن تجمع كل شيء من جديد، في مهمة شاقة ومضنية.

لم تستطع سامية الذهاب إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ عن الحادثة؛ نظرًا لعادات وتقاليد الأسرة التي ترى أنّ الذهاب إلى هذه المقرات عيب ويخالف ثقافة منطقتهم، حسب إفادتها لـ"خيوط"، إذ تقول: "أبي رفض ذهابي إلى القسم وتقديم شكوى؛ لأن في العائلة النساء لا يذهبن إلى أقسام الشرطة، وإن ذهبت ينظر لها المجتمع نظرة مفادها أنها منفتحة ومسترجلة".

لا تختلف قصة عبير كثيرًا عما حدث لسامية، حيث وقفت -وفق حديثها لـ"خيوط"- تنتظر أحد أفراد أسرتها أمام محل تجاري في شارع شمسان، وهو أحد الشوارع الرئيسية وسط مدينة الحديدة، وبينما تحاول إخراج الهاتف من الحقيبة عندما سمعته يرن، مرّ صاحب دراجة نارية مسرعًا، وحاول أخذ الحقيبة، لكنه لم يستطع إلا أن يسحب الهاتف فقط من يدها.

قد لا تمثّل هذه الحوادث المتكررة خلال الفترة الماضية بمحافظة الحديدة، ظاهرةً واسعة، لكنها تتكاثر بشكل ملحوظ، جعل الكثير من النساء يشعرن بالقلق عند خروجهن للعمل، أو للتسوق، أو للزيارات العائلية.

يطالب كتّاب وصحفيون وناشطون اجتماعيون الجهات الحكومية بالتعاون والتعامل مع أي شكوى من هذا النوع، وسرعة ملاحقة الجناة وتتبعهم عبر استخدام الكاميرات في الشوارع، وفرض كاميرات على المحال التجارية؛ حتى يسهل رصد حركة مثل هذه الأنشطة في الشوارع وفي الأسواق ومختلف الأماكن العامة.

بينما تؤكد عبير أنّ الإضاءة كانت ضعيفة في المكان، والمارة قليلون، ولم يستطيعوا اللحاق به واسترجاع هاتفها الذي بالكاد استطاعت جمع قيمته. بمقابل ذلك، كان الحظ حليف نبيلة حمود التي نجحت في التغلب على أحد سائقي الدراجات النارية، إذ حاول اختطاف حقيبتها وهي عائدة مع إحدى قريباتها من سوق شمسان، الساعة الثامنة والنصف من مساء أحد أيام شهر يناير/ كانون الثاني الماضي 2024.

في حين يروي سامي أحمد لـ"خيوط"، عن حالة سرقة سيدة في جولة الساعة وسط مديرية الحالي بالمدينة، بقوله: "كنت في طريقي إلى جولة الساعة مع أحد الأصدقاء، فجأة كانت امرأة، وبجانبها طفلة صغيرة، تسير أمامنا، وبعد أن دخلت السوق القريب من المكان سمعنا صراخًا، التفتّ خلفي فوجدتها تبكي وتصرخ، تجمّع الناس في المكان، ذهبنا نرى ما القصة، فوجدناها تحكي لمن حولها أن سائق دراجة نارية اختطف حقيبتها في تلك الأثناء.

موسم للحصاد

خلال فصل الشتاء ومع اعتدال الجو، يعتاد سكان الحديدة البقاءَ في منازلهم، فتجد الكثير من الأحياء والشوارع الفرعية التي كانت تُفترش ليل نهار من قبل كثير من الأشخاص الذين يبحثون عن جو لطيف في صيف قاسٍ تصل فيه درجة حرارة المدينة إلى أكثر من 45 درجة مئوية، خالية منهم تمامًا. في هذا التوقيت، يجد لصوص الحقائب النسائية فرصًا مناسبة لارتكاب جرائمهم.

يقول بعض الأهالي في شارع شمسان، وفي شوارع وأماكن أخرى، إنّ مثل هذه الأيام من كل عام، تحدث الكثير من حالات سرقة حقائب النساء في الأحياء والحارات القريبة، وأرجعوا سبب ذلك إلى خلو تلك الأماكن من المارة ومن المواطنين الذين يجلسون على الأرصفة، فضلًا عن الظلام الذي يخيم عليه.

أم سمر، وهي من سكان هذا الشارع، تقول لـ"خيوط"، إن الكثير من النساء يتعرضن لسرقة حقائبهن أو أي شيء يحملنه بأيديهن، خاصة أنّ هناك الكثير منهن يقصدن الشارع من أماكن مختلفة للتسوق من (سوق شمسان)، الذي يقع في منتصفه، وحين يدخلن الأحياء والأزقة للعبور إلى منازلهن في الشوارع القريبة، يترصد لهن لصوص بطرق مختلفة، في محاولة لاختطاف ما بأيديهن.

تتابع أم سمر: "الكثير من الفتيات والنساء يتدفقن باتجاه السوق، وأغلبهن يجئن من أحياء شارع زايد والأربعين وشارع أربعة وعشرين؛ يقصدن المكان مشيًا على الأقدام، لا سيما أن الكثير من سكان أغلب هذه الأماكن وضعهم المعيشي متردٍّ، ويفضلن السير على أن يدفعن أجرة الباص الذي ينقلهن للسوق".

هناك من يرى، في هذا الخصوص، أن مثلَ هذه الظواهر الاجتماعية، كالسرقة باستخدام الدراجات النارية، واحدةٌ من إفرازات الحرب المباشرة التي فاقمت البطالة والفقر في أوساط الشباب، حيث يطالب كتّاب وصحفيون وناشطون اجتماعيون الجهات الحكومية بالتعاون والتعامل مع أي شكوى من هذا النوع وسرعة ملاحقة الجناة وتتبعهم عبر استخدام الكاميرات في الشوارع، وفرض كاميرات على المحال التجارية، ما يسهل رصد حركة مثل هذه الأنشطة في الشوارع وفي الأسواق ومختلف الأماكن العامة.

كما تتطلب مكافحةُ مثل هذه الممارسات والظواهر؛ توعيةَ النساء بحماية حقائبهن بشكل جيد، وتوعية المجتمع بأن السرقة ليست حلًّا لتوفير لقمة العيش.

مطاردة الخوف

في الوقت الذي لجأ فيه الكثير من المواطنين بسبب ضيق الحال وفقدان مصادر الدخل وسبل العيش، إلى البحث عن أي خيارات بديلة للعمل، مثل "الدرجات النارية" التي أصبحت ملاذًا لبعضٍ منهم، للعمل عليها وإعالة أسرهم- هناك من يحاول استخدام مثل هذه الوسائل بطرق سيئة، وممارسة أعمال السرقة لحقائب النساء، كما يحدث في بعض مناطق الحديدة، وهذا يشوه صورة من يعملون عليها بغرض كسب الرزق.

هنا تروي سوسن قصتها بالقول لـ"خيوط": كنت أمشي مسرعة وحقيبتي على كتفي وبيدي كيس بلاستيكي أحمل به ملزمة جامعية لإحدى زميلاتي طلبتها إحدى جارات أختي، وأخبرتني في اتصال هاتفي قبل خروجي أنها تحتاجها بشكل ضروري، وعليها أن تعطيها إياها، فمررت بمنزلها وأعطيتها الملزمة، وواصلت السير إلى منزل عمتي.

مثل هذه الأفعال والممارسات مُجرَّمة في القانون اليمني، وتندرج تحت أعمال السرقة والاعتداء على سلامة الجسم في حالة تعرض المعتدى عليه للأضرار، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الفاعل فور القبض عليه.

لكني فجأة وجدت نفسي ملقاة على الأرض، اعتقدت أني سقطت من شدة التعب والإرهاق، فمنذ الصباح وأنا أقوم بالكثير من التجهيزات للحفلة، لم أدرك أنّ حقيبتي لم تعد موجودة على كتفي، حاولت أن أجمع قواي وأنهض، شعرت بوجع في يدي اليمنى وجسمي كان يؤلمني كثيرًا، كان سائق دراجة نارية يقف على مسافة بسيطة من موقعي وهو يشير لي وبيده الحقيبة، حينها أدركت أنه مر بجانبي بعد أن أتى من خلفي وسحب الحقيبة حتى أسقطني أرضًا، كنت أصرخ بصوت عالٍ وأترجاه أن يعيد لي الحقيبة، لكنه ذهب".

تضيف سوسن: "دخلت منزل عمتي القريب من المكان وكنت أبكي وقد انتزع النقاب والبرقع من على وجهي ورأسي، وأحذيتي بيدي، حاولت عمتي تطميني وتهدئتي، كنت منهارة وخائفة. كنا سعداء جدًّا بقرب المناسبة، لكن سائق تلك الدراجة سرق منّا تلك السعادة، وحوّل يومنا ذلك إلى كابوس ما زال يلاحقني".

أصيبت سوسن بالذعر والخوف والقلق، وحتى بعد مرور أيام من الحادثة، كانت لا تريد أن تخرج من المنزل وتسير في الشوارع. كما كان عليها أن تعيد مال الجمعية التي اشتركت فيها لتوفير ثمن الهاتف، علاوة على فقدان جهاز "الآيباد" الذي كان يعني لأختها الصغيرة الكثير.

إلى جانب ذلك امتنعت الكثير من النساء، من حمل المجوهرات في الحقائب، والاكتفاء بأخذ مبلغ مالي بسيط؛ لتجنب تعرضهن لحالة سرقة، سواء أثناء سيرهن في الشارع، أو في أي مكان عام يذهبن إليه.

المواطنة سلوى عبده، من سكان الحديدة، تشرح في هذا الصدد لـ"خيوط"، بالقول: "أصبحنا لا نحمل المجوهرات في حقائبنا، وإذا كان الأمر يستدعي ذلك، فإننا نرتديها على أجسادنا لتكون بأمان، وإذا ذهبت إحدانا لاستلام راتبها أو أي مبلغ يصلها، تأخذ رجلًا من أهلها معها، أو تحجز باصًا ينتظرها أمام المحل وتعود إليه مباشرة من باب المحل نفسه".

كما تؤكّد سلوى أنّ النساء مع تكرار حالات سرقة الحقائب، أصبحن أكثر حرصًا عندما يخرجن لسببٍ ما إلى الشارع، في حين أدّت توعية الأسرة -خاصة الأمهات والآباء- لفتياتها بضرورة حماية حقائبهن والانتباه من لصوص الشوارع والأسواق، دورًا مهمًّا في التقليل من هذه الممارسات.

يقول المحامي رأفت الصلوي، لـ"خيوط"، إنّ مثل هذه الأفعال والممارسات مجرَّمة في القانون اليمني، وتندرج تحت أعمال السرقة والاعتداء على سلامة الجسم في حالة تعرّض المعتدى عليه للأضرار، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الفاعل فور القبض عليه.

مضيفًا: "أما بخصوص تفعيل بعض القوانين في تخفيف المشكلة، فإننا لمسنا خلال الفترة الماضية تفعيلًا لقانون المرور الذي يلزم أصحاب الدراجات النارية ترقيمها والالتزام بالتعليمات المرورية، فالدراجة عندما تحمل أرقامًا بمكان بارز يتم رصدها ومعرفة صاحبها والوصول للفاعل بسهولة، والمؤمل استمرار الحملات المرورية لمراقبة التزام مالكي الدراجات بذلك".

إضافة إلى عوامل أخرى بالإمكان أن تؤدي إلى تخفيف ظاهرة السرقة باستخدام الدراجات النارية؛ مثل تركيب كاميرات المراقبة في الأسواق، وتشجيع أصحاب المحال التجارية على تركيبها؛ كونها تسهل للجهات الأمنية معرفة الفاعل وتتبُّعه والوصول إليه.

•••
ياسمين الصلوي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English