أكتوبر استحقاقٌ يمنيٌّ كبير

أخطاء الجبهة القومية التي لم تُتدارَك
عبد الله الحنكي
October 11, 2022

أكتوبر استحقاقٌ يمنيٌّ كبير

أخطاء الجبهة القومية التي لم تُتدارَك
عبد الله الحنكي
October 11, 2022

كلَّما حلَّت ذكرى ثورة أكتوبر المسلحة ضد المستعمِر البريطانيّ في جنوب اليمن، من الطبيعي أن تعيد إلى الأذهان ذكريات الثورة السبتمبرية التي أطاحت بنظام الاستبداد الكهنوتيّ الإماميّ، وأخرجت اليمن من ضيق العزلة والانعزال إلى الرحاب الفسيحة وطنيًّا وعالميًّا من ناحية، ومن الناحية الأخرى تدفع ذكراها إلى التأمل في مختلف المآلات التي آلت إليها منذ استقلال الجنوب الذي جاء ثمرةً طبيعية لاندلاعها من جبال ردفان، وحتى تحقيق الوحدة كثمرة تأخّرت فلم تُقطَف في أوانها المناسب لأسباب ليس هنا الآن موضع ذكرها.

أمّا عن مصاحبة الأصداء السبتمبرية لكلِّ ذكرى ثورة 14 أكتوبر، فذلك أمر بديهي، انطلاقًا من أهميتها الوطنية لعموم الوطن اليمنيّ الذي تمزّق بين مستعمِرٍ لجنوبه، وبين نظام مستبِدٍ عزل شَماله عن كلِّ التاريخ. ورغم أنّ الجنوب قد شهد نموَّ حركة وطنية، سياسيًّا ونقابيًّا، تناضل من أجل التحرر والاستقلال -كان مركزها مدينة عدن، لكنّها عمّت مختلف المناطق اليمنية الأخرى، وكانت تتفاعل مع المدّ القومي التحرري المتنامي في الوطن العربي عامة، وتشهد عددٌ من المناطق انتفاضات ضد الوجود الاستعماري الأجنبي- فإنّ المستعمر البريطاني كان مطمئنًّا إلى استمرار وجوده، معتمِدًا على بقاء نظام الاستبداد في شمال الوطن. 

غير أنّ ذلك الاعتماد اختلّ يوم 26 سبتمبر 62، وأصيب المستعمِر بالرعب غداة اندلاع ثورة سبتمبر التي أنهت، وإلى الأبد، النظامَ الملكي المستبِد، مرتكز الاستعمار، وأعلنت قيام أول جمهورية في الجزيرة العربية.

فيما تصاعد الغليان الوطني في عدن وكلِّ مناطق الجنوب، وبلغت عوامل الثورة المسلحة ضد الاستعمار أعلى درجاتها، بَدْءًا بالتصدي لمحاولات بريطانيا المسعورة في استقبال فلول الملكيين وتدريبهم في معسكرات فتحتها القوات البريطانية خصيصًا لهم، لتعزيز جبهات الملكيين في حريب والجَوف وصَعْدة، ثم قيام الجبهة القوميّة لتحرير الجنوب اليمنيّ المحتلّ، من عدة تنظيمات وفصائل ومستقِلّين، وانتهاءً بقيام الثورة المسلحة في الرابع عشر من أكتوبر المجيد، من قمم ردفان الشمّاء، وتحقيق استقلال الجنوب.

من هنا

فما من بأس في المرور، ولو قليلًا، على ما آلت إليه ثورة أكتوبر من انتصارات ومن نكسات أيضًا، مع اليقين الكامل بأنّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها اليمنُ الآنَ، قد لا تسمح بالإشارة إلى عددٍ من المعطيات الدائرة بين الجراح النازفة، مع ذلك فلا مندوحةَ لنا عشيةَ ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة، من الإشارة إلى أهمّ الحقائق التي يجب أن تكون محلّ اعتبار في أيّ رؤية وطنيّة مستقبلية.

لعلّ أهمّ وأخطر خطأَين وقعت فيهما الجبهة القوميّة، هما: 

- محاولة الاستحواذ على ثورة أكتوبر واعتبارها منجزًا وطنيًّا خاصًّا بها، علمًا أنّها كانت من إنجاز صفٍّ وطنيّ أوسعَ إلى جانبها، فيه ثوّار ناصريون، ووطنيّون مستقلّون، وأدباء وكتّاب أحرار؛ ما أدّى إلى اشتباكات بيتية لثوارها الأماجد في صراع وحرب أهلية عشية الاستقلال والجلاء. 

- هذا الخطأ قاد إلى الآخر الأفدح، وهو الانفراد بالحكم غداةَ الاستقلال، وإقصاء الشركاء الآخرين، بل وقمعهم بضراوة. الأمر الذي جعل هذا الإقصاء والقمع يتحولان إلى داخل الجبهة القومية نفسها، فتآكلت في صراعات عقيمة بين بعضها وبعض. وهنا جاء استحقاق "الوحدة" وهي والنظام الوطنيّ في جنوب البلاد في أشدّ حالاتهما ضعفًا وتمزُّقًا؛ الأمر الذي أتاح لشريك الوحدة من الشمال فرصةَ الاستحواذ على كامل نظام الوحدة، بل وعلى إفراغ جمهورية سبتمبر العظيمة من كل أهدافها الوطنية والإنسانية، لصالح نظام عائليّ استبداديّ طفيليّ أضعفَ اليمنَ كلَّها وجعلَها فريسةً سائغة للعدوان الخارجي!

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English