السردية المهملة في ثورة أكتوبر

تفكيك المشوّه والغائب في تاريخها
حسن عبدالوارث
October 14, 2022

السردية المهملة في ثورة أكتوبر

تفكيك المشوّه والغائب في تاريخها
حسن عبدالوارث
October 14, 2022

كما هي حال جميع الثورات مع تاريخها المكتوب -حيث ثمّة حلقات غائبة أو وقائع غامضة أو أمور مُشوَّهة- يكونُ التعامُل مع تاريخ ثورة 14 أكتوبر 1963 التي شهدها الجنوب اليمني المحتل من قبل بريطانيا، خلال الفترة من 19 يناير 1839 حتى 29 نوفمبر 1967.

تشكَّلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في 3 أغسطس 1963، بعد أن حملت في البدء تسمية "جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل"، حسب ما ورد في بيان أصدره الضبّاط الأحرار وتشكيل القبائل، في 5 يونيو 1963.

وحتى يوم 14 أكتوبر 1963، لم تكن الجبهة القومية -ولا غيرها- قد خطَّطت لقيام الثورة بطابعها السياسي ولا العسكري ولا التنظيمي المُتعارف عليه، برغم قيام أعمال فدائية متفرقة.

ففي يوم 14 أكتوبر 1963، كان الفدائي القُطيبي راجح بن غالب لبوزة (1917-1963) ومجموعة من الرجال الذين سلَّموه زمام قيادتهم -وجميعهم ينتمون إلى قبائل ردفان- في طريق عودتهم إلى منطقتهم بعد إتمام مهمّة مشاركتهم في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية في الشطر الشمالي من الوطن اليمني. وكان لبوزة ورجاله مطلوبين "جنائيًّا" من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، طبقًا لقانون يعاقب كلَّ من يشارك في أيّ جيش "أجنبي" بسجنه ثلاث سنوات وتغريمه عشرة آلاف شلن.

في ذلك اليوم، كمنَت قوة بريطانية مسلحة لجماعة لبوزة في أحد جبال ردفان، بعد أن رفضوا التسليم للسلطات رفضًا قاطعًا، بل أرسل لبوزة رصاصة في مظروفٍ إلى القائد العسكري البريطانيّ، ردًّا على طلب التسليم، ما يعني أنّهم قرروا المقاومة حتى النهاية، وهو ما كان. فدارت المعركة بين الطرفين، وسقط عددٌ من رجال القبائل في ردفان، بينهم لبوزة نفسه.

يؤكِّد أرشيف الجبهة القومية أنّ راجح بن غالب لبوزة كان على صلة وثيقة ببعض مؤسسي الجبهة القومية من تشكيل القبائل. ولهذا وجدت قيادة الجبهة في قيام هذه المعركة -وفي استشهاد لبوزة وبعض رجاله- موعدًا مناسبًا وفرصة سانحة لإعلان قيام ثورة الجنوب اليمني المحتل بقيادة الجبهة القومية. 

غير أنّ الجبهة القومية لم تعلن برنامج أهداف الثورة إلَّا يوم 19 مايو 1965، في منشور سياسيّ -كتبه عبدالفتاح إسماعيل- تمت فيه الإشارة إلى أنّ قيام الثورة في 14 أكتوبر 1963، كان قرارًا نابعًا من إرادة قيادة الجبهة القومية. وهو أمر غير دقيق!

ثمّ أنّ برنامج أهداف الثورة -هذا- لم يتبلور نظريًّا وتنظيميًّا إلَّا بعد مناقشته وإغنائه والمصادقة عليه من قبل المؤتمر العام الأول للجبهة القومية (المنعقد خلال الفترة من 22 إلى 24 يونيو 1965 في مدينة تعز).

إضافةً إلى ذلك، فإنّ الثورة -بنطاقها الشعبي الواسع وبإطارها التنظيميّ والفدائيّ المعروف- لم تظهر في باقي مناطق البلاد، وبالذات في مستعمرة عدن، إلَّا في نهاية العام 1965، حيث تواجدت 12 جبهة قتالية تنشط تحت قيادة الجبهة القومية، وأبرزها جبهة عدن التي قاد جناحها الفدائي في البداية عبدالفتاح إسماعيل نفسه، إذْ لم يعترف الاحتلال البريطاني، ولا الرأي العام الدولي، بوجود ثورة في الجنوب اليمني (أو الجنوب العربي، حسب التسمية السائدة آنذاك) إلَّا بعد أن نشطت جبهة عدن وسقط في هذه المدينة عددٌ من الإنكليز والهنود والجنسيات الأخرى، وحتى عدد من اليمنيين ممّن يتعاملون مع السلطات البريطانية، وكذا بعد أن سقط عددٌ من الشهداء والجرحى من فدائيي الجبهة القومية، وأيضًا بعد وقوع عملية قنبلة مطار عدن الشهيرة.

وفي الوقت نفسه، يكاد التاريخ المُنصِف لثورة الجنوب اليمني لا يكتمل شهادةً من دون التنويه بالدور الكفاحي لجبهة التحرير والتنظيم الشعبي وشبيبة السلفي، خصوصًا بعد فضّ الزواج السياسي والتنظيمي الذي فرضته السلطات المصرية بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير يوم 13 يناير 1966، والذي أُبطِل في المؤتمر العام الثالث للجبهة القومية (المنعقد في حُمَر- قعطبة، خلال 29 نوفمبر - 3 ديسمبر 1966). وهو الأمر الذي جعل كلًّا من الجبهة القومية وجبهة التحرير تقاتل الأخرى، إلى جانب مقاتلة السلطات البريطانية؛ ما أسفر عن حرب أهلية طاحنة -عشية الاستقلال، وعلى فترتين- كان ضحاياها "أكثر من قتلى وجرحى المعارك التي دارت رحاها في عدن ضدّ الإنكليز"، حسب زعم أحد المشاركين في هذه الحرب لكاتب هذه السطور!

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English