غرفة تتحول لمتحف فضِّيّات في سيئون

حِرفة تتوارثها الأجيال
هشام السقاف
December 28, 2022

غرفة تتحول لمتحف فضِّيّات في سيئون

حِرفة تتوارثها الأجيال
هشام السقاف
December 28, 2022

ينظر "حسن" وهو يتفحص ويقلّب ما بحوزته من مشغولات فضية وأدوات صياغتها العتيقة والمستحدثة كفن مستقل بذاته وكإبداع وثقافة وكموروث انساني مرتبط بالتاريخ وبالعادات والتقاليد والعقائد في المجتمع، وليس فقط كحرفة ومهنة وتجارة اشتهرت بها عائلته (باحشوان) في حضرموت منذ عقود وعقود صاغةً للفضة والذهب توارثتها الأجيال، وتتلمذ عليها الأبناء بالممارسة من الجدود والآباء جيلًا بعد جيل. 

الأستاذ (حسن عمر باحشوان)، وهو كادر تربوي في مكتب وزارة التربية والتعليم بوادي حضرموت، أراد أن يكون وفيًّا لنظرته تلك ولموروث عائلته وتاريخها الذي هو أيضًا تاريخ بلاده وأراد بعزيمته وعشقه للمهنة أن يجسّد ذلك عملًا وواقعًا، فخصّص غرفة في منزله الحديث بمدينة سيئون لتكون متحفًا ومعرضًا لتاريخ صياغة الفضة، وأطلق على مشروعه هذا تسمية (مركز باحشوان للتراث الحضرمي).

المركز حوى أيضًا إلى جانب المشغولات الفضية وأدوات صياغتها التي يعود بعضُها لسنوات بعيدة، ملابسَ وأزياء ومعروضات تراثية قديمة كأول مركز من نوعه يسجل تاريخ صياغة الفضة في حضرموت. 

وأنت تطوف مع (حسن) في زوايا متحفه وتستمع إلى شرحه، يبهرك بكل التفاصيل الفنية والحِرَفية والتاريخية التي تختبئ في كل قطعة معروضة في هذا المركز العجيب، فهو متحدث لبق ومهتم بالتاريخ والموروثات الشعبية، وبفضل ثقافته واطّلاعه نجحَ خلال العشر سنوات ونيف منذ افتتاحه هذا المركز، بأن يجذب إليه أنظار مئات الزوار من المهتمين وكذلك المتخصصين في هذا المجال، كما أنّه بنى علاقات وتبادلات معرفية مع مراكز مشابهة داخل اليمن وخارجها. 

هناك تنوع كبير في الأشكال والزخارف الهندسية، وفي دقة الصنع والتشكيل الحر والهندسي، وتُقتبس من طبيعة كل منطقة وتقاليدها، كما أنّ المشغولات والقطع الفضية لا يقتصر لبسها واستخداماتها على النساء فقط، بل تنتشر قطع خاصة يلبسها الرجال.

يؤكّد باحشوان أنّه نفّذ بجهدٍ ذاتي، مسحًا شاملًا لصاغة الفضيات في عموم قرى ومدن حضرموت، ساعده فيه الأستاذ عدنان باوزير، كما أنّه كان مرافقًا سياحيًّا لعددٍ من الأجانب المهتمين بالفضّيّات في أكثر من محافظة يمنية، ولعل أبرزهم الباحثة الأمريكيةMarjorie Ranssom التي أصدرت كتابًا وثائقيًّا مرجعيًّا عن تاريخ الفضة وتفاصيلها في أكثر من دولة ومن بينها اليمن، وأهدته نسخة من هذا الكتاب المعروض في مكتبة الكونغرس وفي مركز باحشوان. 

مشغولات

في مايو/ أيار عام 2011، تم استضافة حسن ومحتويات مركزه في العاصمة الأمريكية واشنطن لعرض مقتنياته في معرض عالمي متخصص، ولاقى ترحيبًا وإعجابا كبيرًا من المضيفين والزوار. كما شارك أيضًا في معارض أقيمت بصنعاء عامي 2012 و2014، وفي معارض تراثية بغيل باوزير وسيئون والمكلا، كان آخرها عام 2020. 

يقول باحشوان لـ"خيوط"، إنّ حضرموت تزخر بتاريخ عريق في صناعة الحلي والفضيات، وتمثّل رمزًا من رموز القوة والعظمة في عصور الحضارات القديمة، وتعدّ صياغة الفضيات إحدى الحرف التقليدية المتوارثة التي امتهنتها أسر محدّدة كحرفة مهنية وإبداعية، وليست كتجارة فقط وتميّزت كل منطقة بإبداعها الخاص بها.

ومن أبرز العوائل في صناعة الفضة؛ "باحشوان - حسان - العماري - باداؤود - باقطيان – باطاهر"، أمّا المناطق التي عُرفت فيها هذه المهنة فهي؛ "سيئون - شبام - تريم - المكلا - الشحر - الغيل - ساه - القطن - وادي عمد - حورة - الهجرين – قصيعر".

ويضيف أنّ هناك تنوّعًا كبيرًا في الأشكال والزخارف الهندسية وفي دقة الصنع والتشكيل الحرّ والهندسي، وتقتبس من طبيعة كل منطقة وتقاليدها، كما أنّ المشغولات والقطع الفضية لا يقتصر لبسها واستخداماتها على النساء فقط، بل تنتشر قطع خاصة يلبسها الرجال وكذلك الأطفال، ولها مدلولات ثقافية ودينية معينة، وتعادل الفضة الحضرمية نسبتها قروش الفرانصة (ماريا تريزا). 

كنوز تراثية

مركز باحشوان للتراث الحضرمي مبادرة ذاتية رائعة وطموحة، يفتقر للدعم والعون من وزارة الثقافة ومن كل الجهات الحكومية، وكذلك الأهلية، ويحتاج للتطوير، خاصة في مجال تنظيم المعروضات فيه بطريقة متحفية واستعراضية مبهرة، على أسس حديثة تُبرِز القيم المتنوعة والأثرية للمقتنيات ذات القيمة المعنوية والمادية الثمينة جدًّا التي تمثّلها، ويكفي حسن باحشوان وطنيةً وإخلاصًا أنّه رفض عدة عروض مالية غالية ومغرية لبيع بعض مشغولاته لكثيرٍ من الأجانب الذين زاروه، بصفتها كنزًا من كنوز التراث الوطني الذي لا يُقدّر بمال.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English