العام الدراسي.. عبء يثقل كاهل اليمنيين

تعليم تجاري مكلف، وأُسر لا تجد قوت يومها
أمل جابر
July 30, 2022

العام الدراسي.. عبء يثقل كاهل اليمنيين

تعليم تجاري مكلف، وأُسر لا تجد قوت يومها
أمل جابر
July 30, 2022
Photo by: Ala'a Alghanami- © Khuyut

يعتبر قدوم العام الدراسي حدثًا هامًّا ومميزًا لكلّ الأسر حول العالم لما يعنيه من انتقال بين المراحل التعليمية واكتساب مهارات وقدرات معرفية ومعلوماتية جديدة، لكن في اليمن ومع استمرار الحرب للعام الثامن، أصبح قدومه يمثّل عبئًا يثقل كاهل الأسر اليمنية؛ لما يحتاجه من تكاليف مالية قد لا تتوفر عند الكثير بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تزداد سوءًا كل يوم.

وذلك مع انقطاع رواتب الموظفين المدنيين وارتفاع أسعار السلع الغذائية والأزمات الاقتصادية والمعيشية؛ لذا يأتي العام الدراسي الجديد كنذير خطر ينبئ بأن كارثة حقيقية تهدّد مستقبل جيل كامل وقد تمتد لأجيال قادمة.

بعد أن ألقت الحرب بوزرها على التعليم، كما فعلت مع جميع نواحي الحياة لدى اليمنيين، وأدّت إلى تدمير أكثر من 2900 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس) أو تضررت جزئيًّا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة 7 سنوات من النزاع الذي شهدته البلاد، وفقًا لآخر تحديث صادر عن منظمة اليونيسف لوضع التعليم في اليمن، وهو ما كان سببًا رئيسًا في أنّ ما يزيد على مليوني طالب ما زالوا خارج المدارس.

التوجه للعمل

تسرب نسبة كبيرة من الطلاب لصالح سوق العمل، حيث دفع الوضع الاقتصادي بالكثير من الأسر إلى سحب أطفالها من المدارس وتوجيههم إلى الأسواق؛ لمساعدة أسرهم في تلبية الاحتياجات الضرورية، كالأكل والشرب والسكن، في ظل ارتفاعات جنونية ولا محدودة لأسعار السلع والخدمات بشتى أنواعها، وأزمات متتالية تجعل من الصعب تجاوز تأثيراتها على دخل الأسر ومستوياتها المعيشية، وهو ما يزيد نسب الفقر والمجاعة والحرمان من الحقوق الأساسية، وأولها التعليم.

تصل رسوم الطالب الواحد في الصفوف الأساسية إلى ما يزيد على 100 ألف ريال يمني (180 دولارًا) على الأقل وبعض المدارس أكثر من هذا المبلغ بكثير، بينما تصل للمرحلة الإعدادية إلى أكثر من 150 ألف ريال، وتصل إلى ضعف هذا المبلغ للمرحلة الثانوية، في المدارس الأهلية والخاصة

سعيد العريقي، أبٌ لخمسة أبناء جميعهم في مراحل تعليمية مختلفة، أكبرهم في سنته الجامعية الثالثة، يشكو من عدم قدرته على توفير متطلبات أبنائه الدراسية كما أنه يفكر في تأجيل إلحاق ابنه المتخرج حديثًا من الثانوية العامة بالجامعة، والدفع به للعمل من أجل جمع بعض المال لدخول الجامعة العام القادم.

الأب الذي يعمل سائقًا لسيارة أجرة كدوام مسائي إلى جانب عمله الصباحي في إحدى الدوائر الحكومية، التي انقطع راتبه فيها منذ ثمانية أعوام، يفكر -وفق حديثه لـ"خيوط"- في عمل مشروع صغير له أو التوجه ناحية التجارة الإلكترونية سعيًا لتحسين دخل أسرته، وإيجاد خيارات تعليمية أفضل لأبنائه.

من جانبه، يعتبر الباحث التربوي والاجتماعي، محمد الهمداني، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ التعليم الحكومي في اليمن فقدَ جودته تمامًا مع تغيب المدرسين بعد انقطاع مرتباتهم منذ بداية الحرب. وبحسب منظمة اليونيسف فإنّ أكثر من ثلثي المعلمين أو ما يقارب 172 ألف معلم ومعلمة لم يعودوا يحصلون على رواتبهم منذ العام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدِرّة للدخل.

أعباء ثقيلة

يرى الأستاذ أمين عبدالله، تربوي ووكيل مدرسة، في حديثه لـ"خيوط"، بناء على مشاهداته وقربه من الحالة التربوية، أنّ التعليم في اليمن صار أحد أكبر هموم الأسر في البلاد، وأنّ بداية العام الدراسي أصبح من أثقل الأعباء، كغيره من المناسبات، مثل (رمضان، والأعياد، حتى المناسبات الدينية والوطنية) في ظل الظروف الحالية، التي أضحت أعباء إضافية.

يلاحظ عبدالله، كونه وكيل مدرسة وتربوي، أنّ الكثير من الآباء والأسر اليمنية صار لديهم قناعة بأنّ المدارس الحكومية لم تعد صالحة لتلقي العلم، وهم يفضلون الخيار الأصعب بالتعليم الخاص بحثًا عن جودة التعليم لأبنائهم رغم كلفته الباهظة، والأقساط المبالغ فيها جدًّا.

تصل رسوم الطالب الواحد في الصفوف الأساسية إلى ما يزيد على 100 ألف ريال يمني (180 دولارًا) على الأقل، وبعض المدارس أكثر من هذا المبلغ بكثير، بينما تصل للمرحلة الإعدادية إلى أكثر من 150 ألف ريال، وتصل إلى ضعف هذا المبلغ للمرحلة الثانوية، في المدارس الأهلية والخاصة.

هذا الأمر يجعل الكثير من أولياء أمور طلاب المدارس في مواقف صعبة جدًّا من المدارس لعدم قدرتهم على تسديد الأقساط أو تأخيرها، فضلًا عن التكاليف الأخرى للتعليم، كالزي المدرسي والكتب التي أصبحت تباع أيضًا بما يزيد على 10 آلاف ريال يمني (18 دولارًا)، بعد أن كان يوزع مجانًا، إضافة إلى ثمن القرطاسية والحقائب والمواصلات، التي تواصل ارتفاعها بشكل مستمر.

في 8 أغسطس/ آب الجاري، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن 8.1 ملايين طفل يمني بحاجة إلى مساعدة تعليمية طارئة، وأنّ هذه زيادة ضخمة في عدد المحتاجين، مقارنة بنحو 1.1 مليون طفل يمني قبل الحرب، داعية إلى ضرورة توقف الحرب حتى يستطيع الأطفال عيش طفولتهم.

مدارس للاستثمار

يعتبر الكثير من التربويين أن تراجع العملية التعليمية وتدهورها كانت نتيجة طبيعية للحرب الحاصلة في البلاد، التي أنتجت سوقًا استثمارية للتعليم الأهلي، بعيدة عن النظام والقانون المنظم لها (قانون تنظيم مؤسسات التعليم الأهلية والخاصة)، وهو ما يمنح الكثير الحق في إنشاء مدارس خاصة بصلاحيات تدعم تطوير التعليم، ولكن الملاحظ أنّ تلك المدارس تتعامل مع التعليم كتجارة، تحاول جني أكبر قدر من المال معها برسومها الدراسية التي تفوق قدرة الكثير من الأسر.

وتحدثت التربوية إلهام أحمد، عن أنّ غياب الرقابة وعدم تنفيذ القوانين الخاصة بالتعليم الأهلي في اليمن، هو ما تسبب في زيادة انتشار المدارس الخاصة في اليمن، وقالت أحمد، في حديثها لـ"خيوط": "إنّ مخرجات التعليم الضعيفة في المدارس الحكومية ساهم في زيادة أعداد الملتحقين بالمدارس الأهلية، التي تستغل اليمنيين بزيادة الرسوم الدراسية".

ورغم ذلك، فإنّ غالبية المعلمين في هذه المدارس يشتكون بشكل مستمر من تدني المرتبات، حيث لا تتجاوز رواتب بعضهم 30 ألف ريال يمني (54 دولارًا)، فيما تتجه الكثير من المدارس للبحث عن خريجي الثانوية أو حديثي التخرج مقابل أجور زهيدة.

مستقبل التعليم

بدأت بعض الأسر في اليمن ترى التعليمَ ترفًا ومضيعة للوقت في بلد لم يعد حتى للخريجين مكان في سوق العمل، ونسب البطالة تزداد يومًا بعد آخر، كما يقول الموجه التربوي قائد الحداء، ويرى، في حديثه لـ"خيوط"، أنه ومع بداية العام الدراسي الجديد تضع أسئلة ملحة نفسها أمام السلطات المتنازعة في البلاد، مفادها: إلى أين يسير مستقبل التعليم في اليمن؟

وطالب بضرورة إيجاد حلول حتمية تُحيّد التعليم عن المعارك السياسية، ووضع خطط إنعاش اقتصادية، وإعادة صرف المرتبات المتوقفة، والتوعية بأهمية التعليم، وتشجيع الأسر لدفع أبنائها إلى المدارس إحدى أهم مسؤوليات السلطات التعليمية في اليمن.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English