جبل على وشك الانهيار في حضرموت

آلاف من سكان "وادي عمد" مهددون بالتشرد والموت
هشام السقاف
March 31, 2024

جبل على وشك الانهيار في حضرموت

آلاف من سكان "وادي عمد" مهددون بالتشرد والموت
هشام السقاف
March 31, 2024
.

مع كل موسم للأمطار والغيوث في وادي حضرموت -مثل هذه الأيام الراهنة- يبرز أمامنا ذلك التحذير الخطر الذي نبهنا منه منذ سنوات عديدة:

"تحذير لا يقبل التأجيل من كارثة متوقعة: جبل على وشك الانهيار فوق 3000 إنسان بحضرموت".

"نحن في خطر حقيقي"؛ عبارة تكررت على أكثر من لسان، أفسدت استمتاعنا بجولة استطلاعية في ربوع وادي (عَمْد) أقصى غرب وادي حضرموت، ليس هذا وحسب، بل إننا بعد أن وقفنا على موقع الخطر وشاهدنا بأمّ العين ما يحدث في قمة ذلك الجبل، انتابنا الخوف والرعب والهلع -وكل مرادفات مسمى هذا الشعور- فتحتنا مباشرة بلدة (عمد) بمنازلها ومرافقها العامة، وسكانها هم الهدف المرتقب لكتلة صخرية ضخمة جدًّا، بدأت تنفصل عن رأس الجبل منذ 20 سنة، وهي الآن على وشك الانهيار في أي لحظة، بعد أن استنفدت -كما يبدو- مدة تحذيرها المرئي الصامت، ولكن لا الأهالي أخذوا حذرهم وغادروا منازلهم، ولا الحكومة قامت بواجبها حتى الآن لحماية الأنفس البشرية من موت محقّق، والعياذ بالله.

(عَمْد) الوادي والمديرية والبلدة موطن قبيلة (قضاعة) العربية الأصيلة شديدة البأس منذ أزمان سحيقة، وما زال حتى اليوم يطلق اسم وادي قضاعة على هذه المنطقة في حضرموت، وأخبرنا المؤرخ الأستاذ جعفر السقاف أنّ قضاعة هو الشقيق الثالث لقحطان وعدنان اللذَين ينتسب إليهما العرب. وبلدة (عمد) -160 كيلومترًا إلى الغرب من سيئون- تتوسط هذا الوادي شديد الخضرة بأشجار النخيل والسدر والمزروعات الأخرى المروية بالسيول والأمطار، وهي بلدة صغيرة عريقة تحيط بها المصنعات التاريخية الحصينة المبنية على التلال الصغيرة وتستند كغيرها من قرى ومدن وادي حضرموت على الجبل درءًا لكوارث السيول الغاضبة في باطن الوادي، ولكن ها هو الجبل الشاهق شديد الانحدار يتخلى اليوم عن مهمة حماية البلدة، ليصير هو الخطر الماحق بسكانها وممتلكاتهم، فقد بدأ يتشقّق في أعلاه، وتنفصل منه كتل صخرية ضخمة بعضها عن بعض، بشقوق تتسع كل يوم بفعل الأمطار وطبيعة التكوين الصخري الجيولوجي للجبل، وقد وقفنا على هذه الشقوق العميقة والواسعة، التي قسمت أعالي الجبل إلى مربعات ومستطيلات صخرية، وحكى لنا المرافقون أنهم يتذكرون أنفسهم قبل عدة سنوات، عندما كانوا يقفزون بسهولة فوق هذه الشقوق، وكيف هي اليوم عندما اتسع بعضها إلى أكثر من مترين، وبعضها حديثٌ استجدّ مؤخرًا، يرتفع بالقرب منها هوائيٌّ حديدي عملاق لشركة اتصالات (يمن موبايل)، داخل محطة متكاملة مسوّرة، وإلى جانبها هوائيان أصغر لشركتي اتصالات تعمل بنظام الـGSM.

أرجع الجيولوجيون الذين زاروا المنطقة لأول مرة بتاريخ 28 أغسطس 2005، سبب تفاقم هذه الظاهرة إلى الهزة الأرضية التي تعرضت لها عمد عام 2004، (بقوة 3,2 ريختر)، مما أدى إلى تساقط عدد من الكتل الصخرية جنوب شرق منطقة عمد، ووسّعَت هذه الهزةُ الفواصلَ والشقوق في الجبل المطل على الوادي.

لكن الذي يثير الرعب أكثر ومصدر الخطر الآن هو (الكعكة). فقد أطلق المهندسون الجيولوجيون الذين استدعوا إلى الجبل منذ عام 2005، هذه التسمية على كتلة صخرية ضخمة جدًّا تقع على حافة الجبل، وتطل مباشرة على بلدة (عمد)، انفصلت بشقوق واسعة وعميقة عن بقية الجبل من كل الاتجاهات، وظهرت مؤخرًا شقوقٌ في أسفلها، وهي مهيأة الآن تمامًا للانهيار على رؤوس السكان تحتها (أطوالها بالتقريب 20 مترًا، بعرض 10 أمتار، وارتفاع 20 مترًا)، وإذا ما انهارت -لا سمح الله- ستجر وتنهار معها كتل صخرية أخرى، عندها -قطعًا- لن تشبه الكعكة في شيء.

أرجعَ الجيولوجيون الذين زاروا المنطقة لأول مرة بتاريخ 28 أغسطس 2005، سبب تفاقم هذه الظاهرة، إلى الهزة الأرضية التي تعرضت لها عمد عام 2004، (بقوة 3,2 ريختر)؛ "مما أدى إلى تساقط عدد من الكتل الصخرية جنوب شرق منطقة عمد، ووسّعَت هذه الهزةُ الفواصلَ والشقوق في الجبل المطل على الوادي"، كما أوضح تقرير فنّي آخر بتاريخ 11 يوليو 2007، رفعه المهندسان: صلاح أحمد بابحير، وفائز أحمد باصرة، من هيئة المساحة الجيولوجية بحضرموت، "أنّ الشقوق في توسع مستمر نتيجة تصريف مياه المطر عبرها، وكذلك مجاري محطة الهاتف، وأنّ التفجير الذي تم قبل بناء هذه المحطة حفّز هذه الشقوق على التوسع".

رئيس المجلس المحلي مدير عام مديرية عمد، الأخ سرور مبارك بن شملان، قال لنا: "بمبادرة سريعة من السلطة المحلية قمنا ببناء جدار حاجز أعلى الجبل يمنع تسرب مياه المطر عبر الشقوق بناء على تقرير المهندسين، ولولاه لكانت أمطار أكتوبر 2008، التي استمرت 30 ساعة ستقصم (الكعكة) على ظهورنا".

وأضاف: "صار درء الكارثة المتوقعة شغلنا الشاغل، أبلغنا كل الجهات، وقمنا بما نستطيع، والموضوع بتفاصيله وصل إلى مجلس الوزراء منذ سنوات عديدة".

وحتى لا تتكرر الكوارث في حضرموت التي يتذكرها الناس، مثل: صدمة ومحنة كارثة سيول أكتوبر 2008، والكوارث الأخرى التي أعقبتها مثل الفيضانات والأعاصير، فإن الواجب اليوم قبل غد من الحكومة والسلطة المحلية في حضرموت، إجلاء سكان بلدة (عمد) المقدر عددهم -بحسب مذكرة رئيس المجلس المحلي- بـ(390 أسرة، و3100 نسمة) يسكنون في 270 منزلًا تحت الخطر، ثم تفجير تلك الصخور، وإعادة بناء المنازل التي تتضرر من تساقطها، ويكون قد زال الخطر بإذن الله، وتعود (قضاعة) إلى ديارها آمنة مطمئنة.

يا لطيف الطف بنا، فيما قضت به المقادير، يا رب. 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English