بدايات وروافد التعليم الحديث في اليمن

لماذا كان سلطات الاستعمار والاستبداد تخشى انتشار التعليم
عبدالباري طاهر
January 23, 2021

بدايات وروافد التعليم الحديث في اليمن

لماذا كان سلطات الاستعمار والاستبداد تخشى انتشار التعليم
عبدالباري طاهر
January 23, 2021
الصورة ل: عبدالرحمن الغابري

  بدايات التعليم في اليمن لم تكن واحدة ولا موحدة، فاليمن منشطر ومجزأ، منذ الاحتلال التركي 1872، والاستعمار البريطاني 1839. 

  في العام 1934، وبعد هزيمة الجيش اليمني أمام السعودية، بدأ الإمام يحيى حميد الدين في الانفتاح قليلًا على التعليم الحديث، ولكن التعليم في الجنوب قد سبق الشمال، ومع ذلك فقد ظل محدودًا أو موظفًا للاحتياج والغايات الاستعمارية، وكان التعليم التقليدي هو الأرضية الأساس للارتقاء والتحول إلى التعليم الحديث، وكان للمَهاجر اليمنية دور أيُّ دور في التعليم الحديث؛ في حضرموت لعبت المجامع دورًا جيدًا في الحفاظ على التعليم التقليدي، وبرزت شخصيات مهمة خلال هذا التعليم القديم المسماة المجامع أو الجوامع كابن هاشم العلوي، وعبدالله محمد بن طاهر، والأديب المؤرخ سعيد عوض باوزير، ومحسن جعفر بونمي وغيرهم كثيرون ممن كانوا اللبنات الأساس هناك.

مع حسين آل الدباغ في المكلا برزت المدرسة الحديثة، وأنشئت فرقة للكشافة، وتعليم الجغرافيا والتاريخ وبعض العلوم الحديثة، وكان لصعود السلطان صالح بن غالب القعيطي وتواجد الأستاذ سعيد القدال دورٌ في تحديث التعليم منذ العام 39–1951، وتأسيس المدرسة الوسطى، والمعلمين، والثانوي، وجرى إرسال البعثات الطلابية إلى مصر والسودان وسوريا والعراق للدراسات الثانوية، وأنشئت في سيئون المدرسة السلطانية، وجرى إنشاء المدارس الأهلية التي لا تختلف مناهجها عن المناهج في البلاد العربية.

قامت صحيفة السلام الصادرة في كارديف في العدد (87)، السنة الثالثة، ص4، في 25 مارس 1951، بعقد مقارنة بين عدد المدراس وعدد السجون في المتوكلية اليمنية، ففي حين أن المدارس لا تضم إلا العدد القليل، وتحديدًا في صنعاء وتعز وحجة والحديدة وفي بعض المدن القليلة، فإن السجون تغطي كافة المدن والقضوات والنواحي، فهناك سجون للرجال، كما يوجد سجون للنساء، وتصل إلى ما يقرب من مئة سجن، أما المدارس فمحدودة، والتعليم غير إلزامي، ولا يدرس إلا العدد القليل من أبناء المسؤولين، وتدرس شروط الوضوء، ومديروها والمدرسون فيها من الفقهاء.

منذ البدء نشأ التعليم الحديث في المتوكلية اليمنية محاصرًا ومتعثرًا؛ فقد أغلقت مدرسة تعز الثانوية سنة 1948، كما أشار الباحث علوي عبدالله طاهر، في مبحث له نشر في مجلة الإكليل (العدد الأول)، السنة الخامسة بعنوان "واقع التعليم في اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962"؛ أغلقت تلك المدرسة خشية الوعي الذي انتشر في صفوف الطلبة، وكذلك أغلقت مدرسة إب بسبب ثورة طلابها على الأوضاع الفاسدة، كما أغلقت المدرسة المتوسطة بمدينة حجة بسبب إعلان طلابها تأييدهم لثورة 23 يوليو في مصر، وأغلقت المدرسة الحربية لاشتراك طلابها في ثورة 48، وبقيت مغلقة إلى ما قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، وهو نفس المصير الذي تعرضت له مدرسة حيفان وذبحان في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، فقد قامت المدرستان بإدخال المناهج والمواد التعليمية الحديثة كالجغرافيا والرياضيات والتربية الوطنية، وكان الأستاذ عبدالله عبدالإله الأغبري ومحمد أحمد حيدرة وأحمد محمد نعمان في رأس إدارة هاتين المدرستين، ولكن الإمامة، وخوفًا من انتشار التعليم الحديث أمرت بإغلاقهما، والالتزام بالتعليم التقليدي في المتوكلية اليمنية، وبعد حرب 1934، وهزيمة الجيش اليمني أمام الجيش السعودي شهدت المتوكلية انفتاحًا محدودًا؛ فأرسلت بعثتين: عسكرية، ومدنية إلى العراق وأربعين طالبًا إلى لبنان، وفُتحت مدرسة في صنعاء استقبلت ما يقرب من أربعين طالبًا، وتخرج منها عدد محدود، وفتحت مدارس أساسية في المدن الرئيسية تخرج منها المئات.

تحديث التعليم علاقته عميقة ومتينة بالهجرة اليمنية؛ فالمهاجر اليمني كان من أوائل المهاجرين الذين انفتحوا على العصر، وعلى التطورات في بلدان المهجر، وبالأخص في بلدان شرق آسيا أو المهاجر الأوروبية وفي بريطانيا وشرق أفريقيا

  تشير الموسوعة اليمنية إلى أن التعليم قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، كان تقليديًّا في محتواه وهياكله، ومحدودًا من الناحيتين الكمية والكيفية، وما يتوفر منه لا يعدو شكل الكتاتيب الملحقة ببعض المساجد، بالإضافة إلى بعض المؤسسات التعليمية التقليدية التي انتشرت في بعض الحواضر الرئيسية، وكان التعليم الذي يقدم بها مقصورًا على فئات اجتماعية محدودة، ووجود بعض أشكال المؤسسات الحديثة كان في أضيق نطاق.

   والتعليم في المحافظات الجنوبية -كما تشير الموسوعة اليمنية- يعود إلى حقبة الثلاثينيات لتعزيز السيطرة الاستعمارية البريطانية، لكنه تركز في مستعمرة عدن التي أوجدت بها (السلطة الاستعمارية) بعض المؤسسات المدرسية الحديثة، ويحدد العام 1846، بفتح أول مدرسة حكومية، وحتى العام 1900، تم فتح مدرستين في منطقتي المعلا والتواهي إلى جانب مدرستين كاثوليكيتين، وظل التعليم محصورًا في أهالي عدن حاملي "المَخْلِقة" (شهادة ميلاد في المدينة)؛ مما حدا ببعض الميسورين ورجال الخير إلى إنشاء مدارس أهلية تستوعب كل أهالي الشمال ومن أهالي المحميات، كمدرسة بازرعة، المدرسة الأهلية، ومدرسة النهضة، والمعهد العلمي الإسلامي، وكلية بلقيس، ولعب التعليم الأهلي دورًا بارزًا في نشر العلم والمعرفة بين الطلاب.

  تحديث التعليم علاقته عميقة ومتينة بالهجرة اليمنية؛ فالمهاجر اليمني كان من أوائل المهاجرين الذين انفتحوا على العصر، وعلى التطورات في بلدان المهجر، وبالأخص في بلدان شرق آسيا أو المهاجر الأوروبية وفي بريطانيا وشرق أفريقيا؛ وهي مواطن هجرة اليمنيين عمومًا، فالمهاجرون اليمنيون كانوا طليعة دعاة التنمية والبناء والتحديث، ومن أوائل من شجع أبناءهم على الدراسة، ودعموا البعثات إلى غير بلد، وكان للمهاجرين في السودان دور متميز أشادت به صحيفة "السلام"، كما كان لجمعية الإخوة والمعاونة بحضرموت والرابطة في عدن ولحج، وللاتحاد اليمني دور في التعليم الحديث، وفي إرسال البعثات إلى مصر وسوريا منذ النصف الثاني من القرن العشرين الماضي.

  يورد الأستاذ المؤرخ علي محمد عبده في كتابه "لمحات من حركة الأحرار اليمنيين"، الجزء الأول أن: "الشريف حسين الدباغ من أشراف الحجاز تفرغ بادئ الأمر للتعليم، فأسس مدرسة الفلاح، وأدخل في برامجها الدراسية الأناشيد الوطنية والحماسية، كما يذكر أن أحمد محمد هاجي نائب الأمين العام للاتحاد اليمني، وهو من خريجي الثانوية العامة في صنعاء، كان هو المسؤول على الفصول الدراسية المسائية التي فتحت لمكافحة الأمية ولتقوية الطلاب المتخلفين، وقد استقطب كثيرًا من الأساتذة والطلبة الثانويين للتدريس.

  ركزت الهيئة الإدارية على إرسال أكبر عدد ممكن من الطلبة للدراسة إلى القاهرة مكونة من 17 طالبًا تقريبًا، تولى أولياء القادرين منهم النفقة على أبنائهم، بينما تكفل الاتحاد بنفقة البقية، وكانت المهاجر الحضرمية في جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا والهند رائدة في مجال التعليم والبناء الثقافي والمعرفي، ويعود للصحافة الفضل في الحضّ على التعليم، وكانت الجمعيات والشخصيات العامة عوامل أساسية في النهوض بالتعليم.

في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين انتعشت التجارة خاصة في عدن، وأثرى المهاجرون اليمنيون خاصة في جزر الهند الشرقية، وأفرز  المناخ الجديد في الشطر الجنوبي من اليمن اتجاهًا نحو الإصلاح، ظهر بارزًا في شكل المدارس الأولية الأهلية التي بدأت تفتح أبوابها أمام جميع المواطنين

 يشير الدكتور عبدالله الزين في كتاب "النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر: أندنوسيا، وماليزيا، وسنغفورة 1900-1950)- إلى البدايات الباكرة للتعليم في القرن الثامن عشر، وكانت للعرب ولغيرهم، ويذكر أن "جمعية خير" تعتبر أول جمعية إسلامية عصرية في أندنوسيا متأثرة بهيكلة وإدارة المدارس المصرية؛ إذ أدخلت موادًا حديثة للتدريس، ولأول مرة أدخلت اللغة الإنجليزية والرياضيات والجغرافيا، ورفع المستوى التعليمي.

  ويشير الدكتور الزين إلى توسع أنشطة الجمعية في مجال التعليم؛ إذ استقدمت مدرسين من مصر والحجاز وإسطنبول وحضرموت وتونس والسودان الواقعة في منطقتها، وأقامت أقسامًا داخلية للدارسين مجانًا، وتعطي لهم الملابس والغذاء. وأسس محمد بن أحمد السقاف مدرسة السقاف في سنغفورة عام 1914، بحيث يستطيع خريج هذه المدرسة أن يلتحق بالمدارس العليا والجامعات والكليات في مصر وبغداد وغيرها، حسب الدكتور زين في المرجع المشار إليه. ولعب التنافس بين العلويين والإرشاديين -على سلبيته- دورًا إيجابيًّا في التنافس على نشر التعليم والتوسع في المدارس والإجادة، ولكن القوانين الاستعمارية الهولندية كانت تشدد الخناق على النشاط التربوي والثقافي بشكل عام، مشترطةً التقيد بالمناهج الحكومية، والإشراف على المدارس العربية. 

ويقينًا، فإن الإدارة الاستعمارية في الجنوب كانت هي الأخرى تتخوف من انتشار التعليم الحديث، ولكنها لم تكن تمنع النشاط الأهلي والمجتمعي.

يشير الأستاذ كرامة مبارك سليمان في كتابه "التربية والتعليم في الشطر الجنوبي من الوطن"، ج1، ص60، إلى الآتي:

  في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين انتعشت التجارة خاصة في عدن، وأثرى المهاجرون اليمنيون خاصة في جزر الهند الشرقية، وبين فئات العلماء والمثقفين والتجار أفرز  المناخ الجديد في الشطر الجنوبي من اليمن اتجاهًا نحو الإصلاح، ظهر بارزًا في شكل المدارس الأولية الأهلية التي بدأت تفتح أبوابها أمام جميع المواطنين، نافضةً بذلك غبار الجمود والركود الذي حطّ على الكتاتيب، التي تردت أحوالها خلال فترة الجمود والتمزق والهيمنة البريطانية، وقد توفر للمدارس الأولية الأهلية مقوما الوجود، وهما: الممول؛ وعادةً ما يكون تاجرًا ثريًّا أو جمعية خيرية أو ناديًا إصلاحيًّا، والمصلح المربي؛ وعادة ما يكون يمنيًّا احتك بمراكز النهضة في المهجر أو الوطن العربي، أو عربيًّا لجأ أو حل في أراضي الشطر الجنوبي من اليمن، وسنلفت الأنظار إلى أمثال هؤلاء الممولين والمصلحين التربويين عند الإشارة إلى بعض المدارس الأولية الأهلية التي نشأت منذ بدايات القرن العشرين الميلادي وحتى بدايات الحرب العالمية الثانية. وتكتسب هذه المدارس أهمية خاصة في نشر التعليم كمشاركة ومساهمة من الأهالي في ظل تقاعس السلطة الاستعمارية خلال عهد النفوذ البريطاني، ويمكننا أن نعتبر المدارس الأولية في سياق تطور المدرسة اليمنية بذور النشوء للتعليم الابتدائي في بلادنا، والتي مستها يد التحديث والتنظيم في الأربعينيات.  


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English