حُلم تنازعته البندقية ومشروع الابتلاع (1-2)

ما الذي تبقّى من (22 مايو)؟
خيوط
May 22, 2023

حُلم تنازعته البندقية ومشروع الابتلاع (1-2)

ما الذي تبقّى من (22 مايو)؟
خيوط
May 22, 2023
خيوط

نحاول في "خيوط"، من خلال هذا الاستطلاع، استخلاص آراء عيّنة من النخبة السياسية والثقافية اليمنية، في أهمّ حدث مرّ في تاريخ اليمن المعاصر بتوحيد شطرين -في جغرافية واحدة- حُكِما لسنوات طويلة بسياستين متباينتين فرضتها استقطابات الحرب الباردة وواقع التجزئة، غير أنّ هذا الحدث "الحلم" تحول إلى مشكلة سياسية متراكمة تعترض كلّ مساعي استعادة الدولة بسبب الحرب وفوضى الانقسام ومُستنبتات سلطات الأمر الواقع في طول البلاد وعرضها.

لماذا تعثّرت دولة الوحدة، وكيف تُقرَأ مسارات مستقبلها في ظلّ التفكيك المريع لحال الدولة، وكيف تُسرِّع مشاريع التقويض من هذه الحالة؟ 

هذا هو مضمون فكرة الاستطلاع الذي ننشره على قسمين؛ الأول اتصل بآراء عينة من الرعيل الأول، الشاهد على كثير من تحولات السياسة وجدلها في اليمن المشطور وتاليًا الموحد، والثاني بآراء عينة من الجيل الشاب المنخرط في قضايا الشأن العام، وشاهد حيّ على سنوات الجمر والرماد.

(1-2)

نظامان شموليّان بقبائلهما وإدارتهما البيروقراطيّتين

عبدالباري طاهر(*)

تعثّرت الوحدة؛ لأنّها لم تقدّم دراسة واضحة وموضوعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية السائدة في الشطرين، ولم تدرس التفاوت، والاختلافات، والمزاج العام بين الشطرين حينها.

لم تتبع الخطوات المتدرجة الأساسية لبناء دولة الوحدة؛ فالتشطير الذي دامَ لأكثر من مئتي عام تقريبًا لا يمكن القفز عليه بخطوة عجلى، وظلّ هذا الإرث الوبيل حاضرًا.

كانت السلطتان الشطريتان مدفوعتين بالأزمة الداخلية، والأوضاع الإقليمية المتفجرة، والتحولات الكونية.

لم تُدرس الأوضاع العامة في الشطرين، ولم يُمهّد الطريق أمام بناءٍ متين ومحكم للأوضاع في الشمال والجنوب.

الأزمة في الشمال كانت خانقة، وبدا الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر- رجل السعودية القوي، ومعه الجنرال علي محسن الأحمر، ومعهما التحالف القبَلي والعسكري الذي يمثّلانه، ومؤزرين بالإسلام السياسي، وبعض الفئات التجارية- أنّهم متطلعون للحكم.

كانت السعودية حذرة من أيّ قوة عسكرية في أيّ بلدٍ عربيّ، وبالأخص في اليمن، كما كانت غير راضية عن اشتراك الجيش اليمني في حرب العراق مع إيران، رغم دعمها للحرب.

في الجنوب، لم تكن دماء كارثة الـ13 من يناير 1986، قد جفت، والطرف المنتصر يرفض التصالح، وكان انهيار المعسكر الاشتراكي ماثلًا للعيان، واحتمالات الصراع داخل الجنوب، وبين الشمال والجنوب حاضرة أيضًا.

الهروب من احتمالات الصراع بين الشطرين، خصوصًا من حول حقول النفط، وداخل كل شطر على حِدة، والخلاف العراقي-الكويتي، والتحولات الكونية، وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفيتي، والمنظومة الاشتراكية كلها- دفعت النظامين في صنعاء وعدن إلى التوحد.

أُعلِنت الوحدة في الـ22 من مايو 1990، بدلًا من الـ30 من نوفمبر 1990، كما كان مقرّرًا، وكانت الوحدة اندماج نظامين شموليين بقبائلهما، وجيشهما، وأمنهما، وإدارتيهما البيروقراطيتين.

اتفق الطرفان على الأخذ بإيجابية التجربتين الثوريتين: تجربة الرابع عشر من أكتوبر 1963، وتجربة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، ولكن الإصرار خصوصًا من جانب سلطة علي عبدالله صالح، كانت إلغاء إيجابية الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، وبالأخص تجربة أكتوبر ذات البعد الاجتماعي. احتفظ كلٌّ منهما بجيشه، وبقايا سلطته، ولم تحقّق الوحدة المنشودَ من بناء دولة الوحدة؛ بخلق أوضاع جديدة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وظلّت أوضاع ما قبل مايو قائمة.

لم تُحدِث الوحدةُ التغييرَ المطلوب في حياة الناس، واشتغلت الدولة بالصراع السياسي، والتقاسم، وأهملت إحداث تغيير شامل في الجوانب الاقتصادية، والحياة المعيشية والفكرية، وبناء سلطة الدولة، واحتفظ كلّ نظام بقوته، وسلطته الخاصة.

ومنذ اليوم الأول للوحدة، اتجه الطرف الأقوى لإعداد الجيش للحرب، والمأزق أنّ قادة النظامين الشطريّين هم قادة الوحدة أيضًا، وكان التشارك من خارجهما محدودًا.

أمّا المستقبل، فلا بُدّ أن يكون مغايرًا ومختلفًا، وإذا كانت عودة الماضي مستحيلة، فإنّ إنكار وحدة اليمن هي الأكثر استحالة.

الصيغة القادمة والجديدة تصنعها إرادة أبناء اليمن الحرّة والمستقلة، بعيدًا عن الفرض، أو القوة، أو التدخل الخارجي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) نقيب أسبق للصحفيين اليمنيّين.

حزبان رعيَا مصالحَهما على حساب الجميع

نور باعبَّاد

تعثّرت الوحدة من البداية؛ لعدم وجود ضوابط إدارية تخطيطية، بَدءًا من اقتسام الوظيفة بين شريكَي الوحدة، ليس على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة، وأهملت الخبرات الوطنية بما فيها النساء اللائي هُمّشن، وخاصة الجنوبيات صاحبات الخبرة والمشاركة والكثافة، والأثر السلبي الناجم والحاجب عن تواجدها بنتائج كارثة 13 يناير 1986.

اتّجه شريكا الوحدة في الحزبين الحاكمين لرعاية مصالحهما، وتوزيع الوظائف والمداخيل على المحاسيب السياسيين والمناطقيين، فغاب الاهتمام ببناء الدولة الوليدة. غرق الجميع في الفساد، ولم يقف الأمر عند الاستئثار بالوظيفة والمداخيل، بل تجاوزها إلى تملك مؤسسات الدولة، والاستيلاء على الوحدات الاقتصادية (مصانع، معامل) وعلى أراضي الدولة ومزارعها في مناطق الجنوب وتهامة، بذرائع شتى، منها الخصخصة.

قادَ هذا الوضع إلى خللٍ كبير، وأنتج أزمات متلاحقة، أفضت إلى حرب 1994 وما خلفته من أثر لم يُعالج طيلة السنوات التالية، فأدّت تراكماته إلى بروز حالة التشظي السياسي وتهتك النسيج المجتمعي وتفشي الكراهية، فصار خطاب الانفصال منفلتًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) ناشطة وعضو مجلس شورى. 

البحث عن صيغة جديدة تستند لمصالح اليمن وأمنها القومي

عبدالله الحنكي

يمكن القول إنّ عثرة الوحدة معتقة في الزمن المعاصر، فقد حدثت العثرة الأولى منذ ما يقارب ربع القرن. حين كان أفضل موعد لها يوم استقلال الجنوب. لكن العوامل الموضوعية في طبيعة النظام الدولي آنئذ، حالت دون ذلك.

جاء استقلال الجنوب في ظروف اشتداد الحرب الباردة بين معسكري النظام العالمي الذي ثبتته نتائج الحرب العالمية الثانية، ما فرض تغيرات سلبية على وضع جمهورية سبتمبر، فآلت مقاليدها إلى سطوة يمين العسكر والمشايخ، وبدأ حكم الاستقلال في الجنوب وفق نتائج حرب أهلية بين ثوار أكتوبر عشية الاستقلال، فسيطر فصيلٌ واحد فرض رؤيته المتخبطة وغير الناضجة على تكوين الحكم الوطني بعد الاستقلال وتوجهاته السياسية.

وبعد حوالي ربع قرن، تكرّرت العثرة الثانية بميلاد مشوّه. لكن من الحق القول إنه في هذه المرة لم تكن بسببٍ من معيقات النظام الدولي والذي كان بالعكس مواتيًا، بل من طبيعة ما آل إليه نظاما الحكم في شطري اليمن.

النظام الدولي المهيمن تراخى وهلّت تباشير انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي، وبالتالي خلو مناخ السيطرة للقطب الأميركي الواحد. فحدث ما يمكن اعتباره تخلي السوفييت عن موقع نفوذهم جنوب اليمن، ومن الطبيعي أن يؤول موقع الجنوب لصالح القطب الآخر.

وبناء على ما سلفت الإشارة إليه، من كون مسببات العثرة هذه المرة مردّها لطبيعة مآل نظامَي اليمن يومذاك، فقد بلغ النظامان مآلًا قاسيًا مع تباين ما انتهيا إليه.

في الشمال، بلغ نظام الحكم أعلى مراحله الاستبدادية بفعل عوامل كثيرة محلية ودولية، فيما بلغ نظام الحكم في الجنوب، أدنى مراحل ضعفه وتفكُّك نسيجه الاجتماعي والسياسي، أولًا بسبب آثار فاجعة 13 يناير 68 الكارثية، والتي زعزعت كلّ ما قام عليه من أعمدة، بصرف النظر عن مدى تفاوت نسب قوتها، وثانيًا بسبب فقدان دعم السند العالمي الوحيد الذي اعتمد عليه وبالكامل تقريبًا طوال تجربته الماضية في ربع قرن.

من هنا، يمكن تصوّر أيّ نوع من الوحدة، كان متاحًا تحقيقه في ظلّ هذا الاختلال الشامل.

نظامٌ في الجنوب ضعيف مفكك تفتت مكونه الوحيد ذو الصوت السياسي الواحد إلى أدنى ذرات التفتت، وتُرك وحيدًا بلا حليف، فضلًا عن كونه مسخوطًا عليه في النظام الرسمي العربي، بمواجهة نظامٍ في الشمال زاد غرورًا وصلفًا بانفراد حليفه الدولي في قطبية العالم.

وهكذا جاء اتفاق نفق غولد مور 1989، ليكون صفقة بيع أقرب منها إلى صيغة وحدة وطنية تلبي طموحات الشعب اليمني كهدف غالٍ لكلّ نضالاته التاريخية.

ذلك ما أراه فيما يتعلق بالتعثر.

أما عن مستقبلها فإنّي لا أرى لها حظًّا من مستقبل بصيغتها الكاريكاتيرية تلك، وبصرف النظر عن صعوبة الوضع الراهن. 

لعلّ الأمل الوحيد يتمثّل بالتفكير في صيغة وحدوية جديدة تستند لمصالح اليمن العليا وأمنها القومي، بَيد أنّ هذا الأمل تحبطه وتعيقه سمات الوضع الراهن المعقد للغاية، حيث يقع الجنوب فريسة احتلال قوى تحالف الحرب، فيما يرسف الشمال في حال غريب من الضبابية السياسية وهيمنة طرف واحد مدجج بالنظرة الدينية للسياسة والحكم بوجه عام!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (*) سفير سابق.

ما يجمع بين اليمنيّين يفوق ما يجمع بين مجتمعات الجوار

فيصل أمين أبو رأس(*)

تعثّرت الوحدة لأسباب موضوعية وغير موضوعية وعوامل داخلية وخارجية عديدة، والخارجي -من وجهة نظري، وأعني به هنا الجوار- مثّل التحدي الأكبر أمام قيام الوحدة بين اليمنيّين، وإن كتب لها أن تقوم، سخر لإفشالها إمكانياته وقدراته وعلاقاته حتى وإن تتطلب الأمر شنّ الحرب عليه لتقسيمه وتقاسمه ليتحكّم به بالمباشر وغير المباشر، لأنّ بيئة الجزيرة وتركيبتها وسياسة أنظمتها المتماهية والمرتبطة منذ النشأة مع حلفائها الغربيّين ومصالحهم المشتركة في المنطقة، لن تسمح بقيام يمن قويّ وموحد، مترامي الأطراف، وموقعه الاستراتيجي المتميز، وتعداد سكانه، وتنوع ثقافاته وثرواته.

لمعرفة أين تعثّرت الوحدة، لا بُدّ من معرفة الخلفية التاريخية التي ولدت في رحمها الوحدة، فشعب اليمن، شماله وجنوبه، ماضيه وحاضره، واحد، انتشر عبر التاريخ في ربوع الجزيرة وشمالها وأبعد من ذلك في اتجاهات الأرض الأربع، إلّا أنّ الهدف من الحرب اليوم هو ألّا يعود له مستقبل واحد. 

على غير ما يروّج له الجوار وضخّه الإعلامي المموّل والمهول، فإنّ ما يجمع بين اليمنيّين يفوق بكثير ما يجمع بين مجتمعات هذا الجوار ودول قريبة وبعيدة. 

لقد سعى ملك الجوار المؤسس بعد غزوه لمناطق شاسعة من الجزيرة؛ اتجه جنوبًا لغزو اليمن بإسناد ودعم حلفائه المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، ومكنوه في مسار تطويع الجزيرة من احتلال مناطق شاسعة من شمال وجنوب اليمن فاق مقدار مساحته اليوم. وإن كان قد توقف عندها إلّا ولذات الهدف استمرّ اليمن، والذي من منظور جاره، يشكّل تهديدًا وجوديًّا، ويمثّل ملف أمن قوميّ بالغ الأهمية والحساسية، يستوجب إبقاءه على رادار اهتمامه الاستراتيجي طيلة العقود التي أعقبت الاحتلال الأول. ولهذا دعم خلالها الشمال في مواجهة الجنوب، والجنوب في مواجهة الشمال، وتدخل في تفاصيل الشؤون الداخلية، وعمل على تصعيد نظام هنا وإسقاط آخر هناك، واغتيال هنا واغتيال هناك، لإرباك المشهد ومفاقمة الصراعات البينية وخلخلة المؤسسات ومسار علاقة اليمن بهذا البلد أو ذاك، وأجاد كما لم يُجِد غيره من قبل اللعبَ على التناقضات والتي لا يخلو منها مجتمع.

هكذا اشتغل الجوار، ودأب على إفشال جهود اليمنيّين ومساعيهم لتحصين بلادهم والعمل على تماسك مجتمعهم وتحقيق وحدتهم كاستحقاق شعبيّ طالما تطلّعوا إليه وإلى حقّهم في مستقبل آمن ومستقر.

أمام هذه التحديات والعوامل الجيوسياسية التي تفرّدت بها الجزيرة والظروف الإقليمية والدولية الماثلة، جعل مسار مخاض الوحدة الشاق والعسير يتحرك في أرض رخوة وغير متماسكة ومصيرها منذ البداية الإجهاض، وإن كتب له أن يولد فقد ولد حتى يموت.

حالة الترهل المتراكم والصراع المتفاقم، التي وصل إليها الحال، وفرت الأجواء والمناخات الملائمة حتى يكمل الحفيد من حيث انتهى الجدّ المؤسس بالغزو من الخارج، وواكبه صراع من الداخل لمراكز القوى على السلطة وتقسيم بلادهم إلى كنتونات مصالح ومناطق نفوذ، والممول هنا والداعم والمتحكم واحد وأعد لهذا السيناريو لعقود، ليحقّق بشن الحرب مرحلةَ الاحتلال الثاني والأخير، وعبر الغزو بالعدوان ويتحقّق الاحتلال المباشر وغير المباشر، مستعينًا في غزوته بالأطراف اليمنية ممّن معه بالشراء والاستقطاب، ومن ضدّه بالغباء والاستدراج، ولا يعود بعده يمن كما عُرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) برلماني وسفير سابق.

سؤال صاغه العقل السياسي الجماعي في اليمن

أحمد الجبلي(*)

يستبطن سؤال هذا الاستطلاع افتراضًا مهمًّا بأنّه موجّه لشخص لديه من المعرفة الأكيدة ما يمكّنه من الرد عليه. وإذا كانت هذه الملاحظة صحيحة إزاء العديد أو حتى لدى الكل، فأنا –وبدون تواضع!– لا أستطيع الزعم أنّني ضمن هؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون قدرًا من المعرفة الكافية للردّ على السؤال أعلاه. 

ومع احترامي وتقديري للمجهود، ولصفاء النيات الطيبة الحسنة التي تقف خلف هذا الاستطلاع، فإنّ صياغته "تصادر على المطلوب"– كما يقولون، ما قد لا تتفق بعض ألفاظه مع آراء وتوجهات البعض، في حين السؤال يعتبره حقيقة ثابتة. وهذا يذكرنا بالإعلام العربي الرسمي الذي كثيرًا ما يعتمد هذا الأسلوب في تزويق الحقائق؛ فتجد "الهزيمة" إما أن توصف بـ"النكبة" كما نقرأ في الأدب السياسي لأحداث حرب عام 1948م، بين بعض الجيوش العربية وجيش العصابات الصهيونية، أو بـ"النكسة" كما حصل لحرب عام 1967م. وفي الحالتين، انتصر فيها الجيش الإسرائيلي، وهُزمت الجيوش العربية المشاركة. هي هزيمة، ولكن الإعلام الرسمي العربي يأبى أن يسمي الأشياء بمسمياتها، فيلجأ إلى التخفيف والتلطيف من وقع الحقائق العنيدة، فلم تهزم الجيوش العربية –ولنترك الأنظمة العربية الآن– ولكنها انتكست، أو غير ذلك من الألفاظ، و"لكل جواد كبوة". 

هذه الملاحظة تسري كاملة، بقضها وقضيضها، على جملة "أين تعثّرت الوحدة؟". لربما هي "تعثرت" وما زالت "متعثرة" في نظر البعض، أي إنّ الأمل لم يزل حاضرًا لتستأنف نهوضها ومواصلة مشوارها؛ أقول: "لربما"؛ أمّا ما أزعمه مع العديد ممن ألتقي بهم، فإنّ الحال ينطق بغير "التعثر"، وإنما ينطق بالفشل، بالانهيار، لاتفاق 22 مايو 1990م، وهو على وجه الدقة، ولإبعاد اللبس وسوء الفهم، ليس انهيارًا أو فشلًا لقيمة هدف "الوحدة اليمنية"، وإنّما للأسلوب الذي جرى اعتماده من قبل الطرفين –والحقيقة أنّني لا أعرف ما إذا كانا طرفين أم أكثر– فإذا فشل أو هزم الأسلوب أو المنهج، فذلك لا يعني فشل أو هزيمة الهدف ذاته، ومن هنا يحطّ علينا الشق الآخر من السؤال: "مستقبل الوحدة"؛ وهو ما جرى التعاطي معه ومعالجته في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، على الرغم من محاولة الالتفاف عليه، فالمهم أنّ الطريق والمنهج والكيفية إلخ... كلّ ذلك وغيره، قد صاغه العقل السياسي الجماعي في اليمن. 

أما متى يمكن أن يشرع اليمنيّون بالنهوض باتجاه الخطوة الصحيحة الأولى لتحقيق الوحدة اليمنية، فذلك ما لا يمكن أن أقول فيه حرفًا واحدًا. ومع ذلك: إذا كان لكلّ حالة، لكل قانون طبيعيّ أو إنسانيّ، من شروط تشكّل البيئة المناسبة لتحقيق الحالة المعنية أو القانون المعني، فإنّه لا بدّ من تحقيق أحد أهم الشروط الرئيسية، وذلك بالتقاء القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة، واتفاقها على مخرجات الحوار الوطني سبيلًا إلى تحقيق الوحدة، مع الانتباه إلى أنّه في السياسة –كما هو الحال مع المرأة– لا يتحقّق الاتفاق والتوافق إلا بالقوة! وللقوة أصناف ومستويات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(*) باحث - رئيس دائرة الدراسات الاجتماعية بمركز الدراسات والبحوث اليمني. 

البدايات الخاطئة تؤدّي إلى نتائج خاطئة

طاهر شمسان(*)

الوحدة لم تقم منذ البداية على دمج مؤسسات الدولتين، إنّما قامت على الجمع الميكانيكي بين المؤسسات أو على المجاورة في المكان. كمثال على الجمع الميكانيكي يمكن أن نشير إلى البرلمانَين اللذَين جمعا تحت قبة واحدة؛ وكمثال على المجاورة نشير إلى وحدات الجيش التي تجاورت مكانيًّا في مناطق تموضعها.

العلاقة بين مؤسسات الدولتين توقفت على العلاقة بين الرئيس ونائبه، وعندما انحدرت هذه العلاقة إلى مستواها الصفري، وقعت الحرب.

مستقبل الوحدة حتى الآن غير واضح؛ لأنّ مستقبل دولة الوحدة غير واضح، وتتداخل في هذا الأمر إرادات كثيرة متضاربة، ولا يبدو حتى الآن أنّ الأطراف ستصل إلى اتفاق حول الدولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتب وباحث.

النفق الذي هرب منه النظامان

عبدالرحمن بجاش(*)

هي لم تأتِ حقيقةً حتى يمكن القول إنّها تعثرت؛ أين، ولماذا.

مأتم - وأنا أتكلم عن الخطوة الأخيرة "خطوة النفق"، هو هروب نظامين إلى حيث ظنّا أنّه الأمن والأمان، وأنهما بذلك يستعيدان أنفاسهما بعد كارثة في الجنوب، وغياب رؤية في الشمال قرّب القِدْر من النار التي اشتعلت فيما بعد بالجميع، ليغيب أحدهما ويُظهر الآخر على أنّه المنتصر.

إجراءات ما أُعلن يوم 22 مايو 90، هي التي تعثّرت، بسبب بعد إنجازها الوظيفي، وليس المؤسسي، فالقرار كان قرارًا شخصيًّا برغم ما بدا أنّه إجماع. 

الآن، يكون السؤال الأهم:

لماذا وصل الجنوب إلى حدّ الكفر بالوحدة؟ ولماذا وصل الشمال إلى حدّ عدم الاهتمام بما جرى في العام 90، وتحوّل الأمر إلى صراع نخب على الثروة والسلطة، وإقليم متربص وعالَم له مصالحه.

للإجابة عليه، لا بُدّ من إعادة القراءة، لا بُدّ من إعادة تقييم ما حدث وحصل. والخروج برؤية جامعة للجمهورية اليمنية؛ لأنّ الحديث عن الوحدة لم يعد مجديًا بعد أن صار اليمن معترفًا به على أساس أنه بلد واحد.

الرؤية للخروج بمشروع وطني جامع، هو الذي يحدّد نوع المستقبل، وهو الذي سيكون -فيما لو تم- الأساسَ لتأسيس دولةٍ، وليس تأسيس نظام.

وأساس بقاء هذا البلد في مربع الأمن والاستقرار والأمان، أن يكون في صلب المشروع صياغة جديدة لأسلوب الحكم الذي يذهب بنا إلى المواطنة المتساوية، حيث لا رأس يعلو على رأس، تحت سقف الدستور والديمقراطية التي يحميها القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) رئيس أسبق لصحيفة الثورة الحكومية.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English