طقوس ما بعد يوم "الذبائح" في المحويت

إحياء تقاليد وعادات عيدية مهددة بالاندثار
فوزي المنتصر
May 2, 2022

طقوس ما بعد يوم "الذبائح" في المحويت

إحياء تقاليد وعادات عيدية مهددة بالاندثار
فوزي المنتصر
May 2, 2022

يحرص المواطنون في محافظة المحويت (غربي صنعاء)، على ممارسة طقوسهم وتقاليدهم العيدية ومحاولة إحيائها، وتجديدها بما يتواءم مع متغيرات العصر وظروف الحرب، لا سيما أن الموروثات باتت معرضة للاندثار، إذا لم تستمر ممارستها.

تتميز محافظة المحويت بالعديد من الطقوس والعادات التي تجعلها متفردة بموروثاتها الثقافية والتاريخية العيدية عن باقي المدن اليمنية، حتى وإن طرأ تغيير أو تجديد طفيف على بعض من تقاليدها المتوارثة المختلفة.

عادة ما يبدأ المغتربون -سواء الذين يعملون في مختلف المدن اليمنية أو في بعض الدول خارج اليمن كالمملكة العربية السعودية -بالعودة قبل العيد بعشرة أيام تقريبًا، وتشهد طرق المدن والأرياف حركة مزدحمة خلال هذه الأيام خاصة. وحينها تبدأ الاستعدادات والتجهيزات لاحتياجات العيد، على سبيل شراء الملابس الجديدة، وممارسة الكثير من الطقوس والتقاليد الموروثة عن آبائهم وأجدادهم .

الاهتمام بالمنازل

كالعادة، تقوم الأسرة، بالاهتمام المتفاني بالمنزل، مع اقتراب يوم العيد، وتزيينه بمادة الطلاء أو الجص، وتعتبر هذه العادة متوارثة منذ القدم، وإن كان ثمة قصور -خلال السنوات الأخير- لدى بعض الأسر لعدم قدرتهم على توفير مواد الزينة والطلاء سنويًّا، لكن هذه العادة ما تزال حاضرة لدى الأغلبية.

ويشير هيثم المشرقي، ناشط وباحث أكاديمي، في حديث لـ"خيوط"، إلى أهمية هذه الطقوس المتمثلة في تزيين المنازل، بما فيها الممرات بين المنازل التي تتشارك في تنظيفها الأسر، باعتبارها عادات تاريخية قديمة، إضافة إلى كونها إحدى مظاهر الاحتفالات العيدية الجميلة التي باتت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة أبناء المحافظة.

تُعد هذه الممارسات أو العادات إحدى مظاهر الاحتفالات والموروثات التي تحظى بتجدد مستمر حسب أنواع الأدوات التجميلية الحديثة في السوق، مقارنة بالحناء القديم الذي كان يتم تجميعه من الأشجار وطحنه ومن ثَمّ استخدامه.

إلى ذلك، تبدأ ربات البيوت خلال تلك الأيام، بإضافة لمسات بسيطة وجذابة على المنزل من الداخل، بدءًا بمدخل المسكن، كونه الممر الذي يقصده زائرو وضيوف العيد، ثم التنظيف الداخلي للمنزل وترتيب محتوياته، وغسل المفروشات أو استبدالها بمفروشات جديدة خاصة بالمناسبات، وخصوصًا غرفة المجلس، وهي الغرفة التي يتم فيها استقبال الضيوف، كما يتم غسل جميع الأواني الخاصة بالطبخ وتجديدها.

يوم الذبائح

ما أن يصل يوم "الذبائح"، كما يُسمّى باللهجة المحويتية، وهو اليوم الذي يسبق يوم العيد، إلا وتكون أغلب الأسر قد وفرت جزءًا لا بأس به من مستلزمات واحتياجات العيد الخدمية والشخصية، لكن تظل هناك احتياجات ومستلزمات أخرى كثيرة يمكن توفيرها في هذا اليوم، بما في ذلك طقوس وعادات كثيرة يتم ممارستها من قبل جميع أفراد الأسرة استعدادًا للفرحة بالعيد والبهجة التي يمكنهم أن يعيشوها خلال أيام العيد.

يصف الخمسيني، أحمد المشرقي، يوم "الذبائح"، باليوم الذي يشهد أكثر حركة تجارية وتواصلية وخدمية تجمع الكثير من أفراد الأسر "بأقرانها" أو بأقاربها وأناس آخرين من قرى وعزل مجاورة، في شؤون مختلفة، كلهم يسعون إلى إنجاز مهامهم وتوفير احتياجاتهم الشخصية والمنزلية، استعدادًا للعيد.

كما يعتبره اليوم الذي يشهد أكثر الطقوس والأنشطة والعادات التي باتت جزءًا من تاريخ وثقافة المحويت في الأعياد، إذ يغادر -على الأقل- فردٌ واحد أو أكثر من كل أسرة، المنازلَ، بعد صلاة الفجر، متجهًا إلى الأسواق لشراء ما تبقى لهم من متطلبات واحتياجات العيد، وعلى رأس تلك الاحتياجات، شراء اللحوم، والعسل الذي يعد ضمن أولويات قائمة الوجبات في الأعياد، إضافة إلى المكسرات والزبيب (العنب المجفف)، والمفرقعات النارية، وغير ذلك من الاحتياجات العيدية الأخرى.

وتشهد الأسواق الشعبية القديمة، في اليوم ذاته، إقبالًا كبيرًا مقارنةً بالمناسبات والأيام الأخرى، وخلافًا للأسواق والمحال الأخرى الحديثة التي أصبحت منتشرة في الكثير من القرى والأماكن المختلفة، ذلك لأن الأسواق الشعبية -وإن كانت قد حظيت بأعمال ترميم وتجديد على مظاهرها العامة- ما تزال، بمساحتها المفتوحة، المتسع الوحيد لآلاف المتسوقين والباعة والتجار المتنقلين.

وتُقصد تلك الأسواق الشعبية في هذا اليوم تحديدًا؛ كونها تتوسط بدقة أكثر من عزلة أو مخلاف، ذلك ما يتيح حينها لقاء الأقارب أو حتى الزملاء والأصدقاء من قرى وعزل مختلفة، وتبادُل التحايا معهم والمصافحة بمناسبة العيد، كما يمكنهم أيضًا أن يقدموا عرض العزائم على بعضهم البعض خلال أيام هذه المناسبة السعيدة، والطقوس الأخيرة التي تحتضنها الأسواق الشعبية تعتبر عادات قديمة متوارثة جيلًا بعد جيل.

في عصر ذلك اليوم، يعتاد الذكور، وخصوصًا الشباب والأطفال، التجمع والانتظار إما في أماكن شعبية مختلفة، حيث يتواجد فيها "الحلّاقون" (الذين يعملون على حلاقة شعر الرأس)، خصوصًا في الأرياف، أو في صالونات الحلاقة في المدن، ذلك لأجل أن يحظوا بحلاقة وتقصير شعرهم.

وتحظى هذه العادات بالكثير من الاهتمام في المناسبات، التي منها الأعياد، خصوصًا من قِبل فئة الشباب والأطفال، يلي ذلك، عملية "التحميم" والتنظيف واستقبال العيد بمظاهر جميلة.

أما الإناث، وخصوصًا الفتيات، فيذهبن إلى أقرانهن اللاتي يستطعن التنقيش -يتم عادة بالحناء- والتجميل، لينقشن أيديهن وأرجلهن، إذ يتجمعن في البيوت و"تنقش" كلَّ واحدةٍ منهن الأخرى، أو يذهبن إلى المحال الخاصة بالنقش إن وجد ذلك، فيما تتولى الأمهات "تنقيش" الفتيات الصغيرات.

وتُعد هذه الممارسات أو العادات إحدى مظاهر الاحتفالات والموروثات التي تحظى بتجدد مستمر حسب أنواع الأدوات التجميلية الحديثة في السوق، مقارنة بالحناء القديم الذي كان يتم تجميعه من الأشجار وطحنه ومن ثَمّ استخدامه.

فرحة الأطفال ليلًا

في الأثناء، تأتي فرحة الأطفال التي تبدأ فور انتهائهم من وجبة عشاء ليلة العيد، الذي يتناولونه على عجلة، ومن ثَمّ يصعدون إلى أسطح المنازل، ويشعلون النيران إما على أكوام صغيرة من مخلفات الأبقار ("الكبايا"- باللهجة المحويتية) بعد أن تكون قد تعرضت للشمس حد اليباس، وهي موزعة على حواف أسطح المنازل، ويتم رشها بمادة الجاز (الكيروسين)، أو على أكواب تحتوي بداخلها حفنة رماد مرشوشة أيضًا بنفس المادة المشتعلة السابقة، ما يساعدها على سرعة الاشتعال وديمومته لفترة تكاد تصل إلى ما يقارب ساعة، وذلك للتعبير عن ابتهاجهم بقدوم العيد.

يقول الشاب، مصطفى القناد، لـ"خيوط": "نظرًا لانعدام مادة الجاز، التي تسمى باللهجة اليمنية "قاز"، وعدم القدرة على توفير مادة غيرها لدى البعض، بدأت تتحول طقوس إشعال النيران فوق المنازل إلى إشعال "التواير" (إطارات سيارات مستهلكة)، وتتشارك الكثير من الأسر في إشعالها، ذلك لكي يمنحوا أطفالهم البهجة في هذه الليلة".

وفي الحالتين، يتجمهر الأطفال ويشعلون ألعابهم ومفرقعاتهم النارية، ويفرحون ببهجة هذه الأضواء المشتعلة، لتشكل لهم لوحة فرائحية وذكرى جميلة يتشاركون فيها مناداة بعضهم فوق أسطح المنازل المجاورة، ويهتفون حينها بهتافات جماعية عيدية مختلفة، منها:

" عيد الله يا مريم، لا شركة ولا سمن"

" أعيدت "

"يا عيد عيد بالحجر، واسْقِ بلادي بالمطر "

" يا عيد الليل يا عيداه، يا عيد المشاعيلاه "

وبعد انطفاء تلك النيران المشتعلة، يتجمع الأطفال ويطوفون في شوارع المدينة، أو حول قراهم وهم يرددون هتافات الترحيب بالعيد، ومن ثم يعودون إلى المنازل، ليأتي بعد ذلك، صباح اليوم التالي، وهو يوم العيد، لتبدأ فيه مُمارسة طقوس وعادات عيدية مختلفة.

•••
فوزي المنتصر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English