"ليبي مرحبي" منسيّ بين أربعة جدران

محتجز منذ سنوات بصورة تعسفية
فاطمة العنسي
February 3, 2023

"ليبي مرحبي" منسيّ بين أربعة جدران

محتجز منذ سنوات بصورة تعسفية
فاطمة العنسي
February 3, 2023

منصة خيوط 

لا يزال ليبي مرحبي (32 عامًا)، من أفراد الأقلية اليهودية في اليمن، محتجزًا في صنعاء بصورة تعسفية وغير قانونية مخالفة لأحكام القضاء.

في 22 مارس/ آذار، اعتقل جهاز الأمن القومي في صنعاء "مرحبي"، بعد استدعائه الى مطار صنعاء للتحقيق معه، وتم الزج به في السجن بتهمة المساعدة في تهريب مخطوطة للتوراة إلى خارج اليمن.

بحثت "خيوط"، في ملف قضية هذا المواطن اليمنيّ، والذي تم عرضه على محكمة الأموال العامة، ومن ثم صدور حكم من المحكمة الابتدائية في 18 مارس/ آذار 2018 بالإدانة والحبس لمدة عامين من تاريخ احتجازه، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف والمحكمة العليا في صنعاء. بالرغم من ذلك، لا يزال "مرحبي" محتجزًا منذ ست سنوات بصورة مخالفة لكل القوانين والأحكام القضائية.

قضية منسية

تكشف عديدٌ من المصادر المطلعة ومعنيون بالقضية ومقربون من أسرة "مرحبي"، لـ"خيوط"، عن وضعية مأساوية لهذا المعتقل، والذي دخلت قضيته في عالم النسيان والمجهول، إذ تعرّض منذ اعتقاله في 2016، لعدد من الانتهاكات بعد أن تم اعتقاله بشكل تعسفي وإحضاره إلى مطار صنعاء الدولي، بحجّة التحقيق معه والاستفسار منه عن تهريب المخطوطة من المطار، حيث قام جهاز الأمن القومي باعتقاله دون توجيه سابق له من النيابة العامة بذلك، بعدها تم إخفاؤه قسريًّا منذ لحظة اعتقاله، ومنع الزيارات عنه.

في نفس الوقت، اشترطت الجهات الأمنية المعنية في صنعاء على أسرة مرحبي، مغادرة البلاد، والذين غادروا مجبرين إلى العاصمة المصرية القاهرة، من أجل إطلاق سراحه كما أفادوهم بذلك، والذي لم يتم حتى هذه اللحظة.

ظهر ليبي مرحبي لأول مرة في جلسة المحاكمة العاشرة بتاريخ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017؛ أي بعد ما يقارب سنة وسبعة أشهر وستة أيام، رغم أنّ المحكمة قد وجّهت النيابة العامة منذ الجلسة الأولى للمحاكمة، بتوجيه جهاز الأمن القومي بإحضار مرحبي لجلسات المحاكمة. وكان الحضور الثاني له في الجلسة الـ15 من جلسات المحاكمة في تاريخ 26 ديسمبر 2017، والتي صرح خلالها بأنّه قد تم التحقيق معه من قبل عناصر في جهاز الأمن القومي في سجن صَرِف بصنعاء، 17 مرة، ومرتين في جهاز الأمن السياسي تحت الضرب والتعذيب. وعدا جلسات المحاكمة التي حضرها ليبي مرحبي، فقد كانت الزيارات ممنوعة عنه ولا يُعرف شيءٌ عن أحواله.

يؤكّد محمد المحفلي، الباحث في مراكز جامعة كولومبيا ومهتم بشؤون الأقليات الدينية في اليمن، لـ"خيوط"، بعدم وجود أيّ مبرّر لاستمرار احتجازه، كما أنّ السلطات الأمنية في صنعاء، لم تقدِّم أيَّ مسوغ قانوني يذكر عن سبب الاحتجاز، ويضيف: "ليبي ليس جزءًا من الحرب الحالية، وغير محسوب على أيّ طرف من أطراف الصراع؛ لذا لا يمكننا أن نتكهّن بأنّ الأمر سياسيّ. الأرجح، ومن خلال القضية، فإنّ أسباب اعتقاله هي دينية، انتماؤه للطائفة اليهودية في اليمن هو السبب".

إخفاء قسري

بعد صدور حكم محكمة الأموال العامة الابتدائية في تاريخ 18 مارس/ آذار 2018، بعقوبة الحبس مدة عامين تبدأ من تاريخ اعتقاله، جاء حكم محكمة استئناف الأموال العامة، الشعبة الجزائية، بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول 2019، بتأييد الحكم الابتدائي والاكتفاء بالمدة التي سبق أن أمضاها مرحبي معتقلًا في جهاز الأمن القومي في الحق العام والتي تتجاوز ثلاث سنوات ونصف سنة، وسرعة الإفراج عنه.

يشير عبدالباسط غازي، محامي الدفاع عن ليبي، إلى أنّ الجهود المتكررة بتنفيذ الأحكام وإطلاق سراحه لم تجد أي قبول لدى الجهات المسؤولة في صنعاء.

وَفقَ المحامي غازي، فقد رفض النائب العام كذلك، إصدارَ مذكرة بالسماح له بزيارة ليبي نيابة عن أسرته التي أصبحت خارج البلاد، بهدف الاطلاع أيضًا على حالته الصحية.

جاء حكم المحكمة العليا في تاريخ 20 يونيو/ حزيران 2021، والذي قضى منطوقه بإقرار الحكم الاستئنافي المطعون، ولا يزال مرحبي معتقلًا ومختفيًا قسريًّا حتى اللحظة.

وتؤكّد أسرته بتدهور حالته الصحية والجسدية، وتعرُّضه للضرب والاعتداء المتكرر في زنزانته. وبحسب أحد أفراد عائلته؛ شقيقه حبوب سالم مرحبي، تم إخفاء ليبي قسرًا لمدة سنتين دون أن يعرفوا عنه شيئًا، وبعد محاولات حثيثة توصلوا إلى أنّه معتقل لدى جهاز الأمن القومي في صنعاء، مؤكّدًا أنّ ليبي شخص مسالم ولا توجد لديه أيّ قضايا جنائية أو مدنية سابقة، كما أنّه لم يسبق أن دخل باب قسم شرطة.

أصل الحكاية

وصل في مارس/ آذار 2016، عائلات يهودية يمنية قدّر عددها بحوالي 17 فردًا، إلى إسرائيل بعملية سرية وبحوزتهم مخطوطة من أقدم نسخ التوراة، مصنوعة من جلد الغزال، يعود تاريخها إلى 800 سنة، واستقبلهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحفاوة بالغة. 

اعتُقل ليبي عقب انتشار خبر تهريب المخطوطة النادرة، بعد اتهامه بالمساعدة في تهريب اللفافة التي يقول أنصار الله (الحوثيين) إنّها "كنزٌ يمنيّ وطنيّ". بحسب مجلة "Ami Magazine" الإسرائيلية، برفقة عددٍ من عمّال وموظفي مطار صنعاء، الذين اشتركوا، بحسب سلطة صنعاء، في تهريب المخطوطة الأثرية إلى خارج اليمن، إذ تم الإفراج عن جميع المعتقلين في ذمة القضية، بَيدَ أنّ ليبي ما زال الوحيد القابع خلف السجن دون مسوغ قانوني صريح.

يتحدّث المحفلي في هذا الخصوص، عن أنّ جميع من كانوا برفقة ليبي في قضية المخطوطة، أُفرج عنهم بعد استكمال محكوميتهم، باستثناء ليبي، رغم وجود تعليمات متكررة من قبل الجهات الفضائية بالإفراج عنه، ومع ذلك ما زال معتقلًا، لم يُطلق سراحُه لا تنفيذًا للأحكام ولا حتى رأفة بحالته الصحية المتدهورة، إذ بات يعاني من أمراض مزمنة ووضع حرج.

وتُعدّ هذه الممارسات انتهاكًا بالالتزامات المترتبة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والدستور والقانون اليمنيّ، إذ يتوجّب على الأجهزة الأمنية احترام حقوق الإنسان بما يضمن حقّة في المساواة وعدم الاعتقال التعسفي، وضمان المحاكمة العادلة.

وقد نصت المادة (47) من الدستور اليمني، على أنّ "المسؤولية الجنائية شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلّا بناءً على نصٍّ شرعيّ أو قانونيّ، وكلُّ متهمٍ بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي باتّ، ولا يجوز سنّ قانون يعاقب على أي أفعال بأثـر رجعـي لصـدوره".

كما نصّت المادة (48)، على أنّه "تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، ويحدّد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن، ولا يجوز تقييد حرية أحد إلّا بحكـم من محكمة متخصصة".

يمكنك أن تتخيّل المشهد؛ ليبي وهو محدق نظره إلى الأعلى ملقى على ظهره، تحيط به الآلام من كل جزء في جسده، يترقب معجزة تخرجه من بين الجدران الكئيبة التي تخنقه منذ قرابة ست سنوات، لم يتخيّل أن يكون هذا حاله، وهم آخر العائلات اليهودية من رفضوا وبشدة مغادرة اليمن برغم العروض والإغراءات، وفضّلوا البقاء في بلدهم الأمّ الذي وُلدوا وترعرعوا فيه.

*تحرير خيوط

•••
فاطمة العنسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English