البعد التعاوني في حركة13 يونيو

ومضة البرق التي تحولت لذكرى مغلقة
عبدالرحمن بجاش
June 15, 2020

البعد التعاوني في حركة13 يونيو

ومضة البرق التي تحولت لذكرى مغلقة
عبدالرحمن بجاش
June 15, 2020

لحظة أن قال “جون استيوارت”: لابد من الذهاب إلى قريتك، هب المهندس محمد نعمان إلى أعيان قدس ومنطقتنا تحديدا “الكَدِرة “، وأخبر المشائخ أن عليهم إيجاد طريق إلى “موكب الكدرة”، و”الموكب” مساحة يراها الناظر من قمة “جبل مطران” أو “جبل قَدَس” شبيهة بحاملة طائرات.

دوت أصوات “المرافع” (الطبول) قادمة من قمم الجبال، ليهب الناس ويعلمون بأمر الطريق، فلم يتوانوا ولم يهِنوا، بل حضروا من اليوم التالي بمعاولهم ومعازقهم ومفارسهم، وكل ما وصلت إليه أيديهم وأحسّوا أنهم سيحتاجونه في مهمتم.

انتشروا في المساحة الفاصلة بين “السمسرة” (منطقة في دُبَع) على طريق تعز- التربة، و”موكب الكَدِرة”، وبأيديهم اوصلوا الطريق إلى الموكب. لم يتأخر أحد، صغيراً أو كبيراً، عن المشاركة، وكل قرية أو مجموعة قرى، تولت أمر إطعام الجموع العاملة على طول الطريق.

وصلت سيارة “اللاندروفر” إلى منطقتنا خلال شهر تقريباً. لن يصدق أحد الآن أن روح التعاون والإيثار، روح المبادرة، جعلت الناس يحفرون الحجر الصلد بأيديهم.

عندما جاء “الأمريكي”، وكان طياراً حربياً سابقاً، إلى المنطقة، لم يصدق أن السيارة وصلت، وأن أيدي الناس هي التي مهدت لها الطريق. كان يجهل أمر التعاون في بناء الحياة عبر “العانة”، وهي التسمية الشعبية للتعاون في العمل.

في مطار تعز القديم، ثمة طائرات ضاعت تحت أكوام الغبار. لفتت إحداها نظر الأمريكي، صاحب المهندس محمد نعمان- نائب مدير عام مؤسسة للمياه لاحقاً، فاستطاع أن يحصل عليها، ويعيد تأهيلها للطيران.

كان الرجل قد حدد منطقة “الموكب” مكاناً لهبوط الطائرة ذات المحرك الواحد، والتي تتسع لطيار وراكب واحد أيضاً. وبوصول السيارة إلى المنطقة، فار حماس الناس فمهدوا مساحة الهبوط بأيديهم ومجارفهم.

ذات نهار من العام 1964، هبطت الطائرة الصغيرة في “مطار الموكب كَدِرة قَدَس”، كما أسماه الناس. كان حدثاً لم يُنسَ الى اللحظة، وهناك لقطة فوتوغرافية تؤرخ لذلك.

انتشرت هيئات التعاون الأهلي للتطوير في طول البلاد وعرضها، وتحولت كل المناطق إلى ورش عمل يديرها وينجز بها الإنسان حلمه في التنمية طريقاً ومدرسة ومشروع مياه

كانت فكرة التعاون تتبرعم في ذهن رجل لا يُشار إليه الآن، بل أُشيرَ إليه في فترة المزايدة والشطحات بـ”عميل المخابرات الأمريكية”. كان الوزير أحمد عبده سعيد رجلاً ينظر إلى الأفق، وفيما بعد انظم إليه الشيخ عبدالرحمن نعمان. كان الرجل يرى أن البلاد بحاجة الى استحضار روح المبادرة الجمعية.

جاءت “حركة 13 يونيو”/ حزيران 1974، من رحم الحاجة لإيجاد دولة قرينتها التنمية. ولأن إمكانيات البلاد يومها كانت تحت الصفر، فقد أخذ الشهيد إبراهيم الحمدي بزمام المبادرة وأطلق الحركة التعاونية، جديد تلك اللحظة التي هيأ لها صاحب الفكرة.

انتشرت هيئات التعاون الأهلي للتطوير في طول البلاد وعرضها، وتحولت كل المناطق إلى ورش عمل يديرها وينجز بها الإنسان حلمه في التنمية طريقاً ومدرسة ومشروع مياه.

شُقَّت آلاف الكيلومترات من الطرق، وأُنجزت الكثير من آبار المياه بإنشاء مشاريع المياه الأهلية، وضجّ ريف البلاد بالمبادرات الطوعية، فصارت المبادرة ملمحاً رئيسياً لحركة “13 يونيو” وجزءاً أصيلاً من رؤية كانت تتبلور كل يوم، على طريق المشروع الأكبر.

قال قاسم الأعجم: “ضجّت صعدة بحركة الناس الطوعية، وكان أجمل ما في الأمر طوعية نشاط الناس بدون مقابل، حتى إذا وصلنا إلى العاصمة لتسلُّم وحدة شقّ، طلب مني إبراهيم أن أصرف  ثلاثين ألف ريال أعطانيها على أنها مني لمن أتوا معي”.

اغتيل إبراهيم، لتُغتال الحركة التعاونية وتتحول إلى وزارة، بادّعاء أن البلاد ستسير على طريق الحكم المحلي، “فلا ذا تأّتى ولا ذا حصل”! انطفأت البلاد، وانكفأ الإنسان، إذ لم يعد هناك ما يحفّزه لأن يجد حاجته الماسة. وكومضة البرق، أضاءت “حركة 13يونيو 1974،” لتنطفئ قناديلها بفعل من أطفأوا قناديل “سبتمبر 1962”.

مشكلة هذه البلاد غياب التقييم؛ لم تقيّم “حركة 13 يونيو”، لتتحول إلى ذكرى في ملف لا يقترب منه أحد. ولأنه لا أحد يقيّم ولا أحد يحلّل ويستخلص النتائج، دائماً ما نظهر عرايا.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English