سياسة التقارب لتلجيم الخسائر

السعودية وإيران والهروب شرقًا
هدى فيصل
April 11, 2023

سياسة التقارب لتلجيم الخسائر

السعودية وإيران والهروب شرقًا
هدى فيصل
April 11, 2023

لم تُختبَر حتى اليوم، صلابة وجدية التقارب السعودي الإيراني الذي رعته الصين في مارس الماضي، وإلى أيّ بعد استراتيجيّ بإمكانه أن يصل، غير أنّ الواضح فيه أنّ الدولتين أصبح لديهما رغبة مُلحّة في صياغة علاقة جديدة لتخفيف خسائرهما على أكثر من صعيد. وللدولة الراعية مآربها من هذا التقارب الذي فاجأ الكثيرين.

السعودية وسياسة الجرأة 

لعلّ أبرز ما يثير الانتباه، ملامحُ التغيير والجرأة الملحوظة في مسار السياسة الخارجية للسعودية، والتي تنطلق وفقًا للمحدِّدات التالية: 

- التقليل من الاستنزاف الماديّ والعسكريّ في الملف اليمني:

تدخلت المملكة العربية السعودية في حرب اليمن، تدخُّلًا مباشرًا وصريحًا عبر عملية عسكرية تم تسميتها بـ(عاصفة الحزم)؛ وذلك في تمام الساعة الثانية صباحًا بتوقيت المملكة من يوم الخميس 6 جمادى الآخرة 1436هـ، الموافق 26 مارس من عام 2015م. يأتي هذا التدخل كردّ فعل لوصول أنصار الله (الحوثيين) إلى العاصمة اليمنية (صنعاء)، واحتلالها بعد مواجهة محدودة مع قوات علي محسن الأحمر، وفرض سيطرتهم على مؤسسات ودوائر الدولة.

للمملكة مجموعة من الأسباب التي صرّحت بها وقدّمتها كتبريرات لتدخلها العسكري في الدولة المجاورة –اليمن– وهي مواجهة التمدُّد الإيرانيّ عبر ميليشيا الحوثي لأسباب سياسية وأيديولوجية وأمنية.

تدخل اليمن عامها الثامن من الحرب متعدّدة الأطراف، ولم تزل السعودية هي اللاعب الأبرز فيه؛ بحكم تأثيرها الكبير والمباشر في الملف اليمنيّ عسكريًّا وسياسيًّا، وأنفقت جرّاء تدخلها العسكري مليارات الدولارات، منها 63 مليار دولار على شراء الأسلحة حتى العام 2021، حسب بيانات وزارة الدفاع الأمريكية.

تؤكّد هذه الخسائر عن طريق خفضها للميزانية العسكرية المخصصة ضمن الميزانية العامة لعام 2022م، بأكثر من 10% ممّا كان مقرّرًا للميزانية في العام الذي سبقه؛ حيث إنّها اكتفت بتخصيص 171 مليار ريال للإنفاق العسكري في العام 2022م، مقارنة بـ190 مليار ريال تم صرفها في 2021م، في حين أنّ صحيفة The Economist البريطانية ترجح السير البطيء في مشوار رؤية 2030م، للمملكة إلى الحرب القائمة في اليمن، والتي لا تكف عن استنزاف الكثير من الأموال السعودية.

كلُّ هذا من شأنه أن يحفّز المملكة لمناقشة سبل الخلاص والبحث في سبل إيقاف استنزاف مواردها في تدخل عسكري لم يحقّق أهدافها، وإن كان ذلك من بوابة التفاوض مع إيران.

إعادة رسم خارطة الحلفاء

السعودية تعود من خلال هذه الخطوة لرسم خارطة علاقاتها، ويبدو ذلك واضحًا من تقاربها مؤخرًا مع روسيا والصين، وحرصها على إنجاح العلاقات الصينية السعودية بشقّيها السياسي والاقتصادي، وإلى حدٍّ ما العسكري، خصوصًا بعد تسريب خبر أنّه بإمكان الصين دعم جانبٍ من توجه السعودية النووي، في ظلّ قناعة المملكة من عدم جدية الولايات المتحدة في علاقاتها مع أحلافها، بعد أن ظهر هذا واضحًا في الانسحاب من أفغانستان وفي تعقيداتها الواضحة لملف التسلح السعودي مؤخرًا، في حين تتيح الحرب الروسية الأوكرانية للسعودية، مساحةً للمناورة السياسية والبحث عن شركاء جدد. 

(مهسا أميني) تنهك الجمهورية الإسلامية 

طهران تسعى للخروج من العزلة المفروضة عليها دوليًّا، والذي صار توتّرًا طويلًا مع الغرب، وليس هذا فقط، بل إنّ الوضع الداخليّ الإيرانيّ لا يتسم بالاستقرار وغارق في كثير من الفوضى، ويعكس ذلك ارتفاع وتيرة الاحتجاجات التي مهّدت لها عملية تصفية الشابة (مهسا أميني)، كلّ هذا من شأنه أن يدفع إيران نحو التفكير في تحسين علاقاتها مع المحيط الإقليميّ، أولًا من أجل التركيز لمواجهة الثغرات الداخلية.

ترى طهران أنّ تقارب الدول العربية مع إسرائيل سيقيّد من تواجدها ويُفشِل من مساعيها في تحقيق مزيدٍ من التواجد الإقليمي في المنطقة، كما أنّها تعي تمامًا أنّ الولايات المتحدة تريد إبقاءَها في حالة اللاتوازن، بتوسيع قاعدة خصومها، ومن المتضرِّرين من سياساتها الإقليمية وتدخلاتها عبر أذرعها الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. بالإضافة إلى أنّها لا تستطيع التفكير والمُضِيّ قُدُمًا في ظلّ التراجع الاقتصادي والضغوطات المالية الواقعة عليها، لهذا وجدت من التقارب مع السعودية فرصةً كبيرة لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية عليها.

الصين.. أدوار جديدة وسياسـة حكيمة

في ظلّ التوترات السياسية والأمنية بين الصين والولايات المتحدة على خلفية موضوعات التجسس وملف تايوان والتقارب مع روسيا، تريد الصين أن توصل رسائل قوية للولايات المتحدة بأنه بإمكانها التواجد بمنطقة الشرق الأوسط بأشكال شتى، وأنّ المنطقة لم تعد حكرًا على الولايات المتحدة فقط.

في هذا الجانب تسعى الصين إلى الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وتقويتها في المنطقة، والحصول على الطاقة الرخيصة بدون أيّ إشكاليات مستقبلية، ونقطة انطلاقها في ذلك دخولها كوسيط نزيه، لتخفيض نسبة التوتر بين الخصمين النفطيّين اللّدودين، بعد أن كانت الولايات المتحدة تتكسّب من هذا التوتر، ولتعزيز حضور حليفتها إسرائيل في ملفات عديدة، ومنها الملف الأمنيّ.

تسعى الصين في صعودها السلس والمرِن، للوصول إلى نقطة التأثير الكبير في العلاقات الدولية، تمامًا مثل الولايات المتحدة، لكن سيبقى لديها معضلة الملف التايواني، وتجاوز ارتدادات جائحة كورونا على اقتصادها بشكلٍ كامل.

الملف اليمني.. وماذا بعد التقارب السعودي الإيرانيّ!

قد لا يمثّل مثل هذا التقارب مصلحةً كلية للمنطقة في المدى القريب، بقدر ما يمثّل اختبارات حقيقيّة لنوايا الأطراف المعنية، والتي ستبدأ بفتح السفارات وتفعيل الاتفاقيات السابقة، ومنها الاتفاقية الأمنية، وقد تتيح لهما الفسحة الزمنية التي تضمّنها الاتفاق استراحةَ محارب حَذِرة.

السؤال هنا: ماذا عن الملف اليمنيّ بعد السنوات الثماني من الحرب والتفكيك؟

لا شكّ أنّ الملف اليمني في عامه الثامن لم يَصِر بعدُ ملفًا خالصًا بيد اليمنيّين، فلم يزل ورقة ضغط فاعلة يستخدمها الطرفان، وعلى وجه الخصوص الطرف الإيراني الذي لا يزال تأثيره قويًّا على جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وستستخدمه بطرائقها الخاصة لإثبات حسن نوايا، ومنها خفض التوتر العسكري، بعدم استهداف السعودية، مع ترك مساحات تنفيس في قليل من الجبهات الداخلية الثانوية، لاستمرار عمليات التعبئة والتحشيد في الحواضن القبلية، التي يعاد توظيفها إمكانياتها البشرية لخدمة مشروع الجماعة، التي تستقرب الحرب، وتستبعد السلام في كل تحركاتها.

الضبابيّة لم تزل تلف موقف الإمارات العربية المتحدة- الحليف الرئيس للسعودية في تحالفها العسكري في اليمن، من أيّ تسوية مستقبلية، وملف الجنوب الذي تتحكم به بواسطة حلفائها الفاعلين على الأرض، لا يزال مفتوحًا على كلّ الاحتمالات.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English