خالد الصوفيّ

الإنسان الذي "يألف ويؤلَف"
د. صادق وجيه الدين
January 29, 2023

خالد الصوفيّ

الإنسان الذي "يألف ويؤلَف"
د. صادق وجيه الدين
January 29, 2023

مرَّت بنا، قبل أسابيع، ذكرى وفاة واحدٍ من أكثر أساتذة جامعاتنا اليمنية، الحكومية منها والأهلية، نجاحًا في تكوين العلاقات الوُدّيّة القويّة مع طلبتهم، وحرصًا على توطيد العلاقات الطيبة معهم، وتمكُّنًا من التعامل معهم بروح "الإنسان" قبل أن يكون تعاملًا بروح "الأستاذ"، ولهذا فهو مِن أكثر مَن يمكن أن يعرفهم قارئ هذه السطور حصولًا على المحبّة والمودّة من طلبتهم وزملائهم، دون أن يُنقِص شيءٌ من ذلك شيئًا من مكانته وهيبته، أو أن يكون على حساب قوة شخصيته، بل على العكس، فلم تُزده بساطتُه وطيبتُه إلّا مهابةً إلى مهابته، ومكانةً إلى مكانته، ولم يكن تواضعُه إلّا صورةً من صور "تواضع الكبار".

فقبل سبع سنوات، أي في شهر (يناير/ كانون الثاني) من عام 2015م، فُجِع الوسطان الأكاديمي والإعلامي في بلادنا، برحيل الدكتور خالد الصوفي، الأستاذ المشارك في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، الرئيس السابق لقسم العلاقات العامة والإعلان بالكلية، بعد معاناة مع مرض ألمَّ به، ظلّ يعاني منه على مدى فترة لم تكن قصيرةً، دون أن تُفقده تلك المعاناة الصحية، طوال تلك الفترة، خفةَ دمه، وجمال روحه، وبشاشة وجهه، ومَرَح طبعه؛ فقد كانت كل هذه الصفات، وغيرها كثير، من الأخلاقيات "الجبلّيّة" التي نشأ معها وشبَّ عليها، وأصبحت جزءًا أساسًا من بناء إنسانيته الأصيلة، وجانبًا رئيسًا من تكوين شخصيته الجميلة الاستثنائية.

نعم، إنّي لَأتذكّرُ جيدًا تلك الفاجعة التي نزلتْ عليّ كالصاعقة، في نبأ شديد الألم وخبر قوي الحزن، عصر يوم الرابع من شهر يناير 2015م، بعد أن كنتُ عاقدًا العزم على زيارته، ومحتاجًا إلى الاطمئنان عن صحته، وليس ذلك إلّا لِمَا لمستُ فيه من الخصال النادرة، والصفات الحميدة، بذلك الشكل الذي قلّما نجده في زماننا هذا؛ فحتى وهو يمرّ في أصعب مراحله، وأعسر فتراته، صحيًّا وماديًّا، فقد كان في مقرّ سكنه، هناك في منطقة روكسي بالقاهرة، قائمًا بمهام الاستقبال والضيافة، لكثيرٍ من زملائه وطلبته وأصدقائه، من أكاديميين وإعلاميين وسياسيين وناشطين ومواطنين عاديين، ولهذا فإنّ شقّته كانت فاتحةً أبوابها أمامهم، وهو نفسه بقيَ فاتحًا ذراعيه لهم، مستقبِلًا لهم بالأحضان.

لقد كان فقيد الوسطَين الأكاديمي والإعلامي اليمنيين، الراحل الدكتور "خالد الصوفي" -رحمه الله- من بين الشخصيات الأكاديمية والإعلامية والثقافية الجديرة بأن نصفها بـ"الاستثنائية"، بكل ما تحمله هذه اللفظة من معانٍ، وما تدل عليه أو تعبّر عنه من دلالات، ولهذا لم يكن ذلك الحزن الواسع الذي عمَّ أرجاء الوطن يوم وفاته، وكشفته لنا صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، إلّا دليلًا على هذه المحبة الكبيرة المشار إليها، التي يحملها له طلبتُه وزملاؤه ورفاقُه وأساتُذته، داخل الوطن وخارجه.

إنَّ من غير المبالغة القول بأنَّ الدكتور "خالد الصوفي"، لم يكن بالنسبة إلى كثيرٍ من طلبته، مجرّدَ أستاذٍ لهم، مثله مثل كثير من بقية زملائه الأساتذة، فقد وجدوا فيه "الأستاذ الإنسان"، الذي لم تدفعه درجتُه العلمية العليا، ولا منصبُه الأكاديمي البارز، ولا حضورُه الاجتماعي اللافت، إلى الوقوع في شيءٍ من التعالي، بل إنّها -على العكس من ذلك تمامًا- لم تزده إلا تواضعًا ورُقِيًّا في عموم تعاملاته، ورفعةً وعلوًّا في أعين عموم من يعرفونه، مؤكِّدًا للجميع، بلسان حاله قبل لسان مقاله، أنّه كبير، وكيف لا يكون الأمر كذلك، وهو يجسِّد التواضع، الذي لا يجيده، وبتلك الطريقة، سوى الكبار!

ما كان أجمل هذا الرجل، وما كان أنبله وأكرمه، وما كان أصفاه وأنقاه؛ فروح الدعابة والفكاهة والنكتة تبقى حاضرةً لديه باستمرار، والابتسامة ملازمة شفتيه لا تفارقهما، وهو الذي يهش ويبش في وجه من يقابلهم، حتى يُخيَّل إلى من يلتقيه للمرة الأولى، أنّه قابل صديقًا قديمًا، وهذا يعني أنّ فقيدنا "الخالد" الزاهد، كان يسير في زهده على خُطى ذوي الاتجاه الصوفيّ، وهو الذي يحمل لقب "الصوفي"، جاعلًا من نفسه، بعفويةٍ تلقائية، شاهدًا حيًّا على من ينطبق عليه الوصف الذي كان يُرَدَّد إطلاقه والتعبير عنه في كتابات القدامى، بخصوص أنّه "يَألف ويُؤلَف".

رحمة الله تغشى روحك الطيبة، في الذكرى الثامنة لرحيلك، أيُّها الأستاذ الخالد في قلوب مُحبّيك، الخالد في أذهانهم، الخالد في دفاتر ذكرياتهم، الخالد في حدقات أعينهم، المحفوظ اسمًا ورسمًا، في صدورهم، قبل سطورهم. 

•••
د. صادق وجيه الدين

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English