صحفيون من ذوي الإعاقة بسبب الحرب

أحدهم فقد ساقه، وآخر بصره، والعيزري تُوفِّي بحسرة العمى
علاء الشلالي
May 3, 2022

صحفيون من ذوي الإعاقة بسبب الحرب

أحدهم فقد ساقه، وآخر بصره، والعيزري تُوفِّي بحسرة العمى
علاء الشلالي
May 3, 2022

لم يكن الشاب الثلاثيني الصحفي، سامي عبدان، يعلم حينما كان يؤدي واجبه في تغطية صحفية لمراسيم عزاء في العاصمة صنعاء- أنه نفسه سيكون ضحية تكتب الصحافة عن مأساته التي أحزنت الكثيرين، فحينما قصف التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات قاعة العزاء "الصالة الكبرى" في صنعاء في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، نجا عبدان من الموت بأعجوبة، لكنه فقد إحدى ساقيه. وقبله كان المذيع في إذاعة صنعاء عبدالملك العيزري قد أصيب بالعمى، جراء تدهور حالته الصحية، بعد أن ظل لسنوات مستجديًا رحلة علاجية من قبل حكومات تنصلت عن دفع راتبه المستحق لخدمته في الإذاعة والتلفزيون الحكوميتين طيلة خمسة وأربعين عامًا.

مثله الصحفي عارف الضالعي، الذي فقد بصره أواخر العام المنصرم نتيجة لتعرضه لجلطة دماغية، جراء الظروف الاقتصادية السيئة التي عانى منها بسبب الحرب.

جميعهم وجدوا أنفسهم ضمن ثلاثة ملايين يمني من ذوي الإعاقة، بعضهم كانت الحرب سببًا في إعاقتهم أو وفاتهم، والبعض ما يزال يصارع الحياة من أجل البقاء.

الصالة الكبرى

وُلد سامي عبدالدايم عبدان في العاصمة صنعاء، في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان 1980، واصل تعليمه النظامي حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام من جامعة عدن. عقب تخرجه من الجامعة عمل محرِّرًا في صحيفة أخبار اليوم، وبعدها سكرتير تحرير لدى موقع نباء نيوز الإخباري، ومن ثَمّ عمل محررًا صحفيًّا في مجلة المحاماة الصادرة عن نقابة المحامين اليمنيين، وانضمّ في 2011، للعمل في إحدى مؤسسات الإعلام الرسمي الحكومي.

يقول عبدان، إنه كان يفضل العمل في التلفزيون؛ لأنه -برأيه- يظل الوسيلة الإعلامية الأكثر تأثيرًا في المجتمع، وله القدرة على مخاطبة جماهير عريضة في وقت واحد، كان عبدان يساهم في إظهار مظلومة من تعرضوا لإعاقات مختلفة؛ لأنه كان يحب ذلك. 

تلقى سامي العلاج داخل اليمن مدة عشرة أيام، قرر الأطباء إجراء عدد من التدخلات الجراحية التي لا يمكن إجراؤها في اليمن، وبالفعل غادر سامي صنعاء رفقة عدد من الجرحى لتلقي العلاج وتركيب طرف صناعي بديل عن ساقه المبتورة، على نفقة أحد الزعماء القبليين في صنعاء.

بعد اندلاع الحرب في اليمن منذ العام 2015، تأثر العاملون في قطاعات واسعة، ومنها المؤسسات الإعلامية، التي تم إغلاق غالبيتها، وكان ذلك التأثير يتمثل في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي والنفسي نتيجة انقطاع الرواتب وانعدام سبل العيش، وكان بعض الصحفيين ومنهم سامي عبدان، يعانون جراء تلك التبعات الناتجة عن الحرب.

في شرحه لما حدث في الصالة الكبرى، يقول عبدان: "كنّا على عجلة من أمرنا لنتمكن من أداء صلاة العصر في مصلى القاعة بعد تقديم العزاء لأسرة الفقيد، وقد تجاوزنا حينها تلك الزحمة باختيار طريق مختلف في الجهة الغربية للقاعة حتى وصلنا إلى مدخل مواقف السيارات بوسط شارع الخمسين الممتلئ بمئات السيارات. كان المعزون حينها يدخلون ويخرجون من القاعة وبأعداد كبيرة جدًّا، لأن العزاء كان ليوم واحد، حسبما تناقلته وسائل الإعلام في اليوم السابق".

يتابع: "في الساعة (3:20 أو 3:25 عصرًا) وأثناء جلوسي، إذا بنا نسمع صوت انفجار الصاروخ الأول، وكان مختلفًا عن الانفجارات المعتادة، ربما لأننا كنا على مقربة كبيرة من مكان انفجاره حيث شاهدنا الناس الذين كانوا متواجدين في قاعة العزاء يتطايرون في الهواء نحو الأعلى، ولاحظت إصابتي في ساقي اليسرى، لم أستطع الوقوف بعدها، إنما زحفت على بطني لكي أنجو، وبحمد الله تعالى، استطعت الخروج قبل الغارة الثانية بثوانٍ".

تم إسعاف عبدان، ومن كانوا بجواره في القاعة ممن كانوا على قيد الحياة، إلى المستشفى، وكانت زوجة سامي مع أقاربه يبحثون عنه في المشافي والمراكز الصحية التي أسعف إليها ضحايا قصف قاعة العزاء، إذ علموا مسبقًا بأن سامي كان في القاعة قبيل وقوع الجريمة، وحينما وصلوا لمستشفى الثورة الحكومي وجدوه حيًّا يُرزق، لكنه منهك القوة ويعاني من الآلام الجسدية التي سببها له القصف. حينها قرر الأطباء بتر قدمه بعملية جراحية عاجلة، وكانوا ينتظرون الموافقة من سامي وأقاربه الذين شعروا حينها بالحزن الشديد، لكنهم وافقوا على قرار الأطباء؛ لأنهم رأوا كيف تفحمت الكثير من جثث ممن كانوا داخل القاعة، مقارنة بحالة سامي الصحية المستقرة، الأمر الذي هوّن من مصاب عائلته.

البحث عن طرف 

تلقى سامي العلاج داخل اليمن مدة عشرة أيام، قرر الأطباء إجراء عدد من التدخلات الجراحية التي لا يمكن إجراؤها في اليمن، وبالفعل غادر سامي صنعاء رفقة عدد من الجرحى لتلقي العلاج وتركيب طرف صناعي بديل عن ساقه المبتورة، على نفقة أحد الزعماء القبليين في صنعاء.

يقول سامي لـ"خيوط": "بقيت بدون طرف صناعي مدة سنة وأربعة أشهر وأنا أعاني وأبحث عن طرف، وبعدها وبفضل الله تعالى، جاء رجل أعمال شهير، قام بزيارة الجرحى عدة مرات وتم طرح موضوع احتياجنا لأطراف صناعية لعدد سبعة من الجرحى مبتوري الأطراف، وكان تجاوبه إيجابيًّا، وأبدى استعداده بكافة التكاليف المادية للسفر، وتم تركيب الأطراف لعدد أربعة جرحى، بمن فيهم أنا، في إحدى المركز الخاصة في سلطنة عمان، بينما الثلاثة الآخرون سافروا إلى لبنان عبر الصليب الأحمر الدولي".

في سلطنة عمان، أُجريَت عمليتان جراحيتان لسامي؛ إحداهما تجميلية، والأخرى لترقيع مكان البتر، ويلفت سامي أنه كان يعاني من حالة نفسية صعبة، جراء الألم الجسدي الذي عانى منه، عقب إصابته التي أدت إلى بتر إحدى قدميه، فقد عانى أيضًا من قرحة في القولون.

كان سامي ورفاقه الذين حصلوا على أطراف صناعية في عُمان، يرغبون في العودة إلى بلادهم، لكنهم لم يستطيعوا، فمكثوا في عُمان مدة عام ونصف عام، بسبب رفض التحالف العربي عودتهم إلى اليمن، دون أسباب تُذكر.

يختتم سامي حديثه لـ"خيوط"، بالقول: "عندما وصلنا إلى سلطنة عمان لاستكمال العلاج، تعرفت على عدد من الجرحى، وأصبح بيننا علاقة صداقة وأخوّة، وكان كل واحد منا يُـصبّر الآخر حتى نعود إلى ديارنا ونحن أكثر قوة وصلابة من ذي قبل".

عاد سامي إلى صنعاء بطرف صناعي، لممارسة مهنته في الصحافة في عدد من الصحف الإلكترونية المستقلة، إذ نذر نفسه -وفق حديثه- مدافعًا بالكتابة عن حقوق ذوي الإعاقة وحقوق من سقطوا جراء قصف طائرات التحالف.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English