إعادة الاعتبار للمهنة

كيف صار الصحفي مجرد اسم في الكشف؟
عبدالرحمن بجاش
May 4, 2023

إعادة الاعتبار للمهنة

كيف صار الصحفي مجرد اسم في الكشف؟
عبدالرحمن بجاش
May 4, 2023

لايزال المشهد أمامي حيا، وكأن أيام قليلة مضت عليه وليست سنوات غزيرة..

كوم من أحجار الزلط فرشت على مساحة صغيرة من التربة في ساحة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، أراهما الإثنان: عبد الباري وعباس غالب، وأنا أقف قريبا أسمعها.

كان عباس يعرض قصة قصيرة على عبد الباري..

في ديمة صغيرة لا تكاد تتسع لأكثر من شخصين، جلس الزرقة تحيط به أوراق الأخبار القادمة من الوكالة والوكالات. هناك أيضا يقف محمود الحاج.

كانت الشركة اليمنية للطباعة والنشر دخان حريق اجتث كل ما فيها لايزال يعكر الأجواء، أحمد هاجي كان يديرها.

اهتزت صنعاء كلها لحريق الحروف وبروفات المطبوعات، جاء الحمدي بنفسه ليشرف على محاولة إنقاذ ما يمكن انقاذه!

يوم كان الحرف يعني الحياة، بكت صنعاء حريق الكلمة!

مررت على المساح الى بيت الصافية، كان هناك حسن اللوزي، خرجنا معا راجلين …

أشرفنا على الزبيري الشارع لنلاحظ سيارة نعرفها تقف أمام الطيران المدني، كان هناك من ينقل كتبا الى غرفة جانبية، شاركناهم الثلاثة في النقل، أكملنا لنواصل إلى السير الى حيث احترق الحرف موقع برج المواصلات الآن …

صحيفة " الثورة " كانت في مبنى الجوازات سابقا، والى هناك ذهبت أول خربشاتي " كيف يجب أن نفهم التصحيح "، وأمام ذلك المبنى جلس المساح ذات صباح ينتظرهم لاعتقاله بعد أن كتب افتتاحية استطاع أن يقنع المناوب بها ، فثارت الحكومة من محسن العيني الى أحمد دهمش الذي وجد المساح ، فبادره :

وعادك جالس والدنيا تشتعل ، اطلع القلعة، ففعل ، عاد المساح بعد أن انفرط العقد بين دهمش والحمدي يتلقى رسالة من الأول يقول فيها :

ليتني صدقتك، الرسالة بخط دهمش لاتزال بين أوراق المساح.

عباس غالب وأنا وثمانية آخرون، نجحنا في الاختبار التحريري الذي عقد في أول مبنى مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء، في المبنى الذي تحول فيما بعد إلى إدارة عسكرية، وكان يومها من طابق واحد. 

كانت " الثورة " قد أعلنت عن حاجتها إلى 10 محررين، و"يخضع المتقدمين لاختبار تحريري. كانت المؤسسة وتتبعها وكالة سبأ للأنباء و" الجمهورية " فرع لها، كانت مؤسسة سبأ العامة للصحافة والأنباء تأسست للتو بعد أن ظلت الصحيفة تتبع وزارة الإعلام.

لم نذهب لاستكمال ملفاتنا في المالية والخدمة، بل تمت الإجراءات داخل المؤسسة، ما عنى يومها أن المؤسسة بداية لتأسيس مهنة حقيقية، تستقل مؤسستها وتصرف على نفسها.

يومها تقرر لكل منا 750 ريالا وهو مبلغ كبير مقارنة ب 250 ريالا لزملائنا في المرافق الأخرى.

تولى إدارة المؤسسة الدكتور محمد عبدالجبار سلام ومحمد الزرقة مديرا عاما مساعدا، لتدور ماكنة المؤسسة العامة باتجاه مهنة مستقلة يكون فيها الصحفي صحفيا.

لتدور الأيام و توأد الفكرة من الأساس، كعادة العرب حيث الخلف يمحو كل أثر السلف، كما وئد ملحق الثورة الثقافي فيما بعد.

عادت حليمة لعادتها القديمة، وعادت المؤسسة الى النظام المالي الموحد، بمعنى أنها شابهت الواجبات والضرائب، واعتبر المحررين مجرد موظفين وإلى اليوم.

المهني يتبع الإداري، وفي سلم الصعود يبدأ من رئيس قسم حتى يصل إلى الهاوية إلا من رحم ربي.

في الخدمة المدنية نُظر إلى المؤسسات، الثورة، الجمهورية، أكتوبر، الإذاعة والتلفزيون، على أنها مؤسسات عامة تخضع لنظام الخدمة المدنية، وفي سلم الخدمة لا يوجد محرر، كاتب أول، سكرتير تحرير، مدير تحرير، ورئيس تحرير،

هنا تحول الصحفي إلى موظف يبحث عن اللقمة، وبأي طريقة للبعض منهم، وفي المستويات العليا ظل كبار المهنيين يتصارعون على من يكون مديرا عاما أو رئيس لمجلس إدارة موجود على الورق !

وفي الخدمة المدنية وطوال السنوات اللاحقة، وفي كل عام، لا تخصص درجات للصحفيين خريجي أقسام الصحافة، بل فنيين، وهنا تسرب إلى جهاز التحرير موظفين عاديين، يبدؤون مراسلين داخليين وبقدرة قادر يتحولون إلى محررين!

فيما بعد بدأ الصحفي الحقيقي يهجر الثورة إلى الصحف العربية " مراسلين "، وذلك أدى إلى أن تتقوقع المهنية في أول السلم لم تتزحزح عنه، وغابت التقاليد الصحفية، ولم تعقد دورة واحدة للارتقاء بمستوى المحررين الحاصلين إذا حَسُن التعبير!

وحتى نقابة الصحفيين بدلا من أن تطالب بإعادة الاعتبار إلى المؤسسات بإعادتها إلى مهنيتها، راحت تطالب ب" كادر"، ووصفت مع الخدمة المدنية المهنيين على أساس أنهم موظفين، يبدؤون بالدرجة يتدرجون في السلم المالي والإداري حتى يصل صاحب الحظ إلى درجة الوزير!

غاب المهني وضاعت المهنية في الزحمة!

على أن سقف الصحفي " رئيس تحرير" وليس " وزيرا".

لتسيد الوظيفي على المهني، ولهيمنة الإداري صار الصحفي أو الموظف في الصحيفة مجرد اسم في كشف التوقيعات حضور وانصراف ، يكفي أن يحضر وليس من المهم أن ينجز!

ولم تجد المؤسسات من يناضل وبإصرار في سبيل إعادة الاعتبار للمؤسسات اعتبار أنها مؤسسات مهنية مستقلة ماليا وإداريا.

الآن ..

إذا اردنا صحافة حقيقية تخرج من  صفحاتها صحفيين محترفين كبارا ،فلتعود المؤسسات الى سيرتها الأولى. 

أتذكر هنا وقد استبشرت خيرا أنني وجهت رسالة بهذا المعنى إلى نادية السقاف وزيرة الإعلام في حكومة بحاح ، فلم أتلق أي رد، وعلى الواقع كان الهم أكبر من المهنية والمهنة كما بدى ..

بسبب كل ذلك، اكتشفت يوما وبالحديث المباشر أن عضوا كبيرا في نقابة الصحفيين يظن أن مؤسسة الثورة تعني صحيفة الثورة وعندما شرحت له فوجئ !!!

للوصول إلى مهنية حقيقية ومهنة كما هي في الكون كله، على أحد ما أن يعمل على إعادة الاعتبار للمهنة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English