يسقطون الخلفية والموقف حين يكتبون

الإسلام في "الموسوعة العبرية العامة
عبدالوهاب الحراسي
March 15, 2023

يسقطون الخلفية والموقف حين يكتبون

الإسلام في "الموسوعة العبرية العامة
عبدالوهاب الحراسي
March 15, 2023

عرض مختزل (من أجل الحب العام)

مقال وصفيّ للإسلام، مُلِمّ ومختصر؛ اعتمد القراءة التاريخية والتأويل والنصيَّة. استغرق، قرابة 38 صفحة من الموسوعة، وقد تم تحريره وإخراجه بعنوان رئيسي وعناوين فرعية، على النحو الآتي:

الإسلام

أ. الوصف

ب. تكوين الإسلام

ج. العالم الإسلامي

د. علاقة ثقافة الإسلام بالثقافات السابقة لها

هـ. تطور الدين الإسلامي

و. دين الإسلام الرسمي

ز. الإضافات الشعبية إلى الدين الرسمي

ح. قيام الدين الإسلامي في الواقع

ط. الفِرَق

ي. العلم والتعليم في الإسلام

ي. أ. أزمة الإسلام حاليًّا:

وأنّها في تراجع القوة الخلاقة؛ وصراع الحداثة ومضادّها في الدين، وعن الهجوم الغربي عليه.

ي. ب. مساهمة الإسلام في الثقافة العالمية، بكل جوانبها:

في مجال الدين، انتشاره على معظم البسيطة. وفي مجال الأدب فقد منح العالم كله إنتاجًا خاصًّا، وفي الفنون والهندسة المعمارية والعلوم الدقيقة (فلك، طب، رياضيات) وفي التجارة ما أصبح من عِداد الكلمات المستعملة اليوم في اللغات الأوروبية.

أهمية الموسوعة/ أهمية المقال

تُقيَّم الموسوعة العبرية العامة لليهودية، بأنّها أكبر وأهم موسوعة يهودية على الإطلاق؛ ولذا فإنّ مقال الإسلام في الموسوعة يعدّ مصدرًا أساسيًّا لكلِّ باحثٍ ولكلّ يهوديّ يتكلم العبرية.

هذا المقال تم إعداده وتحريره من قبل يوسف كلاوسنر(1)؛ وهو ينتمي إلى المدرسة اليهودية للاستشراق، والتي ترى أنّ الإسلام هو حصيلة تأثير الأديان السابقة عليه، بخاصة التوراة؛ الأمر الذي جعل الموسوعة تنظر إلى القرآن باعتباره كتابًا ألّفه رجل عربي لا يمت للنبوة بصلة، اسمه محمد؛ وعليه فالمقال في الموسوعة، لا يفرّق، من حيث المبدأ، بين القرآن والأحاديث.

وتحت عنوان (تطور الدين الإسلامي)، يحكم الكاتب على القرآن بأنه "ناقص وفقًا لبنائه وأسلوبه، سواء فيما يتعلق بمجالات الشرائع أو في مجالات التاريخ المقدس والقصص" (يقول الكاتب) ولا تخلو العقيدة الإسلامية من تناقضات:

"وقد تبلور اللاهوت الإسلامي حول المسائل المتعلقة بالتناقضات بين أقوال النبي المختلفة، وحول الجدل مع النصارى وأبناء الديانات الأخرى، الذين كانوا محيطين بالمؤمنين بالإسلام".

"وفيما يتعلق بالجدل مع من دخلوا الإسلام بالقوة من أبناء الديانات الأخرى، فقد احتل دين ماني "المانوية" مكانًا مهمًّا في تكوين النموذج اللاهوتي الإسلامي، كما أنّ مجاورة الإسلام لعبدة الأصنام وأهل الكتاب، كان مثارًا للجدل معهم".

علينا أن نفترض حسن نية الكاتب، وأن حكمه بأنه "ناقص في بنائه وأسلوبه.. إلخ" ليس قدحيًّا، بل هو صحيح؛ لكنه يبقى غامضًا لكل طالب معرفة، ما دام لا يحيل لشيء (نسبة بماذا وإلى ماذا؟).

أمّا الكلام المتعلق بالجدل، فهو صحيح وسليم، بل إنّ القرآن ينهض، في معظمه -إن لم يكن كله- على أسلوب الحوار والجدل؛ بالرغم من أنّه لم يبتدعه، فقد سبق أن دوّن العهد الجديد (الإنجيل) جدلَ وجدال المسيح مع بني إسرائيل.

وفيما يتعلق بالتناقضات، لم يوضح المقال ذلك، ولم يعطِ الكاتب أمثلة عليه؛ ومع ذلك فمقصده لن يكون سوى تلك الآيات والأحاديث التي تدل على تجسيم الله وتحيّزه، وفي التصورات عن ذاته وصفاته (سنؤجل مناقشة هذا القول، قليلًا، لأهميته، ولارتباطه بسياق آخر).

وفيما يتعلق بتأثير المانوية، لا ندري كيف لعقيدة تقول بقوتين مطلقتين متناقضتين متصارعتين (النور/ الظلمة، أو الخير/ الشر) تتقاسمان العالم وتكوِّنان الوجود، أن تحتل مكانًا مهمّا في تكوين النموذج اللاهوتي للإسلام!

وعن التصوف، يُدلّل الكاتب على الجذر القرآني للتصوف، بالقول: "من بين الفقرات الصوفية في سورة النور، الآية 35 و42".

وهذا غير صحيح؛ وبخاصة الآية 42؛ فالآية: {الله نور السماوات والأرض ...} لا يمكن اعتبارها جذرًا إلا بصعوبة ومن باب التأويل.

أما الآية الثانية 42، فلا صلة لتأويلها بالتصوف: {ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير} [النور: 42].

ولعل الكاتب يهدف إلى الآية التي قبلها (41) فهي أقرب للتأويل بما يريد.

وفي الموضوع نفسه، ترد عبارة:

 "ومن أمثال هؤلاء (المتصوفة) الذين ظهروا في الجيل الذي تلا محمدًا، نجد أبا ذر الجعفري".

وجميع المسلمين يعرفون أن لا وجود لشخص اسمه أبو ذر الجعفري وُجد بعد رحيل الرسول أو في جيل التابعين؛ وربما كان المقصود هو أبو ذر الغفاري. ولعل الجعفري ليس لقبًا، هنا، بل وصفًا، شحنه الكاتب من أدبيات الشيعة.

وتحت عنوان (دين الإسلام الرسمي)، ترد في الفقرة التي تتحدث عن التأريخ (الأرخنة)، هذه العبارة: "وقد ألغى محمد وحرم بالتفصيل، في سورة التوبة، الآية 36، السنةَ الكبيسة...". 

وهذا غير دقيق؛ فالآية تتحدّث عن أنّ عدد شهور السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ولعله يقصد الآية التي تلي: 

{إنّما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زُيّن لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين} [التوبة: 37].

لا شك أن كاتب المقال في الموسوعة قد نسي أن ترقيم آيات القرآن تأتي في نهاية نَصّ الآية، لاعتباره ترقيم الكتاب المقدس، الذي يكون في بداية نص فقراته أو آياته.

ومع ذلك، فالنسيء له معنيان:

الأول: النسيء = التأخير، وهو المقصود في الآية.

الثاني: النسيء = الإضافة، وهو مقصود الكاتب.

كما أنّه يعمم شمول حكم تشريع الختان على البنات:

"تجدر الإشارة إلى لفظ "الختان" (...) التي تعد ملزمة في الإسلام، حتى للبنات"، وقد بات معروفًا أنّ ختان البنات عند المسلمين لم يكن تشريعًا، بل تقليدًا اجتماعيًّا، وثقافة طوبوغرافية؛ لو افترضنا بقاء ممارستها فإنّها في انقراض. 

وفي حديثه عن الربا في الإسلام، يقول:

"يعد أخذ الربا من المحرمات الكبيرة، كعبادة الأصنام، والقتل والزنا... إلخ، وهذا التحريم تسبّب في إحداث كل الحيل من أجل السماح بعقد صفقة، أو عقد معاهدات معينة، ومن أجل السماح بعمل أنشطة تجارية عادية".

ورغم صحة الفقرة السابقة، فإنّنا لم نشهد "إحداث كل الحيل"، إلّا فيما يسمى بالمصرف الإسلامي فقط.

ثم تواجهنا فقرة تلمح إلى عدم الأمان وهاجس العدوان من قبل المسلمين على كل من ليس بمسلم:

"من الناحية الشرعية، فإنّ وضع السلام مع البلدان الأخرى هو أمر مؤقت، لكن قانون الجهاد الذي تبلور في فترة الاحتلالات، أصبح قائمًا منذ زمن طويل من الناحية الشرعية فقط، لا سيما بعد أن اضطر الإسلام للانتقال من الهجوم إلى الدفاع بسبب تزايد قوة القوى الغربية العظمى".

والكاتب محقّ في ذك، رغم أنّه يعرف أنّ المسلمين لا يملكون نظرية للحرب.

وبداعي الإنصاف والموضوعية، نجد فقرة نقدية اجتماعية أخلاقية (سوسيو-أكسيولوجي):

"فحقيقة الأمر أنّ المستوى الأخلاقي للمسلمين لا يختلف كثيرا عن المستوى الأخلاقي في كلٍّ من اليهودية والنصرانية، ومع ذلك فإنّ البناء الاجتماعي للإسلام، الذي يختلف في مضمونه عن نظيره لدى الشعوب الغربية، لا يمكنه أن يعطينا تقييمًا حقيقيًّا للإسلام، علاوة على أنّ هجوم الثقافة الأوروبية على الإسلام، أصاب المسلمين المعاصرين بخيبة أمل تجاه كل ما يتعلق بهذه الثقافة ومفاهيمها".

يلي ذلك، مباشرة، أثر الإسلام في اليهودية:

"كان تأثير الإسلام في اليهودية كبيرًا جدًّا في العصر الوسيط، فتحديد صياغة "المقرا"(2) وتنقيطها، تأثّر كثيرًا من ناحية الصورة الخارجية بما هو موجود في الإسلام، كما أنّ تطور أسس العقيدة في العقيدة اليهودية لا يمكن وصفه بدون الحديث عن النموذج الإسلامي، علاوة على أنّ تأثير الإسلام ملحوظٌ أيضًا في الشريعة اليهودية؛ فشرائع الميراث عند الحاخام سعديا جاؤون متأثرة بالشريعة الإسلامية، كما أنّ سعديا جاؤون استعار من الشريعة الإسلامية طريقة تقسيم الفروض في "المشنا"(3)، وفي كتابه "الوصايا" تم ذكر معرفته بـ"جذور الشريعة". كما أنّه تطور بين الإسلام واليهودية أدبٌ جدليّ كبير، أدّى إلى تزايد التأثير المتبادل بينهما".

والغريب أنّ مقال الإسلام في الموسوعة، لم يذكر تأثير علم الكلام المعتزلي على "أعظم عظماء اليهود في العصور الوسطى"، وهو موسى بن ميمون (1135-1204)، بالرغم من أنّ ابن ميمون كان قريب العهد بسعديا جاؤون.

ونرجح أن تجاهل ابن ميمون يتعلق بالحديث عن تناقضات أقوال الرسول، (كنّا أجّلناه، وها نحن نعود إليه)، ففي غياب ابن ميمون تظل الدعوى بتناقضات أقوال الرسول منتصبة وقائمة؛ بينما -في واقع الأمر- اللاهوت الإسلامي كان قد عالج، في وقت مبكر، تلك الآيات والأحاديث المجسمة والمزمنة لله؛ وهو ما ظهر تأثيره في فكر ابن ميمون من "تنزيهه للذات الإلهية، والقول بالمجاز في تفسير طائفة معينة من نصوص الأسفار الخمسة؛ وبخاصة سفر التكوين"(4).

أمّا القول بأن "الإسلام هو حصيلة تأثير الأديان السابقة عليه، بخاصة التوراة"، فيجب ألّا يعدّ انتقاصًا للقرآن ولا في حق المسلمين اليوم؛ وليس ذلك عيبًا؛ لأنّ التوراة نفسها نجمت عن ذلك التأثير -بقانون الجوار والقرب- وبخاصة سفر التكوين الذي تأثر بأساطير بلاد الرافدين إلى حد التناص.

أخيرًا؛ في تناولهم للإسلام، ما زال المستشرقون والمفكرون الغربيون يرتكبون أخطاءهم، ويسقطونها لهذه الأسباب:

- الخلفية والموقف الأيديولوجي والسياسي.

- الاعتماد على أسباب النزول والمصادر التقليدية الطاحنة.

- تجاهل أن معظم ما يعتبرونه حقائقَ مصدرها، في الأصل، تأويلي.

- إنكار رغبتهم واستبدادهم في تثبيط تخلف الفكر الإسلامي؛ رغم معرفتهم بجهود جادّة لفكر إسلامي متنور.

- القفز على الاستحقاقات التاريخية، والتحديات الفكر-دينية المؤسسية إلى الحصول على قرارات سياسية بالاعتراف والتطبيع والتعايش من قبل الزعامات العربية؛ والتي هي في الواقع، زعامات مستبدة، سطحية، خاوية العقل، ذاوية الضمير؛ لطالما كانت رافضة لمشاريع المفكرين التنويريين في أوطانهم، وكان من أهمّهم وآخريهم المتوفيان: حسن حنفي، ومحمد عابد الجابري.

- إنّ المعتقدات والنصوص المؤسسية (كمثل هذه الموسوعة) بثقافتها وبفكرها القومي، يجعل منها نارًا تخرج، بين الحين والآخر، من تحت رماد هش في صورة عدوان مباشر أو رمزي (كحرق كتاب مقدس أو علم دولة أو السخرية من رمز ديني أو...) وتحمل اسمًا معاصرًا هو الشعبوية أو اليمين المتطرف.

لقد مرّت فترات، في العصور الوسطى، على المسلمين، واليهود بخاصة، كانوا فيها غاية في التعايش والتسامح والعيش المشترك، لا يضاهيه اليوم حياتهم في أروع ديمقراطيات المجتمعات الغربية؛ والتي مهما بدت مثالية، فهي في حقيقة الأمر تتسوق وتنام على بركان العنصرية بكل أنواعها.

________________

(*) ترجمة وإعداد الباحث التونسي أحمد صلاح البهنسي، https://bit.ly/3zv8fJA

(1) يوسف كلاوسنر (1958-1874): مؤرخ وباحث وأديب يهوي إسرائيلي، من مواليد روسيا.

(2) المقرا: هي التسمية العبرية لكتاب اليهود المقدس (التوراة)، وتعني المقروء.

(3) المشنا: شروح وتشريعات.

(4) ينظر ول ديورانت، قصة الحضارة، ج 14، ص 126 و127 .

•••
عبدالوهاب الحراسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English