في ذكرى تأسيس الإصلاح

هناك من يتربص به أكثر من الحوثيين!
فؤاد مسعد
September 14, 2023

في ذكرى تأسيس الإصلاح

هناك من يتربص به أكثر من الحوثيين!
فؤاد مسعد
September 14, 2023
.

يحتفل الإصلاحيون هذه الأيام بمرور الذكرى الـ33 لتأسيس حزبهم الذي أعلن عنه في 13 سبتمبر/ أيلول سنة 1990، وما بين لحظة التأسيس والاحتفال اليوم 33 سنة مرت على الإصلاح وعلى اليمن، حملت معها الكثير من التغيرات والتطورات والتداعيات ارتباطًا بالصراع السياسي الذي كان سمة المشهد اليمني منذ عدة عقود.

وقد انعكست الأوضاع العامة للبلد على أوضاع الإصلاح، كما انعكست على بقية الأحزاب والقوى السياسية، وشهد الإصلاحيون التقلبات التي عاشتها اليمن منذ إعلان حزبهم بعد بضعة أشهر على إعلان الوحدة اليمنية بين شطري الشمال والجنوب، وهو الإعلان الذي اقترن بالسماح بالتعددية السياسية والحزبية.

خرج الإصلاح إلى الشارع السياسي معارضًا للحزبين الحاكمين اللذين تقاسما السلطة في الفترة الانتقالية بعد الوحدة، وهما: المؤتمر الشعبي العام– الحاكم في شمال اليمن قبل الوحدة، والحزب الاشتراكي- الحاكم في الجنوب قبل الوحدة، مع ما كان يربط الإصلاح بتحالف وُصف فيما بعد بالاستراتيجي،مع المؤتمر الشعبي العام، خاصة رئيسه الراحل علي عبدالله صالح. وتنقل الإصلاح بين السلطة والمعارضة تبعًا لنتائج انتخابات البرلمان، فقد قاده الفوز بنحو 21 بالمئة من مقاعد برلمان 1993 إلى المشاركة في الحكومة، بينما دفعت به انتخابات 1997 بعيدًا عن دائرة السلطة إلى المعارضة، بعدما حصد شريكه المؤتمر الشعبي أغلب مقاعد مجلس النواب ليصبح الحاكم بدون شركاء ولا حلفاء.

أعاد الإصلاح حساباته السياسية في المرحلة التالية لانتخابات برلمان 1997 والانتخابات الرئاسية 1999، فوجد نفسه أقرب إلى التحالف مع تكتل أحزاب المعارضة الذي كان يطلق عليه مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة، ويضم الاشتراكي فصيلًا ناصريًّا وآخر بعثيًّا، بالإضافة إلى حزبَي الحق واتحاد القوى الشعبية، ليتشكل في مطلع الألفية تكتل اللقاء المشترك، وأصبحت مواقف الإصلاح وتحالفاته جزءًا من هذا التكتل الذي يعتبر الإصلاح أكبر مكوناته. غير أنّ أوضاع المشترك، والبلد عامة، طالها الكثير من التغييرات، خاصة بعد اندلاع الثورة الشعبية في العام 2011، والبدء في الحوار الوطني الشامل، ثم ظهور الحوثيين كقوة عسكرية وسياسية جديدة على مستوى البلد، سيما بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات اليمنية منذ أواخر العام 2014.

وهنا وجد الإصلاح نفسه في مواجهة خصم جديد، يمسك بكل مقومات الدولة، فضلًا عن نزعته المتشددة في الانتماء المذهبي (الشيعي المناهض للمذهب السني الذي يعتبر الإصلاح أبرز مكوناته، باعتباره حزبًا إسلاميًّا)، واعتداده بجذور فكرية، خاصة إزاء نظرته للسلطة وأحقيته بها دون منازع، وتضاعفت معاناة الإصلاحيين حينما دخلت البلد في دوامة الحرب الشاملة، ذلك أنهم كانوا –ولا يزالون- على رأس بنك أهداف الحوثي، الجماعة المسلحة القادمة من أقصى شمال البلاد مزودة بالحقد والسلاح وثارات الدين والطائفة والدم المراق في كربلاء والنجف منذ مئات السنين، وعلى الإصلاحيين –وكل من يقف في مواجهة الثوّار الجدد- أن يدفع فاتورة استيلاء الأمويين على كرسي الحكم الذي يعتبر حقًّا حصريًّا لأسلاف الحوثيين من بني هاشم المستضعفين في الأرض، وقد آنَ الأوان لنصرتهم وإعادة الحق إليهم.

ولم تتوقف تضحيات الإصلاح وخسائره على المواجهة مع الحوثيين، بل بدا أنّ في الصف المناهض للحوثيين ثمة من يتربص بالإصلاح والإصلاحيين ويضمر لهم العداء بأضعاف ما يضمره الحوثيون أنفسهم، فقد كشفت الأحداث التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن ومناطق أخرى محررة فداحة ما دفعه الإصلاحيون باستهداف قياداتهم ورموزهم وأنصارهم، وصولًا إلى بعض حلفائهم من السلفيين المعتدلين والمستقلين، ولم تُخفِ أدوات البطش والاغتيال نفسَها وموقفَها العدائي تجاه الإصلاح، بل إن حملات الاستهداف بالقتل والتصفية والاغتيالات تزامنت مع حملات إعلامية وسياسية عن قوى وأطراف مشاركة في التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية.

يقف الإصلاحيون مودعين 33 سنة مرت على حزبهم، منها سنوات في النضال السلمي ومنها سنوات في الحرب، سنوات في الحكم وأخرى في المعارضة، سنوات في التنافس على مقاعد البرلمان والمجالس المحلية، وسنوات أخرى في جبهات القتال.

وصار من نكد الدهر على الإصلاحيين أنّ من كانوا في مقدمة صفوف المقاومة ضد الحوثيين باتوا مرصودين على رأس القائمة لدى القوى المناهضة للحوثيين، وما أكثر الإصلاحيين الذين تم استهدافهم من الطرفين، الحوثي وخصومه، بل إن بعض الناقمين على الحكومة الشرعية وجدوا في الإصلاح متنفسًا للتعبير عن سخطهم بالطريقة نفسها التي فعلها الحوثيون قبل استيلائهم على العاصمة صنعاء.

حاليًّا، يقف الإصلاحيون مودعين 33 سنة مرت على حزبهم، منها سنوات في النضال السلمي ومنها سنوات في الحرب، سنوات في الحكم وأخرى في المعارضة، سنوات في التنافس على مقاعد البرلمان والمجالس المحلية، وسنوات أخرى في جبهات القتال.

ورغم صعوبة الأوضاع التي تمر بها البلاد، والإصلاح على وجه الخصوص، فإن المراجعة والتقييم والتقويم تظل أولويات ملحة، ولا بد من إنجاز الممكن منها؛ لكي يتجدد الإصلاح ويتخلص من الأخطاء والأعباء التي حملها –بقصد تارة، وبدون قصد تارة أخرى- وكلما تخفف من الأعباء والأحمال التي تثقل كاهله، كان سيره نحو الهدف أسرع وأداؤه أفضل، خاصة أنه أثبت خلال السنوات الماضية قدرته على تجديد نفسه وتطوير أدائه وتفعيل عناصره الشابة والفتية التي برزت في المشهد السياسي والإعلامي، وصارت لديها القدرة على الاندماج الواعي في قلب التحولات دون التخلي عن المبادئ والأهداف. وما الكوكبة الشابة التي تضم الأديب اللبيب والكاتب الاستثنائي جمال أنعم، والمثقف السياسي عدنان العديني إلا دليل على أن الإصلاح لديه القدرة والإمكانيات للولوج إلى المستقبل بأرواح فتية وعزائم شابة تتجدد ولا تتبدد.

ولا شك أنّ بقاء البلاد، والإصلاح وبقية الأحزاب جزء منها، رهن حرب مضى على اشتعالها نحو 9 سنوات، ألقى بظلاله السوداء على المشهد السياسي والاجتماعي، ليس في أعداد الضحايا ومقدار الخسائر فحسب، ولكن في الدفع بالقوى السياسية بعيدًا في أعماق النزاع والعنف والمواجهات، رغم أنّ هذه القوى تأسّست وانطلقت على مبادئ السلمية والحوار ونبذ العنف والتعصب، ونشأت –نظريًّا على الأقل- مناهضة لاعتماد لغة القوة ومنطق السلاح أساسًا لفرض الرأي وسلطات الأمر الواقع. وقد انعكس ذلك على الإصلاح بكل تأكيد، باعتباره جزءًا من منظومة القوى السياسية، وخصمًا فكريًّا وسياسيًّا للطموح الحوثي الصاعد من أطراف صعدة صوب مراكز البلاد في الوسط والجنوب والشرق والغرب.

وهو ما يعني -تبعًا لذلك- أنّ ثمة مهمة تنتظر قيادات الإصلاح وبقية الأحزاب السياسية في المستقبل القريب، وتتمثّل في ضرورة إعادة عربات الحزب إلى سكة المنظومة السياسية -منظومة العمل الحزبي التنظيمي والسياسي الذي كان سائدًا قبل أن تسود لغة الحرب وتتسيد المشهد وتصبح الرصاصة هي سيدة الموقف، ومعها تحولت الأحزاب التي كانت رائدة النضال السياسي والسلمي، إلى مجرد أدوات تابعة لأطراف الحرب وأمرائها- مع تقدير ما يمكن أن يحاجج به طرف أو آخر في نفي تهمة إشعال الحرب عن نفسه وحلفائه، وإلقائها صوب الطرف الآخر.

خلال سنوات الحرب، تعرضت بنية الإصلاح التنظيمية للاهتزاز، حتى بات يعاني، على الصعيد الداخلي والتنظيمي، تبعات الحرب وحالات من الفراغ في هياكله؛ جراء فقدانه الكثير من كوادره وقياداته، بسبب الحرب تارة، وبسبب شتات عناصره في الداخل والخارج تارة أخرى، وهذا يفرض على قيادة الإصلاح الكثيرَ من العمل الجاد والمستمر لتسوية صفوفه، وسد الثغرات التي تفتح بين وقت وآخر، وبما يضمن إعادة مساره للفعل السياسي المدني، كحزب سياسي دفعته ظروف الحرب بعيدًا عن السياسة ومعادلاتها، لا كقوة عسكرية وجدت ضالتها في اندفاع البلد إلى هاوية الصراع والعنف المسلح، الأمر الذي يستدعي ترجيح كفة السياسة على كفة العمل العسكري، وإن ظلت الكفة الأخيرة هي الراجحة خلال السنوات الأخيرة، أي سنوات الحرب.

فيما يخص الجانب الفكري والثقافي لا يزال الإصلاح يواجه إشكالية الانتقال من أحد طرفي ثنائية (الجماعة/ الحزب)، وثنائية (الأمة/ الوطن)؛ ذلك أنّ التحولات السياسية أحدثت تطورًا نوعيًّا في الخطاب الإصلاحي، تمثّل في أنّ الإصلاح أدمج الخطاب الديني في خطاب عام ومفتوح، وأخذ حيز السياسة يكتسب مكانة أكبر في خطاب الإصلاح. بَيدَ أنه يتعين على الإصلاح ترجمة ذلك في مضامين المنهج الفكري للحزب، والبناء الثقافي لأعضائه. وربما ترجع هذه الإشكالية إلى تعدد مصادر وروافد الحزب الفكرية والأيديولوجية، من أفكار المدرسة الإصلاحية اليمنية وبعض أفكار جماعة الإخوان المسلمين المصرية، والروافد السلفية التقليدية –بنسختها الوهابية- ومع ذلك فقد كشفت بعض بيانات الإصلاح في الآونة الأخيرة عن تطور إيجابي تجاه النظرة للهوية اليمنية الجامعة التي كانت الأساس النظري لثورتي سبتمبر وأكتوبر ضد الحكم الإمامي والاستعمار الأجنبي في ستينيات القرن الماضي.

في البنية القيادية للحزب على مستوى المركز والمحافظات، يتعين على حزب الإصلاح أن يفسح المجال بشكل أوسع لمشاركة المرأة كي تقوم بدورها وتضطلع بمسؤوليتها، وأن يمنحها الفرصة في تولي مواقع ومهام قيادية بما يتناسب وكفاءتها وخبرتها التي راكمتها سنوات من العمل السياسي داخل الحزب وخارجه، وكذلك الأمر بالنسبة للشباب في الإصلاح، إذ يتعين إحداث تغيير يهدف إلى تمكين شريحتي النساء والشباب داخل الأطر القيادية للحزب، بما يتوافق مع حجم التطورات التي تراكمت خلال ثلث قرن منذ تأسيس الإصلاح، ومع مستوى الحضور الفاعل للنساء والشباب في العمل الحزبي والاتصال الجماهيري.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English