بين "حرائق اليمن" و"ستيفن كينج"

كيف نتخلص من الماضي الذي يريد الساسة العودة إليه؟
محمد الكرامي
March 5, 2023

بين "حرائق اليمن" و"ستيفن كينج"

كيف نتخلص من الماضي الذي يريد الساسة العودة إليه؟
محمد الكرامي
March 5, 2023

في كتابه «حرائق اليمن»، يسرد الصحفي والسياسي اللبناني خيرالله خيرالله، تجربته مع الحياة السياسية في اليمن سبعينيات القرن الماضي، حيث رافق المتغيرات السياسية في تاريخ اليمن الحديث بشكل مقرّب، إلّا أنّ قضاء سنوات في البحث والمطالعة والحياة الصحافية، لم تُغيِّر من انطباع لديه أنّه كلّما عرفتَ اليمن، اكتشفتَ كم أنّك تجهله. ويقدّم في أحد فصول الكتاب "المأساة اليمنية بسطور"، ملخصًا موجزًا عن الوضع اليمنيّ بتعليق مقتضب يقول فيه؛ إنّ اليمن هو البلد الوحيد في العالم الذي تتصارع فيه كل القوى من أجل العودة إلى الماضي.

"الشرعية تريد العودة إلى ما قبل سقوط صنعاء في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر ٢٠١٤م.

التجمع اليمني للإصلاح يريد العودة إلى ما قبل سقوط محافظة عمران، معقل آل الأحمر (زعماء حاشد سابقًا)، صيف العام ٢٠١٤م.

المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح) يريد العودة إلى ما قبل ثورة الشباب في مطلع العام ٢٠١١م.

الجنوبيّون، في معظمهم، يريدون العودة إلى ما قبل الوحدة في أيار/ مايو ١٩٩0.

الحوثيّون (أنصارالله) يريدون العودة إلى ما قبل سقوط نظام الأئمة في السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر من العام ١٩٦٢".

في المقابل، لا يُستحضر الماضي خلف غائية رؤيوية في اليمن، فلا أحد يعود إليه كي يستمد قوةً تمكّنه من الحاضر، أو من أجل تصحيح أخطاء الماضي وإعادة الأمور إلى نصابها (وهو نصاب لن يصلح شيئًا)، وإنّما بسبب غياب الرؤية؛ إذ لا يمثّل فضاء الزمن أفقًا لاستشراف المستقبل، بل للهروب إلى ماضٍ يجدون فيه عزاءَهم وسلواهم. ولكن، ماذا لو عاد الماضي في اليمن؟ أو بشكلٍ أدقّ -نظريًّا- ماذا لو وجدنا ثقبًا زمنيًّا يُمكّننا من العودة إلى تلك الفترات الذهبيّة للأحزاب والجماعات اليمنية، كي نمنع الأخطاء التاريخية من الوقوع والتي قضت على ما يفترض أنّه أفضل سنوات اليمن؟

يقدّم الكاتب الأمريكي ستيفن كينج، في سيناريو مسلسل "11.22.63"، معالجةً فانتازيّة حول الماضي والحاضر، وعلى العكس من أفلام السفر عبر الزمن، يُولي ستيفن اهتمامًا في الجانب السياسيّ؛ فيفترض في روايته أنّه إذا أنقذ الرئيس الأمريكي جون كينيدي من الاغتيال ١٩٦٣م، فإنّ ذلك سيؤثر على الحاضر الذي نعيشه الآن. اعتقادًا بأنّ استمراره في الرئاسة سوف يمنع كوارث كثيرة حلّت بالعالم؛ أهمّها حرب فيتنام، وسوف يُحسِّن من اقتصاد أمريكا. فيضع بطله في بوابة زمنية، ويعود بنا إلى لحظات فوز كينيدي على ريتشارد نيكسون، كي يتعمق في تتبُّع الحلم الأمريكي.

يُكلَّف مدرس اللغة الإنجليزية، الممثّل جيمس فرانكو، بهذه المهمة المجنونة ويعود إلى العام ١٩٦٠م، وينكبّ على ملاحقة مُخطِّط الاغتيال؛ لمعرفة هل كانت فكرته أم أنّ هناك أشخاصًا خلفه، ومن ثمّ يحاول منع عملية الاغتيال، فيظلّ يقاومه الماضي، في إشارة إلى أنّ من يعبث مع الزمن يردّ له بالمثل، ولسوء الحظ، يتعلم أنّ تغيير مسار التاريخ يمكن أن يكون كارثيًّا أكثر بكثير من ترك الحدث.

صنع صاحب روايات الرعب احتمالًا مختلفًا عن الآمال المرجوة، حيث ترتّب عن العودة إلى الماضي، بمشاهد بصريّة متخيّلة، حربٌ مروّعة في الحاضر.

في حين ما تزال الأحزاب اليمنية تُمنّي نفسها بفرضيةٍ من نوع "ماذا لو؟"، الحاصل أنّنا لو عدنا إلى ماضي الأحزاب اليمنية، سنجد أنّنا في موقف إدانة واستنكار من أخطاء وتجاوزات ماضيها، لأنّ الثابت في اليمن أنّ المعارضة تظلّ معارِضة حتى تتسلّم زمام السلطة، ومن ثمّ تنخرط في دائرة الاستبداد. وبالتالي، نتوصل إلى أنّ الفترة المثالية لكل حزب ليست بتلك الصورة بالنسبة إلى بقية الأحزاب، وهكذا.

في كتابه عن اليمن، يوثّق خيرالله أحداثًا ومواقفَ مهمة من التاريخ الحديث: انهيار دولة الجنوب، مرحلة الوحدة اليمنية، حرب صيف ٩٤م، ثورة ٢٠١١م فبراير، وصعود الحوثيين. ومنذ إصدار كتابه في العام ٢٠١٦م، لم يتسنَّ له رصد التحولات والانحرافات الخطيرة في المجتمع اليمني، ولكن سبق أن تساءل عن صيغة المستقبل، عن شكل الدولة، باعتبار أنّ اليمن الذي عرفناه انتهى، وينهي تساؤله بأنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة الأسئلة أكثر بكثير ممّا هي مرحلة للأجوبة، ويبدو أنّ السنوات الأخيرة قد أجابت عن صيغة ذلك المستقبل. ففي الوقت الذي صار فيه الماضي مادةً مناسبة في عالم الموضة، وفي أفلام الـ(NOSTALGIA)، نستحضره كمرجعية سياسية في اليمن، وقد شهدنا بصعود الحوثي واجترار الماضي المعادل الواقعي للمعالجة الفانتازية التي افترضها ستيفن كينج: استرجاع الماضي، جحيم على الحاضر.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English