111 سنة من الاحتفال بيوم المرأة العالمي

المرأة في اليمن لا تزال غير قادرة على استئجار مسكن
بلال الشقاقي
March 8, 2021

111 سنة من الاحتفال بيوم المرأة العالمي

المرأة في اليمن لا تزال غير قادرة على استئجار مسكن
بلال الشقاقي
March 8, 2021

"في بلد تُقيِّد فيه الأعراف الاجتماعية والثقافية وصولهنّ إلى فرص العمل، فإن التأثير يطال النساء أكثر من غيرهنّ. فقد أفادت العديد من النساء النازحات، بما في ذلك النساء غير المتزوجات والأرامل، بأنهنّ مستثنيات من المساعدات الإنسانية في اليمن بسبب العوائق الثقافية والاجتماعية التي تمنعهنّ من الخروج لإعالة أسرهنّ. بالنسبة لكثيرات، فإن الصراع والنزوح وعدم المساواة بين الجنسين، عوامل تفاقم المشقات والصعوبات التي يواجهنها". بهذه الكلمات افتتح بابار بالوش، المتحدث باسم "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، مؤتمره الصحفي بمبنى الأمم المتحدة في جنيف، ليُسدل الستار عن المأساة المضاعفة للنساء اليمنيات، خصوصًا النازحات منهنّ، اللاتي فوجئن بالحمل الثقيل الذي ألقي على عاتقهنّ، ليقفنّ أمام متاعب الحرب ومصاعب النزوح وتحديات المجتمع من حولهنّ.

"بيوت" الدكاكين:

نوال اليوسفي (28 سنة)، فقدت زوجها العام قبل الماضي (2019)، بعد صراع طويل مع مرض الفشل الكلوي. كانت نوال وزوجها سالم يعيشان في مدينة تعز، لكن مع اشتداد المعارك، اضطروا لترك المدينة والنزوح إلى صنعاء، بعد تهدم جزء كبير من منزلهم، واستمرار الاشتباكات في الحي الذي كانوا يسكنونه. تعيش الآن هي وطفلاها اللذان لم يتعدَّ عمرهما العشر سنوات، في دكان كان في الأصل مخزنًا للمواد الغذائية، مساحته لا تتعدى الخمسة أمتار. غرفة واحدة في أحد أركانها المطبخ وأحد أركانها الأخرى الحمام، لا يوجد فيها نوافذ ولا منافذ للتهوية، يضطرون لفتح الأبواب طول الوقت ليتمكنوا من الحصول على التهوية اللازمة، يعيشون في مكان يشبه إلى حد كبير زنازين السجون. كُلفة إيجار هذا الدكان 10 آلاف ريال شهريًّا، لكن نوال لا تتمكن في معظم الأحيان من جمع هذا المبلغ، وتقف عاجزة أمام مالك الدكان، الذي تقول إنه يهددهم، كل شهر تقريبًا، بإخراجهم إلى الشارع إن لم يدفعوا الإيجار.

تقول نوال لـ"خيوط": "كنت أعتقد بأن هذا الدُّكان لن يكون سوى مكان مؤقت أعيش فيه، ريثما تهدأ الأوضاع وتتوقف الحرب، لأعود بعدها إلى منزلي الذي تركته مجبرة، لكن هذا لم يحدث، وتحول هذه الدُّكان إلى مكان شبه دائم، أعاني فيه ويلات الفقر وصنوف الإهانة". 

مصدر دخل نوال الأساسي هو المساعدات التي تحصل عليها من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات المحلية وفاعلي الخير. سألناها إن كانت لا تزال تستلم أي مساعدات من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، فأجابت بالنفي وأكدت أنها تعيش في هذا المكان منذ أكثر من أربع سنوات. إلى الآن لم تستلم مساعدات إغاثية بعد وفاة زوجها، كما أفادت، مع أنها سجلت اسمها ضمن قوائم المستفيدين من المعونات العينية والمبالغ الشهرية. حتى لو حصلت على هذه المساعدات فهي لا تُغطي الشيء الكبير من الاحتياجات اليومية الضرورية، وتضطر للخروج للعمل في تنظيف المحلات التجارية، إن حالفها الحظ ووجدت هذا العمل، وإلا في الغالب فهي لا تجد أي عمل وتضطر مُجبرةً للتسول في الشوارع حتى توفر لقمة العيش لها ولطفليها الصغيرين.

حملًا إضافيًّا

تحملت نوال مسؤولية عائلتها بعد أن أصيب زوجها سالم في عموده الفقري، ونظرًا لعدم قدرته على إجراء العملية الجراحية اضطر لتناول الكثير من الأدوية والمسكنات، التي بدورها أثرت كثيرًا على كليتيه. تضاعفت مسؤولية نوال بعد إصابة زوجها سالم بمرض الفشل الكلوي المزمن. كان سالم يحتاج إلى علاج منتظم يبقيه على قيد الحياة، والذي يتضمن عادةً جلستين للغسيل الكلوي أسبوعيًّا. فضلًا عن الأدوية الأخرى الأساسية الذي يحتاجها للحفاظ على نظامه المناعي. سعت نوال جاهدة لتوفير هذه الأدوية قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه عملت على توفير الاحتياجات الضرورية لعائلتها، ولسوء الحظ، فإن القتال المستمر في اليمن أدى إلى تراجع كبير في أداء المراكز الصحية، وخصوصًا مراكز غسيل الكلى، إضافة إلى الصعوبة في الحصول على الأدوية اللازمة.

أعمال القتال أدت إلى معاناة اليمنيين، بسبب حدة الأزمة الاقتصادية، وتضرر البنية التحتية، وانهيار الخدمات، وتعَّين على النساء أن يواجهنّ محدودية الحركة، بسبب المعايير الثقافية السائدة بين الجنسين

بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن نسبة الوفيات بين مرضى الفشل الكلوي وصلت إلى 25%، نتيجة نقص أو غياب الخدمات الصحية، وكان سالم أحد هؤلاء المتوفين. وفاة زوجها شكل حملًا إضافيًّا أُلقي على عاتقها، فكثُر الهمز واللمز في حقها، وزادت المضايقات التي تتعرض لها، وقلّت حتى المساعدات التي كانت تحصل عليها. 

تقول الناشطة الحقوقية أماني العوبلي، في حديثها لـ"خيوط": "ليس من السهل أن تعيش امرأة بدون رجل في مجتمعنا اليمني، لا لأنها لا تستطيع تحمل المسؤولية، بل لأن المجتمع ينظر إليها نظرة ريبة، ولا يُعترف بدورها ولا بها شخصيًّا إلا بوجود رجل إلى جانبها. وتضيف: "جزء كبير من المجتمع اليمني، يرى أن المرأة عورة، ويعتبر خروجها من المنزل عيبًا وعملها خطيئة، بينما لا يرى في جوعها وقلة حيلتها، وهي تعاني في سبيل إطعام أطفالها، أي خطيئة ولا عيب".

وأشارت أماني العوبلي إلى أنه في الوقت الذي تركز فيه سُلطات الأمر الواقع، في صنعاء وتعز وباقي المحافظات الأخرى، على لبس المرأة ومحاربة الاختلاط ومضايقة النساء العاملات، لا تأكل أربع من كل خمس أسر نازحة ممن تعيلها نساء، بحسب "مفوضية اللاجئين"، سوى وجبة واحدة في اليوم. 

اليمن أسوأ بلد في العالم للنساء

للسنة الـ14 على التوالي، تحتل اليمن المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، الذي وضعه "المنتدى الاقتصادي العالمي"، ظلت خلالها النساء في اليمن يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي، في مجتمع لا يرى دورًا مناسبًا للنساء سوى المكوث في بيوتهن. ومع أن الصراع الحاصل في اليمن أثر على كافة اليمنيين، إلا أن تأثيره على النساء كان مضاعفًا، ففي ظل هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، فقدت الكثير من الأسر اليمنية، وخصوصًا النازحة منها، من يعيلها من الرجال، وتحملت النساء مسؤولية هذه الأسر.

ووفقاً لـ"مفوضية الأمم المتحدة للاجئين"، فإن هناك أسرة واحدة من بين كل أربع أسر نازحة، تُعيلها امرأة أو فتاة، تقل أعمار كل خمس منهن عن 18 سنة. 

تقول تالا حرب، الباحثة المختصة في الشأن اليمني بـ"منظمة العفو الدولية"، إن "النزاع في اليمن خلَّف تأثيرًا رهيبًا على كل المدنيين بصفة عامة، إلا أن النساء والفتيات تأثرنّ بهذا الوضع بشكل كبير". وأشارت إلى أن "أعمال القتال أدت إلى معاناة اليمنيين بسبب حدة الأزمة الاقتصادية، وتضرر البنية التحتية، وانهيار الخدمات، وتعيَّن على النساء أن يواجهنّ محدودية الحركة، بسبب المعايير الثقافية السائدة بين الجنسين. وأيضًا، لأنهنّ في كثير من الأحيان مسؤولات عن توفير الطعام وتقديم العناية في منازلهنّ، كان لِزَامًا عليهنّ أن يتعاملنّ مع التحديات المرتبطة بمحدودية الوصول (أو انعدامه) إلى الطعام، والماء، والصرف الصحي، وخدمات الرعاية الصحية التي شهدت تدهورًا مطردًا بسبب استمرار النزاع". وذكرت حرب أن "الصور النمطية السلبية بشأن أدوار النوع الاجتماعي والمواقف الذكورية، والنظام القانوني التمييزي، وانعدام المساواة الاقتصادية، كل هذا أدى إلى مفاقمة الوضع الهش للمرأة في اليمن".

"معاكن محرم؟"

سلوى الحداد (25 سنة)، نزحت من مدينة الحديدة أواخر العام 2018، برفقة والدتها وشقيقاتها الثلاث، بعد مقتل والدها في الاشتباكات المسلحة بين القوات "المشتركة" المدعومة من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وبين قوات أنصار الله (الحوثيين). تروي سلوى لـ"خيوط" رحلة المعاناة التي واجهتها وهي في طريقها إلى صنعاء: "تم إيقافنا وتفتيشنا في كل النقاط الأمنية تقريبًا على طول الطريق من الحديدة إلى صنعاء، وكان السؤال المتكرر دائمًا، من أين أتيتنّ، لماذا تسافرن بمفردكنّ، ولماذا لا يوجد برفقتكنّ "محرم" (رجل من العائلة)؟ وفي إحدى النقاط لم يكتفوا بالتفتيش والأسئلة، بل تم إنزالنا من الباص، وقيل لنا من قبل الشخص المسؤول في النقطة الأمنية إنهم يتحرون عن أسمائنا، وأن هذا الإجراء يحتاج إلى وقت من الزمن، تم احتجازنا في مكان ليس مجهزًا أصلًا للاحتجاز، وبعد ساعات طويلة من المعاناة والمهانة، تم إخبارنا بأن كل أمورنا سليمة وأن بإمكاننا المغادرة. كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، ولم نعرف كيف سنغادر ذلك المكان، في مثل ذلك الوقت المتأخر من الليل. كانت والدتي المصابة بالسكري والضغط قد أُجهدت بشكل كبير، وأخيرًا لم نتمكن من مغادرة المكان إلا في صباح اليوم التالي.

نسمع الكثير من التحريض ضدنا كـ"نساء عاملات"، فمثلًا الكثير من خطباء الجمعة تحدثوا في أكثر من خطبة عن عمل المرأة، وأنه مخالف للشرع ويشجع على الاختلاط والانحلال في المجتمع

"ما يسبرش نأجر لنسوان"

بعد وصول سلوى إلى صنعاء، استقرت هي وأسرتها في إحدى الشقق الصغيرة جدًّا، التي استطعن بصعوبة شديدة إيجادها ودفع أجرتها من المدخرات التي كانت لا تزال بحوزتهنّ. تقول سلوى: "لم يكن من السهل علينا كنساء يعشن بمفردهنّ من دون رجل، الحصول على شقة مناسبة، فأغلب مالكي الشقق يشترطون، بشكل حازم، وجود رجل حتى يعطونا الشقة؛ "ما يسبرش نأجر لنسوان"، هذه الجملة التي كنا نسمعها دائمًا ما إن نخبرهم أننا فقط نساء".

لدى سلوى شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، لكنها لم تستطع الحصول على عمل في هذا المجال. وبعد بحث مضنٍ عن فرصة عمل مناسبة، عملت نادلة في أحد المطاعم وسط العاصمة صنعاء. تقول سلوى إنها شعرت بالخوف من فقدانها لعملها هذا، الذي يعتبر مصدر دخل عائلتها الوحيد، بعد سماعها أخبار عن منع النساء من العمل في المطاعم، وأبدت قلقها من الحملة التي ظهرت مؤخرًا ضد عمل النساء: "نسمع الكثير من التحريض ضدنا كـ"نساء عاملات"، فمثلًا الكثير من خطباء الجمعة تحدثوا في أكثر من خطبة عن عمل المرأة، وأنه مخالف للشرع ويشجع على الاختلاط والانحلال في المجتمع، وأن عمل المرأة خارج بيتها مخالف للهوية اليمنية". وتضيف مستغربةً: "عن أي هوية يتحدثون، تعلمنا في صغرنا أن نساء كـ"بلقيس وأروى" حكمن اليمن يومًا ما، ولطالما أخبرتني أمي أنها كانت تعمل في رعي الأغنام وزراعة الحقول وجني المحاصيل عندما كانت تعيش في القرية، هذه هي هويتنا اليمنية الحقيقية التي يحاولون تغييرها، أو بالأصح تشويهها". 

متى تنتهي الحرب!

وفي ظل استمرار هذه الحرب، وقلة فرص العمل ونُدرتها بالنسبة للنساء، إلى جانب الضغوط الاجتماعية والدينية التي تمارس ضد النساء في اليمن، لم تعد نوال وسلوى ومثلهنّ الكثير من النساء اللاتي تحملنّ مسؤولية أسرهنّ، قادرات على تحمل تكاليف السكن ووجبات الطعام الأساسية، وتحولت المخيمات والجسور والجولات وما تبقى من الحدائق العامة، إلى بيوت ومنازل لعددٍ منهن، إن صح أصلًا أن نطلق عليها منازل. اضطرت الكثير منهنّ لبيع ممتلكاتهنّ، أو إخراج أطفالهنّ من المدارس وإجبارهم على العمل، أو التسول في الشوارع، أو تناول وجبة طعام واحدة في اليوم. هذه الوجبة، في كثير من الأحيان، ليست سوى طبق فول أو أرز، أو كوب من الشاي مع رغيف خبز، وغالبًا ما يحصلن عليها من مخلفات المطاعم.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English