يمنيّون يُكافحون لتعديل بياناتهم

وثائق غير متطابقة تحرم مئات الأشخاص فرص السفر والدراسة
May 19, 2023

يمنيّون يُكافحون لتعديل بياناتهم

وثائق غير متطابقة تحرم مئات الأشخاص فرص السفر والدراسة
May 19, 2023
خيوط

منيرة الطيار - سهير عبد الجبار

في بلدٍ مثل اليمن، يعيش أشخاصٌ كثيرون خارج المعنى القانوني والمدني للمواطنة، عشرات الآلاف من اليمنيين لا توجد لديهم وثائق تثبت يمنيّتهم، فيما الكثير ممّن يملكون هُويات (بطائق) شخصية أو عائلية، يدلون بمعلومات شخصية غير صحيحة!  

فاطمة علي (اسم مستعار)، تقول لـ"خيوط": "تم تسجيل عمري في مصلحة الأحوال الشخصية بما يكون -حاليًّا- 40 عامًا؛ ذلك لأنّ المدرسة التي كنت فيها رفعوا عمري أيام الانتخابات، حتى أستخرج بطاقة انتخابية وأشارك في الانتخابات"، وتتابع فاطمة: "أنا من مواليد 1993؛ أي إنني أبلغ من العمر 29 سنة حتى شهر مارس/ آذار، لكن اللجنة التي تمنح البطائق الانتخابية حينها سجّلتني من مواليد سنة 1984، أي إنّي حينها بلغت العمر القانوني للاقتراع، في ذلك الوقت لم يكن لديّ أيّ وثائق لتعديل هذه المعلومة المزوّرة، وحين أردت تعديلها، تطلَّبَ مني ذلك إجراءات طويلة ومعقدة".

وتتابع فاطمة: "جئت من حرض -إحدى مديريات حَجّة التي تقع على حدود السعودية- واستمرّت المعاملة أكثر من ثلاثة أشهر؛ رفعت قضية لتغيير العمر، ولم تقتنع المحكمة بالورق الذي كان معي (رقم الجلوس للثانوية العامة)؛ إذ لم يكن لديّ شهادة ميلاد ولا تسنين. بعدها رفعت قضية في ديسمبر سنة 2022، أجريت خلال هذه المعاملة العديدَ من الفحوصات لدى الطب الشرعي، وكشافة لعظمة الفك والصدر والحوض، لبيان العمر الحقيقي". 

"بعد صدور الحكم لصالحي بتعديل العمر، بناءً على الفحوصات والوثائق وقَبول فتوى تغيير العمر، ذهبتُ من جديد لاستكمال المعاملة ودفع الغرامة البالغة 50 دولارًا، بالإضافة إلى إجراءات الإخلاءات من مصلحة الأحوال الشخصية، ومن جهاز الأمن والمخابرات، تطلب الأمر مني الإقامةَ في صنعاء ثلاثة أشهر ومبلغ 150 ألف ريال، تكاليف سكن ومواصلات".

https://drive.google.com/file/d/1hllbagXEdcOec20qO-UFlmLvJyb0R_r8/view?usp=drivesdk 

تزوير بشهود

أسبابٌ عِدّة تقف خلف الأخطاء الواردة في الوثائق الشخصية، إمّا بسبب محاولات استخراج بطاقة قبل بلوغ السن القانونية بغرض السفر، أو الانتخاب، أو استخراج رخص، أو الهروب من التجنيد الذي كان مفروضًا فيما مضى.

يُسهم عقّال الحارة في مضاعفةِ عشوائيةِ البيانات، واستصدار وثائق غير دقيقة أو لأشخاص دون السن القانونية؛ وذلك من خلال التزكية التي يمنحونها أحيانًا حتى لأشخاص غير يمنيّين، إذ إنّ هناك كثيرًا من عقّال حارات، قبل عام 2011، كانوا يأخذون أموالًا مقابل تزكية أشخاص غير يمنيين؛ أفارقة على وجه التحديد. علي محمد، صومالي من أصل إثيوبي، حصل على بطاقة شخصية يمنية، من محافظة حَجّة -الواقعة في الشمال الغربي من محافظة صنعاء- قبل 2006 بموجب بطاقته الانتخابية، وتزكية من عاقل الحارة، وصورة بطاقتين لشاهدين ينتميان لنفس الجنسية، كانا قد حصلا عليها بنفس الطريقة.

  • آلاف الأشخاص تتناقض بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية وأوراقهم الثبوتية والدراسية وأوراق العمل؛ إذ قد تبدو هذه الوثائق لعدة أشخاص، فيما هي لشخص واحد فقط، نتيجة اختلاف البيانات، إضافة إلى عشوائية التسجيل، وعدم وجود آلية موحدة في الدوائر الحكومية. كل هذا ساهم في خلق فوضى في التوثيق، وهو ما يتسبّب بضياع العديد من فرص العمل والسفر للأفراد؛ نتيجة دخولهم في سلسلة من معاملات التعديل والتصحيح، والذي يكون غالبًا قبيل السفر بفترة وجيزة.

الأمية سببٌ للتوثيق الخاطئ

تساهم الأمية في انتشار كثيرٍ من الأخطاء الواردة في الوثائق المدنية -الشخصية والعائلية- إذ إنّ أغلب اليمنيّين يجهلون كيفية كتابة أسمائهم، ولا يعرفون إن كان تم نقل أسمائهم وبياناتهم الشخصية بشكل صحيح أم لا، إضافة إلى احتمالية وجود الأخطاء، نتيجة الإدخال اليدوي، ولم يتم اعتماد الإدخال الإلكتروني لمصلحة الأحوال الشخصية التي تأسّست في السبعينيات، إلا في سنة 2005.

الجدير بالذكر أنّ هناك آلاف الأشخاص تتناقض بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية، وأوراقهم الثبوتية والدراسية، وأوراق العمل، إذ قد تبدو هذه الوثائق لعدة أشخاص، فيما هي لشخص واحد فقط؛ نتيجة اختلاف البيانات، إضافة إلى عشوائية التسجيل، وعدم وجود آلية موحدة في الدوائر الحكومية. كل هذا ساهم في خلق فوضى في التوثيق، وهو ما يتسبّب بدوره، في ضياع العديد من فرص العمل والسفر للأفراد؛ نتيجة دخولهم في سلسلة من معاملات التعديل والتصحيح، والذي يكون غالبًا قبيل السفر بفترة وجيزة.

المواطن يُصلح ما أفسدته العشوائية

وبالتالي؛ يواجه العاملون في الأرشيف بمصلحة الأحوال الشخصية، عبءَ تجديدِ وتصحيح البيانات المؤرشفة بخطوط غير واضحة، ومن وثائق مهترئة سجّلها موظفون سابقون بشكلٍ يدويّ، فيما يتبع الشخص الذي يريد تعديل بياناته، سلسلةً من الإجراءات؛ ابتداء بالذهاب للمحكمة، ورفع قضية للحصول على حكم في وجود شهود، وبعد الحصول على الحكم من المحكمة ونشر التعديل والحكم في الجريدة الرسمية، يذهب بعدها للسجل المدني، ويدفع الغرامات، ثم يستكمل المعاملات في المرافق الأمنية، والمخابرات، ويأخذ موافقة من المفتي، مرورًا ببقية التوقيعات اللازمة التي تتطلّب قرابة ثلاثة أسابيع إلى الشهر؛ كما أفاد مصدر بمصلحة الأحوال الشخصية -فضّل عدم ذكر اسمه- على اعتبار أنّ تلك الأخطاء فردية ويتحمل مسؤوليتها صاحب الشأن.  

تبعات روتين التعديل

في السياق، يقول علي يحيى (اسم مستعار)، من محافظة ذمار -تبعد عن العاصمة 105.8كم- لـ"خيوط": "خسرتُ منحتي الدراسية التي حصلت عليها نتيجة تفوقي في سنة 2012، إلى دولة روسيا عبر برنامج المنح المجانية للمتفوقين، بسبب عدم تضمين لقبي في شهادة الثانوية حتى تتطابق مع بطاقتي الشخصية التي سيتم بناءً عليها إصدار جواز السفر، وعليه رفضَت مصلحة الأحوال الشخصية منحي جواز سفر". ويتابع يحيى: "بعدها، حاولت تعديل بيانات الثانوية، ودفعت غرامة، لكن نتيجة روتين المعاملة الطويل، الذي استمرّ أكثر من شهرين، فاتَتْني المنحة! شعرت بحزن عميق، وتمنّيت لو أنني تنبهت أنا وعائلتي لتلك المسألة وقمنا بتعديلها فور وقوع الخطأ".

تجدر الإشارة إلى أنّ القانون حدّد دفع غرامة (3000 إلى 10000 ريال يمني)، في حالة التبليغ عن وجود خطأ في البيانات بعد ستين يومًا من تاريخ إصدار الوثيقة.

من ناحيته، يقول هيثم النمر، محامٍ، لـ"خيوط": "على المتضرِّر من الخطأ أن يتقدم بدعوى تصحيح اسم، ويُرفق ما يثبت صحة التعديل الذي أورده، مثل بطاقة الأخ أو الأب، وبعد اطّلاع رئيس المحكمة، تُعقد جلسة تقدم فيها الدعوى، ويتم الرد عليها في جلسة ثانية، حيث يطلب محامي الأحوال المدنية تغريمَ المدعي غرامة مالية، ومِن ثَمّ جلسة النطق بالحكم".

استبيان 

ونتيجة لعدم وجود إحصائية دقيقة حول عدد الأشخاص الذين يواجهون أخطاءً في وثائقهم، لجأت الصحافيتان إلى عمل استبيان إلكترونيّ لعيّنة عشوائية، بلغ قوامها 86 مستبينًا في أمانة العاصمة. كانت نتائج الاستبيان أنّ نسبة عدد الذين لديهم أخطاء في بياناتهم الشخصية 89.5%، بينما نسبة عدد الأشخاص الذين لا توجد أخطاء في بياناتهم 10.5%، حيث حاز خطأ سنة الميلاد على نسبة 58.1%، يليه خطأ كتابة الاسم واللقب بنسبة 19.4%، بينما نسبة خطأ كتابة يوم وشهر الميلاد 12.1%، ونسبة خطأ كتابة محل الميلاد 7.7%، وخطأ تحديد فصيلة الدم كانت نسبته 2.7%.

فيما احتلت مصلحة الأحوال المدنية، المرتبةَ الأولى -حسب الاستبيان- في التسبّب في الأخطاء بنسبة 39.5%، يليها المدرسة بنسبة 23.2%، وعقّال الحارات والجامعات، وغياب ثقافة التوثيق لدى الأهالي، بنسبة 37.7%.

فيما كانت أبرز المشاكل التي تسبّبت بها هذه الأخطاء: ضياع المنح الدراسية وأخذت نسبة 24.4%، ومشكلة استخراج جواز السفر 19.8%، وفسخ عقد نكاح 4.2%، وعدم اعتماد مؤهل أو شك في البيانات الواردة فيه بسبب عدم تطابقها 3.2%.

هذا، وكان المشاركون في الاستبيان قد أكّدوا محاولاتهم العديدة لتعديل الأخطاء، لكنهم غالبًا ينصدمون بجدار البيروقراطية وعدم التجاوب، الذي بلغت نسبته 31.4%، لمدة زمنية تراوحت من ثلاثة أشهر إلى سنة.

مراكز إحصاء بلا طائل

على الرغم من وجود أكثر من 22 مركزًا باليمن، فإنّ التعديل للوثائق لا يتم سوى بإدارة مصلحة الأحوال المدنية في صنعاء، وذلك ما يجعل أمر التعديل أكثر تعقيدًا على المواطنين، الذين يتخلّون أحيانًا عن فكرة التعديل، إن لم تكن هناك ضرورة قصوى.

أمل محمد، مختصة الأرشيف بمدرسة حكومية بصنعاء، تقول لـ"خيوط": "وجود أخطاء في البيانات لطالب معين لها تأثير على مستقبله في الجامعة، وعلى حقّه في استصدار بطاقة شخصية عند بلوغه السنّ القانونية؛ لذا دائمًا نطلب من ولي الأمر، عند تسجيل ابنه أو ابنته في المدرسة، شهادةَ الميلاد وبطاقة الأب للتأكّد من الاسم والتاريخ".

وتتابع أمل: "حاليًّا، أصبحَت العملية سهلة بفضل وجود البوابة الإلكترونية للطالب، التي مكّنت المختص من التعديل بيسر". من ناحيته، يتحدث عمر العمري، عاقل حارة بير العمري، لـ"خيوط"، عن الضوابط التي يتبعها لكي يزكي شخص ما: "عند طلب أحد سكان الحارة تزكيتي، وختم الاستمارة التي لديه للحصول على بطاقة شخصية، مبدئيًّا، لا بُدّ أنّ يكون معروفًا لدينا هو وعائلته وساكنين في الحارة، بعدها أذهب معه للقِسم، للختم بحضور شاهدَين، وفي حال كان نازحًا نتواصل مع الجهات المختصة بالمنطقة التي كان نازحًا بها من أجل التعريف به، وعليه أن يُحضِر أربعة شهود ومعرّفين، يؤكّدون أنه نازح، ولديه بطاقة من المنطقة التي نزح منها، مع إحضار ضمانة تجارية".

ومع كلّ هذا، ما تزال القضية بحاجة لحلٍّ جذريّ لوقف استنزاف الوقت والمال، وتصحيح البيانات والوثائق الرسمية.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English