إب.. الجمال الساحر والإهمال القاتل

التوسع العمراني يتغول على الأراضي الزراعية
وسيم الشراعي
December 31, 2020

إب.. الجمال الساحر والإهمال القاتل

التوسع العمراني يتغول على الأراضي الزراعية
وسيم الشراعي
December 31, 2020
© الصورة ل: أحمد العرومي

 محافظة إب واحدة من المدن اليمنية الساحرة، التي تتميز بخضرتها الدائمة، والأمطار المتساقطة عليها معظم فصول السنة، ما جعلها مهوى أفئدة اليمنيين، للسياحة والتمتع بجمال طبيعتها الأخاذ. 


لكن المدينة شهدت منذ العام 2015، اكتظاظًا سكانيًّا عقب نشوب الحرب، إذ تدفق مئات الآلاف من النازحين صوب المدينة السياحية الآمنة، لتبدأ ظاهرة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية الخضراء. 

في هذا الصدد يقول المهندس يحيى علي إدريس، نائب مدير مكتب الزراعة في محافظة إب، لـ"خيوط": "تعتبر إب أخصب الأماكن في اليمن، نتيجة كثرة سقوط الأمطار فيها، بمعدل الضعف عما يسقط في دول الشرق الأوسط"، ويستطرد قائلًا: "لكن هذه المدينة تشكو من خطر التوسع العمراني الذي يهدد الأراضي الزراعية بالانقراض".   

هناك العديد من الأسباب وراء الزحف العمراني، أبرزها غلاء الأراضي، ورغبة المزارع في تحسين وضعه المادي، إذ بلغ سعر القصبة الواحدة في المدينة ما يقارب ثمانين مليون ريال يمني، وهو ما يغري المزارعين بربح مضاعف مما لو استمروا في فلاحة الأرض لعشرات السنوات

ويشير إدريس إلى أن "هناك العديد من الأسباب وراء الزحف العمراني، أبرزها غلاء الأراضي، ورغبة المزارع في تحسين وضعه المادي، إذ بلغ سعر القصبة الواحدة في المدينة ما يقارب ثمانين مليون ريال يمني، وهو ما يغري المزارع بربح مضاعف مما لو استمر في فلاحة الأرض لعشرات السنوات"، بحسب تعبير إدريس. 

ويضيف: "حددت الدولة أماكن للمياه الجوفية لري المزروعات، لكننا نفاجأ بالبناء فيها، وأصبح الحد من البناء العشوائي في الأماكن الزراعية والأحواض المائية يتطلب دورًا فعالًا وصارمًا من الجهات القانونية والقضائية، لإصدار قوانين تجرم تلك الممارسات".

منوهًا أن دور مكتب الزراعة في المحافظة ينحصر في تقديم الدعم والتسهيلات والتوعية، ولا يمتلك أية صلاحيات لمنع المزارعين من البناء في أراضيهم الزراعية".

حياة زراعية حافلة 

تشتهر إب بزراعة الكثير جداً من المحاصيل الزراعية، ولهذا أطلق عليها اسم "اللواء الأخضر"، بحسب االدكتور علي مياس، عميد كلية الزراعة في جامعة إب. ويضيف مياس في حديث لـ"خيوط"، أن هذا الاسم أطلق عليها "لما تتميز به من مناخ معتدل وهطول للأمطار بشكل مستمر، إضافة لتعدد الوديان والقيعان والمدرجات الزراعية"؛ إذ تزرع إب الحبوب والخضروات والبقوليات، وأصنافًا أخرى متنوعة، وما تزال مقولة حكيم اليمن الزراعي علي بن زايد الشهيرة "يا هارب من الموت ما حد من الموت ناجي، ويا هارب من الجوع عليك بسحول بن ناجي" -وسحول بن ناجي هو مجموعة من الوديان الخصبة في محافظة إب- حاضرة في الذاكرة الجمعية اليمنية. 

ويضيف مياس: "جهل المواطن وعدم الوعي في معرفة أهمية الزراعة والمحافظة على الأرض الزراعية ودورها الكبير في رفد الاقتصاد، هو ما تسبب في هذا التجريف المخيف للزراعة".

وهو ما أكد عليه، المهندس الزراعي، عبدالرقيب القمرة لـ"خيوط"، محملًا مسؤولية التدهور الحاصل في مدينة إب السياحية، على مكتب الأشغال العامة والطرق، المخولة بوضع مخططات التوسع العمراني، وتحديد المساحات الزراعية التي يمنع البناء فيها.

وعن الآثار المترتبة للتوسع العمراني تحدث مياس: "إن هذا التمدد سيقضي على المساحات الزراعية، ما يؤدي لقلة الإنتاج الزراعي، علاوةً على تهديد ما هو قائم".

الزراعة في عيون المزارعين

لم يجد الحاج محمد (75 سنة)، وهو أحد المزارعين في محافظة إب، سوى بيع مساحة كبيرة من أرضه، بعد أن هاجر جميع أبنائه إلى المملكة العربية السعودية.

 وقال متحدثًا لـ"خيوط": "لا قيمة للإنسان بلا أرضه وزراعته، لكنني لم أستطع أنا وزوجتي العمل في الأرض بعد هجرة أبنائي، فالزراعة تحتاج مجهودًا كبيرًا". 

وعند سؤال الحاج محمد عن حياته الزراعية السابقة، أجاب: "كانت إب كلها مزروعة بالشام، والذرة، والشعير، والبر، وزراعة الفاصوليا، والفول، والعدس، وكان من يريد أن يزرع يستأجر قطعة من الأرض، أو يبتاعها بثمن رخيص جدًّا"، مشيرًا لتوافد اليمنيين من محافظات أخرى على شراء المحاصيل الزراعية من إب".

من ناحيته يتمسك الحاج ناصر الحبيشي، مزارع، بعمله الزراعي على الرغم من تخلي بعض أولاده عن مساعدته، موضحًا لـ"خيوط"، أن الأرض هي ثروة الإنسان الحقيقية، معددًا أنواع المحاصيل التي يزرعها والمتمثلة بالذرة والشام والبطاطس، منوهًا إلى أنه يستعين ببعض العمال ليغطوا المكان الذي كان يقوم به بعض أبنائه، وفي فلاحة الأرض وسقايتها بالوايتات (سيارات محملة بالمياه)، خاتمًا حديثه أن "الأرض تهتم لمن يهتم بها".

أبرز الإشكاليات التي تواجه زراعة المحاصيل الغذائية في المحافظة، يتمثل في توجه الكثير من المزارعين إلى زراعة شجرة القات نتيجة للتزايد المستمر في عدد متعاطيه

شبح شجرة القات 

وتشير العديد من الدراسات إلى أن أبرز الإشكاليات التي تواجه زراعة المحاصيل الغذائية في المحافظة هو توجه الكثير من المزارعين إلى زراعة شجرة القات نتيجة للتزايد المستمر في عدد متعاطيه، حيث تظهر دراسة سابقة للبنك الدولي أن "72 بالمئة من رجال اليمن و33 بالمئة من نسائهم يتعاطون القات، إضافة إلى أن واحد من بين سبعة بالمئة يعملون على زراعة القات وتوزيعه". 

من جانبها حاولت "خيوط" معرفة المساحات الزراعية التي تضررت من الزحف العمراني ومن انتشار زراعة القات في مدينة إب، لكنها اكتشفت أن المركز الوطني للإحصاء توقف عن عمل دراسة جديدة منذ العام 2002.

وعن الأضرار البالغة للقات، يصف علي الضياني، مختص الإعلام والعلاقات العامة في مؤسسة النجاة للتوعية بأضرار القات، لـ"خيوط" بأن "القات ظاهرة اجتماعية سلبية تجذرت في بنية المجتمع اليمني على مرّ عقود من الزمن، وأثرت بشكل كبير في اليمن أرضًا وإنسانًا، وأن تأثيرها هذا يطال مناحي الحياة جميعها في اليمن، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وصحيًّا، مبينًا أن هذه المشكلة أضحت القاسم المشترك في مشكلات البلاد".

 ويضيف الضياني: "نتيجة لغياب السياسات الفاعلة والنوايا الصادقة للحد من أضرار شجرة القات، زادت تغولًا واستفحالًا، ويتضح ذلك جليًّا بملاحظة زيادة نسب المتعاطين له، وزيادة نسبة الأراضي المزروعة بها".

ويختتم حديثه بأن "المثير للغرابة والخوف في آن واحد، أنّ الأراضي السهلية والوديان كوادي السحول في إب، بعد أن كانت تزرع فيها الحبوب بمختلف أنواعها باتت في مرمى توسع شجرة القات، دون استشعار خطر الإقدام على هذه الخطوة على الأمن الغذائي اليمني ككل وسلامة الأراضي الزراعية".

زائرون في أحضان إب 

يتجه الكثير من أهالي المحافظات اليمنية إلى محافظة إب، لقضاء أوقات ممتعة في المناطق والمديريات السياحية، من أبرزها جبل بعدان ومنطقة مشورة، ووادي بَنا، ووادي الدور، إضافة إلى تفضيل الكثير منهم الذهاب إلى المناطق الجبلية المرتفعة، التي تكسوها الخضرة الدائمة طوال العام، كمديرية وراف ومديريتي جبلة والعدين. عدنان الشوافي، أحد أهالي مديرية القلوعة في عدن، وهو من المرتادين الدائمين إلى الأماكن السياحية في إب، قال لـ"خيوط": "أفضل أنا وزوجتي وأبنائي كل عام قضاء ثلاثة أشهر متواصلة في إب، فحب المدينة أصبح يسري بروحي، لدرجة أصبحت أحب التنقل بين مديرياتها مشيًا على الأقدام، مشيرًا أن ما يسحره في إب، هو هواؤها العليل وجبالها الخضراء وشلالاتها ووديانها، وطيبة أهلها وبساطتهم وحفاوة استقبالهم لنا". 

ويضيف عدنان في حديثه: "زرت العديد من المحافظات والعديد من بلدان العالم، لم أجد أجمل من مدينة إب، لكني أجد المساحات الخضراء تتلاشى عامًا بعد عام، وهو ما يحزن النفس"، ينهي الشوافي حديثه. من جانبه تحدث جمال الحجي، زائر من أهالي محافظة ذمار، لـ"خيوط"، عن المناطق التي تستهويه قائلًا: "زرت مشورة وجبل بعدان والعدين وكذلك إب القديمة"، وعن التوسع العمراني قال الحجي: "فعلًا يوجد توسع عمراني كبير في جبل ربي، وباتجاه منطقة جبلة، وأيضًا داخل المدينة، علاوةً على أن البناء عشوائي، وغير منتظم بطريقة هندسية حضارية".   

تعاني المحافظة غياب الاهتمام، وعلى رأسه توفير الجهات الحكومية اللقاحات الخاصة بالحيوانات التي تصاب بالكثير من الأمراض الوبائية والنفوق نتيجة ذلك 

أهمية الثروة الحيوانية للمزارع 

ولا يزال الكثير من مزارعي محافظة إب، يحتفظون بالثروة الحيوانية لما لها من أهمية بالغة في سد احتياجاتهم المعيشية من اللحوم والألبان والدواجن، إضافة إلى دور هذه الحيوانات التقليدي في مساعدتهم في حرث الأراضي الزراعية.

وفي هذا السياق يتحدث لـ"خيوط"، الدكتور البيطري، عدنان عبدالقوي قائلًا: "تشكل الثروة الحيوانية بالنسبة للمزارع جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني، إذ تحد من استيراد اللحوم وبالتالي توفر على البلاد العملة الصعبة"، مشيرًا إلى أن المحافظة تعاني غياب الاهتمام، وعلى رأسه توفير الجهات الحكومية اللقاحات الخاصة بالحيوانات التي تصاب بالكثير من الأمراض الوبائية والنفوق نتيجة ذلك". 

وفي ختام حديثه يتمنى المهندس يحيى إدريس، بأن يأتي اليوم الذي يتم فيه منع البناء العشوائي في الأراضي الزراعية، ومنع الحفر العشوائي للآبار، وسن قوانين وعقوبات؛ لأن مستقبل إب السياحي على المحك، حسب تعبيره.


•••
وسيم الشراعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English