مشكلة "الشحن" تحرّك مياه الحُديدة الراكدة

تأثيرات ومصالح تحويل الحركة التجارية
رأفت الوافي
March 12, 2023

مشكلة "الشحن" تحرّك مياه الحُديدة الراكدة

تأثيرات ومصالح تحويل الحركة التجارية
رأفت الوافي
March 12, 2023

بعد ثماني سنوات من الحرب الذي تشهدها اليمن بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًّا يسود الغموض هذه المرة بين طرفي الصراع، لا سيما بعد الهدنة التي سلكها الطرفان العام المنصرم 2022، برعاية الأمم المتحدة حينها.

لم تكن الهدنة بشكلها المطلوب، لكنها حدّت من وتيرة المواجهات واتجهت نحو المفاوضات التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان، والتي لم تثمر جهودها بعد، نتيجة تعنت الأطراف وعدم تقديم تنازلات.

مع بداية العام 2023، عاد الغموض إلى المشهد اليمنيّ مجدّدًا بعد أنباء تتحدّث عن اتفاق غير معلن بين الحوثيين (أنصار الله) والمملكة العربية السعودية برعاية سلطنة عُمان.

في ظلّ عدم وجود أيّ تأكيدات رسمية حول الاتفاق، هناك مؤشرات على أرض الواقع وتحذيرات من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، خصوصًا بعد القرارات الأخيرة التي أصدرتها سلطة صنعاء بمنع التجار من الاستيراد عبر ميناء عدن (جنوب اليمن)، والتوجه إلى ميناء الحُديدة (شمال غرب اليمن)، الخاضعة لسيطرتها، بالإضافة إلى تسهيل المعاملات الجمركية واستقطاب شركات الملاحة، ممّا أثار جدل شاسعًا واستغرابًا كبيرًا قد يؤدّي إلى أضرار وخسائر فادحة للحكومة المعترف بها دوليًّا.

أزمة النقل البحري

الجدل الدائر حول الشحن التجاري إلى اليمن عبر ميناء الحُديدة، رمى حجرًا في مياهٍ راكدة، فقد أثارت الإجراءات التي تقوم بها سلطةُ صنعاء الحكومةَ المعترف بها دوليًّا الذي يعتبر ميناء عدن من أهمّ الموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها بعد تعثر تصدير النفط بسبب استهداف جماعة أنصار الله (الحوثيين) لموانئ التصدير في حضرموت وشبوة.

في منتصف فبراير/ شباط الماضي 2023، أصدرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، بيانًا عبر وزارتَي النقل والصناعة والتجارة، اطلعت عليه "خيوط"، قالت فيه إنّ الشائعات المنتشرة حول تعديل آلية دخول البضائع والسفن للموانئ اليمنية، هي محض كذب ومحاولة للالتفاف على القانون وعلى الآليات المتفق عليها مع كلٍّ من الحكومة اليمنية وقيادة التحالف والأمم المتحدة.

وأكّد البيان أنّه لا يوجد أيّ تعديلٍ في إجراءات دخول البضائع لموانئ البلاد المختلفة، بما في ذلك ميناء الحُديدة الواقع تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).

يرى تجار أنّ قرار رفع الضريبة الجمركية في عدن، كان سببًا في تأييدهم قرار (الحوثيين)، حيث إنّ السعر الجمركي في ميناء الحُديدة يساوي 250 ريالًا مقارنة بميناء عدن الذي يصل إلى 750 ريالًا مقابل الدولار الواحد.

بالمقابل، كانت أربع شركات ملاحية وافقت على قرار سلطة صنعاء، بتحويل أشرع سُفنها صوب ميناء الحديدة، منها شركة الشرق الأوسط للملاحة، حيث تلقّت تهديدًا بإلغاء التصريح، ووضعها في القائمة السوداء.

كما حصلت "خيوط"، على رسالة محررة في تاريخ 22 فبراير/ شباط، من مؤسسة موانئ خليج عدن تحذر شركة الملاحة من أيّ تسيير لنشاطات صوب ميناء الحُديدة الذي لا يقع ضمن سلطاتها، مؤكّدةً بأنّها سوف تتخذ إجراءات وصفتها بـ"الصارمة" بحقّها.

في السياق، يقول رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة حضرموت، محمد الكسادي، في تصريح لـ"خيوط"، إنّ رفع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا للسعر الجمركي ليس قرارًا صائبًا، بالنظر إلى ما أضافه من أعباء يتحملها المستهلك، بينما هناك بدائل ومصادر أخرى يمكن أن تلجأ لها بدلًا من رفع السعر الجمركي.

وكانت حكومة عدن قد قررت في يناير/ كانون الثاني الماضي 2023، إجراء تحريك جديد للسعر الجمركي من 500 ريال إلى 750 ريالًا للدولار الواحد، وهو ما أثار حفيظة القطاع التجاري في ظلّ أزمة غلاء متواصلة واضطراب الأسواق، وسط تردٍّ معيشيّ يطال جميع الشرائح السكانية في اليمن. 

ويرى تجار أنّ قرار رفع الضريبة الجمركية في عدن كان سببًا في تأييدهم قرار (الحوثيين)، حيث إنّ السعر الجمركي في ميناء الحُديدة يساوي 250 ريالًا مقارنة بميناء عدن الذي يصل إلى 750 ريالًا مقابل الدولار الواحد، وهذا ما يؤكّده التاجر عثمان غالب في حديثه لـ"خيوط"، بقوله: "من أسباب تحوّل التجار من ميناء عدن إلى ميناء الحُديدة هو بسبب ارتفاع السعر الجمركي إلى 750 بدلًا من 500 ريال، ممّا أدّى إلى انزعاج التجار، فطالبوا بفتح ميناء الحُديدة حيث إنّ السعر الجمركي في محافظة الحديدة 250 ريالًا".

لم يكن رفع الضريبة الجمركية العائقَ الوحيد الذي تسبّب في نفور التجار من عدن، بل هناك أسباب أخرى، وبحسب عثمان فإنّ تكاليف النقل ووعورة الطريق والجبايات الباهظة والسندات الذي تدفع في نطاقين؛ أحدهما في مناطق الشرعية، والآخر في مناطق الحوثي، ممّا يعني أنّك سوف تدفع ضريبتين في كلِّ منطقة، ومقاييس وجوده في كل منطقة، مما يفاقم من معاناة التجار والمواطنين نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية. 

تداعيات 

تفاقمت أزمة ميناء عدن والتجار في الآونة الأخيرة بعد القرارات التي اتخذها المجلس الاقتصادي الأعلى بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، والتي تضمّنت رفع السعر الجمركي في جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية بنسبة 50%.

وقوبل القرار بانتقاد الكثير من المؤسسات والهيئات في القطاع الخاص والخبراء الاقتصاديين الذين يرون أنه بالإمكان لجوء الحكومة المعترف بها دوليًّا إلى حلول أخرى، بدلًا عن رفع سعر الضريبة الجمركية. 

يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، لـ"خيوط"، إنّ تحويل السفن التجارية إلى ميناء الحُديدة، قرارٌ تأثيراته كبيرة على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا نتيجة خسارة 70% من العائدات والموارد، وهو ما يجعلها في مأزق حقيقيّ بالنظر إلى الصعوبة التي تواجهها في تسليم المرتبات والنفقات الضرورية، لكنّه أمرٌ إيجابي من ناحية أخرى، فنحن نطالب بفتح جميع المطارات وجميع الموانئ أمام الاستيراد، وعدم وضع أيّ قيود أو حواجز على أي منتجات.

كما يطالب نصر، بفتح الطرقات الرئيسية بين المدن، ويرى أنّ إغلاق أي ميناء أمام البضائع يعدّ مخالفًا للتشريعات المحلية والمواثيق الدولية، لأنّه يعد انتهاكًا بحقّ المواطنين في الحصول على السلع والخدمات، وبالتالي فالمبدأ لا بُدّ أن يكون واضحًا.

الجدير بالذكر أنّ الشحن التجاري عبر ميناء الحُديدة متوقفٌ منذ نهاية العام 2018، بقرار من الحكومة المعترف بها دوليًّا والتي قامت بتحويل خطوط الشحن التجاري بدلًا من ذلك إلى ميناء عدن، في حين يخضع ميناء الحُديدة لأحكام اتفاقية ستوكهولم، مع السماح بمرور سفن الوقود وشحنات المساعدات الأممية الإغاثية، وذلك بعد الخضوع إلى التفتيش بميناء جيبوتي.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English