مشردّون تحت جسور صنعاء

يحيون ويموتون دون أن يعلم بهم أحد
June 12, 2022

مشردّون تحت جسور صنعاء

يحيون ويموتون دون أن يعلم بهم أحد
June 12, 2022
Photo by: Ala'a Alghanami - © Khuyut

محمد المخلافي

خيوط/ هيئة التحرير

تستمر الحرب والصراع الدائر في اليمن في ترك تبعاتها المؤثرة والمأساوية على اليمنيين مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وعدم قدرة الكثير على مواجهة أعباء الحياة اليومية المتزايدة وتوسع معدلات الفقر والجوع والبطالة.

منذ ما يزيد على سبع سنوات، لم يعد التشرد محصورًا على فئة المختلين عقليًّا والمهمشين كما كان سابقًا في اليمن خصوصًا في بعض المدن الرئيسية كالعاصمة صنعاء كما رصدت "خيوط" سابقًا، فقد اضطر مئات الفقراء والنازحين على اتخاذ الأرصفة ملاذهم للهروب من جحيم الحرب وقسوة الحياة.

فئة تتوسع مع استمرار النزاع الدائر في اليمن، سيطر عليهم الخذلان والإهمال من المجتمع، أخذت منهم الحرب كل شيء، وجعلتهم يعيشون في العراء، يجوبون الشوارع باحثين عن ملجأ يأويهم.

يحيون ويموتون دون أن يعلم بهم أحد، يواجهون الحياة بما استطاعوا إليه سبيلًا؛ آلاف القصص المأساوية لقضية مهملة من قبل جميع السلطات الحاكمة في البلاد مع تفاقم وتزايد أعداد هذه الفئة وما تحمله من انعكاسات نفسية واجتماعية تشكل خطرًا على الأجيال القادمة وعلى الدولة بشكلٍ عام .

محمد كامل "57 عامًا" (اسم مستعار)، أحد المشردين تحت أحد الجسور وسط صنعاء، يتحدث لـ"خيوط"، عن قسوة حياة التشرد التي يخوضها بعد أن تدهورت أوضاعه المعيشية وتفككت أسرته بعد انفصاله عن زوجته، ليجد نفسه في الشارع وحيدًا لا أسرة ولا مأوى.

حياة على الرصيف

على امتداد أسوار جامعة صنعاء القديمة وعلى الأنفاق وتحت الجسور في مختلف الشوارع في العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية، تشاهد مئات الأسر الفقيرة والنازحة التي اتخذت الأرصفة والجسور سكنًا لها، تجدهم يفترشون الكراتين وينامون في العراء دون أي غطاء يحميهم من البرد وحرارة الشمس في مشهدٍ مؤلم يوضح حجم المعاناة التي وصل إليها كثير من اليمنيين.

رصدت "خيوط"، عديد القصص، منها قصة نازح من الحُديدة شمال غربي اليمن، في العاصمة صنعاء، اضطر مجبرًا بسبب عدم قدرته على استئجار مسكن خاص به وأسرته، لاتخاذ الرصيف المحاذي لسور جامعة صنعاء القديمة إلى جانب مجموعة من المشردين ممن يتخذون من هذا المكان مأوى لهم.

يقطن أحمد صالح (43 سنة)، مع أسرته المكونة من خمسة أفراد في خيمة صغيرة من الطربال والزّنج، نصبها بمحاذاة سور الجامعة القديمة (وسط صنعاء)، يقول لـ"خيوط"، إنه فرّ مضطرًا للنجاة من موت وشيك كان يحيط بهِ وبعائلته في مسقط رأسه بمحافظة الحديدة التي شهدت معارك شديدة منتصف العام 2019.

يعتبر السكن ضرورة حيوية وبيولوجية، وحقًّا من حقوق الإنسان الذي يشعره بالطمأنينة والانتماء باعتباره عاملًا بشريًّا ومحركًا أساسيًّا في مختلف قطاعات التنمية، ومن أهم العوامل التي تسهم بتحقيق الاستقرار والترابط المجتمعي الذي يستطيع من خلاله المواطن أداء واجباته تجاه مجتمعهِ وأسرته على أكمل وجه

يعمل أغلب المشردين خصوصًا القادمين من المناطق التي شهدت معارك عسكرية بين طرفي الحرب الحكومة المعترف بها دوليًا وأنصار الله (الحوثيين)، في جمع علب البلاستيك وبيعها لمراكز وورش الخردة العاملة في تجميع هذه المواد.

 يصل متوسط الكمية التي يجمعونها حسب ما اطلعت عليه "خيوط"، بنحو 2500 ريال (حوالي 4 دولارات أميركية)، حسب سعر الصرف في صنعاء البالغ 565 ريالًا للدولار الواحد، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لتوفير أكثر من وجبة واحدة في اليوم.

الخبير الاجتماعي، فواز منصور، يؤكد لـ"خيوط"، أن مأساة الحرب تتجسد في مثل هذه الفئات التي فقدت كل شيء، تم انتزاعها من حياتها الخاصة ومناطقها وأعمالها ووظائفها لتدخل في عالم التيه والنسيان والتشرد.

يضيف أن هناك عدة عوامل لتوسع هذه الظاهرة، إلى جانب الحرب هناك الفقر والحرمان وفقدان فرص العمل وإيجارات المساكن وتكاليف الحياة المعيشية وعدم قدرة الكثير على تحمل ضغوط الحياة وتسبب ذلك في صدمات وأزمات نفسية شديدة تؤدي إلى اتخاذ الشارع والجسور والأسوار والأنفاق ملاذ للهروب من هذه الضغوط.

معاناة في الأنفاق

تعددت أسباب التشرد بسبب استمرار الحرب وانقطاع الرواتب، وتدهور العملة، وتدني مستوى الدخل، وقلة المساكن وارتفاع الإيجارات، وصعوبة الحصول على أبسط الاحتياجات الخاصة.

تحت جسر خاص بعبور السيارات في منطقة الحصبة، يعيش عمار أحمد (اسم مُستعار) مفترشًا الأسفلت مع أسرته الصغيرة فارًّا من جحيم الحرب بعد أن تسببت غارات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، بأضرار بالغة في منزله بمديرية ضحيان في محافظة صعدة) شمال اليمن).

يعمل عمار في عربية متنقلة في سوق ذهبان المركزي (شمال غربي صنعاء) الخاص بالخضروات والفاكهة، وذلك بحمل ما يقوم الزبائن والمتسوقون بشرائه من داخل السوق إلى بوابته الرئيسية بأجرة تصل إلى 200 ريال.

يحلم هذا المواطن، كما يقول لـ"خيوط"، بمنزل يأويه هو وأسرته، إذ يشعر بالحزن الشديد، وفق حديثه، من المعاملة التي يجدها من قبل بعض المارة والباعة في السوق الذي يعمل فيه، وتعييره بالمكان الذي يقطنه مجبرًا مع أسرته.

يشير تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إلى أنّ ما يقارب 30 ألف يمني فرّوا من ديارهم منذ مطلع العام الجاري 2022، رقم يضاف إلى 4.3 ملايين شخص نزحوا بسبب الحرب الدائرة في اليمن، والتي دخلت عامها الثامن.

من جانبه، يتوقع برنامج الأغذية العالمي، في تقرير اطلعت عليه "خيوط"، أن يبلغ عدد الأشخاص - الذين يعانون هذا العام من انعدام الأمن الغذائي في اليمن، 19 مليون شخص (ثلثي عدد السكان)، نظرًا إلى أن أسعار الأغذية على المستوى العالمي، الآخذة في الارتفاع، وانخفاض سعر الصرف

حقوق منتهكة

في ظل غياب دور الجهات العامة المختصة بالرعاية الاجتماعية والمنظمات المدنية، يجد الكثير من المشردين أنفسهم في العراء ليواجهوا منفردين قسوة حياة التشرد والتي يعتاد عليها بعضهم ممن يفتقدون لمسكن خاص يأويهم والذي يأتي في طليعة أسباب تزايد أعداد المشردين، إذ يعتبر من أهم عوامل الاستقرار والترابط المجتمعي.

وقد وثّقت عددٌ من المواثيق والدساتير المحلية والدولية حقَّ السكن، ومن بين هذه المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، الذي نص على حق الفرد والمواطن في الحصول على مسكن، كما نصت على ذلك وثيقة العهد الدولية للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي صادقت عليها اليمن .

يرى حقوقيون وناشطون، أنّ السلطات والحكومات المتعاقبة في اليمن، لم تولِ، طوالَ العقود الماضية، أيّ اهتمام بموضوع الإسكان ممّا أدّى إلى تفاقم هذه المشكلة خلال السنوات القليلة الماضية.

الناشط الحقوقي، أحمد الذبحاني، يؤكد في هذا الخصوص، أنّ الدولة والحكومات المتعاقبة في اليمن لم تهتم بمثل هذه القضايا ودراسة الأسباب التي أدت إلى تشكلها ومنها قضية المسكن من خلال تنظيم العلاقة بين المستأجر، إذ تسبب إهمال قضية الإسكان في نمو وتزايد مثل هذه المشاكل المجتمعية وتحول بعضها إلى ظواهر تستعصي على الحل مع مرور الوقت.

وتظل هذه القضية معلقةً في طي الإهمال والنسيان مع تزايد ملحوظ تشهده العاصمة صنعاء ومدنٌ يمنية أخرى في أعداد المشردين المنتشرون في الشوارع الرئيسية والفرعية وتحت الجسور المخصصة للعبور أو المشاة؛ قصص مأساوية للكثير من الأسر اليمنية التي اصطدمت بالواقع المرير الذي فرض عليها بسبب الظروف القاسية بفعل الحرب والصراع الراهن وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي ضاعفت معاناة الملايين وقذفت بالكثير منهم للحياة على أرصفة الشوارع وتحت الجسور والأنفاق.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English