حديقة مارد الثورة مأوى للمشردين

الحرب تقذف بملايين اليمنيين إلى عالم التشرد والشتات
عبدالكريم عامر
December 5, 2020

حديقة مارد الثورة مأوى للمشردين

الحرب تقذف بملايين اليمنيين إلى عالم التشرد والشتات
عبدالكريم عامر
December 5, 2020
© علي السنيدار

   تنتج البيئات المضطربة الناتجة عن الحروب والنزاعات المزيد من المشردين. وتشهد اليمن منذ ست سنوات حربًا طاحنة بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، خلفت دمارًا واسعًا ومآسيَ على كافة المستويات، وملايين الضحايا قذفت بهم هذه الحرب إلى عالم التشرد والشتات.

    وتكالبت على اليمن مختلف الكوارث بشقيها الطبيعية والبشرية، من حرب وصراع ونزوح وأوبئة، وانعدام الخدمات العامة ومصادر الدخل وفرص العيش؛ الأمر الذي جعل اليمنيين بين فكي كماشة، مع انسداد كل الآفاق لإحلال السلام ووضع حد لمعاناة الناس الذين تفاقمت أوضاعهم بصورة تفوق قدراتهم على مواجهتها.

    سرحان محمد يقول لـ"خيوط"، إنه كان موظفًا في إحدى المؤسسات الحكومية وكانت حياته مستقرة، حيث كان يعمل على توفير ما تيسر من احتياجات أسرته المعيشية، لكن بعد أن نشبت الحرب وساء وضعه المعيشي جراء توقف راتبه، انضم إلى قائمة المشردين. "دفعتني تلك الأوضاع إلى التشرد وقد تخليت حتى عن الأسرة"،  أضاف سرحان، بدون إعطاء مزيد من التفاصيل عن حالته. يعيش الرجل الأربعيني في حديقة الثورة وسط ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، حيث يفترش قطعًا من الكارتون ويتغطى ببقايا بطانية قديمة.  

    سرحان ليس وحده من يقيم وسط ميدان التحرير، إذ يرافقه ما يقارب 10 أشخاص، كل واحد منهم له قصة تشرده الخاصة، وهي -إجمالًا- من قصص الحرب. بعض هؤلاء المشردين يمارسون هوايات، مثل تربية القطط والكلاب، حيث يجمعون بقايا الأكل لكي يطعموها، فتظل بجوارهم طيلة الوقت.

    لكن منظر المكان صار مشوهًا، ومستوى النظافة يكاد يكون منعدمًا بالنظر إلى رمزية المكان التي تكونت في أذهان اليمنيين، منذ فجر 26 سبتمبر، يوم الثورة وميلاد الجمهورية في اليمن.

تنامي ظاهرة المشردين

    تشهد اليمن منذ العام 2014، حربًا أهلية تفاقمت عن حرب أكثر تدميرًا بتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات. ومنذ العام 2015، فقدَ الناس أعمالهم ومصادر دخلهم، وأصبحوا عاجزين عن الإيفاء بواجباتهم الأسرية، وبات التشرد أقرب الحلول لكثير ممن فقدوا مصادر دخلهم ورواتبهم وسبل عيشهم.

    يأتي المختلون نفسيًّا وعقليًّا على رأس قائمة المشردين، حيث الظروف المعيشية الصعبة وكثرة الضغوطات النفسية الناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية وفقدان مصادر الدخل، تراكمت تلك المشاكل وضاعفت أعداد المختلين نفسيًّا وعقليّاً.

    ونتيجة للأوضاع التي خلفتها الحرب، تلحظ يوميًّا زيادة في أعداد المشردين؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في ظاهرة التفكك الأسري، كما يقول لـ"خيوط" بدر سعيد، وهو طبيب متخصص في معالجة الاضطرابات النفسية.

    يضيف سعيد أن الحرب هي السبب الأساسي في تزايد عدد المختلين نفسيًّا وعقليًّا، إذ إن الأشخاص الذين تمر عليهم مجموعة ظروف قاهرة، تجعلهم فاقدي السيطرة، وغير قادرين على التعامل مع الظروف العصيبة التي طرأت على حياتهم.

    في حالة عدم متابعة حالاتهم طبيًّا، يتطور الأمر إلى نوع من الجنون، حسب طبيب الاضطرابات النفسية، إذ يسهل معالجة تلك الحالات في بادئ الأمر، لكن نظرًا للظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها تلك الأسر، لا تستطيع متابعة حالة المختل، وهو ما يؤدي إلى تدهور حالته الصحية نتيجة الإهمال.

كثير من الأسر تفككت نتيجة اختفاء عائلها الوحيد، فتحولت حياتها إلى جحيم، كما في حالة "عائلة سيف" الذي أدى اختفاؤه إلى تشرد عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال، بينما ظهر هو بعد فترة في مدينة أخرى وقد صار مختلًّا عقليًّا

تفكك أسري وكوارث طبيعية

    كثير من الأسر تفككت نتيجة اختفاء عائلها الوحيد، كما في حالة عائلة سيف، المكونة من زوجة وثلاثة أطفال، التي أدى اختفاء عائلها إلى تشردها. تقول زوجة سيف لـ"خيوط"، إن زوجها اختفى بعد أن اندلعت الحرب في العام 2015، وظهر بعد فترة من اختفائه في إحدى المدن في حالة اختلال عقلي؛ "مجنون". وتؤكد الزوجة أنها لم تكن قادرة على البحث عنه، نظرًا لظروفها المعيشية السيئة ومكابدتها حياة شاقة من أجل رعاية أطفالها الثلاثة، وتصف حال الأسرة بالجحيم بعد اختفاء زوجها. 

    وتعد الحرب أحد أهم الأسباب لتنامي ظاهرة التشرد وتزايد المختلين نفسيًّا وعقليًّا، في ظل انعدام أي إحصائيات رسمية أو أممية لعددهم وغياب تامّ للجهود التي تتابع أوضاعهم وتعمل على تقديم الرعاية اللازمة لهم، إذ أصبحت شوارع المدن وجولاتها وأماكن مثل الحدائق الشعبية وتحت الجسور والميادين العامة مأوى لمئات المشردين الذين دخلوا عالم النسيان والإهمال.

    بالمقابل، هناك عدد كبير من اليمنيين الذين تركوا وطنهم وانطلقوا للبحث عن بلدان مستقرة ليستوطنوها، مع أن البعض منهم لم تختل موازين ظروفهم المعيشية، إلا أن الحرب جعلتهم يبحثون عن أوطان بديلة لهم ولأسرهم، تحت مبرر أن "لا مستقبل في هذه البلاد"، فانطلقوا يبحثون عن بلدان آمنة توفر الحياة والتعليم المناسبَين لأطفالهم.

    ليست الحرب وحدها من شردت الناس، فمؤخرًا حلّت كارثة السيول نتيجة الأمطار الغزيرة على أنحاء متفرقة من البلاد، وجرفت العديد من المنازل في كثير من المناطق، بالإضافة إلى تهدم العديد من المنازل نتيجة تلك الأمطار؛ الأمر الذي أدى إلى تشرد العديد من الأسر من مساكنها. هذه الأسر المشردة تأمل أن تقوم الجهات المختصة بواجبها لمواجهة الضرر الذي خلفته الكارثة، خاصة من تضررت مساكنهم وجعلتهم عرضة للنزوح والتشرد.

تحرير "خيوط"


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English