بادرة استثنائية في التوقيت المناسب

برنامج عمره 20 سنة لتأهيل خريجي الثانوية
أحمد عوضه
January 4, 2021

بادرة استثنائية في التوقيت المناسب

برنامج عمره 20 سنة لتأهيل خريجي الثانوية
أحمد عوضه
January 4, 2021

"بحظٍّ قليلٍ من التحصيل والخبرة، تَخَرَّجْتُ من الثانوية العامة، حينها لم أكن أُجِيدُ النَّقْرَ على الكيبورد، أو كتابةَ جملةٍ قصيرة باللغة الإنجليزية، شأن كثير من الطلاب في هذه المرحلة. كلُّ ذلك تغيَّر الآن جذريًّا".   

بهذا الحماس والثقة، تصفُ المتدربة السابقة بثينة عَزَّان (24 سنة) لـ"خيوط" تجربتها في "برنامج تأهيل خريجي الثانوية العامة"، الذي يُقام سنويًّا ضمن أنشطة "مؤسسة تنمية القيادات الشابة". وهو انطباعٌ تتشاركه بثينة مع عشرات الطلاب الذين تسنى لهم الالتحاق بالبرنامج، الذي تمتد فترته إلى سنة كاملة، يتم فيها صقل مهارات الطلاب حديثي التخرج من الثانوية، وإعدادهم لمرحلة الجامعة على النحو الذي يساعدهم في تجاوز العراقيل التي من المرجح أن تواجههم مستقبلًا على مستوى المهارات والتحصيل العلمي والمعرفي. 

التحقتْ "بثينة" بالبرنامج في دورته الـ16 سنة 2017، بعد تخرجها من الثانوية من مدرسة زينب بصنعاء. وخلال عام كامل (مدة البرنامج) تعلمتْ اللغة الإنجليزية، ومهارات استخدام الحاسوب وتطبيقاته، ومنهجيات إعداد البحوث العلمية، إلى جانب مهارات أخرى مثل الكتابة والإلقاء والتخطيط، وغيرها من المهارات التي ساهمت في تغيير حياتها، حد قولها لـ"خيوط". 

تذكر بثينة، التي أصبحت حاليًّا مساعدًا إداريًّا لدى الوحدة التشغيلية في مؤسسة تنمية القيادات الشابة: "تَعَزَّزَ إدراكي بأهمية البرنامج، بعد دخولي الجامعة، حين كنت ألاحظ تعثر كثير من الزملاء في جزئياتٍ من المفترض أنهم قد تجاوزوها قبل هذه المرحلة، حتى حين يتعلق الأمر بإنجاز بحث بسيط باللغة الإنجليزية أو طباعة بعض الأوراق، فضلًا عن مهارة عرضه وتقديمه ومناقشته باستخدام الوسائل التقنية أمام مئات الطلاب بشكلٍ جيد، بينما لم يكن الحال كذلك بالنسبة لي، كنت أشعر حيال ذلك كم أنا محظوظة ومتميزة، ولولا البرنامج كنت سأظل فتاةً انطوائية وخجولة، لم تتخيل أنها قادرة على فعل الكثير بكل تلقائية". 

ماهية البرنامج

  تبرز أهمية برامج تأهيل خريجي الثانوية العامة، في تشكيل وتجديد الحصيلة العلمية للمتدرب/الطالب في ظل القصور الكبير في جودة التعليم في اليمن، التي أصبحت مؤخرًا خارج تصنيف دافوس العالمي لعام 2020، بالتوازي مع ترنح الهيكل التعليمي منذ بداية الصراع في البلاد، الذي تسبب بشلل جزئي لقطاع التعليم الهزيل أساسًا. 

تم إضافة كورس جديد إلى البرنامج هذا العام، وهو كورس البحث عن الفرص (المنح الدراسية)، كما يهتم البرنامج بجانب الإرشاد الجامعي؛ لأن معظم العائلات تدفع أبناءها إلى الالتحاق بتخصصات لا علاقة لها بميولهم وقدراتهم الشخصية

في واقعٍ كهذا، دأبت مؤسسة تنمية القيادات الشابة منذ 19 عامًا على فتح المجال أمام الطلاب حديثي التخرج من الثانوية العامة للالتحاق ببرنامجها التأهيلي لإعداد المستهدفين للمرحلة الجامعية، وهو برنامج تعليمي مكثف يمتد لسنةٍ كاملة، وهي الفاصل الزمني المحدد قانونًا بين اكمال الثانوية والالتحاق بالجامعة. 

يهدف البرنامج إلى مساعدة الطلاب وصقل مهاراتهم بُغية تحقيق أداء أكاديمي أفضل في المرحلة الجامعية، عن طريق سَدِّ النقص في التحصيل العلمي في المراحل الدراسية، وتعزيز قدرتهم في الحصول على الفرص التعليمية أو المنح عن طريق خبراء في الإرشاد الجامعي، إلى جانب تمكين الفئة المستهدفة من القيام بدور قيادي في المجتمع، من خلال كورسات يقدمها مختصون، تبدأ بالتركيز على إتقان اللغة الإنجليزية التي يتعلمها الطلاب خلال عدة مستويات بمعدل أربع ساعات في اليوم، شاملةً مهارات الكتابة والاستماع والمحادثة والبحث في الإنترنت، وصولًا إلى مرحلة الاحتراف والاستعداد لخوض اختبار التوفل أو الآيلتس، يليه دبلوم الحاسوب (ICDL) يتلقى فيه الطالب خلال 98 ساعة من مدة البرنامج، تدريبًا على استخدام تطبيقات الحاسوب الأساسية وأنظمة التشغيل ومعالجة النصوص وبرامج قواعد البيانات، وآليات البحث والطباعة باللغتين العربية والإنجليزية. بعد ذلك يأتي كورس "المهارات القيادية" الذي يُعْنَى بصقل مهارات الإقناع والتفاوض والتواصل وفن الحوار والمهارات الاجتماعية الأخرى، يلي ذلك كورس في منهجيات البحث العلمي، وعمل الاستبيانات وصياغة المسودات البحثية. 

وباجتياز هذه المراحل، يهتم البرنامج بتقديم كورس في الإرشاد الجامعي، وفيه يخضع المتدربون لمقياس الميول الشخصية علي يد خبراء في المجال، إلى جانب جلسات تدريبية في التخطيط للمستقبل وتحديد الرؤية والأهداف، وانتهاءً بالنزول الميداني للكليات، للاقتراب من كُنه التخصصات الأكاديمية المزمع الالتحاق بها. 

ويختم البرنامج قائمته السنوية بكورس مصغر (لمدة 20 ساعة)، لتدريب الطلاب على مهارات البحث عن الفرص الأكاديمية، والتقديم للمنح في الجامعات والمعاهد الأجنبية والتبادل الثقافي، وبانتهاء ذلك، يُلزَم المتدربون بتقديم ومناقشة "مشروع تخرج" يُستَعرضُ خلاله جميع المهارات التي اكتسبها خلال عامٍ من التأهيل المكثَّف. 

تأهيل متعدد الجوانب

 لعل ما يميز برنامج تأهيل طلاب الثانوية حديثي التخرج، الذي تنظمه دوريًّا "مؤسسة تنمية القيادات الشابة"، هو كونه الوحيد على مستوى اليمن، يضم توليفةً متكاملة ومكثفة في برنامج واحد، ويمثل قاعدة صلبة للمتدربين لتخطي مأزق ما بعد المرحلة الثانوية، وفرصةً لاكتساب المهارات والمعارف الأساسية التي تواكب المرحلة الأكاديمية، فضلًا عن مهارات التنمية الذاتية والاجتماعية، التي يضع البرنامج اعتبارًا لها ضمن أولوياته. 

في حديثٍ لـ"خيوط" يوضح الأستاذ محمد زنبور، منسق برنامج تأهيل خريجي الثانوية العامة بمؤسسة تنمية القيادات الشابة، أن البرنامج يعد استثنائيًا من حيث المحتوى والنتائج، بالمقارنة مع البرامج التي تقيمها بعض المؤسسات أو المعاهد، وخلال السنوات الماضية حقق ثمارًا إيجابية، لافتًا إلى أن البرنامج في بداية انطلاقته عام 2001، كان مخصصًا للفتيات فقط، "لكن بعد النجاح الذي حققه في دوراته السابقة، توسَّع ليشمل الجنسين".  

"إلى جانب تركيزنا على إكساب المتدربين اللغة الإنجليزية ومهارات استخدام الحاسوب والمهارات الحياتية، نُولي اهتمامًا كبيرًا لجانب البحث العلمي، حيث يلزم المتدرب في نهاية البرنامج على إعداد بحث علمي باللغة الإنجليزية وفق المنهجيات العلمية المتبعة في الهيئات الأكاديمية، ومناقشتها تحت إشراف ومتابعة لجنة أكاديمية من خارج المؤسسة"، يضيف زنبور لـ"خيوط".  

يتعثر كثيرٌ من الطلبة الجدد في الخطوة الأولى لهم في الالتحاق بالتخصص المناسب لميولهم نظرًا لمحدودية القدرات العلمية التي تصطدم بحاجز اختبار القبول، خصوصًا في الكليات التي لا تقبل سوى عدد محدود جدًّا من الطلاب

وبحسب منسق البرنامج، فالإقبال كان ملحوظًا هذا العام (2020) رغم محدودية الدعاية والدعم، لولا أن طرأت بعض العراقيل بسبب وباء كوفيد-19، وما ترتب عليه من توقف مؤقت، علمًا أنه تم إضافة كورس جديد إلى البرنامج هذا العام، وهو كورس البحث عن الفرص (المنح الدراسية)، منوهًا إلى أن "البرنامج يضع اهتمامًا بالغًا بجانب الإرشاد الجامعي، فمعظم العائلات تدفع أبناءها إلى الالتحاق بتخصصات لا علاقة لها بميولهم وقدراتهم الشخصية"، وهذا بعينه ما يقوم برنامج المؤسسة بمعالجته من خلال جلسات خاصة للمتدربين مع خبراء لاختبار ميولهم الذاتية، وتحديد التخصص الأكاديمي الأنسب لكل متدرب، على النحو الذي يحرر أفضل ما لدى الطالب من طاقة وإبداع مستقبلًا. ويضيف زنبور: "ذلك ما لاحظناه عمليًا لدى نماذج من متدربين سابقين حققوا نجاحًا لافتًا، منهم من أصبحوا حاليًّا يَشْغَلون وظائف جيدة مع منظمات وهيئات معتَبَرَة، وآخرون حصلوا على منح وسافروا للدراسة خارج اليمن". 

ضرورة يفرضها الواقع

"من شأن مثل هذه البرامج أن تساعد شريحة كبيرة من الطلاب، وتوفر الوقت والجهد على الأساتذة والأكاديميين في إيصال مضامين المقرر الجامعي دون عوائق، بما يوفر أكبر قدر من الفائدة للطالب"، وفقًا للدكتور بقسم اللغة الألمانية بجامعة صنعاء عبدالسلام الخيواني لـ"خيوط".  

ويلفت الخيواني إلى وجود فجوة كبيرة أحيانًا بين المنهج المقرر ومدى القدرة الاستيعابية لدى فئة كبيرة من الطلاب، خصوصًا في المواد التي تتطلب معرفة تراكمية -في الحد الأدنى على الأقل- وهذا في العادة لا يكون متاحًا للنسبة الأكبر من الطلاب، ما يجعلهم يواجهون صعوبات كثيرة في المستويات الأولى ويقلل حظوظهم في الحصول على علامات جيدة. 

يضيف الدكتور الخيواني: "رغم أن التعليم الجامعي شهد زيادة قياسية خلال السنوات العشر الماضية، من حيث عدد الإقبال على الجامعات، والاتساع المتسارع في استثمار القطاع الخاص في التعليم الجامعي، يتعثر كثيرٌ من الطلبة الجدد في الخطوة الأولى لهم في الالتحاق بالتخصص المناسب لميولهم نظرًا لمحدودية القدرات العلمية التي تصطدم بحاجز اختبار القبول، خصوصًا في الكليات التي لا تقبل سوى عدد محدود جدًا من الطلاب، مع أن ذلك في الظروف الطبيعية يعد إجراءً صحيًّا، لكن في الظروف غير الطبيعية كثيرٌ من هؤلاء الطلاب يكونون ذوي قابلية ممتازة لاكتساب المهارات والمعارف لولا أنهم لم يحصلوا على تعليم جيد، لذا لا بد من تلافي ذلك الإشكال بطريقة ما، كتشجيع مثل هذه البرامج". 

خلال تجربتها القصيرة، تؤكد الأستاذة هاجر سعد، وهي معيد سابق بكلية التربية بجامعة صنعاء، أن مثل تلك البرنامج تعد محاولة لتدارك ما يمكن تداركه "في الوقت بدل الضائع". تقول لـ"خيوط": لاحظت كثيرًا خلال تجربتي في التدريس بجامعة صنعاء وجود نسبة تَفُوْقُ النصف من الطلاب، لديهم ما يمكن وصفه بالعجز في إعداد بحث علمي جيد، حتى مع تَقدُّمِهم إلى المستوى الأكاديمي الثاني أو الثالث، ناهيك عن وجود أمُّية في استخدام تطبيقات الحاسوب". 

مع ذلك ترى الأستاذة هاجر أن ذلك أمرٌ مُبرر "بالنظر إلى واقع التعليم المدرسي -الحكومي خاصة- لا يحتاج الأمر كثيرَ جهد لاستبانة ملامح الضعف الكبير، الذي لا يواكب الواقع المعلوماتي المتسارع، حيث لا توجد معامل للحاسوب في أكثر من 90% من المدارس الحكومية، خصوصًا في الأرياف التي تشكل 75% من جغرافيا البلاد، لذا أرى من الضروري عمل مثل هذه البرامج التأهيلية والترويج لها، لحل جزء من الإشكال، طالما بقي الواقع التعليمي هشًّا وسائبًا"، حد قولها. 


•••
أحمد عوضه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English