من هنا بدأ الخلل

الحاجة إلى تجاوز وعي الكراهية أولًا
د. عبدالله عوبل
May 20, 2023

من هنا بدأ الخلل

الحاجة إلى تجاوز وعي الكراهية أولًا
د. عبدالله عوبل
May 20, 2023

في الذكرى الـ(٣٣) لوحدة ٢٢ مايو، 1990م، اليمنية المجيدة، لا بُدّ من التأكيد على أنّ الوحدة اليمنية كانت حدثًا عظيمًا، وتاريخيًّا في حياة شعبنا اليمني. وهي ثمرة نضال الحركة الوطنية اليمنية منذ أربعينيات القرن العشرين، وفي الجنوب كانت الوحدة اليمنية منذ الميثاق الوطني في ١٩٦٣، مرورًا ببرنامج التنظيم السياسي الجبهة القومية، والحزب الاشتراكي اليمني، كانت هدفًا رئيسيًّا ومطلبًا نضاليًّا كبيرًا، وشاهد العالم كله الفرحة الغامرة للشعب اليمني يوم ٢٢ مايو ١٩٩٠، وهو يحتفل بتحقيق أهم منجزاته في نهاية القرن العشرين. 

كانت المرحلة الانتقالية هي المرحلة الذهبية في عمر الوحدة، وكانت الانتخابات النيابية الأولى في أبريل ١٩٩٣م، هي الانتخابات الوحيدة الأكثر شفافية ونزاهة في تاريخ الانتخابات اليمنية. 

 لكن هذه الوحدة لم تكن لترضي طموحات القوى التقليدية وقوى النفوذ والسلطة، إذ كان دستور دولة الوحدة يحفل بالكثير من الحقوق للمواطنين، وكان دستورًا يؤسس لدولة ديمقراطية حقيقية. الأمر الذي أفزع قوى النفوذ "الدولة العميقة"، من تعاظم دور الدستور والقانون والقضاء، على حساب العرف، ودور القبيلة في السياسة والسلطة. لذلك، بعد حرب ٩٤ مباشرة، تم شطب أكثر من ٨٠ مادة، كلها تتعلق بحقوق المواطن، بينما تم إعطاء الرئيس صلاحيات مطلقة. كما أنّ تطبيق الدستور يعني رفع يد المتنفذين عن المال العام وممتلكات الدولة، بالإضافة إلى ما كان يبطنه كثيرون من قوى النفوذ في الاستيلاء على القطاع العام لدولة الجنوب والأراضي التي كانت ملكية الدولة. 

بداية الانحراف عن خط الوحدة

في العام ١٩٩٢، بدأت الاغتيالات السياسية، وكان ذلك إرهابًا بالمعنى الحرفيّ للكلمة؛ ففي ١٠ سبتمبر، تم استهداف الأديب والكاتب اليمني عمر الجاوي، حيث أُصيب، وقُتل المهندس حسن علي الحريبي، رئيس منظمة حزب التجمع الوحدوي اليمني في أمانة العاصمة صنعاء. ثم توالت سلسلة الاغتيالات لأعضاء وكوادر الحزب الاشتراكي اليمني الشريك في تحقيق الوحدة اليمنية، ليتطوّر الأمر إلى صراع انفجرت على إثره حرب ١٩٩٤م الظالمة، التي أقصت الشريك؛ قيادة الحزب الاشتراكي وكوادرها وأعضاءه، وأخرجتهم خارج اليمن. 

واضح أنّ تحقيق الوحدة اليمنية من قبل الحزبين الحاكمين في الشمال والجنوب برئاسة علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني، لم تحظَ بالترتيبات والدراسة اللازمة، ولم تتم مناقشة أوضاع كلّ شطر على حِدة؛ مشكلاته، أفضلياته، والأهم هو العمل على معالجة القضايا والمظالم في الشطرين، وتحقيق وحدة المجتمع وتفاعله ومشاركته في التنمية والتطوير. 

إنّ وجود مظالم اجتماعية وسياسية في كل شطر، لم يدعم تجذّر فكرة الوحدة وأهمية تجميع رأس المال البشري، وتوحيد قوى المجتمع وطبقاته وفئاته الاجتماعية حول مشروع الوحدة. 

لقد اشترط -أو هكذا قيل- الإخوان في قيادة الحزب الاشتراكي يوم الوحدة أن يخرج القادة الجنوبيون الذين لجؤوا إلى صنعاء عام ١٩٨٦م، أن يخرجوا منها لكي يدخلوها.

وكان ذلك من أولى مشكلات الوحدة؛ لذلك فإنّ معالجة نتائج الأحداث السابقة والانقلابات شمالًا وجنوبًا، كشرط لدخول الوحدة بمواطنية موحدة، كان يجب أن يتم قبل إعلان الوحدة؛ حتى لا تبرز تلك المشكلات مجدّدًا كعائق أمام استمرار الوحدة. 

ما هي أبرز الأسباب لتعثّر مشروع الوحدة؟

١- عدم وجود مشروع تنموي، يقوم على استراتيجيات طويلة ومتوسطة وقريبة الأمد. يتمخض عن ذلك إنشاء نظم مجتمعية. 

مثل النظام التربوي؛ أيّ تعليم نريد، أي مواطن نريد. ثم تحديد سياسة اقتصادية واضحة المعالم، استراتيجيات بناء المشاريع التنموية، إلى أيّ القطاعات توجّه الاستثمارات. لم يكن لدى القيادات مشروعٌ تنمويٌّ لتنمية البلاد وإخراجها من حالة الفقر والتخلف. 

تحوّلت الوحدة إلى أطماع لدى جزء من القيادة، للاستيلاء على القطاع العام الحكومي، حيث تحقّقت الوحدة في ظلّ انهيار النظام الاشتراكي والترويج لاقتصاد السوق. فكان لا بدّ من الاستيلاء على مؤسسات هذا القطاع وخصخصته بطرق غير مشروعة.

كان هناك دستور دولة الوحدة. وقد تم الاستفتاء عليه، وكانت فيه كثير من حقوق المواطنة. هذا الدستور هو منظومة قيمية لبناء النظام المؤسسي للدولة. لكن المشروع التنموي هو فلسفة وسياسات واستراتيجيات لم تتوفر لدولة الوحدة. 

٢- القيادات الشَّطْرية دخلت الوحدة بمصالح ونوايا متعارضة، ولم يكن هناك مشروعٌ حضاريّ تنموي يجمعهم، بل كل تفكيرهم كان مركزًا على تقاسم السلطة.

وقد اختُزِلت الدولة في مشروع التقاسم، وكأنّه هو الوحدة. وكأن لم تكن الوحدة سوى إدارة التقاسم. بموجب بعض الإشارات التي يعرفها الناس جميعًا، فإنّ الوحدة قد تحوّلت إلى أطماع لدى جزء من القيادة. أطماع في الاستيلاء على القطاع العام الحكومي، حيث تحقّقت الوحدة في ظلّ انهيار النظام الاشتراكي والترويج لاقتصاد السوق. فكان لا بدّ من الاستيلاء على مؤسسات هذا القطاع وخصخصته بطرق غير مشروعة.

كما قاد ذلك إلى الاستيلاء على أراضي الدولة. وهنا تم تسريح عمال القطاع العام، وتعثر رواتبهم، وتسريح عمال القطاع التعاوني الزراعي والسمكي، والاستيلاء على أراضي التعاونيات. 

 ٣- تسريح الجيش الجنوبي معظمه بطريقة ممنهجة. ربما تلبيةً لرغبات دول إقليمية لم ترغب في جيش بعقيدة قتالية مختلفة. وكان أن أول من قاد الاحتجاجات في عدن هم المتقاعدون العسكريون، الذين شعروا بالظلم وتم تسريحهم قسرًا. 

٤- التعيينات في المناصب الهامّة في محافظات الجنوب، كانت لكوادر من الشمال أقل خبرة إدارية من زملائهم الجنوبيون الذين حوّلوهم إلى حزب "خليك بالبيت". 

٥- تم الاستيلاء على المباني الحكومية والمؤمّمة، وتوزيعها على المقربين من دائرة الرئيس صالح وبعض المشايخ. 

٦- عندما بدأ نائب الرئيس علي سالم البيض يحتجّ ويرفض سلوك الفيد والغنيمة الذي اتبعه صالح، تم تجاوزه، ولم ينتبه إلى ملاحظاته، كأنما أراد صالح وزمرته أن يستفزوا البِيض وزمرته لإخراجهم من السلطة نهائيًّا، وهو ما تحقّق في حرب ١٩٩٤ الظالمة التي شُنّت على محافظات الجنوب، وأصبحت لاحقًا سببًا في رفض الوحدة والمطالبة بالانفصال. 

٧- ابتداءً من العام اللاحق للحرب، بدأت الاحتجاجات الشعبية. وكان يمكن معالجة المشكلات التي سبّبتها سياسات صالح المنافية لروح الوحدة والمواطنة اليمنية الواحدة، لكن صالح كان فخورًا بالنصر في ١٩٩٤م، وزاده غرورًا أنّه لم يعد له من معارضين داخل الوطن.

لكن هذا الغرور والاستهانة بمطالب الناس أدّى إلى اتساع الاحتجاجات وتطور شعاراتها من مطالب حقوقية إلى مطالب سياسية ثم إلى المطالبة بالانفصال. وقد اتسع الخرق على الراقع، ولم يعُد صالح قادرًا على السيطرة على الحراك الجنوبي، وهنا دخلت الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية على خط المواجهة مع النظام واعترفت بوجود مظالم جنوبية سببها سياسات صالح وحلفاؤه، وتلك السياسات تتطلب إعادة النظر في النظام الإداري للدولة.

فالدولة المركزية لم تعد مرغوبة، وهي السبب في هذه المظالم. وإنّ القضية الجنوبية قد أرشدتنا إلى حل الدولة الاتحادية لتجنّب الصراعات ودورات العنف حول توزيع السلطة والثروة. 

من الواضح أنّ حرب ٢٠١٥، وهي الحرب الثانية التي شنّها الحوثيّون وتحالف صالح، على الجنوب، قد وسعت من الشروخ المجتمعية، وزادت من سخط الجنوبيين من الوحدة. وطبعًا، ليست الوحدة هي السبب في هذه الحروب والمظالم، ولكن النظام السياسي والقوى المتنفذة هي التي عبثت بمشروع الوحدة، وهي التي مارست سياسة الغنيمة مع الجنوب، فأصبح الجنوبيّون يتعصبون للانفصال نتيجة التعبئة الخطأ التي تحولت إلى عبء على الحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي، حيث صار كلُّ من يتحدث عن حل الدولة الاتحادية خائنًا للقضية الجنوبية. وطبعًا، السياسيّون يعلمون أنّ حل اليمن الاتحادي هو حل مجرب في القضاء على التوترات والصراعات الاجتماعية حول السلطة والثروة، لكن سبق السيف العذل، وأصبح الانفصال يعقّد كل الحلول، ويجعلها مستحيلة أحيانًا. 

اليومَ نحن بحاجة إلى مناقشة هادئة، لننظر في أفضليات الفيدرالية وسلبياتها، وأفضليات الانفصال -إن كانت هناك أفضليات، وهي مستحيلة- وسلبيات الانفصال. لكن نحن بحاجة أولًا إلى أن نلغي وعي الكراهية لكل ما هو شمالي، والكراهية من أيّ طرف، لا علاقة لها بالوحدة أو الانفصال؛ إنّها (الكراهية) الطرق الأسهل للمجازر والقتال وممارسة كل الانتهاكات بسبب هذا التحريض، الذي لا معنى له سوى تأجيج الفتنة. 

أمّا الوحدة والانفصال فيمكن مناقشتهما بهدوء بعيدًا عن التعصّب والتشنّج. نحن في حزب التجمع الوحدوي اليمني، قررت الهيئة العليا للحزب في أبريل ٢٠١٣، فيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي. وكذلك قرّر الحزب الاشتراكي اليمني. وقبلنا جميعًا، في نوفمبر ٢٠١١، قرّر مؤتمر القاهرة مشروع الإقليمين. 

لا بدّ من وقف الحرب، والدخول في حوار عميق بين الأطراف اليمنية. فلا أحد سوى اليمنيين أنفسهم من سيقرّر مصير بلدهم، وإعادة بناء الدولة الاتحادية الديمقراطية الضامنة للمواطنة وحقوق الإنسان.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English