النوبات القلبية خطر يقصف أعمار فئة الشباب

آلام خفية وتكاليف أكبر من قدرتهم على زيارة الطبيب
وفاء سليم
November 30, 2021

النوبات القلبية خطر يقصف أعمار فئة الشباب

آلام خفية وتكاليف أكبر من قدرتهم على زيارة الطبيب
وفاء سليم
November 30, 2021

لا تزال الحياة في اليمن مختنقة بالصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية المتتالية، وتزايد انتشار الأمراض والأوبئة منذ بداية الحرب التي أثقلت كاهل اليمنيين وفاقمت انتكاساتهم الصحية، خاصة بعد تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) مطلع العام 2020. وسط هذا الوضع الموبوء بالجائحة، صار مرضى القلب يواجهون مخاطر مضاعفة تهدد حياتهم.

وعلى الرغم من تعدد أمراض القلب، إلا أن النوبات القلبية والسكتات الدماغية تشكل الخطورة الأكبر على هذه الفئة من المرضى الذين قد لا يعرف كثيرون منهم بمرضهم. إذ تؤدي هذه النوبات إلى الوفاة المفاجئة في دقائق معدودة، وهي تنجم عن انسداد يمنع تدفق الدم إلى القلب أو الدماغ أو بسبب تراكم رواسب دهنية في الجدار الداخلي للأوعية التي تغذي القلب. وتعتبر أمراض القلب السببَ الأول لعجز ووفاة الإنسان حول العالم، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وكشفت من خلاله أن هناك تسعة ملايين حالة وفاة بسبب أمراض القلب لعام 2019 .

تمثل أمراض القلب 31% من مجموع الوفيات في العالم، وتتصدر القائمة الدولُ النامية التي تكثر فيها النزاعات والفقر وتدهور الخدمات الصحية، فيما تراجعت النسبة في بعض الدول الأوروبية إلى 15%، وذلك بسبب تحسين الوضع الصحي ومتابعة المرضى ورعايتهم أولًا بأول. وتقول منظمة الصحة العالمية إنها تسعى لتنفيذ آلية عالمية لتحقيق هدفها في خفض عدد الوفيات إلى 25% مع بداية العام 2025.

مواجع لا تنتهي

أجبرت الحرب عيسى محمد (34 سنة)، على النزوح من مديرية عبس في محافظة حجة- شمال غرب صنعاء، قبل سبع سنوات. وهو يقضي يومه في شوارع العاصمة صنعاء المزدحمة مع طفليه لبيع المناديل الورقية لسائقي السيارات والمارّة، من أجل إعالة أسرته. 

يعاني عيسى من ضعف في عضلة القلب "Cardiomy Opathy"، وهو مرض يصيب عضلة القلب حيث تصبح أكثر قسوة أو أضخم وأكثر سمكًا، فتضعف وتقل قدرتها على ضخ الدم والحفاظ على انتظام النبض. وعلى الرغم من ظهور أعراض المرض عليه، إلا أنه لم يعلم بذلك سوى بعد أن أغمي عليه بينما كان ينقل الماء إلى منزله من الحي المجاور على كتفيه. حينها امتنع عيسى عن العمل، ولجأ لبيع المناديل بعد أن كان يملك عربة حلوى يتجول بها في الأحياء القريبة من منزله؛ لأنه لم يعد قادرًا على تحمل جهد دفع العربة والتنقل بين الأحياء.

يقول الدكتور عبدالله محمد (اسم مستعار)، أخصائي أمراض القلب والباطنية، إن ضعف عضلات القلب تؤثر على الصمامات، وأن الخطر يكمن في هذه الحالة، باحتمال أن يصاب المريض بذبحات صدرية أو جلطات في القلب ناجمة عن خلل في تدفق الدم، ولذلك ينصح مرضى القلب بضرورة إجراء الفحص الدوري.

ويضيف في حديثه لـ"خيوط": "أتحدث عن أي مرض بشكل عام، وليس فقط عن أمراض القلب؛ علينا أن نهتم بصحتنا ونتابع صحة أجسامنا دائمًا؛ لكي نتعرف على الأعراض مبكرًا، ولا نعيش في حالة من الوهم والتي تعرضنا للاكتئاب أو الوسواس القهري".

وهناك أعراض شائعة لمرض القلب، ومنها ضيق في التنفس مع بذل أقل مجهود مصاحب لذلك، ألم في منتصف الصدر وفوق البطن، تورم في الرجلين وقد يصل التورم أحيانًا إلى الساقين ومنطقة البطن، سرعة ضربات القلب، وفقدان الوعي، واحتباس السوائل في الجسم .

ويتم الاشتباه في كثير من الحالات التي يخطئ الأطباء في تشخيصها، خاصة في المراكز الطبية في بعض المحافظات، والتي يتجه إليها الناس لإجراء الفحوصات وتوفير عناء السفر إلى صنعاء وتكاليفه، وأيضًا صعوبة التنقل في ظل الانفلات الأمني في غالبية المحافظات اليمنية.

علي البورعي كان أحد ضحايا التشخيص الخاطئ الذي على إثره فقد حياته؛ فبعد ثلاثة أعوام من تناوله لأدوية مرض القولون العصبي واضطرابات الجهاز الهضمي، سقط مغمى عليه، وتم نقله إلى العاصمة صنعاء، فرفضت المستشفيات الخاصة استقباله. وعندها توجهت به عائلته إلى مركز القلب بمستشفى الثورة، لكنه ظل في الطوارئ حتى فارق الحياة، ولم تعرف عائلته أنه كان مصابًا بقصور في الشريان التاجي إلا من التقرير الطبي لسبب الوفاة .

مركز القلب بهيئة مستشفى الثورة العام، المركز الحكومي الوحيد المتخصص بأمراض القلب في اليمن، ويعمل فيه أكثر من 100 كادر من أطباء وممرضين وفنيين، ويحتوي المركز على ما يقارب 80 سريرًا، منها 30 للعناية المركزة.

عجز المرضى

"تمنيت أن تُقبض روحي وأنا داخل غرفة العمليات لأني عانيت كثيرًا في العناية المركزة". هكذا قالت أم البراء لـ"خيوط"، واصفة إنهاكها النفسي والبدني جراء تجهيزها لإجراء عملية جراحية ثلاث مرات، ثم تأجيل إجرائها. وتضيف: "لم أكن أعرف أسباب تأجيل العملية، لكن أعرف أنها عملية صعبة، وأن الطبيب المشرف على حالتي كان منشغلًا بعمليات أخرى".

وفي تفاصيل حالتها الصحية، تقول أم البراء (37 سنة)، إن الطبيب شخصها بـ"توسع في الصمام التاجي"، لذا قرر تغيير الصمام الطبيعي بصمام ميكانيكي صناعي، وتلك كانت بالنسبة لها بداية لحياة مليئة بالمخاوف من المجهول. 

في السياق ذاته، يقول الدكتور نبيل سالم (اسم مستعار) أخصائي أمراض القلب والقسطرة القلبية، في حديثه لـ"خيوط"، إن عمليات القلب المفتوح لم تعد تشكل خطرًا كبيرًا، لكن يجب على المريض الذي تُجرى له متابعة طبيبه المشرف على حالته باستمرار. ويضيف: "الصمامات الميكانيكية الاصطناعية لا تشكل خطرًا على المدى القريب، وتتميز بقدرتها على البقاء فترة أطول من غيرها من الصمامات؛ لذا نستخدمها للمرضى صغار السن".

وفق الدكتور نبيل، "قد تشكل الصمامات الميكانيكية خطرًا إذا استمرت لفترة طويلة، خاصة عند المريضات اللاتي ما زلن في سن الإنجاب، ولتفادي الجلطات الدموية، نستخدم ما يلزم من الأدوية المضادة لتخثر الدم مدى الحياة".

وبحسب أم البراء، تسبب تكاليف عمليات القلب المفتوح الباهظة قلقًا للمريض، فيؤثر القلق على نفسيته ويساهم في تراجع صحته. تقول: "شعرت بالعجز أمام أهلي الذين تعبوا في جمع المال لإنقاذي من الموت، فقد باعت أمي ما تملكه من ذهب، واستدان زوجي ليكمل تكاليف العملية، وقدم والدي كل ما يملك ليوفر لي الأدوية".

مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أقام مركز القلب بهيئة مستشفى الثورة العام في صنعاء العاصمة، مؤتمره السنوي، والمؤتمر العلمي الثالث للتصوير التشخيصي للقلب. وفي المؤتمر تحدث وزير الصحة في حكومة صنعاء طه المتوكل، عن حاجة 10 آلاف مريض بالقلب للعلاج في الخارج؛ منهم ثلاثة آلاف طفل بسبب تشوهات خلقية، فيما لم يتم ذكر إحصائيات عن عدد المرضى الذين يتلقون العلاج في مركز القلب الوحيد في اليمن.

في انتظار المعجزة

يجلس العشرات من مرضى القلب داخل طوارئ مستشفى الثورة العام بصنعاء، في انتظار معجزة تمنحهم تذكرة للحياة مجددًا، بينما يتخبط مرافقوهم، جيئة وذهابًا، في طلب السماح بإدخالهم إلى مركز القلب. 

زينب ناصر (50 سنة)، تقول لـ"خيوط"، إن ابنها أسعفها إلى مستشفى خاص على إثر شعورها بضيق في التنفس، لكن المستشفى أحالها إلى مركز القلب بمستشفى الثورة. وهناك انتظرت في الطوارئ لمدة خمس ساعات، قالت إنها كادت أن تموت، ليس من مرضها، بل بسبب ما رأته من حالات في طوارئ المستشفى الحكومي.

أصيبت زينب بانسداد في الشرايين، وفي الليلة التي نُقلت فيها إلى مستشفى الثورة كانت حالتها إسعافية، ومع ذلك تقول إنه لم يُسمح بإدخالها إلى مركز القلب بحجة امتلاء الأسِرّة في العناية المركزة، لكن بعد أن تدخل أن أحد أقربائها الذي يعمل في أحد أقسام المستشفى، تم السماح لها بالدخول.

ويعد مركز القلب بهيئة مستشفى الثورة العام، المركز الحكومي الوحيد المتخصص بأمراض القلب في اليمن، ويعمل فيه أكثر من 100 كادر من أطباء وممرضين وفنيين، ويحتوي المركز على ما يقارب 80 سريرًا، منها 30 للعناية المركزة.

أبرز أسباب الموت المفاجئ المتزايد مؤخرًا يرتبط بالتغاضي عن تشوهات وعيوب القلب غير المكتشفة، والإهمال وعدم متابعة المرضى للطبيب، خاصة ممن تعرضوا لمشاكل في القلب أو خضعوا لعمليات قسطرة.

خضعت زينب ناصر لعملية قسطرة للقلب بعد أيام من مكوثها في غرفة العناية المركزة، وقرر الأطباء أنها تحتاج لثلاث دعامات للقلب يبلغ تكلفة الدعامة الواحدة 1200$، ما يقارب 720 ألف ريال يمني وبإجمالي يتجاوز مليوني ريال، طلب من عائلتها توفيره.

 إلى جانب زينب في الغرفة، ترقد أم أحمد (55 سنة)، التي قالت لـ"خيوط" إن الأطباء أخبروها بعد أن خضعت لعملية قسطرة تشخيصية، بأنها تحتاج إلى عملية قلب مفتوح، وصمام صناعي يتوجب على عائلتها شراؤه. وتضيف: "يقول ابني إن الصمام سيكلفنا مليوني ريال"، لذلك باعت قطعة أرض كانت ورثتها بعد زوجها. 

 بحسب أحد الأطباء في المركز -طلب عدم ذكر اسمه- فإلى ما قبل الحرب، كان مركز القلب يوفر دعامات القلب والصمامات للمرضى مجانًا، إذ لا فائدة من إجراء عملية القسطرة التشخيصية إذا لم يتم تزويد مريض القلب بما يحتاجه منها، وليس جميع المرضى قادرين على شرائها.

 أم أحمد إحدى هؤلاء المرضى، فماذا كانت لتفعل لو لم يكن لديها قطعة الأرض لتبيعها وتشتري الصمامات! وإلى جانبها الحجّة عَذْبَة، هي الأخرى تعاني من انسداد في الشرايين أدى إلى احتشاء في عضلة القلب، ما سبب لها ألمًا شديدًا في صدرها لدرجة التقيؤ، وصعوبة في التنفس. وبالرغم من نجاح العملية التي أجريت لها في إحدى المستشفيات الخاصة، والتي كلفت عائلتها ما يقارب 3000$، إلا أنها ما زالت تعاني من الأسعار الباهظة لأدوية القلب، خاصة أدوية التجلط .

 وبرغم تبني منظمات عالمية عبر شركات يمنية لصرف أدوية مرضى القلب مجانًا، إلا أن مريم (وهو اسم مستعار بناء على طلبها) شكت من "سوء التعامل" مع المرضى من قِبل العاملين في هذه الشركات. تقول لـ"خيوط"، إنها ظلت "فترة طويلة" تتابع من أجل الحصول على أدوية مجانية لوالدتها المريضة بالقلب، لكنها عندما ذهبت أول مرة لاستلامها تفاجأت ببعض أولئك الموظفين يعاملون المرضى كأنهم متسولون، حسب تعبيرها.

ويتزامن ذلك مع انعدام إمكانية توفير ما يسمى طبيًّا "رأب الوعاء"، وهي دعامة القلب والصمامات بشتى أنواعها في مركز القلب الحكومي، بينما تتوفر هذه الدعامات والصمامات في السوق المحلية، لكن بأسعار باهظة جدًّا تفوق قدرة المريض على شرائها. حيث وصل معدل الفقر بين اليمنيين، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، إلى 70% حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة. وتستمر مكابدة مرضى القلب لآلامهم حتى النفس الأخير، في ظل عجزهم عن تحمل نفقات التداوي، وفي ظل صمت مخزٍ من قِبل أطراف النزاع المسؤولة عن كل ما يحدث من خراب في البلاد. 

الموت المفاجئ

يعد تصلب شرايين القلب من الأسباب الأكثر شيوعًا في وفاة الإنسان بالسكتة القلبية، خاصة عند كبار السن، ويعود ذلك لعدة أسباب، منها الإجهاد المتواصل في العمل لأكثر من 18ساعة، حسب الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية WHO بالشراكة مع منظمة العمل الدولية.

وتفيد هذه الدراسة بأن "العمل لمدة 55 ساعة أو أكثر أسبوعيًّا، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتة بما يُقدّر بنسبة 35%، وبزيادة خطر الوفاة بسبب مرض القلب الإقفاري بنسبة 17%، مقارنةً بالعمل 35-40 ساعة أسبوعيًّا". وسعت المنظمتان من خلال هذه الدراسة للتقليص من ساعات العمل ودراسة حلول جذرية للمشكلة التي أدت إلى وفاة 19% من موظفي الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية، والذين تجاوزت ساعات عملهم 18ساعة. كما أوضحت الدراسة أن نسبة 80% من الوفيات هم من الذكور، فيما تراجعت إصابة النساء بالسكتة القلبية بنسبة لا تتجاوز 20%..

كما أن هناك أسبابًا وراثية للإصابة بالأزمات القلبية التي تفتك بالإنسان نتيجة اضطراب النظم الوراثية في نبضات القلب السريعة والمضطربة، والتي تسمى "متلازمة كيوتي" وهي منتشرة بين صغار السن الذين تقل أعمارهم عن 36 سنة.

 وفي هذا السياق ذاته، قال الدكتور عبدالله ضيف لـ"خيوط"، إن تزايد أعداد الوفيات بصورة مفاجئة خلال السنتين الأخيرتين في اليمن، يرتبط بـ"أسباب عديدة يصعب حصرها"، لكنه قال إن "التغاضي عن تشوهات القلب وعيوب القلب غير المكتشفة، والإهمال وعدم المتابعة، خاصة ممن تعرضوا لمشاكل في القلب أو خضعوا لعمليات قسطرة، أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الموت المفاجئ ."

وتزايد عدد الوفيات بالسكتة القلبية بالآونة الأخيرة في اليمن لدرجة مخيفة في فئة الشباب، حيث تلام مشاكل القلب دائمًا. ويعتبر الدكتور عبدالله أن "هذا أمر طبيعي نتيجة الأوضاع التي يعيشها الشباب اليمني، إضافة إلى الإهمال الطبي وعادات الغذاء الخاطئة". وأضاف أن غالبية الشباب الذين يتعرضون للسكتة القلبية هم ممن "يفتقرون للرعاية الصحية ويمارسون عادات سيئة، كالتدخين وتناول بعض المنشطات عند ممارسة الرياضة، كما أن البعض لا يلتزمون بالنشاط البدني المستمر ولا يعطون الجسم حقه في الراحة بسبب التفكير والقلق والضغط النفسي، وكل ذلك يعود ضرره على القلب".


•••
وفاء سليم

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English