الحلقة الثانية من مذكرات القيادي الناصري حاتم أبوحاتم

كيف تم اغتيال الرئيس الحمدي، ومن أبرز المتهمين؟
April 20, 2022

الحلقة الثانية من مذكرات القيادي الناصري حاتم أبوحاتم

كيف تم اغتيال الرئيس الحمدي، ومن أبرز المتهمين؟
April 20, 2022

في الحلقة الثانية من مذكراته الحوارية مع "خيوط"، يكشف القيادي الناصري حاتم أبوحاتم معلومات مهمة عن عملية اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وأبرز المتهمين، كما يتحدث عن حركة 13 يونيو 1974، وعهد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي وخلافاته مع المشائخ، وصراعه مع السعودية وعلاقته بالتنظيم الناصري.

حاوره/ عبدالله مصلح

نبدأ حديثنا في هذه الحلقة الثانية، عن حركة 13 يونيو 1974، ما هي الدوافع الأساسية لقيامها؟

أهم أسباب ودوافع حركة 13 يونيو، هي أن الأوضاع كانت سيئة جدًّا، فالبلاد كانت تائهة، والرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني كان عبارة عن "كوز مركوز". والقوى التقليدية من مشائخ وبعض كبار الضباط هم الذين كانوا مسيطرين على البلاد، لذلك كان الوضع سيّئًا، والاقتصاد في حالة انهيار، والجيش ممزق إلى ميليشيات تابعة لمراكز القوى التقليدية، فكان لا بد أن تقوم حركة 13 يونيو، إضافة إلى أن القاضي عبدالرحمن الإرياني لم تكن السعودية راضية عنه بسبب عدم قبوله بالحرب بين شمال اليمن وجنوبه؛ لأن السعودية كانت تعتبر جنوب اليمن دولة شيوعية ويجب محاربتها، وأيضًا الجبهة الوطنية التي كانت موالية للجنوب وانتشرت في الشمال. وهذا كان يشكّل خطرًا على النظام في صنعاء، إضافة إلى أن القوى التقدمية التي حكمت الجنوب كانت تشكل خطرًا على دول الخليج نفسها، والتي هي خاضعة للدول الرأسمالية، ولذلك كان لا بد من التغيير.

هل نفهم من كلامك أن السعودية ودول الخليج كانت تقف وراء حركة 13 يونيو؟

السعودية كانت تظن أن الرئيس الحمدي سيكون أداة طيّعة بيدها، وبأيدي المشائخ الذين أرادوا تلميع النظام بالحمدي كونه شخصية معروفة ومشهورة، وكان محبوبًا حتى لدى المشائخ بأخلاقه وبساطته، فاتفقوا على أن يكون هو رئيسًا؛ لأنه لم يملك حزبًا ولا قبيلة قوية، ولذلك ظنوا بأنهم سوف يسيطرون عليه.

كان لدى الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي شعور بالمؤامرة ضده، لكنه لم يصدق أن من ضمن المتآمرين أحمد الغشمي وعلي عبدالله صالح الذي كان يطلق عليه اسم "تيس الضباط".

لكن بعد قيام حركة 13 يونيو مباشرة، ظهرت الخلافات بين الحمدي والمشائخ، حيث اكتشف المشائخ أن إبراهيم الحمدي ليس بذلك الشخص الضعيف الذي سيسيطرون عليه، وبدأ يتحرك في أوساط القوى التقدمية، وعلى رأسها الناصريين، وكذلك تفاهم مع الجبهة الوطنية لإخماد المشاكل في البلاد، وأيضًا بدأ يتواصل مع الإخوة الجنوبيين، وعلى رأسهم الرئيس سالم ربيع علي "سالمين".

هناك من يقول إن حركة 13 يونيو قضت على أول وآخر حكم مدني في اليمن الشمالي، وأعادت الحكم للعسكر؛ ما قولك في ذلك؟

لم يكن هناك حكم مدني، فمنذ قيام الثورة ونحن في معارك ثم انقلاب على الرئيس السلال، وصعدت للسلطة القوى المشائخية والتقليدية، وتقاسموا البلاد ونهبوا العباد، ولهذا جاءت حركة 13 يونيو، لتضع حدًّا لذلك، وكانت الحركة تحمل مشروع بناء دولة مدنية بكل معانيها، وخطت خطوات متقدمة على صعيد البنية التحتية وبناء المؤسسات، وحققت الكثير من المنجزات خلال فترة قصيرة.  

من هي أبرز الشخصيات القيادية في حركة 13 يونيو؟

كان الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر هو الشخصية القوية في الحركة إلى جانب الشيخ سنان أبولحوم وغيرهما من المشائخ، وكذلك عدد من ضباط الجيش مثل حسن العمري وغيره من الضباط التي تم إقصاؤهم في أحداث 1968، وكان هناك مجلس قيادة للحركة يتكون من 11 شخصًا برئاسة إبراهيم الحمدي، وأيضًا الشيخ مجاهد أبوشوارب، وكان يقود ثلاثة ألوية يطلق عليها "ألوية المجد"، وعلي أبولحوم قائد الاحتياط، ومحمد أبولحوم قائد اللواء الثالث مدرع، وأحمد الغشمي قائد اللواء الأول مدرع، ومحمد صالح الكهالي كان قائد الأمن المركزي، وعبدالله عبدالعالم ويحيى المتوكل وكان شخصية بارزة وقوية على مستوى اليمن كلها، فهؤلاء الذين أتذكرهم من قيادة الحركة الحقيقيين.

75 شخصًا في مجلس القيادة

هل يعني هذا أنّ معظم أعضاء مجلس القيادة كانوا من الذين تصفهم بالقوى التقليدية ومشائخ قبليين، حتى إنه تم تعيين ثلاثة مشائخ من أسرة واحدة في مجلس القيادة، وهي أسرة أبو لحوم؟

 نعم، كان المشائخ أغلبية في مجلس القيادة، ووضعوا إبراهيم الحمدي رئيسًا، على أساس أنه سيكون بأيديهم. لكن إبراهيم الحمدي كان يحمل مشروعًا للتغيير نحو الأفضل، وأذكر أن إبراهيم الحمدي تحدث خلال ندوة في القوات الجوية، وقال إنهم كانوا في مجلس القيادة يجتمع 75 شخصًا، منهم سنان أبو لحوم و"خبرته" [أصحابه] والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وجليدان ومن مشائخ حاشد وغيرهم، وذات مرة تأخر الشيخ سنان أبو لحوم عن الاجتماع ووصل وقد بدؤوا الاجتماع، فعاتبهم وقال: "الله المستعان، كيف تجتمعوا من دوننا"، وكأن الاجتماع لا يصح إلا بهم، وهذا الكلام سمعته شخصيًّا من لسان إبراهيم الحمدي نفسه، لكن هذا لم يدم طويلًا، فسرعان ما نشأ الخلاف، وتمكّن الرئيس الحمدي من تصحيح الوضع داخل مجلس القيادة وفي مؤسسة الجيش.

كيف نشأ الخلاف بين الرئيس إبراهيم الحمدي وبين المشائخ؟

في 27 أبريل عام 1975، أصدر الرئيس الحمدي قرارًا بتوحيد مؤسسة الجيش واستبدال القيادات المشيخية بقيادات عسكرية من ضباط القوات المسلحة، وبعد عملية توحيد الجيش تفاقم الخلاف بين الحمدي والمشائخ، حيث ذهب الشيخ عبدالله بن حسين إلى منطقة خمر، وذهب الشيخ سنان إلى منطقته "نهم"، والشيخ أحمد علي المطري توجه إلى بني مطر، والحباري ذهب إلى أرحب، وبدؤوا في تحريض الناس وقطع الطرقات، وكانت بدايتها قطع الطريق في حرف سفيان من قبل الشيخ عزيز.

ماذا كانت ردة فعل الرئيس الحمدي حيال هذه التقطعات؟

 الرئيس الحمدي بعث برسالة للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وخاطبه بقوله: "أنت من الثوار الذين دافعوا عن الجمهورية، فكيف ترضى بأن تتحول البلد إلى قطاع طرق". وعندما سئل الحمدي لماذا تبعث بهذه الرسالة رغم أن القوات الجوية قادرة على ضرب المتقطعين، فقال إنه لا يرغب باللجوء للقوة، وكان يفضل معالجة الأمور سلميًّا.

صحفيون مصريون زاروا اليمن، مثل: محمد عودة، ويوسف الشريف، وهما من أبرز الصحفيين والكتّاب في مصر، كانوا في اليمن يوم اغتيال الحمدي، وعملوا ندوة في نادي الضباط بصنعاء بعد أن قابلوا الرئيس إبراهيم الحمدي، وقالوا نحن وجدنا عبدالناصر حيًّا في اليمن

حتى إن الحمدي لم يطرد المشائخ من صنعاء، بل كان يقول لهم: "تعالوا إلى صنعاء ولكن بدون تجييش مواكب"؛ لأنه منع حمل السلاح في صنعاء لأول مرة منذ قيام الثورة.

متى بدأت الخلافات بين الرئيس إبراهيم الحمدي والسعودية؟

بدأت الخلافات مع السعودية في عام 1975، بعدما نشأت الخلافات مع المشائخ الذين كانوا عبارة عن أذرع وأدوات بيد السعودية، أيضًا تفاقم الخلاف أكثر مع السعودية عندما أصرت على تمرير اتفاقية الحدود ونهب جزء كبير من الأراضي اليمنية، وعندما ذهب الحمدي في زيارة إلى السعودية وسأله الملك خالد عن حدود اليمن والسعودية، فقال: "حدود اليمن الركن اليماني في مكة، وحدود السعودية الجامع الكبير في صنعاء، فنحن بلد واحد وليس بيننا حدود، ولا نحتاج للدخول في هذه المشاكل الآن حتى تبنى دولة حقيقية ويتم تشكيل مجلس نواب، وعندها يتم التفاهم حول اتفاقية الحدود".

منجزات خلال فترة قصيرة

ما أهم المنجزات التي حققتها حركة 13 يونيو والرئيس إبراهيم الحمدي خلال السنوات الثلاث التي حكم فيها؟

إبراهيم الحمدي كان يحمل مشروع بناء دولة حقيقية، وعلى رأسها توحيد القوات المسلحة، وتشييد نهضة تنموية على مستوى اليمن بأكملها من خلال هيئة التعاونيات، وتهدئة التوتر مع الشطر الجنوبي، حيث كانت الحروب قد عمت معظم المناطق الوسطى من اليمن.

كما قام الحمدي بمحاربة جشع التجار من خلال إنشاء مؤسسات حكومية مثل مؤسسة الحبوب، ومؤسسة التجارة الخارجية وغيرها، لتتولى مهام استيراد المواد وتنافس التجار بدلًا من الدخول معهم في صراع، ولذلك انخفض سعر السكر من 600 ريال إلى 150 ريالًا، وانخفض سعر القمح من 150 ريالًا إلى 42 ريالًا. وهذه أول ضربة تم توجيهها للجشعين والناهبين، وأيضًا للمشائخ الذين كانوا متواطئين مع التجار وبعضهم مشاركين لهم في التجارة، ولكن بعد قيام حركة 13 يونيو انخفضت الأسعار، وبدأ المواطن البسيط يلمس هذا التغيير الحقيقي، وليس مجرد قرارات إعلامية.

أيضًا من منجزات حركة 13 يونيو تشكيل لجان التصحيح، وكانت اللجنة الرئيسية للتصحيح برئاسة المرحوم حسين المقدمي، وتم تشكيل لجان في جميع الوزارات والمؤسسات لتصحيح الأوضاع، وكان لها دور كبير جدًّا في القضاء على الفساد، وتقديم القيادات النظيفة والكفؤة، ولأول مرة يتم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حسب الدرجات العلمية، وكذلك تم الاهتمام بالخريجين وتم تشكيل هيئة برئاسة الدكتور محمد عبدالملك المتوكل (رحمة الله عليه) لاستقبال الخريجين ودعمهم وتوزيعهم حسب تخصصاتهم.   

كذلك بعد قيام حركة 13 يونيو، حاول إبراهيم الحمدي التواصل مع الأحزاب التقدمية، ولكن الإخوة في البعث حددوا موقفهم مع القوى التقليدية، كما تواصل الحمدي مع الاتحاد الديمقراطي والجبهة الوطنية التي خففت تمردها في المناطق الوسطى، ومضى إبراهيم في تهدئة الموقف، ولكنهم لم يتجاوبوا معه في مشروعه، وكان التنظيم الناصري هو التنظيم الوحيد الذي تجاوب مع الحمدي قبل أن يلتحق بالتنظيم.

انتماء الحمدي

هل كان الرئيس إبراهيم الحمدي ينتمي للتنظيم الناصري؟

كان هناك تواصل قبل حركة 13 يونيو بين إبراهيم الحمدي وبين التنظيم الناصري الذي كان يسمى حينها "الطلائع الوحدوية اليمنية"، وذلك عن طريق المناضل عبدالله عبدالعالم الذي كان عضو مجلس القيادة، وعلي قناف زهرة وغيرهم، وأيضًا كان لهم دور في بيان القوات المسلحة قبل 13 يونيو للمطالبة بتوحيد القوات المسلحة وبالتصحيح والتركيز على بناء الدولة. 

يقول محمد سعيد ظافر في كتابه عن إبراهيم الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن، إن إبراهيم الحمدي، بدأ علاقته بالناصريين عبر رابطة الطلاب اليمنيين بالقاهرة، ثم من خلال قيادة الداخل؛ ما صحة ذلك؟ 

نعم، كان هناك تواصل بين إبراهيم الحمدي والناصريين عبر رابطة الطلاب اليمنيين في القاهرة، وعبر الطلائع الوحدوية اليمنية، ثم التحق الحمدي بالتنظيم الناصري في عام 1975، وحضر المؤتمر التنظيمي الخامس في الحُديدة، وعندما أراد أعضاء التنظيم أن يختاروه لقيادة التنظيم، رفض وقال إنه مشغول بإدارة الدولة، وأراد أن تكون علاقته بالتنظيم سرية، وهو الذي رشح عيسى محمد سيف أن يكون أمينًا عامًّا للتنظيم.

ما الذي قدّمه الناصريون للحمدي؟ وما الذي قدّمه الحمدي للناصريين؟

العلاقة بين الحمدي والناصريين، لم تكن من أجل مصالح خاصة، وإنما كانت علاقة إيجابية لصالح الوطن، وكان لهذه العلاقة دور كبير في كل مجالات التنمية والتعاونيات وبناء الدولة ومقارعة القوى التقليدية، حيث قام الناصريون، وأنا واحد منهم، بمظاهرات تأييد لإبراهيم الحمدي والمطالبة بإلغاء مجلس الشورى الذي كان يرأسه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، كما أنّ الناصريين لعبوا دورًا في بناء الدولة، سواء كوزراء أو مستشارين، حتى إن المرحوم المناضل الكبير عيسى محمد سيف كان مستشارًا في رئاسة الجمهورية وكان الجندي المجهول الذي يعمل لصالح الوطن. أيضًا الناصريون كان لهم دور في اتحاد المغتربين اليمنيين، وكان لهم دور في تحريك المغتربين في العالم، وأرسلوا أموالهم للاستثمار في اليمن.

هناك من يقول إن الرئيس إبراهيم الحمدي كان يسعى لأن يكون جمال عبدالناصر اليمن، ويملأ الفراغ الذي تركه رحيل عبدالناصر؟

أتذكر أن صحفيين مصريين زاروا اليمن، مثل محمد عودة ويوسف الشريف، وهما من أبرز الصحفيين والكتّاب في مصر، كانوا في اليمن يوم اغتيال الحمدي، وعملوا ندوة في نادي الضباط بصنعاء بعد أن قابلوا الرئيس إبراهيم الحمدي، وقالوا: نحن وجدنا عبدالناصر حيًّا في اليمن، يقصدون بذلك الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي أعاد لهم الأمل باستمرار الدور القومي والعمل على تحقيق الوحدة العربية.

كيف تكون وحدة عربية، واليمن وقتها كان منقسمًا إلى شطرين؟

الرئيس الحمدي كان قد بدأ التواصل مع الإخوة في الشطر الجنوبي، ونجح في إنشاء علاقات متطورة، وبالذات بين الرئيسين، الحمدي وسالمين، وخطوا خطوات كثيرة في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وصدر بيان عن الجميع، وتم التوقيع على مشروع اتفاقية الوحدة في الكويت، وكانت الأمور تسير باتجاه تحقيق الوحدة، وهذا ما أزعج دول الخليج، وتحديدًا السعودية، وكذلك أزعج القوى التقليدية في صنعاء، وكانت الوحدة اليمنية إحدى الأسباب الرئيسية للتآمر عليه وقتله بتلك الصورة البشعة، أو ما يعرف بالعيب الأسود عند القبائل.

كيف تمت عملية اغتيال الرئيس الحمدي؟

تمت دعوته إلى وجبة غداء يوم 11 أكتوبر عام 1977، وتحت إصرار من أحمد الغشمي ذهب إبراهيم الحمدي بسيارة كريمته وبدون حراسة، وأول ما وصل للبيت أدخلوه بدروم استأجره الغشمي بجوار منزله ومنزل حمود المضواحي، وتم تنفيذ الجريمة البشعة بقتل إبراهيم وأخيه عبدالله الذي سبقه للمكان؛ لأنهم كانوا يخافون من أخيه عبدالله قائد العمالقة، وكان هناك خلاف بين الغشمي وعبدالله الحمدي حول صفقة روسية تشمل مدرعات فأراد عبدالله الحمدي أن يأخذها، وأراد الغشمي أخذها، وقرر الرئيس إبراهيم الحمدي أن تذهب للقيادة واللواء الأول مدرع، ثم اتصل الغشمي لعبدالله الحمدي وطلب منه الحضور لاستلام أسلحة، وفور وصوله قاموا بتصفيته، ثم قتلوا الرئيس إبراهيم الحمدي، وكان هذا قبل سفره إلى الشطر الجنوبي للمشاركة في ذكرى مناسبة ثورة 14 أكتوبر، وأيضًا البدء بالخطوات الفعلية الكبرى لتحقيق الوحدة اليمنية على أسس صحيحة، وليس على ما تم في 22 مايو 1990، حيث تم الغدر بالإخوة الجنوبيين من قبل علي عبدالله صالح وشلته والقوى التابعة له.

حقيقة، لم يشارك الشيخ عبدالله الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم في اغتيال الحمدي، وكانوا يركزون جهودهم على حشد القبائل وتحريضها ضد الرئيس الحمدي ومعارضته، لكن حادثة اغتيال الحمدي أسعدت كثيرًا عبدالله بن حسين الأحمر وسنان أبو لحوم؛ لأن الحمدي كان يعتبر خصمًا لدودًا بالنسبة لهم

المتهمون بتنفيذ الاغتيال

من هم الأشخاص الذين نفذوا عملية اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، بحسب علمك؟

هناك بعض الأسماء التي قيل إنها ضالعة في حادثة الاغتيال، مثل صالح الهديان "الملحق العسكري السعودي بصنعاء" وأحمد الغشمي "نائب القائد العام" وعلي عبدالله صالح "قائد لواء تعز"، ومحمد يحيى الآنسي "سكرتير الغشمي"، ومحمد يحيى الحاوري "سائق الغشمي"، ومحمود مانع "مرافق قائد لواء تعز"، وناجي الهردي، ويقال أيضًا محسن اليوسفي، هذه الأسماء المتداولة التي سمعنا عنها، لأننا لم نكن حاضرين وليس لدينا إثبات، ولم تتم أي محاكمة أو حتى تحقيق، لكن الشيء المؤكد يوجد في أرشيف السعودية؛ لأنهم بالتأكيد قاموا بتوثيق حادثة الاغتيال.

قبل سنوات، كشف موقع ويكليكس عن وثائق دبلوماسية للسفارة الأمريكية بصنعاء، تؤكد أن حادثة اغتيال الرئيس الحمدي تمت بأيدي ضباط مقربين منه، وذكرت بالاسم علي عبدالله صالح، بل وقالت إنه تم استخدام السلاح الأبيض "الجنبية" إلى جانب المسدس؛ ما صحة ذلك برأيك؟

طبعًا، هم استخدموا الرصاص و"الجنبية"، وكان محمد يحيى الآنسي يحاول التغطية على أصوات الرصاص بضرب صفيح "الزنك" خارج مكان الاغتيال، إضافة إلى أن علي عبدالله صالح قال للكاتب الفلسطيني المعروف عبدالباري عطوان، بأنه وصل للسلطة وأخذ الحكم بـ"الجنبية" في إشارة إلى قتله للحمدي، وهذا ما قاله عطوان نقلًا عن صالح.  

بالنسبة للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم؛ هل شاركوا في اغتيال الحمدي؟

حقيقة، لم يشارك الشيخ عبدالله الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم في اغتيال الحمدي، وكانوا يركزون جهودهم على حشد القبائل وتحريضها ضد الرئيس الحمدي ومعارضته، لكن حادثة اغتيال الحمدي أسعدت كثيرًا عبدالله بن حسين الأحمر وسنان أبو لحوم؛ لأن الحمدي كان يعتبر خصمًا لدودًا بالنسبة لهم.

كيف تفسر استمرار حزن الشعب اليمني على الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، منذ يوم اغتياله وحتى اليوم، وربما يستمر مستقبلًا، رغم أن معظم رؤساء اليمن تعرضوا إما للاغتيال أو القتل أو الإعدام، ولم يحزن اليمنيون على رئيس مثل حزنهم على الحمدي؛ فما هو السرّ وراء ديمومة هذا الحزن الشعبي، برأيك؟

لأن الحمدي هو الشخص الوحيد في تاريخ الثورة الذي حقق إنجازات كبيرة جدًّا للشعب اليمني، حيث بنى مؤسسات ووزارات، وشق الطرقات في كثير من مناطق اليمن، إضافة إلى نشر التعليم في عموم البلاد، وعمل على تحسين الوضع المعيشي للناس، واهتم بالمواطن اليمني، سواء في الداخل أو في دول الاغتراب، وغيرها من المنجزات التي تم تحقيقها في فترة زمنية قصيرة جدًّا، وهذا كله جعل الشعب اليمني يحزن عليه حتى يومنا هذا.

الحمدي ضحية ثقته بالغشمي وصالح

برأيك، ما سبب تمسك إبراهيم الحمدي بالغشمي وثقته العمياء به؟

أولًا، كان الحمدي يقول بأنه قد رفع الغشمي إلى مرتبة أكبر من مستواه، "أيش عاد يشتي" يعني لم يكن يصدق بأن الغشمي يفكر في رئاسة البلاد.

وأتذكر إحدى المرات، كنا في مقيل مع الرئيس إبراهيم الحمدي وكلمناه عن أحمد الغشمي وأنه "ما ينفعش"، فقال ما يهوّب على الشيخ عبدالله والشيخ سنان إلا هو "يقصد الغشمي أنه كان مصدر تخويف للشيخين".

أيضًا، كان هناك لعبة سعودية ضد الحمدي، فعندما حدث انقسام بين مجلس القيادة اختار البعض البقاء إلى جانب إبراهيم الحمدي، فيما اختار البعض الآخر الالتحاق بالمشائخ، وكانت اللعبة السعودية تقتضي أن ينضم أحمد الغشمي وقواته ورجالاته، ومنهم علي عبدالله صالح. انضموا إلى جانب الحمدي، ليوهموه بأنهم معه رغم أنهم في الحقيقة ضده، وكانت هذه لعبة سعودية انطلت على الرئيس إبراهيم الحمدي.

وذات مرة سافر الحمدي إلى فرنسا لإبرام صفقة المواصلات، وفي الوقت نفسه اندلعت معركة في منطقة أرحب بيت العذري، وأظهر الغشمي بأنه من تصدى لهم ومنعهم من دخول صنعاء، فتجمّل إبراهيم الحمدي من الغشمي، وكان الحمدي لا يسمع أي نصيحة ضد الغشمي.

ورغم ذلك، كان الحمدي يشعر بوجود مؤامرة ضده؛ لأنه قبل اغتياله بأسبوع ألقى الحمدي خطابًا في الحديدة، وألمح فيه إلى وجود مؤامرة ضده، وردد قول الشاعر: 

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا *** على أي جنب كان في الله مصرعي

فكان لديه شعور بالمؤامرة ضده، لكنه لم يصدق أنّ من ضمن المتآمرين أحمد الغشمي، وعلي عبدالله صالح الذي كان يطلق عليه اسم "تيس الضباط".

هل التقيت بالغشمي بعد اغتيال الرئيس الحمدي؟

نعم، في اليوم الثالث بعد اغتيال الشهيد الحمدي قام الغشمي بزيارة إلى القوات الجوية ولم يكن قائد القوات الجوية موجودًا، فاستقبلته أنا وجمعنا الضباط ليتعرفوا عليه وألقى كلمة بأسلوب ركيك ولغة ضعيفة جدًّا، وعندما انتهى سأله أحد الضباط، وقال له: "يا فندم، أنتم أمرتم بعدم استخدام سيارات القوات المسلحة في الأغراض المدنية والشخصية، فلو أمكن تعمل لنا مذكرة لأي معرض للسيارات بمنحنا سيارات بالتقسيط من مرتباتنا"، فأجاب عليه الغشمي بقوله: "ما فيش داعي تشتروا سيارات من المعارض، أنا معي سيارة مهربة وأنا رئيس جمهورية والقائد العام للقوات المسلحة"، فضجت القاعة بالضحك والسخرية من أن الرئيس يحث الضباط على التهريب، وعندما خرج من القاعة خرجت معه وقلت له: "يا فندم، الناس بيقولوا إنك قتلت الرئيس إبراهيم الحمدي"، فقال: "لا تصدقش، إدّي ورقة"، ولم أجد ورقة، وعندما وصل إلى سيارته طلب من سائقه محمد يحيى الحاوري أن يعطيه ورقة فلم يجد، ثم طلب علبة السيجارة وأخرج من داخلها الورقة، وكتب خلفها: "الوالد علي هادي، سلموا للرائد حاتم أبوحاتم سبعين ألف ريال"، وكان هذا مبلغًا كبيرًا في وقتها، وهذه إحدى المواقف مع الغشمي الذي كان يلتقي المثقفين، ويقول لهم: "ما فيش عندي سجون، عندي فقط المقبرة" بأسلوب تهكمي ومستفز.

قلت بأن الحمدي أطلق اسم "تيس الضباط" على علي عبدالله صالح؛ فما المناسبة في ذلك؟

عندما أصدر الحمدي قرارًا بتغيير درهم أبولحوم، "وكان الآمر والناهي في تعز"، وكان لديه ثلاثة ألوية تابعة للاحتياط، وتم تعيين علي عبدالله صالح بدلًا عنه، وكان وقتها قائد كتيبة مدرعات في اللواء الأول بتعز، فتحرك علي عبدالله صالح لتنفيذ القرار وأوقفهم وأدخلهم السجن، وكان من ضمنهم اثنان من أقربائي، وهما "الرائد محمد منصور أبوحاتم ويحيى معصار"، فذهبت إلى زيارتهم في سجن الشرطة العسكرية وكانت زيارتهم ممنوعة، لولا أن علي قناف زهرة كان زميلي وهو من سمح لي بزيارتهم، وكانوا خائفين، وعندما سألت علي قناف زهرة عن مصيرهم، قال لي: "لا تخَف هو فقط مجرد سجن تحفظي، وسوف يتم الإفراج عنهم"، وفعلًا تم الإفراج عنهم بعد أسبوعين، لكن جردوهم من مناصبهم في الجيش.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English