أدوات ضارة تقضي على الأسماك في حضرموت

الصيد الجائر يهدد أهم مورد اقتصادي وغذائي
ناصر بامندود
January 28, 2024

أدوات ضارة تقضي على الأسماك في حضرموت

الصيد الجائر يهدد أهم مورد اقتصادي وغذائي
ناصر بامندود
January 28, 2024
الصورة لـ: حمزة مصطفى

يعاني سكان محافظة حضرموت، المطلة على سواحل البحر العربي بشريطٍ ساحلي يقدر بنحو 350 كيلو مترًا مربعًا، والغنية بالثروة السمكية- من غلاء وانعدام أنواع كثيرة من الأسماك؛ حيث أصبحت أدوات الصيد الجائر سببًا رئيسًا في هذه المشكلة، وجعلت الأسماك قابلةً لقانون العرض والطلب مع تناقص وانخفاض أعدادها واختفاء كثير منها.

كما أصبح الحديث عن خطر انخفاض الثروة السمكية فعليًّا؛ جراء الجرف والاستنزاف العشوائي لها، دون الأخذ بطرق الحفاظ عليها واستدامتها. فكيف يتم ذلك، وأين دور الجهات المختصة في الحفاظ على أحد أهم الموارد التي تعتمد عليها نسبة كبيرة من الأُسَر التي يعمل كثيرٌ من أفرادها في مهنة الاصطياد، ليس في محافظة جنوب شرقي اليمن فحسب، بل في كل مناطق البلاد الساحلية؟!

يقول خالد بو سبعة (60 عامًا)، بهذا الخصوص لـ"خيوط": "عندما امتهنت الصيد في سبعينيات القرن الماضي كانت هناك عدة أنواع متعددة من الأسماك لم تعد موجودة في سواحل المكلا الآن، مثل: الديرك، والخمحمة وهو نوعٌ من البياض، والقشريات مثل: الجحش، والهامور"، ويُرجِع سبب انقراض هذه الأنواع إلى الصيد الجائر، الذي أدى إلى انعدامها أو هجرتها.

تستعمل بعض أدوات الاصطياد بشكل عشوائي وغير قانوني وفي مواقع ومواسم غير المخصصة لها، فالسخاوي -مثلًا- أغلب الصيادين يضعونها داخل البحر، فتتسبب بكوارث كبيرة على الأسماك؛ لأنها تدخل بداخلها وتموت الواحدة تلو الأخرى، لذلك تلقب بـ(مقبرة الأسماك).

أما الصياد سعيد بو سبعة، فيتحدث من جانبه بالقول: "حينما بدأت العمل في مهنة الاصطياد مطلع الألفية الجديدة، كانت هناك أسماك، مثل: (الطمكري، والغريض، والغلوس، والصولفيز، والشروي)، الآن لم نعُد نراها في سواحل المكلا.

ويرى أن الصيد الجائر هو السبب الرئيس في اختفاء هذه الأنواع؛ لأنه يدمر بيئات التكاثر، ويقتل قطيع الأسماك كاملًا، بالإضافة إلى أنه يحدث في مواسم تكاثر الأسماك، وصيد السمك في مواسم بيضها، "تمامًا مثل قتل المرأة وهي حامل"؛ حسب تعبيره.

أدوات ضارّة بحسب اللوائح

هناك أنواع عديدة من أدوات الصيد الجائر المستخدمة في سواحل حضرموت ومختلف المناطق الساحلية اليمنية، منها ما هو ضار وغير مسموح باستعماله، مثل: "الإسرائيلي"، الذي سُميّ بهذا الاسم لأنه مبيد قاتل للأسماك.

كما يعتبر من الأدوات المحرمة والممنوعة دوليًّا، وكذلك المجرَّمة محليًّا من وزارة الثروة السمكية؛ كونه ذا فتحات صغيرة جدًّا يحتجز جميع الأسماك بمختلف أحجامها، والمسمى الحقيقي له (شبكة النايلون) وهي عبارة عن ثلاث طبقات من الشِّبَاك. 

وهناك ما يطلق عليها "السخاوي"، والمسمى الأصلي لها (الأقفاص البحرية)، وتسمى (مقبرة الأسماك)؛ نتيجة تسببها في وفاة الأسماك بكثرة إذا وقعت في هذه الأداة، فتموت الدفعات من الأسماك تباعًا بداخله. وهي مثل شباك العصافير في الشكل، ولكنها كبيرة وضخمة الحجم، والأصل في استخدامها أنها مسموحة، بحيث تستخدم في أوقاتٍ محددة وبتصميمٍ معين، وتصنع من 5 إلى 10 أمتار، أما الآن فيتم استخدامها لتصل إلى 100 متر.

في حين يطلق على "شِباك الحاوي": "المطبقة"؛ لأنها تُطبق على الأسماك، إضافة إلى أنها تتكون من عدة طبقات، وحجم الفراغات فيها بحجم العين البشرية، وهي من الأنواع المستخدمة بكثرة.

وبالرغم من كون هذا النوع من أدوات الصيد مسموح باستخدامه وفق شروط فنية محددة؛ منها ألّا يزيد طولها على 300 متر، وارتفاعها على 10 أمتار- فإنّ ما يحدث أنّ الصيادين يستخدمونها بطولٍ يصل إلى كيلومتر، وارتفاعٍ يصل إلى 50 مترًا.

وسائل تعرضت للتعديل

يعد الصيد الجائر أحد صور الاستغلال غير الرشيد للموارد البحرية، وتعد جميع معدات الصيد ذات أثر سلبي على توازن البيئة البحرية الطبيعية إذا تم استخدامها بشكل مفرط. 

أستاذ الأحياء البحرية بجامعة حضرموت، جعفر بن باعمر، يوضح لـ"خيوط"، أنّ أكثر الأدوات شيوعًا لدى الصيادين، كالأقفاص (السخاوي)، لا تعتبر ضارة في التجمعات السمكية إن تم صنعها وفقًا لِلَوائح تنظيم الصيد والحفاظ على الثروة السمكية.

إلا أنّ هذه الوسائل تعرضت للتعديل من قبل بعض الصيادين لتصبح (السخاوي المعدل)، أما الشباك النايلون (الإسرائيلي) فهي أيضًا من صور معدات الصيد المستحدثة باستخدام شِباك ذات فتحات صغيرة؛ حتى تصطاد أكبر كمية من الأسماك، بغض النظر عن أحجامها، ومن هنا -وفق باعمر- جاء الاستغلال غير الرشيد للمخزون السمكي، واستنزافها دون مراعاة ديمومة هذه الموارد للأجيال القادمة.

ويقول صبري لَجرب، مدير الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية، فرع حضرموت، في تصريح لـ"خيوط": "إنّ أدوات الصيد وسائل ضارّة بالثروة السمكية والبيئة البحرية، وبعضها وسائل صيد مسموحٌ بها، مثل: "السخاوي" و"الحاوي"، إلا أن ما يجعلها ضارة هو سوء الاستخدام".

كما تستعمل بعض أدوات الاصطياد بشكل عشوائي وغير قانوني، وفي مواقع ومواسم غير المخصص لها، فالسخاوي -مثلًا- أغلب الصيادين يضعونها داخل البحر؛ فتتسبب بكوارث كبيرة على الأسماك؛ لأنها تدخل بداخلها وتموت الواحدة تلو الأخرى، لذلك تلقب بـ(مقبرة الأسماك)؛ وفق حديث لجرب. إضافةً إلى أنها توضع على الصخور، الأمر الذي يتسبب في تكسير الشعاب المرجانية وتدميرها، مشيرًا إلى أن "أداة السخاوي" في اللوائح اليمنية يُمنع استخدامها في بيئات الشعاب المرجانية، ولكن لا يتم التقيد باللوائح.

إلى جانب هذه الوسائل، يضيف لَجرب أنّ هناك استخدامًا لمادة "البلاستيك" الذي يوضع في (الشكلة) ويتم إنزاله إلى المراعي والشعب المرجانية؛ الأمر الذي يتسبب بانقطاع الأكسجين عن الشعب المرجانية، فتتغير ألوانها الزاهية والجميلة وتصبح باهتة.

أهمية الالتزام بقواعد الصيد 

في السياق، يتحدث سالم باقديم، مدير إدارة الرقابة البحرية بالهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر العربي، لـ"خيوط"، عن الإجراءات والعقوبات المتبعة من قبل الهيئة، على الصيادين المخالفين:" ننفذ حملات لضبط الصيادين المخالفين، ونقوم بحجز الأدوات المخالِفة، ونرفعها للَّجنة التنفيذية التي تحتجز الوسائل المخالِفة مدةً؛ من أسبوع إلى أسبوعين كأقصى حد، علمًا أننا نصدر تعميمًا للجمعيات السمكية بضرورة الالتزام بالمعايير الفنية لوسائل الصيد، ومنع الاصطياد في أماكن محددة مثل المحميات الطبيعية".

يجب تطوير العمل المشترك بين هيئة المصائد وقوات خفر السواحل في المحافظة والسلطة المحلية، وأيضًا الجمعيات السمكية، بحكم قربها من الصيادين مقارنة بالجهات المعنية، إذ تقتضي الضرورة تكاتف كل الجهود للحفاظ على الثروة السمكية.

وعن إمكانية إنفاذ العقوبات حتى تكون رادعًا لكل الصيادين المخالفين، وفرض هيئة المصائد هيبتها على العابثين بالثروة السمكية، يؤكد باقديم أنّ اللوائح الداخلية لم تتناول الناحية القانونية، لذلك لا تنفذ العقوبات حسب المستوى المطلوب؛ لأنّ البرلمان اليمني (مجلس النواب) لم يركز على وسائل الاصطياد، إنما ركز على الجانب التجاري والساحلي فيما يتعلق بالثروة السمكية، فعلى سبيل المثال: النيابة لا تتعامل مع لوائح، إنما تتعامل مع تشريعاتٍ قانونية.

بالمقابل، يقول الصياد سعيد عبداللّه بو سبعة (40 عامًا)، في حديثه لـ"خيوط": "ما يمنعني من الاصطياد بوسائل الصيد الجائر، وكسب أرباحٍ مضاعفة؛ أنّ الثروة السمكية هي مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة من بعدنا، أيضًا الأسماك هي وجبة أساسية في غذاء سكان حضرموت، فماذا ستأكل الأجيال القادمة؟!".

في حين يرى أنّ الصيد بأدوات الاصطياد التقليدية، والموافِقة للمعايير، تحقّق استدامة الثروة السمكية، وتحفظ للأجيال القادمة نصيبها منها. 

يضيف قائلًا: "كم أتألم حينما أرى الصيادين المستخدمين لأدوات الاصطياد الجائر يعبثون في بحرنا دون حسيب ولا رقيب، ممّا يتسبب في انقراض بعض الأسماك وتهديد طبيعة وكمية ومواسم الأسماك في سواحلنا؛ لذا على الجهات الحكومية المختصة فرض هيبتها، واللوائح موجودة إنما تحتاج للتطبيق فقط".

الحلول

تتمثل أهم الحلول، بحسب مدير إدارة الرقابة باقديم، في عدد من الإجراءات، مثل: "تقوية الإمكانيات الرقابية لهيئة المصائد، نحو تزويدها بالقوارب البحرية ووسائل المواصلات البرية للوصول إلى الأماكن المشتبه بمخالفتها؛ فعندما تصل الإدارة الرقابية إلى مكان المخالفة قد تكون آثار الجريمة قد اختفت، وعندما نعجز عن الوصول، يقول لنا الصيادون الملتزمون: "بلّغناكم ولم تأتوا"، وكذا دعمها بالكادر الوظيفي".

ويضيف باقديم: "يجب تطوير العمل المشترك بين هيئة المصائد وقوات خفر السواحل في المحافظة والسلطة المحلية، وأيضًا الجمعيات السمكية، بحكم قربها من الصيادين مقارنة بالجهات المعنية، إذ تقتضي الضرورة تكاتف كل الجهود للحفاظ على الثروة السمكية".

في حين يقترح لجرب، مجموعةً من الحلول للحد من عشوائية استخدام هذه الأدوات، تتضمن قيام السلطة المحلية في حضرموت بدعم هيئة علوم البحار، لكي تقوم بدورها في النزولات البحثية الميدانية ورفع الدراسات والتوصيات؛ كونها الجهة العلمية البحثية الحكومية المخولة بذلك، وكذا تشديد الرقابة البحرية على الصيادين.

ويناشد الجمعيات السمكية والاتحاد التعاوني السمكي بضرورة توعية الصيادين بأضرار استخدام هذه الوسائل على الثروة السمكية ومستقبل الأجيال القادمة.

أما الدكتور باعمر، أستاذ الأحياء البحرية في جامعة حضرموت، فيرى ضرورة التقيد بلائحة تشريعات تنظيم الصيد التي حددت مواصفات معدات الصيد ومواسم فتح وغلق الاصطياد، وتنفيذ العقوبات الصارمة على المخالفين.

•••
ناصر بامندود

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English