"توليد" مكلف في المستشفيات اليمنية

نساء يخترن الولادة في المنازل
أمل جابر
December 21, 2021

"توليد" مكلف في المستشفيات اليمنية

نساء يخترن الولادة في المنازل
أمل جابر
December 21, 2021

ظلت مرام تتردد على طبيبة النساء والولادة لاستشارتها خلال بداية فترة حملها منذ الشهر الأول، وحسبما كانت تفكر به فإنها تستمر في هذه المتابعة حتى ولادة الطفل، إلا أن تكاليف العودة والاستمرار في الحصول على تطمينات من الطبيبة حول جنينها رافقه دفع مبالغ مالية لكل زيارة تقوم بها، وإجراء فحوصات وشراء فيتامينات وأدوية مساعدة بشكل مستمر، وهو ما أثقل كاهل زوجها الذي يعمل في إحدى المحال التجارية براتب محدود لا يتجاوز 120 ألف ريال يمني (200 دولار أمريكي)، في ظل الارتفاع المستمر لكل المتطلبات المعيشية، ناهيك عن الاحتياجات الطارئة مثل الأمراض والأدوية.

تحكي مرام قصتها بأسى شديد لـ"خيوط"، بالقول، إنها اتجهت بعدها إلى أحد أقسام رعاية الحوامل في إحدى الجهات الحكومية، لكن سرعان ما غيرت تفكيرها بسبب تواجد العديد من الحالات التي على مشارف الولادة في ممر المستشفى بانتظار إحدى القابلات لمساعدتهن على الولادة. في حين كان البعض منهن قد ولدن دون أي تدخل للطبيبات والقابلات، والعديد ممن يصرخن من المعاناة بسبب خشونة الردود التي يتلقينها من الممرضات والقابلات.

الولادة في البيت

تختار العديد من النساء الولادة في المنزل بدلًا من الذهاب إلى المستشفيات بسبب تكاليفها المرتفعة، في ظل تردٍّ معيشي كبير تعاني منه فئة سكانية كبيرة في اليمن نتيجة للحرب الدائرة في البلاد منذ نحو سبع سنوات، وهو ما يجبر الكثير من النساء على الاعتناء بأنفسهن خلال مرحلة الحمل ومحاولة تجنب أي مخاطر قد تتعرض لها الأم أو الجنين.

"سامية" واحدة من اللواتي اخترن الولادة التقليدية في المنزل؛ لأنها أكثر أمانًا من المستشفيات وفق اعتقادها، بسبب ما حصل لها خلال مرحلة حملها الأول، والذي قررت ولادته في أحد المستشفيات.

تؤكد سامية لـ"خيوط"، أنها تفضل الولادة في المنزل، وإن أدّى ذلك إلى وفاتها على أن تقوم بالولادة في المستشفى، حيث تألمت بشدة في ولادتها الأولى، لكنها لم تجد أي اهتمام من الممرضات لحالتها الصحية والنفسية.

يقول استشاري في الطب النفسي، إن الخوف من الولادة يرتفع عند الكثير من النساء في مرحلة الحمل الأول، خصوصًا لدى المتعلمات منهن ويصل بهن الأمر إلى الإصابة بحالة "التوكوفوبيا"، وهي شعور مَرَضي بالخوف المفرط من الولادة.

تواصل حديثها عن الإهمال الذي وجدته عندما قررت أن تضع مولودها الأول في المستشفى، بالقول، إنها عانت كثيرًا بسبب حالتها، وكلما كانت تصرخ لحظة الولادة، لم يكن يلتفت لها أيٌّ من موظفات قسم النساء والولادة.

تتابع: "توجعت كثيرًا وصرخت بصوت عالٍ أستغيث من شدة ما أمرّ به، وعندما جاءت إحدى الطبيبات وقالت إنه يجب أن يكون هناك تدخل طبي "توسعه" لمساعدتي على وضع جنيني، لم أكن في كامل وعيي حينها؛ لأنني كنت أتوجع بشدة فوافقت مباشرة، فوضعي لم يكن يسمح بالرفض، لكنني كنت أفكر كيف توسعه وهي لم تساعدني منذ وصولي إلى المستشفى واكتفت بالتفرج، لأنه لم يتم تقديم أي مساعدة لي قبل الإقدام على هذه الخطوة. 

هناك من حاول تجنب الذهاب إلى المستشفيات، كما في حالة رقية محمد، فتاة في العشرينيات من عمرها، والاستعانة بإحدى القابلات الشعبيات، بعد سماعها عن الإهمال وسوء المعاملة التي تلقاها بعض النساء في مراكز وأقسام النساء والولادة، خصوصًا في المستشفيات التابعة للدولة، إضافة إلى لجوء أغلب المستشفيات الخاصة للعمليات القيصرية لجني الأموال، والتي تفوق قدرات كثير من الأسر اليمنية.

لكن طفل رقية تعرض للعديد من الصعوبات بسبب تعسر الولادة وانقطاع الأكسجين عنه وقلة خبرة تلك القابلة، كما تعرضت الأم أيضًا لمضاعفات شديدة وآلام متعددة صاحبتها لعدة أسابيع بعد الولادة، واضطرت لوضع طفلها في الحضانة لأكثر من عشرين يومًا مع تضرر الطفل؛ إذ أصيب بتأخر في النمو.

الخوف من الولادة

يقول محمد قائد، استشاري في الطب النفسي، لـ"خيوط"، إن الخوف من الولادة يرتفع عند الكثير من النساء في مرحلة الحمل الأول، خصوصًا لدى المتعلمات منهن، ويصل بهن الأمر إلى الإصابة بحالة "التوكوفوبيا"، وهي شعور مَرَضي بالخوف المفرط من الولادة.

ويؤكد أن هذه الحالة تتسبب لهن بأضرار متعددة (لا قدَّر الله)؛ منها الإقدام على إجراء عملية قيصرية في ظل الصعوبات المادية التي تواجه العديد من الأسر، وكذلك تضرر الحالة النفسية للأم بسبب آلام المخاض التي ترافقت مع لحظة الولادة.

وتبرر الكثير من النساء ذلك بأن القصص المحكية على مواقع التواصل الاجتماعي تمثل حالة من الرعب والخوف التي تصيب الفتيات المتعلمات خصوصًا، وتبدأ هذه الحالة مع قيام الفتاة بالبحث بهدف الحصول على المعلومات واطلاعها على قصص البعض من الفتيات اللاتي واجهن صعوبة في الولادة، وقد ينتهي حمل المرأة بتدخل طبي غير مرغوب فيه، مع بعض المضاعفات نتيجة إجراء عملية ولادة قيصرية.

الخوف من الاستهداف

سمر عبدالله، طبيبة تعمل لدى إحدى المنظمات الدولية العاملة في اليمن، تتحدث عن الكثير من المشاكل التي تواجهها خلال فترة عملها، وأنها تسمع الكثير من الفتيات يتحدثن عن الخوف من الاستهداف خلال مرحلة تواجدهن في المستشفى.

تقول سمر لـ"خيوط"، إن بعض النساء يشعرن بالرعب من المخاض، وتحاول الكثير منهن البقاء على قيد الحياة، إضافة -وفق حديثها- إلى التبعات النفسية التي تصيب الكثير من النساء بسبب الحرب والصراع الحاصل في اليمن.

في أغسطس/ آب من العام 2016، تعرض أحد مستشفيات أطباء بلا حدود في محافظة حجة (شمال غربي اليمن)، لغارات جوية أسفرت عن مقتل 11 وجرح 19 آخرين على الأقل، وأكدت المنظمة أن وقت حدوث الضربة الجوية كان هناك 23 مريضًا في قسم الجراحة، و25 في قسم الأمومة، و13 حديثي الولادة، و12 في قسم الأطفال، في مستشفى عبس في حجة، وهو ما يفاقم معاناة الكثير من الأسر بسبب المخاوف التي يعيشون معها منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English