شابات يتسابقن على مجالس "القات" والشيشة

الحرب والضغوط النفسية وندرة أماكن الترفيه توسع انتشار الظاهرة
سعيدة عبد الغني
July 7, 2021

شابات يتسابقن على مجالس "القات" والشيشة

الحرب والضغوط النفسية وندرة أماكن الترفيه توسع انتشار الظاهرة
سعيدة عبد الغني
July 7, 2021

أصبحت حقيبة الشيشة وكيس أوراق نبتة "القات" في أيادي الشابات والفتيات اليافعات أكثر أهمية من حقيبة اليد، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة مجالس القات والشيشة، (وتسمى أيضًا الأرجيلة والنارجيلة)، في أوساط الشابات في تجمهرات كبيرة وإقبال واسع، في الوقت الذي تنتشر فيه العديد من التحذيرات من خطورة تعاطي نبتة "القات" وأدخنة الشيشة لأسباب صحية واجتماعية واقتصادية.

كانت عادة مضغ القات مقتصرة على الرجال غالبًا، ومرتبطة بعادات اجتماعية، غير أن هذه العادة أصبحت الآن أكثر انتشارًا في أوساط النساء اليافعات. فلا تكاد تخلو المناسبات الاجتماعية من أعواد نبتة "القات" وأدخنة "الشيشة"؛ مما زاد من تكاليف المناسبات لسعي (المضيفين) لتوفير مستلزمات الشيشة من فحم ومعسّل ومشروبات لا بد من تقديمها مع تناول القات، ومأكولات خفيفة قبله.

تعتبر أميرة محمد، في حديثها لـ"خيوط"، أن الجلسات النسائية أصبحت مكلفة جدًّا مقارنة بالجلسات الخاصة بالرجال التي يتم فيها تناول أوراق نبتة "القات"، فكل ما يحتاجه الرجل هو حزمة القات وقنينة ماء، أما جلسات النساء فتتطلب في البداية تناول بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات الساخنة، وتعاطي أصناف ذات نوعية عالية من نبتة "القات"، إضافة -بحسب أميرة- إلى تقديم المشروبات الخاصة، مثل الشعير والزنجبيل أو مشروبات غازية إضافة إلى الماء البارد.

كما أن الجزء الأهم لدى معظم النساء هو التنافس على الظهور بأجمل حلة، فيتم ارتداء أفضل الملابس وتسريح الشعر ولبس الإكسسوارات. أما صاحبة الدعوة فعليها تجهيز الديوان (المجلس) للضيوف بكل ما تتطلبه الجلسة، إذ إن كثيرًا من النساء أصبحن يفضلن الذهاب إلى "جلسات القات" بدلًا من الخروج مع الأسرة للتنزه.

يوضح الخبير في علم الاجتماع الدكتور عبدالكريم غانم أن معظم الفتيات اليافعات في اليمن يعانين من التأثيرات الاجتماعية والنفسية التي نجمت عن الحرب وتداعياتها المختلفة. فنتيجة لهذه الحالة، طورت معظم الفتيات اليافعات سلوكيات تؤثر سلبًا على حياتهن؛ ومنها التدخين ومضغ القات، جراء الأزمات الحادة التي رافقت الحرب

بحسب أميرة، فإن "القات" مدمر لميزانية الأسرة اليمنية؛ فالإحصائيات والمؤشرات والأبحاث الاقتصادية تشير إلى أن "القات" يحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة في الإنفاق؛ أي إنه يأتي قبل التعليم والصحة والترشيد، فهو يستقطب جزءًا كبيرًا من ميزانية الأسرة.

عادة مكلفة

بالنسبة للطريقة التي تحصل بها النساء على أوراق نبتة "القات" فكان الرجل حاضرًا وبقوة؛ حيث غالبًا ما يشتري الزوج أو الابن أو الأخ القات لقريباته؛ لأن الخجل يمنع المرأة من الذهاب إلى سوق القات لشرائه، حيث ما يزال يُنظر لتناول المرأة للقات بأنه "عيب" وذهابها لشرائه من السوق يضعها في مواقف محرجة، رغم كسر البعض لهذا الخجل والتوجه إلى الأسواق لشراء "القات" بأنفسهن.

وتصف حنان أحمد (اسم مستعار)، في حديثها لـ"خيوط"، هذا الوضع بالمزري، فهو أمر غير مستحب للرجل، ناهيك عن المرأة التي أصبحت تنافس الرجل في تعاطيها لنبتة "القات".

وتضيف أن كثيرًا من النساء، بالأخص الشابات، لا يذهبن إلى أي مناسبة إلا وكيس القات في أيديهن إلى جانب "الشيشة" أو "المداعة" لدى البعض، والأسوأ من ذلك مشاهدة البعض يقفن في أسواق القات لشرائه.

ويؤدي ذلك إلى مضاعفة تكاليف وأعباء الحياة المعيشية بشكل عام، فمن أدمنت على هذه العادات لا يتوقف تعاطيها في المناسبات العامة، بل بشكل يومي في المنزل وفي جلسات النساء الخاصة.

تحكي منى عبده لـ"خيوط" أنها من يوم ما عرفت نفسها وهي ترى كبار السن مثل جدتها تشرب "المداعة" وتتعاطى مع نساء أخريات نبتة "القات" عصر كل يوم.

تتابع: "انتقلنا للمدينة وظهرت الشيشة كعادة أخرى تضاف إلى جلسات العصر، وكان هناك حرص على حضور مثل هذه التجمعات النسائية، حتى غدت عادة مألوفة لدى الكثير من النساء من مختلف الأعمار. 

الخبير في علم الاجتماع الدكتور عبدالكريم غانم يشير في هذا الخصوص إلى أن هناك أسبابًا اجتماعية تتعلق بتعاطي الأمهات والآباء للقات والتدخين؛ مما يسهم في دفع الفتيات للتدخين ومضغ القات؛ فالأب والأم في هذه الحالة يمكن أن يكونا أكثر تسامحًا مع تدخين بناتهما ومضغهن للقات.

ويوضح لـ"خيوط"، أن معظم الفتيات اليافعات في اليمن يعانين من التأثيرات الاجتماعية والنفسية التي نجمت عن الحرب وتداعياتها المختلفة؛ ونتيجة لهذه الحالة، طورت معظم الفتيات اليافعات سلوكيات تؤثر سلبًا على حياتهن، ومنها التدخين ومضغ القات جراء الأزمات الحادة التي رافقت الحرب وأعقبتها؛ وأهمها العنف المسلح في الواقع وعبر وسائل الإعلام والتعرض للعنف الأسري الذي ينطبع بقوة في الذاكرة ولا يستطيع الشخص تخطيه، مما يدفعه للهروب منه بالاتجاه إلى الإدمان.

وهناك سبب آخر للتدخين لدى الفتيات، وهي الرغبة في إنقاص الوزن الزائد بسرعة؛ لذا يرى الدكتور عبدالكريم أن مضغ القات لدى الفتيات المتزوجات قد يرتبط بالاعتقاد أنه يعمل على تحسين الحياة الجنسية، وهو شكل من أشكال الإجبار الجنسي الناعم للاستجابة الأسرع لرغبات الأزواج، وهذه الظاهرة بدورها لا تنفصل عن حالة الإحباط في أوساط الشباب في ظل هذه الأزمات الجسيمة التي يواجهها المجتمع.

وسائل ترفيه

ظاهرة تناول القات والشيشة في أوساط النساء والفتيات اليافعات في اليمن، انتشرت بشكل كبير مؤخرًا مقارنة بالسنوات الماضية؛ نظرًا لتعامل الكثير معها على كونها وسيلة ترفيهية لا غنى عنها. إضافة إلى العديد من الأسباب الأخرى؛ فالمرأة اليمنية تعتبر قضاء الوقت في مجالس القات وتناوله نوعًا من التسلية والترفيه الإجباري بسبب ندرة المتنزهات ومرافق الترفيه.

تقول خلود محمد لـ"خيوط"، سبب تمسكها بجلسات القات والشيشة باعتبارها حاجة روتينية للتعامل مع أوقات الفراغ المملة والطويلة، إلى جانب عدم القدرة على الخروج إلى المولات والكافيهات، وما يسببه ذلك في زيادة الضغوط النفسي؛ لذلك تعتبر "جلسات القات" المتنفس الوحيد رغم تكاليفه الباهظة.

وتعلل الباحثة الاجتماعية هاجر نبيل لـ"خيوط"، سبب توجه الشابات لذلك بقولها، "أعتقد أن ظروف الحرب وانعدام أي سبل للترفيه، جعلت الكثير من النساء يتجهن إلى القات للبحث عن الراحة لساعات معدودة، وهذا ما جعل الأمر يتطور بشكل لافت إلى جوانب سلبية تؤثر على الدخل والإنفاق في الأعراس وبعض المناسبات.

تؤكد أخصائية أمراض النساء الدكتورة سامية الرضي، أن القات يعتبر من المنشطات التي تزيد من ضربات القلب وترفع الضغط، سواء تعلق الأمر بامرأة حامل أم غير حامل؛ فالحامل يقِل لديها الأكسجين في الدم، وهو ما ينعكس على الجنين، وقد يؤدي إلى إصابة الجنين بالضمور في الدماغ

وتضيف: "كانت النساء قبل الحرب يدخرن النقود من أجل السفر إلى المحافظات الأخرى، أو حتى الترفيه بطرق أخرى متاحة لهن في إطار المدينة الواحدة، الآن فرضت الحرب على النساء الجلوس بالمنزل، وكل الخيارات الأخرى للترفيه صعبة ومعقدة وغير متاحة دائمًا، إلى جانب الظروف المادية السيئة، التي جعلت من القات الوسيلة الأقل تكلفة للترفيه، والبحث عن لحظة تخرج النساء من ضغوط الحياة اليومية.

كما أن تناول نبتة "القات" يعتبر عادة مجتمعية في اليمن، فبعد أن كانت عملية تعاطيه محصورة لدى الذكور بنسبة كبيرة، بدأ بالانتشار مؤخرًا في أوساط النساء كبار السن والبنات وبشكل مبالغ فيه، في ظل إهدار متواصل لمبالغ كبيرة بشكل يومي. ففي الجلسات لا بد من إعداد سفرة أو ضيافة وشراء قات نوع جيد والمشروبات الغازية والماء، غير الملابس والإكسسوارات لحضور هذه الجلسات".

ويشير الدكتور فتح الدين العماد، أخصائي أمراض تنفسية، إلى مخاطر تعاطي نبتة "القات" والشيشة على الفتيات، قائلًا: "من المعروف أن التدخين بكل أنواعه له أثر سلبي على الرئتين بشكل خاص، وهذا يعتمد على نسبة التعرض للتدخين"، وكلما كانت ساعات التدخين أكثر كان تأثيرها مضاعفًا على الرئتين، خاصة على المدى البعيد.

يضيف العماد في حديثه لـ"خيوط"، أن التأثيرات السلبية التي تحدث لمتعاطي أدخنة الشيشة مع مرور الوقت تصل إلى التهابات رئوية حادة أو انتفاخ الرئة؛ حيث يكون حجمها أكبر من الحجم الطبيعي، وهذا ما يسبب مرض "التضيق الشعبي المزمن"، الذي يؤدي إلى حدوث مضاعفات خروج البلغم بشكل مستمر ونقص كمية الأكسجين، فيشعر المريض إلى حاجته لأكسجين أكثر من المطلوب وتصبح الحويصلات الهوائية غير قادرة على القيام بعملها بشكل طبيعي.

من جهتها تؤكد أخصائية أمراض النساء الدكتورة سامية الرضي، أن القات يعتبر من المنشطات التي تزيد من ضربات القلب وترفع الضغط، سواء تعلق الأمر بامرأة حامل أم غير حامل؛ فالحامل يقِلّ لديها الأكسجين في الدم، وهو ما ينعكس على الجنين، وقد يؤدي إلى إصابة الجنين بالضمور في الدماغ، إلى جانب أضرار الشيشة على الجهاز التنفسي والدوري، وهما أهم جهازين في جسم الإنسان.

وتضيف أن هناك دراسات بحثية أكدت أن الشيشة والتدخين من أسباب ظهور الحمل العنقودي، إضافة إلى تأثير القات والشيشة على الخصوبة لدى الرجال على حدٍّ سواء. 

يتفق الجميع على أن الحرب والضغوط النفسية وندرة أماكن الترفيه، جعلت من الشابات اليمنيات عرضة لممارسة هذه الظاهرة والتمسك بها، متجاهلات بذلك كل الآثار الصحية والاجتماعية، باحثات عن أجواء تخفف عنهن ما يواجهنه من معاناة.


•••
سعيدة عبد الغني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English