الموازنة العامة للدول بشكل عام هي عبارة عن بيان بتقديرات الانفاق والايراد لسنة قادمة، وتعتمد تلك التقديرات على بيانات تاريخية للسنوات التي سبقت تصورات خبراء وضع الميزانية للسنة المعلومة.
ومن البديهيات يجب أن تشمل الموازنة كل ما هو متوقع تحصيله وانفاقه خلال العام الذي تغطيه الموازنة، وتشمل الى جانب النفقات والايرادات القروض والمساعدات التي تتوقع الحصول عليها من الدول والصناديق والبنوك الدولية والاقليمية، وتعتبر الموازنة المصادق عليها من الجهات التشريعية هي أهم أداة من أدوات الرقابة المالية.
هذا الاستهلال العام يمنحنا منفذا بسيطا لمحاولة قراءة الحال الذي نعيشه في بلد منهك تشهد حالة حرب وفوضى متفاقمة منذ عقد كامل، جعلت من الحديث عن الموازنة استدعاء لشيء غائب و معدوم في تداولات اليمنيين
فطالما وسلطات الأمر الواقع في كل الجغرافيا اليمنية لا تقدم للمجتمع بيان بموازنة سنوية تُظهر فيه ما يتم تحصيله من أموال جباية وبيع النفط والغاز والرسوم الجمركية (التي تحصل اكثر من مره في نقاط هذه السلطات ) إلى جانب الضرائب وغيرها من المسميات الإيرادية القانونية وغير القانونية ، فتصير مثل هذه الممارسات الفجة تكثيفاً لحضور قوة قهرية جبرية متغولة لا تمثل إلا نفسها ولا تخدم غير المنتفعين من وجودها، بعيدا عن المجتمع والدستور والنصوص القانونية، ولهذا لا تكتسب هذه السلطات وأدواتها أي مشروعية قانونية في حال مساءلتها ، فهي لا تعمل تحت أي غطاء دستوري، لأن من أهم متطلبات المشروعية هي الشفافية في ايضاح مقدار الأموال التي جرى ويجري تحصيلها تحت كل أشكال المسميات التي ذكرناها، وكذا أوجه الانفاق التي تتم على مجالات التنمية وبرامجها ، وكذا على بنى المجتمع المختلفة، و في أولوياتها وعلى رأسها رعاية المواطنين ومتطلباتهم في مختلف الأوجه ( تعليم، رعاية صحية، خدمات أساسية) والتي يتم رصدها ضمن موازنه واضحة الأبواب والبنود، تصدر بقانون من أعلى سلطة دستورية بعد إقرارها من ممثلي الشعب في البرلمان ( مجلس النواب)
وإذا كان الاسقاط على هذه الحالة يتم بوضوح على مناطق سلطة جماعة انصار الله (الحوثيين)، فإن الأمر ذاته لا يختلف كثيرا في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً ، فالمتحصلات من المحافظات الواقعة تحت سيطرة هذه الحكومة من الايرادات العامة والموارد الطبيعية لا يتم توريدها الى المركز وبنكه ( البنك المركزي) ، حيث تتصرف كل محافظة من هذه المحافظات وفقا لتقديراتها وأمزجة القائمين على سلطتها المحلية، دون ضوابط أو معايير تحكم عمليات الصرف والانفاق، في حين تقتضي قواعد الفصل بين الايرادات والنفقات أن تورد كل أنواع الايرادات والموارد ( ضرائب، جمارك، ثروات نفطية ) الى الحسابات المختصة في البنك المركزي ، تمهيدا لعملية انفاق شفافة؛ وفقا لقواعد الموازنة العامة وفي مقدمتها تعزيز الجهات المختلفة بالمعتمد لها في أبواب وبنود الموازنة بصفة دورية طبقا للسياسات المتبعة من قبل وزارة المالية, التي تشرف بشكل مباشر على هذه العملية.
باختصار ما هو حاصل اليوم أن كل سلطة من سلطات الأمر الواقع في شمال وجنوب وشرق اليمن تتعامل مع الإيرادات المحصلة بأنواعها سابقة الذكر وكأنها نصيبها من الثروة، سواء كانت ايرادات ورسوم أو موارد من انتاج وبيع النفط والغاز وأي مناجم اخرى للثروة، وانفاقها يتم من قبل النافذين في هذه السلطات على بناء أدواتها القاهرة لاستبداد المجتمع( الأذرع الأمنية والعسكرية) ثم على المحاسيب داخل بنى هذه السلطات، ولا تقدو شيئا للمواطنين.