أول موظفة في ريمة

التعليم والعمل في مواجهة تقاليد المجتمع
فايز الضبيبي
November 29, 2023

أول موظفة في ريمة

التعليم والعمل في مواجهة تقاليد المجتمع
فايز الضبيبي
November 29, 2023
الصورة لـ: علي السنيدار

لم تكن أميرة (اسم مستعار- 46 عامًا) من أبناء محافظة ريمة، تعلم بأن إصرارها على الدراسة والحصول على وظيفة حكومية، سيحرمها من الزواج، بسبب تحرج المجتمع من عمل المرأة خارج إطار المنزل، واعتبار ذلك من العيب.

يعتبر المجتمع اليمني بتركيبته القبَلية بمعاييره الاجتماعية المحددة دورَ المرأة داخليًّا، ويفرض عليها قيودًا ويحد من فرصها في مختلف المجالات.

تعد محافظة ريمة، واحدة من المناطق النائية، التي تفتقر إلى البنية التحتية، وتواجه المرأة فيها تحديات إنسانية ومعيشية كبيرة، يشمل تعقيدات التضاريس الجغرافية، ونقصًا في الخدمات الأساسية.

إصرار كبير

متنقلة بين أكثر من مدرسة بمنطقة بني الضبيبي، أكملت أميرة تعليمها الأساسي، لتنصدم بعد ذلك بمنع أسرتها من مواصلة دراستها، في مدارس الثانوية المختلطة في المنطقة، والبعيدة أصلًا عن قريتها.

لم تستلم أميرة لتلك الظروف، وظلّت تفكر وتبحث لها عن حل، يمكّنها من مواصلة دراستها، وتحقيق حلمها في الحصول على وظيفة.

تذكرت أميرة أختها التي تسكن مع زوجها في العاصمة صنعاء، فقررت أن تنتقل للسكن معها، وتواصل دراستها في إحدى المدارس الخاصة للبنات، لكنها عندما عرضت الأمر على أسرتها، أبدوا رفضهم وتخوفهم الكبير عليها.

ولإصرارها الشديد وتمسكها الكبير بحقها في التعليم، وافقت أسرتها على مضض.

وعند اقتراب موعد العام الدراسي، حزمت أمتعتها، وسافرت برفقة أخيها إلى صنعاء، والتحقت بإحدى المدارس الخاصة بالإناث القريبة من منزل أختها.

استطاعت أميرة أن تجتاز مرحلة الثانوية بتفوق، وأن تحصل على تقديرات عالية، عكست بذلك الذكاء الفطري للريفيات، وقدرتهن على تحقيق النجاح والتفوق، إذا ما تهيّأت لهن الظروف المناسبة.

الموظفة الأولى 

عادت أميرة إلى القرية، تنتظر إعلان نتائج الثانوية العامة، وعند إعلان النتائج تفاجأت أسرتها بالتقديرات العالية التي حصلت عليها، والتي تمكّنها من دخول الجامعة، لكن ذلك بالنسبة لأسرتها مستحيل.

فتوجهت للتدريس التطوعي في مدرسة القرية، وأصرّت على أسرتها أن تبحث لها عن وظيفة، في وزارة التربية والتعليم، كون تلك الوظيفة هي المقبولة لديهم.

وبعد سنتين من التطوع، حصلت على وظيفة معلمة، لتكون بذلك أول فتاة تحصل على وظيفة حكومية بالمنطقة، وأول معلمة في المدرسة.

"تعد أميرة أنشط المعلمين في المدرسة، وأكثرهم تميزًا وتقديرًا لدى الطلاب وأولياء أمورهم، حتى بعد انقطاع رواتب المعلمين، وتوقف العديد من المعلمين عن التدريس في المدرسة، فقد ظلت تؤدي واجبها على أكمل وجه"، وفق رئيس مجلس الآباء بالمدرسة.

لا تزال أميرة المعلمة الوحيدة في المدرسة، في حين تقف اليوم على أعتاب العقد الرابع من عمرها، من دون زواج، لا لشيء، إلا لأنّها تعلّمت وتوظفت.

قساوة الريف

لا تأبه أميرة كثيرًا بمسألة عزوف الرجال عنها، ولا تُبدي أي ندم وحسرة على ذلك؛ فهي كما تقول: "قد نذرت حياتي للتعليم، ونشره بين أوساط المجتمع، وخصوصًا بين الفتيات المحرومات من التعليم في منطقتي".

من أجل ذلك تقطع أميرة مسافات طويلة للوصول كل يوم إلى مدرستها، مشيًا على الأقدام، تضطر معها أن تسلك طريقًا خاصة ووعرة، بعيدة عن الأنظار، وكي لا تختلط بالرجال.

كل ذلك لا يعفيها عن مساعدة والدتها في أعمال المنزل، ومشاركة نساء القرية أعمالهن الريفية، في جلب الماء والحطب، وحشّ الأعلاف وغيرها من الأعمال الريفية.

انعدام الفرص 

لا تزال أميرة المعلمة الوحيدة في المدرسة، في حين تقف اليوم على أعتاب العقد الرابع من عمرها، من دون زواج، لا لشيء، إلا لأنها تعلمت وتوظفت.

ينظر المجتمع في ريمة إلى المرأة الموظفة بشيء من الارتياب، وصل الأمر ببعض الأسر إلى دفع جزء من راتب ابنتها للجهة التي تعمل فيها، مقابل أن تبقى في البيت دون أن تحضر لممارسة عملها، في حين أنّ غالبية من يُسمح لهن بالعمل، هن الملتحقات بمجالي التربية والصحة؛ كما تقول الناشطة هناء الشاوش.

كما أنّ تعليم الفتاة، وخاصة بعد المرحلة الأساسية، يمثّل حرجًا كبيرًا أمام الأُسَر، لأنّ طالبات الثانوية في معظم مناطق ريمة، يضطَرِرْنَ إلى قطع مسافات كبيرة، مشيًا على الأقدام، للوصول إلى أقرب مدرسة ثانوية لهن، إضافة إلى الاختلاط بالطلاب داخل الفصول الدراسية، وغيرها من الاعتبارات التقليدية للمجتمع.

ووفق تقرير للجهاز المركزي للإحصاء للعام 2017، فإن عدد المدارس الخاصة بالإناث في ريمة، بلغت 14 مدرسة فقط، تتركز معظمها في مراكز المديريات ومركز المحافظة، وتمثل نسبة المدارس الثانوية فيها 25% من إجمالي عدد مدارس المحافظة، وفق آخر تقرير للجهاز المركزي للإحصاء.

لتبقى المرأة في ريمة تعاني من عددٍ من التحديات، بَدءًا من نقص الفرص التعليمية حتى التحفظ المجتمعي تجاه تعليمها ودورها في سوق العمل، ويتطلب حلّ هذه المشكلات توعية أوسع ودعمًا حكوميًّا لتشجيع المرأة وتمكينها في مجالات العمل والتعليم، وفقًا للشاوش.

ظروف مهيأة

"ظهرت نماذج نسائية من ريمة، ناجحة وملهمة في مختلف المجالات، مثل التدريس والطب والإعلام، تحدين القيود، ووصلن إلى مراكز متقدمة في سوق العمل، ولكن هذا كان نتيجة دعم أسري، وتوافر بيئة تعليم مناسبة خارج المحافظة"؛ تقول الدكتورة سهام البدجي.

وتعد البدجي إحدى النماذج البارزة للنجاح في ريمة، بعد أن حصلت على فرصة تعليم متميزة خارج المحافظة، وتمتعت بدعم قوي من أسرتها، أتاح لها الحصول على شهادة الدكتوراة في مجال الإعلام من إحدى الجامعات الهندية.

 المجتمع المهمِّش

بلغت نسبة العاملات في ريمة 10% من نسبة موظفي الدولة العام والمختلط، البالغ عددهم 7105، منهم 472 معلمة، مقابل 3791 موظفًا.

يمثّل ابتعاد ريمة عن مركز القرار والسلطة أحد أسباب خروج المرأة من دائرة الاهتمام، علاوة على العادات والنظرات الضيقة للمرأة، وفرض تقاليد اجتماعية تتعارض مع حق المرأة، وفقًا للباحث ياسين البكالي.

كما أنّ عدم توفر المدارس الخاصة بالإناث والجامعات والمعاهد المتخصصة، أدّى إلى حرمان المرأة في ريمة من التأهل والوصول إلى سوق العمل. تطالب الإعلامية بلقيس الأبارة، برفع الوعي المجتمعي حول أهمية دور المرأة، وتحسين فرص التعليم والتوظيف للنساء.

يطالب البكالي السلطات بتوفير الدعم للمرأة في ريمة من خلال تشجيعها على التعليم وتوفير فرص العمل الملائمة، وهو ما يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمجتمع لتغيير النظرة التقليدية وتحفيز التنمية الشاملة.

•••
فايز الضبيبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English