"خِتان الإناث" في حجّة

عنفٌ مبكر وتبعات مزمنة
عبدالرحمن زمام
June 11, 2022

"خِتان الإناث" في حجّة

عنفٌ مبكر وتبعات مزمنة
عبدالرحمن زمام
June 11, 2022

ما تزال ظاهرة ختان الإناث في بعض مديريات السهل الغربي من محافظة حَجّة وما يليها من المناطق التهامية (شمال غرب اليمن)، سائدةً بنسبةٍ لا بأس بها رغم الوعي الذي وصل إليه المجتمع إزاء مقت الظاهرة التي تتم تحت مبررات تتعلق بالعفة وصون الفتاة فيسيولوجيًّا في تلك المناطق ذات المناخ الحار. 

وتتم العملية في الغالب، عن طريق إزالة جزء من العضو التناسلي للفتاة بطريقة تقليدية دون تدخل طبي، أو اكتراث للآثار الصحية الخطرة التي تعود على الفتاة مستقبلًا.
ويعتقد المؤيدون لظاهرة ختان الإناث، أنّ هذا الإجراء يعد أمرًا ملِحًّا، لكبح الرغبة الغريزية لدى المرأة، من خلال البتر الجزئي أو الكامل للبظر، متجاهلين محاذير الشريعة الإسلامية التي تنهى عن ذلك، فضلًا عن الأضرار الجسدية المترتبة عليها. 

ويزداد الأمر غرابة حين يُتعقَد _خطأً_ أنّ ترك ختان الأنثى قادحٌ في عفتها، كما هو حال السيدة "أم هيفاء"، وهي أمّ لأربع فتيات؛ جميعهن خضعن للختان، وهو أمر ترى فيه والدتهن مدعاةً للتباهي أمام النساء، كما تصرح لـ"خيوط". 

معاناة مزمنة
(ع . ر) سيدةٌ متزوجة من مديرية عبس (غرب حجة)، إحدى النساء اللاتي تعرضن للختان في طفولتهن، تروي بخجلٍ وتردد لـ"خيوط"، تجربتها التي سبّبت لها الكثير من المعاناة في حياتها؛ "صرت أعاني من وجود أكياس دهنية بالرحم، ناجمة عن التهابات أصابتني منذ طفولتي، حالت بيني وبين إمكانية الحمل والإنجاب، وسبّبت لي آلامًا؛ بسبب تعرضي للختان في طفولتي، لقد كان إجراءً خاطئًا من والديّ، سبّب لي معاناةً لا تنتهي". 

تأمل السيدة (ع . ر) أن يتوقف ما تصفه بـ"استباحة المرأة"، وتركها تعيش بسلام بعيدًا عن التنكيل بجسدها، بحجة حماية شرفها، باعتبارها "عنفًا أسريًّا وظاهرةً مقيتة تتنافى مع الدين والتشريع ومبادئ حقوق المرأة". 

قصة هذه السيدة ليست إلا واحدة من مئات القصص المحزنة، من النساء اللاتي كن ضحايا لهذه الظاهرة التي ما تزال سائدة في بعض مناطق السهل الغربي لمحافظة حجة وما جاورها من المديريات التهامية.

تؤكّد الدراسات الطبية، على وجود مخاطر جسدية على الفتيات اللاتي تعرضن للختان، منها: قلة الرغبة الغريزية، أو انعدامها، والشعور بآلام شديدة عند ممارسة العلاقة الحميمية، قد تصل إلى التسبب في اضطرابات نفسية مزمنة

في حين لا توجد إحصائيات عن حجم الحالات المتضررة لدى مكتب الصحة بمحافظة حجة، بسبب عدم وجود قسم خاص بالتوثيق والرصد وإجراء الدراسات، يُعنى بالاهتمام بكافة القضايا الصحية بالمحافظة، بحسب مسؤولين في المكتب لـ"خيوط". 

أنواع ختان الأنثى

تتعدد أنواع الختان وَفقًا للطريقة التي تتم بها، حيث يُفصِّل الدكتور عمر فيصل، متخصص بالطب العام، لــ"خيوط" أن النوع الأول عبارة عن استئصال البظر، وهي عملية إزالة كاملة أو جزئية للبظر والجلد المحيط به، أما النوع الثاني فيكون الاستئصال كليًّا أو جزئيًّا للبظر، إضافة إلى استئصال الشفرين الصغيرين أو الطي الجلدي الداخلي المحيط بالمهبل، فيما النوع الثالث عبارة عن عملية تخييط بعد قطع وإعادة ضبط موضع الشفرين الصغيرين والكبيرين، حيث يتم تخييط المحيط بالكامل باستثناء ترك فتحة صغيرة. 

وتسبب هذه العملية ألمًا وضيقًا حادّين، وتجعل المرأة معرضةً باستمرار للعدوى، إذْ لا تترك العملية _التي تضمنت إغلاق المهبل ومجرى البول_ سوى فتحةٍ صغيرة يمر من خلالها البول ودم الطمث، بينما تكون الفتحة الأخرى في غاية الصغر، يصعب معها ممارسة العلاقة الحميمية أو الولادة إلا بإجراء فتحة أخرى، مما يتسبب غالبًا في حدوث مضاعفات صحية تضرّ بالأمّ والجنين معًا، إضافةً إلى وجود نوع رابع يشمل جميع العمليات الضارة الأخرى من وخز وثقب وكشط للبظر أو منطقة العضو التناسلي. 

مخاطر جسدية ونفسية

تعد ظاهرة ختان الإناث إحدى أخطر الظواهر الاجتماعية التي تؤسس لممارسات العنف ضد المرأة منذ طفولتها، وتؤثر على صحتها الجسدية والنفسية، حيث تؤكد نتائج كثير من الدراسات الطبية، في هذا الشأن، على وجود مخاطر جسدية على الفتيات اللاتي تعرضن للختان، منها: قلة الرغبة الغريزية، أو انعدامها في بعض الحالات، أو الشعور بآلام شديدة عند ممارسة العلاقة الحميمية حال زواجها، وقد تصل إلى التسبب في اضطرابات نفسية مزمنة. 

طبيبة النساء والولادة مريم عبدالحق، تؤكد لـ"خيوط" أنّ هناك حالات كثيرة وافتْ عيادتها من نساء ريفيات يعانين من مشاكل صحية ناجمة عن تعرضهن للختان في طفولتهن، وبدورها تقوم بتوعية الآباء أو الأزواج الذين يحضرون إليها رفقة هؤلاء النسوة إلى عيادتها، بمخاطر الختان والآثار الصحية المترتبة من جَرَّائِه.  

ويؤكّد الدكتور عمر فيصل أنّ ختان الإناث يعدّ جريمة إنسانية، يتفق على تجريمها الشرع والطبّ، لافتًا إلى الأضرار الصحية التي تلحق بالمرأة؛ منها الألم الشديد، وعدم الإحساس بالمتعة الجنسية، إضافةً إلى صعوبة ممارسة العلاقة الحميمية للطرفين كليهما، إلى جانب احتمالية التعرض للعدوى والكثير من الأمراض مستقبلًا، أو الإصابة بالعقم وسلس البول والصدمة النفسية والعصبية.    

لم يتطرق القانون اليمني، من الأساس، إلى تجريم ختان الإناث، مع أنّ الضرورة تستدعي سنّ قوانين جديدة تتوافق مع تتطور الطب والحداثة، وطي العادات القديمة المغلوطة لدى الناس، وتحد من هذه الظاهرة"

 قانون على الحياد

لا يوجد في القانون اليمني، ما ينص على تجريم ختان الإناث، التي تعد عادة مجتمعية تحكمها التقاليد والعرف الخاطئ، أو المفهوم الديني المغلوط، واللافت أنها تتم أحيانًا في مراكز صحية حكومية، رغم الجهود التي تبذلها المنظمات المهتمة بحقوق المرأة للحد من هذه الظاهرة، إلا أنّ تلك المحاولات لم تحقق النتائج المطلوبة، خاصة في ظل استمرار الحرب التي صرفت اهتمام المنظمات المعنية بحقوق المرأة إلى قضايا أخرى. 

في السياق، يقول المحامي عبدالرحمن الوادي، لـ"خيوط"، إنّ القانون اليمني "لم يفرد نقاطًا واضحة أو بالأصح لم يتطرق من الأساس إلى تجريم ختان الإناث بشكل عام، مع أنّ الضرورة تستدعي سَنّ قوانين جديدة تتوافق مع تتطور الطب والحداثة، وطي العادات القديمة المغلوطة لدى الناس، وتحد من هذه الظاهرة". 

الجدير بالذكر أنّ ظاهرة ختان الإناث لا يقتصر وجودها على اليمن فقط، إنما تشيع أيضًا في بعض البلدان العربية، لكنها قطعت شوطًا في سَنّ قوانين خاصة تجرّم هذا الفعل، ووضعت عقوبات مغلظة للحد من تمدد الظاهرة، باستثناء اليمن الذي ما يزال متأخرًا في هذا الجانب، الأمر الذي يستدعي تحركًا من المنظمات والهيئات المعنية في الدفع نحو سنّ قوانين رادِعة تحدّ من استمرار انتهاك خصوصية المرأة الجسدية. 

•••
عبدالرحمن زمام

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English