ما وراء تطاول المسؤولين الإماراتيين على اليمن

ما يجب معرفته في طريق الحط الرسمي من شأن اليمنيين
خيوط
January 16, 2021

ما وراء تطاول المسؤولين الإماراتيين على اليمن

ما يجب معرفته في طريق الحط الرسمي من شأن اليمنيين
خيوط
January 16, 2021

حتى سنوات قليلة، لم يكن ببال اليمنيين أن يصادفوا في طريقهم الحكّام الإماراتيين؛ كمتآمرين، لأسباب عدة، من ذلك عدم وجود جغرافيا مشتركة، إضافة إلى ما كرّسه مؤسس دولة الإمارات السابق الشيخ زايد، من دور في سبيل إعادة إحياء الجانب الحضاري لليمن كدولة زراعية.

وبالرغم من أن الحرب اليمنية الأخيرة، والصراع الخليجي، أحدثا تفاعلات متباينة، إلا أن المخيلة الشعبية احتفظت بصورة مؤسس الإمارات باعتباره ينحدر من سلالة القبائل اليمنية التي هاجرت بعد انهيار سد مأرب.

وعلى ما في هذه الرواية الحالمة من مآخذ، إلا أن وقوف الأخير وراء رعاية إعادة بناء السد اليمني التليد، جعل من هذا الأمر حميميًّا وصادقًا إلى حد التقدير. فما الذي جرى في بداية الألفية الجديدة، لتأخذ هذه العلاقة المتميزة، الحضيض الذي نراه ونعيشه.

في مطلع العام 2012، سلّم صالح السلطة لسلفه ونائبه هادي بناء على المبادرة الخليجية التي حاولت إنهاء احتقان شعبي دام لأكثر من سنة. راقب الجوار الأقليمي إلى أين ستفضي مصالحهم مع العملية الجديدة التي بدت شاقة ومعقدة، ومن ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت قد شرعت في السنوات الأخيرة إلى محاولة إصلاح الفتور الذي شاب علاقتها بالنظام اليمني آنذاك.

ففي السنوات التي أعقبت انتقال السلطة الإماراتية من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى نجله خليفة في نوفمبر 2004، رمى القادة الجدد بأول طعم لنظام صالح، بتعهدهم دعم اليمن بمبلغ 500 مليون دولار، في مؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن في أكتوبر 2006. لكن هذا الالتزام لم يكن دون ضريبة.

دعا المسؤولون الإماراتيون "صالحًا" لزيارة أبوظبي، وهناك وضعوا على طاولته الملف الأكثر كلفة في هذه العلاقة. إعطاء شركة موانئ دبي العالمية الامتياز الحصري لإدارة ميناء عدن الاستيراتيجي، جنوب اليمن.

في العام 2008، تم بالفعل توقيع اتفاقية تأجير ميناء عدن لصالح شركة موانئ دبي، وبعقد مجحف، لمدة 25 عامًا قابلة للتمديد لمدة عشر سنوات أخرى.

كانت تلك الاتفاقية بمنزلة تنازل عن نشاط ميناء عدن المهم بالنسبة لليمن، ضمن مقومات الموقع الجيوسياسي للدولة اليمنية لصالح ميناء جبل علي الإماراتي، الذي أصبح محطة مهمة في الخطوط التجارية الدولية، فلم يأتِ العام 2011 إلا وقد خسر الميناء 70 في المئة من قدرته التشغيلية، فيما دخل عمال الميناء في إضرابات شلت نشاطه.

كتب حينها الصحفي حسن الشوبكي، الذي زار عدن في فبراير 2012، كمراسل لقناة الجزيرة:

في ميناء المعلا بمدينة عدن جنوب اليمن تواصل الغربان النعيق فوق روافع آلياته دون أن يبدد صوتها صخب العمل والمحركات والمناولة، إذ يسود صمت طويل مضى عليه أربع سنوات، بينما يرتهن عمال الميناء إلى عشبة القات يلوكون بها ساعات وساعات وهم ينتظرون الفرج، ولا إجابات لديهم عن أسئلة الجوع والعوز التي تستمر من أطفالهم.

ويصف الشوبكي، الميناء، كما رآه:

"العمل فيه شبه مشلول باستثناء بعض بواخر القمح التي تصل بشكل اعتيادي، والعاملون فيه يضربون كفًّا بكف بانتظار حل يسهم في تغيير إيقاع حياتهم شديدة الفقر، أما الآليات التي كانت تشغل الميناء فلقد أمست أطلالًا ولحق بها الصدأ منذ أربع سنوات، وأسدلت الستارة على مشهد الحياة في الميناء بعد توقيع نظام علي عبدالله صالح على صفقة بيع الميناء التاريخي عبر تأسيس شركة مشتركة بين موانئ دبي العالمية ومؤسسة خليج عدن اليمنية الحكومية، تتولى تطوير وتشغيل ميناء الحاويات في عدن".

ومع إدخال الميناء اليمني بحالة من الفوضى والإهمال، إلا أن هذا الملف، لم يكن الأول، ولا المنطلق الحقيقي لتكريس صورة اليمني باعتباره كائنًا همجيًّا، وشخصًا غير مرغوب به.

على وضوح هذا التحرك في مصر، إلا أن الحالة اليمنية بدت وكأنها أربكت القادة الخليجيين، مع صمتهم على تمدد جماعة أنصارالله (الحوثيين) في الخارطة الجغرافية والسياسية في اليمن ابتداءً، ثم التدخل المفاجئ بتحالف عربي بقيادة السعودية والإمارات

في 2007، وقبيل زيارة صالح للإمارات لتسوية قضية موانى دبي، ألمح الصحفي اليمني المقيم في الإمارات علي الزكري، في مقال له بجريدة البيان الإماراتية، إلى أن السلطات الرسمية في الإمارات، كانت تقوم بوضع إشارة (إكس) على اسم العمال اليمنيين الذين يقترحونهم أرباب الأعمال للتعاقد معهم. ما قلص من فرصهم في العمل داخل سوق تنافسي سريع النمو. 

أما إذا بحثت في سجل منع دخول اليمنيين إلى الإمارات فستجد ثراء في هذا المحتوى خلال العشرين السنة الأخيرة، من إفشال سفر رياضيين إلى أطباء إلى ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر بالسلطات هناك إلى عرقلة رحلات ترانزيت لمسافرين يمنيين إلى دول أخرى. 

وفي نفس العام،  أعادت السلطات الأمنية بمطار أبو ظبي رحلة لشركة الطيران اليمنية بعد أن رفضت السماح لركابها بدخول الإمارات، رغم حصولهم على تأشيرات رسمية من السفارة الإماراتية بصنعاء.

وكانت وسائل إعلام يمنية، قد قالت إن سلطات الإمارات العربية المتحدة منعت وزير الكهرباء اليمني صالح سميع من دخول أراضيها يوم 21 أبريل/ نيسان 2013، بحجة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح).

ونقلت وكالة خبر، أن سلطات إمارة دبي رفضت منح "سميع"، تأشيرة دخول إلى أراضيها فيما تم منح ثلاثة من الوفد المرافق له تأشيرة دخول "لوجود اسمه ضمن قائمة غير المسموح لهم" بدخول الإمارات العربية المتحدة، حد وصف المصدر.

احتقار وثورة

مثلما رأت في بقية ثورات الربيع العربي، تهديدًا محتملًا على مصالحها ونظامها السياسي، لا شك بأن تنامي نفوذ الجماعات الإسلامية المسيسة بفعل إتاحة الثورات لها الانخراط في الشأن العام، كان قمينًا بتحرك الإمارات والعمل على إسقاط الأنظمة التي أفضت بها المراحل الانتقالية.

وعلى وضوح هذا التحرك في مصر، إلا أن الحالة اليمنية بدت وكأنها أربكت القادة الخليجيين، مع صمتهم على تمدد جماعة أنصارالله (الحوثيين) في الخارطة الجغرافية والسياسية في اليمن ابتداءً، ثم التدخل المفاجئ بتحالف عربي بقيادة السعودية والإمارات في 26 مارس/ آذار 2015، بعد أوقات قليلة من اقتحام الحوثيين لمدينة عدن الجنوبية، وهروب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. 

حرصت الإمارات -وقتئذٍ- على دحر الجماعة المسلحة من مدينة عدن، ومناطق في محافظات جنوبية أخرى، وفي منتصف العام 2015، أخذت المعركة مسارًا مراوغًا، بدا -حينها- محيرًا للكثير من مناصري هذا التحالف.

اتخذت الإمارات حلفاء لها من خارج التكتل الحكومي الهش، فاعتمدت في قيادة المعارك المدارة باسمها، على عسكريين ومسلحين جنوبيين ذوي نزعات انفصالية متطرفة، ثم وقعت حوادث متفرقة بين القوات الحكومية وهذه الجماعات مسنودة بعضها بطيران الأباتشي الإماراتي.

والآن، وبعد ست سنوات من قيام هذا التحالف وتدخله، تذهب المحافظات الجنوبية، نحو سيطرة الانفصاليين وتمكينهم على مناطق واسعة ضمن ما يعتبرونه (الجنوب العربي)، ويلقى هذا المسعى مساندة كبيرة من الإمارات، انتهى في أغسطس/ آب 2019، إلى قصف الطيران الحربي الإماراتي تجمعًا للقوات الحكومية اليمنية كانت تحاول الدخول إلى مدينة عدن، قُتل وجرح على إثر ذلك ما يقارب 300 من هذه القوات.

وفي الطريق إلى ما تعتبره الإمارات انتصارات أو إخفاقات لها ولحلفائها، ولخططها الاستراتيجية في السيطرة على الموانئ اليمنية، والتحكم بها، تبرز ردود أفعال قادة إماراتيين في مواقع التواصل الاجتماعي، على هيئة تعميمات منفلتة وخطاب كراهية أعمى وتسخيف من كل ما هو يمني.

ضاحي خلفان

برز هذا الاسم لأول مرة، مع قضية العثور على المغنية اللبنانية سوزان تميم، مقتولةً في أحد فنادق إمارة دبي عام 2008، وكان الرجل حينها قائدًا لشرطة الإمارة الثرية. بدا تكرار اسم المسؤول الأمني طبيعيًّا، وذا سياق، وشيئًا خاليًا من الجدل، مع خروجه المتكرر على وسائل الإعلام وحديثه عن تفاصيل الجريمة التي أدين فيها، فيما بعد، رجل أعمال مقرب من نظام الرئيس المصري الأسبق مبارك.

لكن نجم خلفان لمع أكثر، مع العملية التي اتهم بها الموساد الإسرائيلي، في 19 من يناير/ كانون الثاني 2010، واستهدفت القيادي في حركة حماس محمود المبحوح، الذي اغتيل داخل غرفة أحد الفنادق بإمارة دبي. نشرت الشرطة حينها صورًا لـ27 شخصًا قالت إنهم شاركوا في الاغتيال، وتفاصيل عن العمليات، كما وثقتها كاميرات المراقبة.

بعدها بأشهر، قال خلفان في تصريحات لصحيفة الاتحاد الإماراتية، إنه تلقى تهديدات بالقتل يعتقد أن وراءها الموساد الإسرائيلي. 

كل هذا، والسياسة بالنسبة للمسؤول الأمني الإماراتي مركونة في الرف، فقبل هذه التطورات الأمنية الخطيرة، في إمارة الزجاج والكاميرات، لم تكن هناك ثورات ولا ربيع عربي، حتى أتى العام 2011، بما يحمله من نذير شؤم للجمهوريات العسكرية والممالك والإمارات العربية، فبدا رجل الأمن وكأنه صدى لما يفكّر به رأس النظام أو يخشاه، أو ما يحاول تجنبه وتحاشيه.

بعد التدخّل الصريح للإمارات والسعودية بعيد انهيار الحكومة اليمنية، ضمن قيادة (التحالف العربي لإعادة الشرعية)، في 18 مارس/ آذار 2015،  بدت التغريدات البذيئة والمسفّهة لضاحي خلفان، وكأنها تعكس ما يدور ببال الحاكم الإماراتي الأول

لكن التحليلات أيضًا تذهب لعدم وضع حكّام الإمارات في سلة، حيث لا تحكمهم أيديولوجية سياسية واحدة، عندما يتعلق الأمر بتدخل أبوظبي في الشأن الإقليمي، ومن أولئك محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يخشى على المركز الاقتصادي لإمارته أكثر من أي شيء آخر، ويتجنب زجها في أي صراع سياسي محتمل مع دول ما بعد الربيع العربي. انعكس ذلك في موقفين على الأقل، أدان في أحدهما المغرد الإماراتي، ودعاه إلى التوقف عن السب والتشهير.

فمع تولي الرئيس المصري محمد مرسي، والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، مقاليد الحكم في مصر، بدأت ملامح السياسة الإماراتية تتمايز، وإن على شكل تغريدات فجّة وبذيئة وتفتقر للدبلوماسية، على غير ما عرفته السياسة الرسمية العربية من نفاق، لما يقارب نصف قرن من الزمن. 

ومع المظاهرات التي اندلعت وبدعم من الجيش المصري، ضدًّا على سنة أولى من حكم الإخوان، عبّر خلفان بصراحة عما تسعى إليه الإمارات، أو تحاول أن تتستر خلفه: "إن تنظيم الإخوان سيحل تلقائيًّا لعدم الصلاحية الفكرية التي لا تساير أصول الشراكات الديمقراطية". سبق هذا الأمر إعلان الإمارات القبض على ما أسمته (خلية إخوانية) كانت تستهدف نظام الحكم في البلد.

هذا الشريط المزدحم من الأحداث، التي شهدت بعض تحولاته فصولًا من العنف كأحداث رابعة والنهضة، وضع سياقًا منطقيًّا لبذاءة ضاحي خلفان وتصريحاته السياسية المثيرة للجدل، على أن مسار الحكّام العسكريين الجدد في مصر أظهر، وبما لا يدع مجالًا للشك، دورًا إماراتيًّا داعمًا للانقلاب العسكري، وعزل جماعة الإخوان من الحكم. لكن ماذا عن اليمن؟

في خضم الأحداث، عزلت إمارة دبي شرطيها الأول بعد 33 سنة في المنصب دون تعيينه في أي منصب حكومي آخر، فيما يبدو أنه نأيٌ للإمارة بنفسها عن مسرح السياسية وتحولاتها العنيفة.

عرف رجل الأمن أن أول من سيشمت بخطوة إقالته، الجماعات التي ناوأها، فكتب: "هناك ضربة قاصمة لتنظيم الإخوان قادمة، سيصبحون بعدها الإخوان فلولًا في أصقاع المعمورة. الإخوانجية، أبشركم أنا في القيادة العليا للشرطة والأمن العام ولا مفر لكم مني".

ما سرى على مصر، سرى بعد ذلك على دول عربية أخرى، من ليبيا إلى تونس إلى اليمن. لكن الفترة الانتقالية اليمنية بدت مخاتلة، فأربك الانتقال السياسي الذي رعاه الخليجيون، صانع القرار الإماراتي، حين ذهب الوضع العام على غير ما تصوروه: إلغاء عقد تأجير ميناء عدن لميناء دبي، في العام 2012، تلاه السيطرة المسلحة لجماعة أنصارالله (الحوثيين) على مساحات شاسعة من البلاد.

بعد التدخّل الصريح للإمارات والسعودية بعيد انهيار الحكومة اليمنية، ضمن قيادة (التحالف العربي لإعادة الشرعية)، في 18 مارس/ آذار 2015، بدت التغريدات البذيئة والمسفّهة لضاحي خلفان، وكأنها تعكس ما يدور ببال الحاكم الإماراتي الأول وما يدور في خلده.

يمكننا في هذا الإطار، دراسة حالة واحدة على الأقل، توازت فيها التغريدات المتشنجة والساخطة لضاحي خلفان، بتدخل عنيف لدولة الإمارات في شؤون الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا. 

في منتصف أغسطس/ آب 2019، سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، ذو النزعة الانفصالية، والمدعوم إماراتيًّا، على مدينة عدن التي أعلنتها الحكومة عاصمة مؤقتة لها، وطردت الحكومة منها. شنت القوات الحكومية في نهاية أغسطس من نفس العام، هجومًا مضادًا انهارت على إثره قوات الانتقالي، فتمددت المعارك إلى بوابة مدينة عدن مجددًا.

لتفادي استعادة هذه القوات للمدينة، قامت الإمارات بضربات جوية لتجمعات عسكرية حكومية، فأسقطت 300 بين قتيل وجريح. مصدر رسمي إماراتي اعترف بالهجوم، وقال إنه "ضربات استباقية" استهدفت "مليشيات إرهابية".

خلال أغسطس/ آب 2019، الذي تصاعدت فيه الأحداث، يمكن رؤية اللهجة المتصاعدة لتغريدات خلفان، وبما يدعم مطامع بلاده التوسعية في إعادة السيطرة على ميناء عدن، ولو هذه المرة من بوابة دعم تشطير اليمن، تحت يافطة دولة "الجنوب العربي"، وهي تسمية استعمارية لما كانت تسمى قبل العام 90 جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

في الرابع من أغسطس/ آب غرد خلفان: "التفريط في استقلال الجنوب تفريط في الأمن القومي العربي والخليجي"، وفي السادس من نفس الشهر، كتب: "ثبت الشمال بأنه مهزور لا إيمان عنده، يلعب به الحوثي في عبث ولا أحد يصده".

ذهب خلفان أيضًت لأبعد من ذلك، وقد طالب بـ"إنهاء ما يسمى بشرعية عبدربه" معتبرًا الأمر "العلاج الحقيقي لاستقلال الجنوب"، والأكثر جلاءً كشفت عنه تغريدته في أغسطس أيضًا، التي كتب فيها: "يتحدثون عن يمن موحد. وعبر التاريخ لم يكن اليمن بلدًا واحدًا أو حاكمًا واحدًا". دعم هذا التوجه أيضًا، المستشار والأكاديمي المقرب من ولي العهد الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، الذي غرد بالقول: "اليمن لن يكون واحدًا موحدًا بعد اليوم"، لكن هذه التغريدة لم تعد تظهر على محركات البحث.

بعد ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، انحازت السعودية للقوات الملكية بقيادة البدر؛ ولي عهد الإمامة، لكن الوقائع الجديدة التي أسست للتقليل من شأن اليمنيين، لدى التكوين السياسي الخليجي، بدأت مع انحياز نظام صالح لنظام الرئيس العراقي صدام حسين في الحرب الخليجية الأولى

حمد المزروعي

تقدم الموسوعات المغرد البذيء، المزروعي، على أنه مستشار ثقافي لولي العهد محمد بن زايد؛ بينما يعرّف هو نفسه في صفحته على تويتر، بأنه خارج التصنيف دائمًا، وبعيد عن التعريف، يدخن سجائر جيتانس.

يعمد المزروعي إلى استخدام لغة أكثر بذاءة من سابقه، لا يعبأ بما يمكن أن تترتب عليه لغته من وصم للسلوك الرسمي الإماراتي، الذي يعرف المذكوران أنهما ينتميان عضويًّا إلى جسده. عادة ما تكون تغريدات المزروعي مغلفة بسباب مقذع وتليمحات جنسية، ويبدو وكأنه متخصص أكثر في مناهضة نظام قطر، الذي كان حتى وقت قريب، خصمًا إعلاميًّا شرسًا لأبوظبي. لكن مع التغيرّات السياسية والعسكرية التي تشهدها اليمن، تظهر السياسة الإماراتية المتعالية واللامتسامحة، من بين سطور المذكور.

في تغريدة، سبقت القتال العنيف بين قوات الانتقالي المدعومة إماراتيًّا والحكومة اليمنية في مدينة عدن، غرّد المزروعي بالقول: "الواقع يقول يا الـ***له تحرم عينك تشوف عدن، وافهمها وخل جلال يشرحها لك..."، ضمّن المزروعي هذه التغريدة وسمًا، تسقط شرعية الإصلاح.

سياق عام

لطالما كانت اليمن تقدم تمايزًا سياسيًّا عن محيطها الإقليمي منذ العام 1962، باعتبارها جمهورية في محيط ممالك ثرية وغنية بالنفط، لكن التباين اليمني-الخليجي كان سابقًا لهذه الفترة، مع خوض القوات الملكية اليمنية حربًا واحدة على الأقل مع القوات السعودية في بداية ثلاثينيات القرن المنصرم.

وبعد ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، انحازت السعودية للقوات الملكية بقيادة البدر؛ ولي عهد الإمامة، لكن الوقائع الجديدة التي أسست للتقليل من شأن اليمنيين، لدى التكوين السياسي الخليجي، بدأت مع انحياز نظام صالح لنظام الرئيس العراقي صدام حسين في الحرب الخليجية الأولى، حين غادرت على أثر ذلك آلاف من العمالة اليمنية إلى أرض الوطن، ما فاقم الأزمة الاقتصادية في بلد مستنزف الموارد.

ثم بقت مسألة الحدود اليمنية-السعودية حتى بداية الألفية الجديدة، مثار تنابز وجدل، حتى تم حسمها باتفاقية جدة 2000، تبددت معها الآمال الكبيرة، بعودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها قبل العام 90، وعلى العكس من ذلك فقدت العمالة اليمنية الامتيازات التي اعتقدت أنها ستعود حالما يحسم الخلاف على المسألة الحدودية.

وكانت السعودية حتى الحرب الأهلية اليمنية الأخيرة، تمثل ملاذًا مربحًا، لفئة من القرويين اليمنيين، وبديلًا خليجيًّا مناسبًا بعد طفرة الرفاه التي أبعدت المواطن السعودي عن سوق العمل، إذ تم جذب آلاف العمالة اليمنية غير الماهرة لتقوم بأعمال ووظائف شاقة، احتقرها مواطن سعودي ثري ومرفّه. 

لكن ثمن ذلك على الداخل اليمني كان باهضًا، إذ قطع كثير من الشباب تعليمه وتحوّل إلى الداخل السعودي، بوظائف لا تحتاج إلى شهائد أو تخصص، مثل: نُدل، وميكانيكيي سيارات، وحراس، وسائقين، وخياطين، في المعارض ومحلات الاتصالات وبيع الهواتف، مستفيدين من فارق الصرف بين العملتين اليمنية والسعودية، ليزدهر الإعمار والمعيشة لأسر الريف اليمني. 

أمام ذلك بدا الاختلال واضحًا في معايير الوظيفة العامة في اليمن، وقد وجدت العمالة اليمنية الماهرة والمؤهلة، نفسها في موضوع مقارنة معيشية، مع عمال يمنيين غير مؤهلين لكنهم أحسن حالًا. إلى جانب هذا المأزق المحلي المتفاقم، يومًا عن يوم، وجدت العمالة اليمنية المغتربة نفسها في خانة الاحتقار، داخل سوق سعودي متنافس وسريع النمو. 

لم يعد مستغربًا أن نرى قناة إم بي سي في صميم أولوياتها مناقشة مصداقية المقولة التاريخية من أن اليمن هو أصل العرب، أو قيام شخصية مقربة من ولي عهد أبوظبي، تغرد: إذا كان العرب ينتسبون إلى اليمن فأنا أتبرأ من الانتساب إلى العرب

أصبح الميكانيكي والنادل وبائع الهواتف، شخصًا متخلفًا بالضرورة، أمام الكادر السعودي المتزايد في سوق العمل، والمتخرج من أكاديميات السوربون وكولومبيا ونورث كورولينا، لهذا وأكثر أفرزت السوق السعودية طبقتين، طبقة اعتبرت وضيعة تتكون من يمنيين ومصريين وآسيويين، وأخرى تتكون من سعوديين يتطلعون يومًا عن يوم لشغر وظائف تنافسهم عليها هذه الفئة (الرخيصة) من البشر. هذا الأمر على خطورته، شكّل حاجزًا اجتماعيًّا بين السعودي ونظيره اليمني، ليصبح الأول كفيلًا متطلبًا، والآخر عاملًا ساخطًا ويشعر بالقهر. 

هذا التداخل المعقد في المصالح، أنتج جيلًا يمنيًّا، يتوهم هو الآخر -للتغلب على قهره- بأن كل نزعة تفوق في الخليج وراءها أصلٌ يمنيٌّ ساميّ، لذا تم الاعتقاد في الداخل اليمني وعلى نحو واسع، أن خليجيين مثل الفنان محمد عبده، وعبدالمجيد عبدالله، والشيخ زايد، وآخرين، هم في الأساس يمنيون. 

وعلى ما في هذا التفاخر من قيمة صفرية وعجز، إلا أن كثير من الكادر الخليجي المبدع، لم يكنّ بوارد الشعور بالخزي، أو النظر إلى اليمن باعتباره يشكل نوعًا من التهديد الهُوياتي، عند الحديث عنه كجذر لأصل السلالة العربية، حتى بنت السوق معادلاتها المثقلة بالهويات والمفرزة لها.

بعد ذلك، رأينا كيف تلكأ الفنان محمد عبده في بداية الألفية، عندما واجهه الصحفيون بأسئلة من قبيل: هل أنت يمني؟ أو هل لك أصول يمنية؟ متنصلًا من تصريحات كان قد أدلى بها -على سبيل المجاملة أو الحقيقة- قال فيها إنه يمني، من المنطقة التهامية، بل ذهب إلى ما هو أعمق لإلقاء التحية على عمته وأقارب آخرين لا يزالون يقطنون داخل الخريطة اليمنية.

لكن معادلة أخرى بقيت مختلة أيضًا، استثمر الخليج في الأغنية اليمنية بطريقة عمّقت هذا الشرخ الهوياتي، لا أن تردمه. رسخ من ذلك ذهاب المغنين والملحنين الخليجيين لسرقة الموروث الغنائي اليمني ونسبه لممالكهم، أضيف إليه التنازع الهوياتي القائم لشخصيات إبداعية؛ يمنية المولد وخليجية التطور.

هذا الأمر رتب مظلومية ثقافية جديدة، خاصة مع شعور المواطن اليمني، بأن الأنظمة الخليجية الجديدة، أصبحت أقل تسامحًا مع مواطنيها ذوي الجنسيات المزدوجة، إلى الدرجة التي أجبر فيها مطرب شاب مثل فؤاد عبدالواحد، على إلغاء لهجته التعزية الصديقة، لمجرد سنتين من وعود حيازة الجنسية الخليجية، على أن الفنانة بلقيس ابنة المطرب اليمني المعروف أحمد فتحي، اضطرت للخروج على صفحتها في تويتر، لمساندة حكّام الإمارات لصد هجمة شنها مغردون يمنيون، رأوا فيها الهجوم على القوات اليمنية تدخلًا "سافرًا" في شؤون بلدهم.

مسألة أخرى، وسّعت الفجوة بين اليمن والخليج: مكافحة الإرهاب. بعد العام 2001، تسلطت الأضواء على السعودية باعتبارها معقل أكثر الشباب الذين نُشرت أسماؤهم باعتبارهم متهمين بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. هذا الحرج أوقع السعودية في ورطة اتهامات مالية وفكرية، فلجأت إلى الحيلة السهلة للتخفف من الحمل الثقيل على كاهلها، وهي تسليط الضوء على اليمن باعتباره بلدًا غير كامل السيادة على أفراده.

لذا، وبموازاة اعتبار الفنان الكبير أبوبكر سالم سعوديًّا، ذهب الإعلام الخليجي لاعتبار أسامة بن لادن (إرهابيًّا) يمنيًّا، وقد قدمت سلالة الاثنين قبل سنوات من منطقة وادي حضرموت إلى الأراضي السعودية.

لذلك ظل الإرهاب المنطلق من السعودية، عرضًا جانبيًّا، للانفلات الأمني في الجارة الفقيرة اليمن، توجت هذه الادعاءات، باندماج فرعي تنظيم القاعدة (اليمني/ السعودي) في تنظيم واحد (القاعدة في شبه جزيرة العرب)، واتخذ من اليمن مقرًّا له. 

بعد سنوات، كانت القوات الدولية المنضوية تحت مكافحة الإرهاب، تتلقى المعلومات من الاستخبارات السعودية، عن العمليات التي يحتمل أن تستهدف مصالح غربية، ومن ذلك الهجوم الذي كان مقررًا أن يتم في رأس سنة العام 2010 على ديترويت. 

اليمنيون أيضًا، ليسوا بريئين في المسألة الهوياتية، ولهم دفاعهم الصغير المتواري داخل هذه التفاعلات. فمن منتصف التسعينيات وحتى الآن، سمعنا الكثير من القصص أبطالها عمال يمنيون، يحاولون درء نظرة الاحتقار، بالتقليل من أهمية المواطن الخليجي والطعن في رجولته وقدرته على مجابهة العيش. احتقار يطال في كثير من الأحيان العائلات الخليجية البريئة، ويحاول أن يصورها في مواقع المنحلة أخلاقيًّا، على أن مزاج القهر والاضطهاد قادران على تخليق مثل هكذا مخيلة ناقمة.

لكن ما هو ملفت ومستجد، أن السلطات الرسمية الخليجية على تقادمها، كانت تنأى بنفسها عن توجيه أي شكل من التعميم الهوياتي أو الثقافي، لاحتقار الشعوب التي تدخل في خصام -من أي شكل- معها، وعادة ما تأخذ هذه الصراعات طابعًا فوقيًّا، حتى تبوأ الجيل الشاب أعلى المناصب في هذه الممالك.

ومؤخرًا، شاهدنا كيف أن الخلافات، مدعومة بسياسات رسمية، أصبحت تطال الغالبية العظمى من الناس، بل تذهب إلى التقليل من الأهمية التاريخية للشعوب لتبديد الضغائن السياسية. لم يعد مستغربًا أن نرى قناة إم بي سي في صميم أولوياتها مناقشة مصداقية المقولة التاريخية من أن اليمن هو أصل العرب، أو قيام شخصية مقربة من ولي عهد أبوظبي، تغرد: إذا كان العرب ينتسبون إلى اليمن فأنا أتبرأ من الانتساب إلى العرب.

نرى كل هذا القبح، دون أن نتوقع أن هناك حكّامًا راشدين يمكن أن يضعوا حدًّا لخطاب الكراهية الأعمى، وإيقاف ممارسته على هذا النحو المنفلت واللامسؤول. 


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English