لماذا ينتزع بائع الذهب الفصوص من خاتمك؟

تأثيرات خسائر الذهب المطرّز على الاقتصاد الوطني
شيماء القرشي
March 1, 2022

لماذا ينتزع بائع الذهب الفصوص من خاتمك؟

تأثيرات خسائر الذهب المطرّز على الاقتصاد الوطني
شيماء القرشي
March 1, 2022

في ظل وضع اقتصادي صعب، وغياب فرص العمل، وتوقف صرف الرواتب الحكومية بانتظام، والتدني المستمر لسعر العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار؛ وجد اليمنيون واليمنيات أنفسهم في مواجهة هذا الوضع بالاضطرار لبيع مدخراتهم. بيع الذهب والمجوهرات كان وما زال الخيار الأقرب لمواجهة المتطلبات الأساسية من مواد غذائية وسداد الإيجارات المتأخرة أو الرسوم الدراسية لأبنائهم. ومع ذلك يجد هؤلاء المضطرون أنفسهم عرضة لاستغلال حاجتهم من قبل بعض تجار الذهب والمجوهرات. 

مريم محمد (30 سنة) واحدة من آلاف ربات البيوت اللواتي أجبرتهن الظروف الاقتصادية على بيع ما يملكن من مجوهرات، من أجل مساعدة عائلاتهن في ظروف حياة باتت تسير نحو المجهول؛ إذ لا توجد حتى الآن أي مؤشرات تدل على أن الاقتصاد اليمني قد يستعيد عافيته في ظل استمرار الحرب وتعثر فرص التوصل إلى سلام شامل. 

 حينما تدخر شيئًا بلا قيمة 

تقول مريم في حديثها لـ"خيوط"، إنها لم تجد طريقة أخرى لحل أزمات المعيشة والإيجارات المتراكمة التي حلّت بأسرتها الصغيرة، خاصة بعد توقف راتب زوجها المعلّم في إحدى مدارس صنعاء. لذلك بدأت في بيع ذهبها الذي اشترته لها عائلتها عند الزواج؛ وكلما اشتدت هذه الأزمات عليهم توجهت إلى أقرب محلّ مجوهرات لتبيع قطعة من ذهبها. عندما لم يبقَ معها سوى "الدبلة والمَحبَس" (خاتمَي الخطوبة والزواج)، ألحّ مالك المنزل الذي تستأجره الأسرة في طلب الإيجارات المتأخرة، وهكذا وجدت نفسها مضطرة للذهاب إلى محل المجوهرات من جديد. 

كان وزن الخاتمين ثلاثة جرامات عند شرائهما، لكن عندما نزعتهما من إصبعها وناولتهما البائع، تفاجأت به يخبرها بأن وزنهما 2.75 جرام. لم تكن تعلم شيئًا عن عدم احتساب تجار الذهب وزن الفصوص ضمن وزن القطعة الذهبية المعروضة للبيع، لذلك شعرت بمرارة استغلال تاجر الذهب لحاجتها، ولم يكن أمامها سوى القبول بالأمر.

أنور محسن (40 سنة) مواطن آخر وقع ضحية هذا العرف الجائر لتجارة الذهب في اليمن. يقول لـ"خيوط" إنه ذهب بمعية زوجته إلى محل ذهب واشتريا ثلاثة خواتم فيها فتحات مزينة بالفصوص الصغيرة، حيث أقنعها البائع أن ذلك التصميم "مواكب للموضة". ويضيف: "مرت فترة قصيرة على شراء الخواتم، ولم تقتنع زوجتي بما أقنعها به بائع المجوهرات. غيرت رأيها وأرادت تبديل الخواتم الثلاثة عند البائع نفسه، لنتفاجأ أن قيمة الخواتم الثلاثة لا تكفي لشراء خاتم واحد بدون فصوص". 

عندما واجه أنور بائع الذهب بفاتورة الشراء من محله، كان رد البائع مستندًا بثقة إلى ما بات عرفًا ساريًا لدى تجار الذهب، وهو أن الفصوص -وهي غالبًا من الكريستال- الموجودة في الخواتم تحتسب ذهبًا على الزبون، لكن حين يريد الأخير بيع القطعة الذهبية، فلا يحتسب غير وزن الذهب الصافي. 

من ناحية كونه عرفًا ساريًا بين تجار الذهب ومتعارف عليه بالنسبة للزبائن، فهناك الكثيرون يعرفون ذلك، لكن ما لا يعرفه الغالبية العظمى من زبائن محلات المجوهرات، أن هناك عُرفًا آخر في تجارة الذهب يقتضي تذكير الزبون عند الشراء بكل حقوقه، ناهيك عن لائحة الإدارة العامة للمواصفات والمقاييس الحكومية.

مريم وأنور، ليسا سوى نموذجين لآلاف اليمنيين الذين يستمر استغلالهم من قبل بعض تجار الذهب والمجوهرات غير النزيهين. والعجيب أن ما يحدث من استغلال لزبائن الذهب، يقع في عداد المسكوت عنه، حيث لم يقم أي مواطن بتقديم شكوى ضد تجار الذهب والمجوهرات الذين يسيئون استخدام هذا العرف، سيما في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. 

لا يحق لأي بائع ذهب أن يستغل جهل المواطن ويبيعه خاتمًا يحوي فصًّا يزيد حجمه عن خمسة مليجرامات من حجم الخاتم.

تأثير الاستغلال على الاقتصاد الوطني

في حديثه لـ"خيوط"، يقول رامي السامعي، وهو تاجر ذهب ومجوهرات إن ما يقوم به بعض تجار الذهب من استغلال لحاجة المواطنين، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، يندرج ضمن صفات الجشع. 

ويضيف أنه بالرغم من أن غالبية تجار الذهب والمجوهرات، ممن يستغلون حاجة المواطنين، لا يأبهون بأن هذا الاستغلال الذي يبدو صغيرًا، قد يؤدي مستقبلًا إلى تدمير في الاقتصاد الوطني. ويشير إلى أن "تجار الذهب والمجوهرات الشرفاء والنزيهين، ينظرون من منطلق تحقيق ربح معقول، وليس تحقيق الربح على حساب مضاعفة معاناة المجتمع".

ويوضح السامعي أن من حقوق الزبون على بائع الذهب أن يقدم له الأخير كافة المعلومات قبل الشراء، وأن ذلك "من أخلاقيات أي مهنة، خاصة في مهنة بيع الذهب والمجوهرات، لأن غالبية اليمنيين لا يشترون الذهب بغرض التزين به، بقدر ما يشترونه لادخاره من أجل مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة أو للقيام بمشاريع، مثل بناء المنازل أو شراء العقارات". لذلك يرى السامعي أنه "يجب إعلام الزبائن بالقيمة الحقيقية للمصوغ من الذهب، بدون احتساب قيمة الفص، بحيث إذا أرادوا الفص بعد ذلك، يدفعون قيمته الحقيقية، وليس باعتباره جزءًا من وحدة الجرام للذهب، بل باعتباره إضافة للقيمة الكلية". هذا ما يجهله -للأسف- معظم الزبائن.

بالنظر إلى السلع وأرباحها، فإن ما يقوم به تجار الذهب هو ناتج عن حرية اقتصادية بحتة لم يتم وضع قوانين خاصة لضبطها وفق قواعد معينة منذ نشوء الدولة اليمنية.

رأي الجهات الرسمية

بحثًا عن جهة مختصة في عمل تجار الذهب والمجوهرات، كانت وجهتنا الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس بأمانة العاصمة صنعاء، حيث أوضح جبران الزقري، مدير دائرة المقاييس والمصوغات في الهيئة، أن ما يتم ارتكابه من قبل بعض تجار الذهب ببيع القطع التي تحتوي على فصوص كبيرة بنفس سعر القيمة الكلية للذهب، يعد جريمة وانتهاكًا صريحًا للائحة بيع الذهب والمصوغات.

ويضيف أن اللائحة تؤكد على أنه "لا يحق لأي بائع ذهب أن يستغل جهل المواطن ويبيعه خاتمًا يحوي فصًّا يزيد حجمه عن خمسة مليجرامات من حجم الخاتم". كما يشير في هذا السياق، إلى أن الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، شددت على تجار الذهب أن يقوموا بوضع لاصق على الفصوص ليوضح حجمه ونوعه وقيمته، كي يتم إعلام المشتري قبيل البيع.

وفي سياق تأثير هذا الاستغلال على الاقتصاد، يؤكد الزقري: "قد يظن البعض أن هذه ظاهرة بسيطة وليس لها أي أهمية، ولكن في حقيقة الأمر أنها قد تؤدي إلى الإضرار بحركة الاستثمار في عموم البلاد، خاصة أن اليمن تعمل على استيراد ما يساوي (2,8) إلى (3) أطنان من الذهب سنويًّا". وبحسب حديثه، فإنه منذ اندلاع الحرب في اليمن، بات الكثير من هذه الكميات المستوردة من الذهب تدخل البلاد "دون معرفة أحد"، وأن الإحصائيات الخاصة بالذهب "أصبحت غير واضحة". 

ويتابع: "قد تجلب ظاهرة احتساب الفص ذهبًا عند الشراء واعتباره دون قيمة أثناء البيع مساوئ اقتصادية كبرى، والسبب في ذلك يرجع إلى أنه منذ اشتعال الحرب وتفاقم الأزمة الاقتصادية في عموم البلاد، اضطر المواطنون إلى استخدام الذهب والمصوغات المكتنزة باعتبارها عملة صعبة، في ظل الانهيار الدائم في سعر الصرف للعملة الوطنية".

ويدعو مدير دائرة المقاييس والمصوغات المواطنين للاطلاع على اللوائح التي قال إنها نظمت هذا الأمر، "وفي حالة قيام أحد تجار الذهب باستغلال المواطنين وعدم تطبيقه للوائح، فإن على المواطنين تقديم بلاغ إلى الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس بذلك، وسيجد التجاوب معه ومنحه حقه كما جاء في اللائحة".

غير أن الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس لا تعمم لائحة المصوغات على المواطنين بصورة دورية أو في ملصقات توعوية مبسطة، كما أن قانون المواصفات والمقاييس الخاص بالمصوغات والمعادن الثمينة، لا ينص بشكل صريح على حالات بيع وشراء الذهب المطرز بمواد أو معادن أخرى، بالإضافة إلى خلوه من أي ذكر لمادة الكريستال.

وضع الاقتصاد الوطني 

يقول محمد مغرم، أستاذ الاقتصاد والنقود والبنوك بجامعة صنعاء، إن الاقتصاد الوطني أصبح في أدنى مراحله بسبب الصدمات المتكررة التي يتعرض لها منذ سنوات. وفي رأيه، لا تشكل ظاهرة احتساب الفص ذهبًا عند الشراء إلا مجرد رقم في مجموعة المشاكل التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني كل يوم مع استمرار الحرب. 

ويضيف مغرم: "بالنظر إلى السلع والأرباح، فإن ما يقوم به تجار الذهب هو ناتج عن حرية اقتصادية بحتة، لم يتم وضع قوانين خاصة لضبطها وفق قواعد معينة منذ نشوء الدولة اليمنية، حيث إنه، وحتى اللحظة، هناك الكثير من الأمور التي تهم الاقتصاد الوطني لم تحظَ بالاهتمام المطلوب، ولا بد من أن يتم النظر إليها في المقام الأول في حالة عاد السلام واتفقت جميع الأطراف المتصارعة".


*  تحرير خيوط


•••
شيماء القرشي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English