الكهرباء التجارية استغلال بتواطؤ رسمي

هكذا يدفع المواطن اليمني التعرفة الأغلى عالمياً
مبارك اليوسفي
September 19, 2022

الكهرباء التجارية استغلال بتواطؤ رسمي

هكذا يدفع المواطن اليمني التعرفة الأغلى عالمياً
مبارك اليوسفي
September 19, 2022
Photo by: Ali Al-Sunaidar - © Khuyut

أخرجت الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس/ آذار 2015، منظومة الكهرباء الحكومية عن الخدمة كلية في معظم المحافظات، ومنذ ذلك الوقت ظلت صنعاء ومدن يمنية أخرى تحيا في ظلامٍ دامس لسنوات، ممّا اضطر المواطنين للبحث عن بدائل مؤقتة، ابتدأت بمنظومات الطاقة الشمسية، والمولدات الخاصة، وحلول بدائية أخرى، على أمل عودة التيار الكهربائي الحكومي، غير أنّ التيار لم يعُد. 

هنا بدأت شهية البعض تنفتح للاستثمار في هذا الجانب، فبدأت الكهرباء الخاصة والمحطات التجارية تحل رويدًا رويدًا محل الكهرباء الحكومية، حتى صار الاعتماد عليها كخدمة مسلَّعة رائجة في معظم المدن اليمنية، من ضمنها العاصمة صنعاء.

بعض هذه المحطات استخدمت كابلات وخطوط الكهرباء العائدة ملكيتها للمؤسسة الرسمية الحكومية، ممّا اعتبره البعض تعديًا على الممتلكات العامة بتواطؤ من النافذين في الجهات. نجحت هذه المحطات، بكثير من وسائل التعدي وبعيدًا عن الرقابة، بإيصال التيار الكهربائي للراغبين في الخدمة، غير أنّ كلفة الاستهلاك صارت باهظة ومبالغ فيها.

صارت المحطات التجارية تغطي مناطق كثيرة من أمانة العاصمة ومدن أخرى، في وقت تغطي مؤسسة الكهرباء الحكومية بعض المناطق وبفارق سعريّ بسيط جدًّا عن أسعار المحطات التجارية والخاصة، وبخدمة أردأ من حيث ساعات الإضاءة ومواقيتها.

ارتفاع متكرر 

محمد الحاج، مواطن، يشكو من ارتفاع تعرفة الكهرباء المتكرر، ويقول لـ"خيوط": "عندما أدخلت الكهرباء إلى منزلي في بداية الأمر، كنت أدفع 200 ريال مقابل الكيلو وات الواحد، لكن الأسعار تصاعدت حتى وصلت إلى 540 ريالًا للكيلو وات الواحد"، ويضيف الحاج أنّ مالكي شركات الكهرباء التجارية يقولون إنّ سبب الارتفاع مرتبطٌ بارتفاع مادة الديزل، لكن عدم عودة السعر لوضعه السابق بعد استقرار أسعار الديزل يدحض هذه المبررات.

ويشكو المستهلكون من غياب الرقابة والضبط على هذه الشركات، إذ وصل مؤخرًا سعر الكيلو وات إلى حوالي 550 ريالًا، وبالمقارنة مع أسعار الكهرباء في دول العالم، فإن موقع GlobalPetrolPrices المختص برصد أسعار الطاقة والكهرباء في العالم يشير في رصده الأخير إلى أنّ دولة برمودا الأغلى في سعر تعرفة الكهرباء، حيث يدفع المواطن هناك 0.412 دولارًا مقابل الكيلو وات الواحد، ولم يذكر الموقع اليمن بسبب عدم وجود بيانات صحيحة يمكن أن يعتمد عليها إلى جانب توقف التيار الكهرباء الحكومي، وبناءً على مؤشر دولة برمودا فإنّ السعر في اليمن يتفوق بحوالي ضعفين، إذ يدفع المواطنون حوالي دولار واحد للكيلو وات، ما يعني أنّ اليمن هي الدولة الأغلى عالميًّا من حيث أسعار الكهرباء المنزلية.

يحمِّل أصحاب محطات الكهرباء التجارية مسؤولية تذبذب الأسعار وارتفاعها على الدولة التي لم تعمل على استقرار أسعار المشتقات النفطية، ما اضطر بعضهم لشراء مادة الديزل من الأسواق السوداء بأسعار باهظة، ما انعكس على أسعار الخدمة المقدمة للمواطنين من وقت لآخر

فوضى سعرية  

الغريب في الأمر أنّ أسعار الكهرباء تختلف من منطقة إلى أخرى داخل صنعاء، فعلى سبيل المثال يدفع المستهلك في منطقة سعوان 510 للكيلو وات الواحد، بينما يدفع المستهلك في منطقة شعوب 350 ريالًا للكيلو وات الواحد، وهناك فوارق قد تكون كبيرة أو بسيطة من محطة إلى أخرى، وبحسب استطلاع ميداني أجرته "خيوط" في مناطق مختلفة في مدينة صنعاء، فإنّ أدنى سعر تقدمه محطات الكهرباء هو 310 ريالات، وأعلى سعر هو 550 ريالًا. 

وبحسب المحلل الاقتصادي رشيد الحداد، فإنّ أسباب تفاوت أسعار الكهرباء من محطة إلى أخرى يعود إلى عدم استقرار أسعار الديزل، بالإضافة إلى تقادم بعض المولدات التي تستهلك كميات أكبر من مادة الديزل، والذي يتسبب بارتفاع أسعار الخدمات على المستهلك، [والإتاوات التي تفرض على أصحاب المحطات].

الجدير بالذكر أنّ وزارة الكهرباء والطاقة في صنعاء، كانت قد حددت تعرفة أسعار الكهرباء التجارية بـ260 ريالًا في أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الماضية، ولم يتم الالتزام به من قبل محطات الكهرباء، كما أنّ وزارة الكهرباء لم تقم بأي إجراء ضد من لم يلتزم بقراراتها.

على من تقع المسؤولية؟

بشكل مباشر، يُحمِّل أصحابُ محطات الكهرباء التجارية مسؤولية تذبذب الأسعار وارتفاعها، الجهاتِ الرسميةَ التي لم تعمل على استقرار أسعار المشتقات النفطية، ما اضطر بعضهم لشراء مادة الديزل من الأسواق السوداء بأسعار باهظة، ما انعكس على أسعار الخدمة المقدمة للمواطنين من وقت لآخر، من جهتها كانت وزارتا النفط والكهرباء قد أعلنتا عن تزويد محطات الكهرباء التجارية بمادة الديزل، كلٌّ على حسب القوة الاستيعابية لها، الأمر الذي ردّ عليه أحد ملاك شركات الكهرباء التجارية، رفض الكشف عن اسمه، الذي تحدث لـ"خيوط" قائلًا: "تبيع وزارة النفط مادة الديزل لنا بالسعر الرسمي، غير أنها في معظم الأحيان لا تصرف لنا الكمية الكافية، ما يجعلنا نلجأ إلى الأسواق السوداء، لتلبية الطلب، وهذا ما يجعل أسعار الكهرباء كبيرة على المستهلك".

استغلال بشع 

يقول مطيع نعمان، إنّه يدفع   18000 ريال شهريًّا، بالإضافة إلى قيمة الرسوم الشهرية أو ما يطلق عليه أصحاب المحطات التجارية "الاشتراك الشهري"، ويشير نعمان في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّه يدفع هذا المبلغ على ثلاث مراحل؛ أي عند صدور دورية الفاتورة كل عشرة أيام، وأنّه مجبر على دفع قيمة الاشتراك حتى وإن لم يستخدم الكهرباء، معتبرًا ذلك استغلالًا بشعًا تقوم به محطات الكهرباء لحاجة المواطنين لهذه الخدمة.

فيما يؤكّد الحداد في حديثه لـ"خيوط"، أنّ فرض المحطات التجارية هذه المبالغ والاشتراكات التي تدفع أثناء إدخال الخدمة إلى المستهلك والتي تتجاوز 20 ألف ريال غير قانونية، ولا يوجد لها أي مبرر، كونها تُدفَع دون أي مقابل، ويعتبره نوعًا من أنواع الاستغلال والابتزاز للمستهلكين.

منع على الورق

وزارة الكهرباء والطاقة كانت قد أصدرت في أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الماضية، قرارًا يمنع أصحاب المحطات والمولدات الخاصة فرض أي مبالغ مالية تحت مسمى الاشتراك الشهري، ودعت الملاك إلى إلغاء الاشتراكات الشهرية، مهدّدة أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد من لم يلتزم بهذا القرار، لكن اللافت أنّ الوزارة منذ ذلك الحين لم تقم بأي إجراء ضد أي محطة، ولا تزال كل المحطات تأخذ اشتراكات شهرية من كل مستخدم، تصل في بعض الأحيان إلى 2500 ريال شهريًّا، حسب مواطنين. 

وللحدّ من هذا الاستغلال، يرى الحدّاد أنّ الحل هو إعادة تشغيل محطة كهرباء مأرب الغازية، واستكمال تركيب المرحلة الثانية لرفع قدرة توليد الكهرباء بنسبة 100%، خاصة أنّ الكهرباء الغازية تقدم بتكلفة أقل جهد كهربائي عالٍ، كون العودة للطاقة المشتراة من قبل الجانب الحكومي يكرّس الفشل والفساد ويستنزف الموازنة، ويعتبر الحداد أنّ هذا حلٌّ جذري لمشكلة الكهرباء في اليمن، بشكل كامل.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English