التعليم في بلاد "الرئيس السابق"

معلمون بلا حقوق، ومدارس بغير مناهج تكتظ بالنازحين
عُلا محمود
May 31, 2023

التعليم في بلاد "الرئيس السابق"

معلمون بلا حقوق، ومدارس بغير مناهج تكتظ بالنازحين
عُلا محمود
May 31, 2023
خيوط

"أمنيتي أن يتم فتح الصف الثالث الثانوي في مدرستنا، وأن يتوفر الكادر التعليمي اللازم لتدريسنا، من معلمين ومعلمات، لكي أكمل تعليمي هنا، إذ يصعب عليَّ الذهاب إلى مدارس أخرى بعيدة عن القرية"؛ هكذا قالت مُحسِنة، طالبة في الصف الثاني الثانوي- القسم العلمي، في مدرسة (نور القرآن) بقرية "بيت الأحمر" بمديرية بسنحان- قرية الرئيس السابق علي صالح. 

تضم مدرسة (نور القرآن) طالبات من قرية (بيت الأحمر) وقرية (السرين) ومناطق أخرى بعيدة، ووالد محسنة أحدُ أولياء الأمور الذين يدفعون مساهمات مجتمعية مقابل استمرار تعليم أبنائهم، حيث ينفق ستة آلاف ريال شهريًّا عنها وعن أشقائها، "... هذا المبلغ ليس سهلًا على والدي، خاصة مع عجز المدرسة عن توفير المنهج المدرسي، الذي لا أملك منه سوى كتاب اللغة العربية"؛ تقول محسنة لـ"خيوط".

من الأزمة إلى الدمج

تعاني مدارس سنحان عمومًا، ومدرسة (نور القرآن) تحديدًا، من تهميش طال حتى الكتاب المدرسي، علاوة على شحة المعلمين وانعدام الخدمات الأساسية لخلق بيئة تعليمية مواتية للطلاب، ولو في حدودها الدنيا. 

تعدّد بدرية علي محمد، معلمة اللغة العربية بالمدرسة، بعض العوامل التي بسببها تم تهميش المدرسة، قائلة: "في الأساس كانت مدرسة البنات منفصلة عن مدرسة الأولاد، حيث كان اسمها مدرسة النجاح، كانت مع مدرسة (نور القرآن) تشكّل مجمعًا، كنّا فيها خمس معلمات فقط منذ سنة 2009، زاد العدد لاحقًا، لكن كان يتم التعامل مع مدرستنا ومدرسة الأولاد (نور القرآن) باعتبارها مدرسة واحدة، الأولوية فيها للأولاد، يتم منحنا الفائض من كتبهم، حتى الموجّهين يصلون لمدرستهم، والزيارات التفقدية من قبل مسؤولي التربية حكرًا عليهم، وفوق هذا ليس بإمكان الفتيات إكمال تعليمهن أسوة برفاقهن الذكور، إذ لا مجال لذلك بسبب تقاليد المجتمع، لذلك فإنّ التعليم متاح لهن إلى الصف السادس فقط.

"وحتى ننهي هذا التهميش، طلبنا دمج المدرستين كليًّا، على الرغم من المعارضة الشرسة من قبل الإدارة وبعض الأهالي، لكن موافقة أهالينا -كمعلمات- كان عاملًا حاسمًا في الدفع بقبول هذه الفكرة، حيث أصبحت المدرستان مدرسة واحدة حتى 2022"؛ تضيف بدرية لـ"خيوط".

الجدير بالذكر أنّ عدد طلاب وطالبات المدرسة بلغ 223 طالبًا وطالبة، مثّل الذكور 116 طالبًا من إجمالي العدد، فيما بلغ عدد الإناث 107 طالبات، بمعدل شعبة لكل صف من الأول الابتدائي وحتى الثاني الثانوي.

عجز في المقررات

إلى ذلك، شكّل تغيير محتوى المنهج المدرسي أزمةً إضافية، حيث تتوفر طبعتان؛ القديمة والجديدة التي تم الإضافة والتغيير عليها، وهو ما خلق حالة من الإرباك والفوضى.

يقول نوح، معلم مادة التربية الاجتماعية، لـ"خيوط": "لدى الطلاب نسخ مختلفة؛ بعضهم لديهم نسخة 2006، والبعض نسخة 2015، وبين النسخ اختلافات كبيرة تؤدّي إلى تناقض المعلومات لدى الطلاب". هذا وتبلغ حصة مدرسة (نور القرآن) من الكتب المدرسية 6%؛ أي 50 كتابًا، لـ(223) طالبًا.

ومن جهته، يقول محمد مصلح، معلم اللغة الإنجليزية بالمدرسة: "ما يتوفر من كتب، مادة الإنجليزي مثلًا، هو الكورس ولم يعد قابلًا للتعلم، أما نسخ الـ(work) فشبه تالفة".  

معاناة الوصول إلى المدرسة

يعاني المعلمون من مشقة الوصول إلى المدرسة، إذ يأتي بعضهم من العاصمة صنعاء ومن القرى البعيدة، في ظلّ انقطاع الرواتب، ممّا يزيد الأعباء على المعلمين. يقول محمد مصلح: "أستقل يوميًّا مواصلات داخلية في صنعاء، وكوني أسكن في شارع بينون، يتحتم عليّ التنقل على وسيلتين (باصين) حتى أصل إلى شارع "الحثيلي" تمام الساعة الـ7:30، بعدها أستقل باص المدرسة المخصص من قبل المساهمة المجتمعية".

بعض الطلاب أيضًا يواجهون مشقة الوصول إلى المدرسة؛ يقول أحد طلاب الصف الأول الثانوي لـ"خيوط": "نخرج من قرية الدرم على أذان الفجر، ونستمر في المشي قرابة ثلاثة كيلومترات حتى نصل للمدرسة؛ لأنّ المدرسة التي في قريتنا هي من الصف الأول إلى التاسع الأساسي فقط، وليس بها مرحلة ثانوية".

مساهمة يبتلعها الوقود

تنوّه المعلمة، بدرية إلى أنّ المساهمة المجتمعية عن كل طالب في المدرسة، تُقدّر بألفي ريال لـ(230) طالبًا، منهم (20) تم استثناؤهم بسبب أوضاعهم المادية الصعبة، إضافة إلى تخفيض المبلغ عن الأُسَر التي لديها أكثر من ثلاثة طلاب، ما يعني أن ما يتم تحصيله من المساهمة الاجتماعية، ضئيلٌ للغاية؛ حيث يتم إنفاق 130 ألف ريال شهريًّا منها إيجارًا للباص الذي ينقل المعلمين، وهذا المبلغ فقط في حال توفر الوقود، أما إذا انعدم فالمبلغ يتضاعف. ويصرف من المبلغ المحصل على احتياجات المدرسة من قرطاسية وأقلام سبورة وورق تصوير وحبر والصيانة وغيرها من مصاريف تشغيل.

توقف الأخوَان ذهبان وعبدالله الأشول، عن الذهاب إلى المدرسة بسبب عدم قدرة أسرتهما على دفع 4000 ريال. يقول ذهبان لـ"خيوط": "كنت أدرس في مدرسة في قرية (شعسان) في الصف الرابع، وأخي عبدالله في الصف الثاني بمدرسة نور القرآن بقريتنا، كان أبي يشتغل على دراجة نارية، ويشتري كتبنا واحدًا تلو الآخر، بعدها اختفى أبي، ولم يستطع جدي الذي يعتمد على تربية الغنم أن يتكفل باستمرار تعليمنا بسبب مرض وموت عدد كبير منها". 

"اضطررنا إلى إيقاف الدراسة هذه السنة لمساعدة جدي في رعي الأغنام، فهو لا يستطيع اللحاق بها عند هروبها بسبب آلام في ركبته"؛ ينهي ذهبان حديثه.

"بعض المتطوعين من خريجي الثانوية العامة، أو من حاملي درجة البكالوريوس، غيرُ مؤهلين للتدريس، لكننا نضطر إلى قبولهم لتغطية العجز القائم. نتائج عدم تأهيل المعلمين يظهر جليًّا على مستويات الطلاب، حيث يصل الطالب منهم للمرحلة الإعدادية دون أن يكون قادرًا على القراءة والكتابة بالشكل الصحيح".

كفاءة المتطوعين المنعدمة

تشير المعلمة بدرية إلى عدم كفاءة بعض المتطوعين من خريجي الثانوية العامة، ومن حاملي درجة البكالوريوس غير المؤهلين للتدريس، مردفة: "لكنّنا نضطر لقبولهم لتغطية العجز القائم". وتتابع بدرية: "نتائج عدم تأهيل المعلمين يظهر جليًّا على مستويات الطلاب، حيث يصل الطالب منهم للمرحلة الإعدادية دون أن يكون قادرًا على القراءة والكتابة بالشكل الصحيح".

ويوجز العيني –أحد العاملين بالمدرسة- بعض التحديات، بقوله: "ومن التحديات التي تواجهنا في مدارس الأرياف عمومًا، وفي مدرسة نور القرآن على وجه التحديد، غياب الوسائل التعليمية اللازمة لتوصيل المعلومة، خاصة أنّ هناك موادًّا تعتمد بدرجة رئيسية على الأنشطة والتدريبات التطبيقية، إضافة إلى غياب الأنشطة والألعاب الرياضية".

معاناة ممتدة

بالمثل تعاني مدرسة قرية (الدرم) من ذات المشاكل التي تعاني منها مدرسة نور القرآن، هذا ما يؤكّده عبدالغني طاهر، وليُّ أمر طالبة ومعلّم متطوع في مدرسة القرية، حيث قال لـ"خيوط": "تفتقر المدرسة لمعلمي المواد العلمية، إذ عند اعتماد متطوع لمادة العلوم قام مكتب التربية بإدخاله دورة لمدة 40 يومًا في الفصل الأول، و40 يومًا في الفصل الدراسي الثاني؛ الأمر الذي تسبّب بوجود فراغ في حصص المادة، تأثّر من جرائها الجدول المدرسي ومستوى الطلاب على حدٍّ سواء، والأمر كذلك كان مع مادة الرياضيات ومعلمها المتطوع". 

يعمل المعلمون في مدرسة الدرم بشكل تطوعي رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها؛ أحد المعلمين سقطت زوجته العام الماضي، فانكسرت رجلها، فجمع له الأهالي في مسجد القرية مبلغًا لمساعدته، لكنّه خرج من هذا الموقف حزينًا ومنكسرًا. 

معضلة النزوح

أم إبراهيم، نازحة، تحكي لـ"خيوط"، سبب لجوئها مع أسرتها للسكن في المدرسة، بالقول: "لجأنا إلى هذه المدرسة بسبب الحرب. في البداية سكنّا في بيت مهجور دلنا عليه الأهالي، لكن صاحبته التي تسكن في منطقة الحداء، خيّرتنا بين مغادرته أو دفع إيجار، وهو ما لم يكن باستطاعتنا فعله، لذلك لجأنا إلى المدرسة، وهذه هي السنة الثالثة ونحن نعيش فيها".

من جهته، يروي ضيف الله الأشول، معاناته مع النزوح لـ"خيوط"، بقوله: "نعيش في المدرسة منذ أربع سنوات، بعد عودتنا من نزوحنا الأول من قريتنا بيت الأحمر إلى قرية الجحشي. كنت فيما مضى عسكريًّا، والآن أعمل في مصنع وأكسب 40 ألف ريال، لا تكفي للمعيشة حتى أدفع إيجارًا لبيت، علاوة على تعليم ابنتَيّ الذي يفترض أنّهن في الصف الأول والثاني الابتدائي، وليس لدي قدرة لتوفير متطلبات تعليمهن، لذلك ظل الوضع كما هو".

عبء النزوح شكّل تحدّيًا إضافيًّا أمام سير العملية التعليمية؛ حيث امتلأ فرع البنات السابق بالنازحين، إلى جانب وجود نازحين جدد في مدرسة الطلاب، التجَؤوا إليها بسبب تدمر منزلهم.

•••
عُلا محمود

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English